خبراونلاین – یرى حجة الاسلام والمسلمین الدکتور احمد واعظی ان اعتبار وجود ضعف من قبل رجال الدین فی التعامل مع المتفکرین والقضایا الفکریة المستجدة على مدى الـ 30 عاما الماضیة امر بعید عن الانصاف والعدل، ویرى ان اعمالا مثل اعمال الشهید "مطهری" لا زالت متواجدة ومستمرة بالرغم من مرور الزمن.

هو باحث ومحقق نشط بدأ دراسته فی الحوزة العلمیة عام 1978 فی مدینة قم ، والیوم هو من اهم الاشخاص المنظرین على ساحة الحوزة والجامعة، وعلى اطلاع واف بتطورات الحوزة العلمیة خلال السنوات الثلاثین الماضیة وله نظرة انتقادیة جیدة ودقیقة لسیر تطور الحوزة ورجال الدین من الماضی وحتى الحاضر.

حجة الاسلام والمسلمین الدکتور احمد واعظی تبوأ منصب استاذ قسم دراسات الشرق فی جامعة کمبریج البریطانیة عام 1985 وقام حینها بتدریس "الهرمنوتیک" او ما یعرف بعلم التأویل والفکر السیاسی ، وله عدة مؤلفات منها "مقدمة على التأویل"، "المجتمع الدینی-المجتمع المدنی" و "نظریات العدالة". کما تولى منصب مساعد قسم البحوث فی مرکز ادارة الحوزة العلمیة فی قم وکذلک رئاسة جامعة باقر العلوم (ع) فی قم.

وخلال استضافتنا له فی خبراونلاین تحدث لنا عن سیر عمل المکتب الاعلامی للحوزة وخططه المستقبلیة وتطورات الحوزة وتحولاتها والیکم تفاصیل هذا الحوار:

هل تقبلون هذا الانتقاد بان العقد المنصرم کان عقد تراجع وافول مکتب الاعلام الاسلامی للحوزة العلمیة فی قم؟
لست مع هذا الرأی على الاطلاق. لقد شهد المکتب خلال هذه الفترة نموا ملحوظا، فقد تم تأسیس مرکز بحوث الثقافة والعلوم الانسانیة وجامعة باقر العلوم (ع) اثناء تلک الفترة الى جانب العدید من النشاطات الثقافیة للاقسام الاخرى لهذا المکتب التی شهدت هی الاخرى تطورا مطلوبا. ربما ما یتبادر الى اذهانکم هو عدم انفراد المکتب الاعلامی فی مجال الحداثة و الفکر الحدیث الدینی بالصدارة. فی الحقیقة لقد کان المکتب خلال عقد الثمانینات والتسعینیات له دور مؤثر وفاعل على صعید الحداثة الثقافیة والبحثیة فی الحوزة والدین وحتى انه کان فی بعض الاحیان متصدرا هذا المجال من دون ای منافس، لکن ما حدث هو امر مبارک تمثل فی نمو وتطور باقی مؤسسات واجهزة الحوزة وذلک خلال فترة العقد المنصرم ، لکن لا ننسى ان القائد اعلن ان المکتب الاعلامی هو رمز للثقافة الفکریة الحوزویة.

وما هو تفسیرکم لتعبیر القائد فی هذا الشأن؟
اعتقد ان ما کان یعنیه القائد هو ان میزات ومکونات الحوزة العلمیة المطلوبة ، تتمثل فی التبیین والتنویر والفهم العمیق لمتطلبات الیوم وتقدیم ردود متناسبة مع الاحتیاجات المستجدة، ان التحدیث، التبیین، حریة التفکیر والجرأة على الانتقاد ضمن الحفاظ على اصالة الحوزة والتمسک بالاصول والاسس والقیم الاسلامیة هی مقدمات للثقافة الفکریة الحوزویة ومن وجهة نظر القائد فان مکتب الاعلام الاسلامی هو مؤسسة کانت فی طلیعة من عکف على نشر هذه الامور لذلک تعتبر رمزا للثقافة الفکریة الحوزویة.


هل تعتبرون ان الحوزة تتأثر بتحرکات المکتب الاعلامی؟
ما من شک ان احد الاقسام الهامة والمؤثرة على عامة الحوزات العلمیة، هو مؤسسة مکتب الاعلام الاسلامی، بالرغم من ان هذا التاثیر شهد صعودا ونزولا خلال العقود الثلاثة على  تأسیسه.

ان ساحة التفاعل مع الناس والدعایة والترویج للدین هی ساحة معقدة، عندما یرتبط رجال الدین بالسیاسة سیؤدی ذلک وبشکل طبیعی الى ظهور قصور وضعف واستیاء لا یمت بصلة مباشرة برجال الدین کما ان رجال الدین لیس لهم ید او مسؤول عن ذلک.
نعم یمکن القول هنا انه ومقارنة بفترة ما قبل الثورة تم بشکل ضمنی غلبة نهضة رجال الدین ولکن بشکل یسیر، ای انه وقبل الثورة وبسبب تواجد رجال الدین ضمن المعارضة وعدم کونهم  حینها ممن یتولون ایة مناصب سیاسیة او اقتصادیة، فمن الطبیعی کانوا لا یعتبرون من قبل الشعب مسبب القصور والضعف ، ولکن هذا الامر ملموس الیوم ای اننا الان تقلدنا رأس الامور وارتبطت السیاسة برجال الدین وهی الیوم وریثة ذلک القصور والضعف اضف الى ذلک حدوث امورا اخرى عقب تولیهم السلطة لذلک من الطبیعی ان نشهد ازدیاد الاعتراضات. کما ان بعض القصور منشأه الاداء الضعیف لبعض المدراء ورجال الدین ، الى جانب وجود البعض المعارض ومن الاساس للحکومة الدینیة. لذلک یعتبر موضوع ضلوع رجال الدین فی السیاسة والادارة امرا له عواقب وتداعیات تتطلب دراسة معمقة وینبغی ایضا دفع ثمن ذلک من قبل رجال الدین ولیس مضاعفة الثمن من قبلهم، حیث ان امورا مثل الابتعاد عن الناس وعدم وجود شعبیة هی من ضمن مؤشرات الثمن المضاعف.

باعتبارک احد رجال الدین المتفکرین ومن خلال مناقشاتک للمثقفین، کیف ترى نجاح رجال الدین؟
من ناحیة کمیة التفاعل مع المثقفین، کان للحوزة تطورا ملحوظا مقارنة بالماضی، حیث وفی الماضی لم یکن هناک الا اشخاصا یعدون على عدد الاصابع ممن کان لهم تفاعل مع الاجواء المنفتحة امثال "مطهری" و "بهشتی" ، اما الیوم ومن ناحیة الاتصال بین الحوزة وهذه الاجواء فهناک تقدم جید وهناک عدد اکثر من رجال الدین الذین یمکنهم التواجد فی مثل هذه الاجواء واجراء النقاش، لکن ومن جهة الکیفیة والجودة یقوم البعض بطرح افکار توحی بان ما تم القیام به الان اکبر واهم من الاعمال التی قام بها الشهید مطهری.
واعتقد ان هذا الرأی لیس عادلا ولیس صادرا من منطلق الخبرة، فی الحقیقة ارى ان مستوى القضایا التی یتم طرحها الیوم سواء على الصعید الکمی او الکیفی لا یمکن مقارنتها بفترة ما قبل الثورة ، وعلى سبیل المثال اذا ما اراد شخص طرح مواضیع فی مجال الفلسفة الاخلاقیة والفلسفة السیاسیة والتاویل فی الحوزة فان المواضیع التی تطرح فی هذا السیاق ونظرا لعمق المفردات التی تم انتاجها ومستوى المعرفة الذی ارتفع ومستوى النقاش بین مجتمع النخب لا یمکن مقارنته بما کان قبل الثورة. لذلک مهما قلنا فان اشخاصا امثال مطهری والعلامة طباطبائی یظلون فریدین من نوعهم وان مکانتهم لا تزال فی الحفظ والصون.

لقد رکزتم فی بحوثکم على مجال الفلسفة السیاسیة ، وقمتم بتألیف کتابی الحکومة الاسلامیة ونظریة العدالة، سؤالی هو نظرا لان حکومتنا حکومة اسلامیة هل یمکن تبریر ای وسیلة لبلوغ هذا الهدف وهل یمثل ذلک ثوابا؟
ان ما نستند علیه فی هذه القضایا هو سیرة الرسول الاکرم وامیر المؤمین التی هی واضحة للعیان، برأیی الشخصی نحن لدینا نظام اسلامی، ایمانی واخلاقی ای ینبغی ان نکون کذلک. وینبغی ایضا ان یعرف عنا التاریخ مستقبلیا ویحکم علینا على اننا کنا نظاما اخلاقیا اسلامیا. اذا کان الامر مجرد الحفاظ وبسط السلطة بای شکل من الاشکال وبای ثمن وعلد مختلف مستویات المجتمع السیاسی وان یکون هذا الامر سنة نستن بها فهذا سیکون مدعاة لصراع امیر المؤمنین ومعاویة.
ترى این یکمن وجه الاختلاف؟ انه یکمن فی انه لو وضع الملک والملکوت فی یدی امیر المؤمنین حتى یظلم مخلوقا صغیرا فی هذا العالم لما فعل، کما انه لطالما سلک نهج مراعاة الجانب الاخلاقی والمعاییر الاسلامیة، لقد عارض علیه السلام الاساس السائد حینذاک الذی کان یعد فیه الخداع والحیلة دهاء وبراعة وقال علیه السلام: اذا لم تکن التقوى ضرورة لکنت ادهى الناس، حتى عندما اضحى رأس عثمان سلما لتولی السلطة وازدادت ضغوط الناس علیه رفض تلک السلطة.
لذلک ما یجب ان یبقى عنا متجلیا على صفحات التاریخ هو الاوجه الاخلاقیة-الایمانیة التی نتمتع بها. لذا اعتقد انه یتعین على رجال الدین فی الدرجة الاولى والنخب السیاسیة فی الدرجة الثانیة الالتفات الى هذا الجانب من الثورة، وان احد اوجه القلق فیما یخص الانتخابات مثل انتخابات البرلمان ورئاسة الجمهوریة هی هذه المسألة التی یجب مراعاتها والتوصل الى حلول وسبل لتفادی وقوع ما حدث فی الغرب والذی تمثل فی تولى مراکز السلطة والثروة مرکز القرار هنا فی بلادنا وان الامر الذی یقلق القائد هو تدخل السلطة التنفیذیة فی عمل البرلمان. لا یمکننا الزعم اننا نمتلک نظاما اسلامیا او ان السیادة الشعبیة السائدة هی سیادة دینیة وتختلف عن الدیمقراطیة الغربیة فیما ومن الناحیة العملیة نجد اشخاصا یرمون من خلال خداع العامة وسوء الاخلاق السیاسیة، وتجاهل القیم الاسلامیة وتوجیه کیل الاهانات والتهم التی لا اساس لها من الصحة للوصول الى السلطة والمناصب السیاسیة التنفیذیة والتشریعیة.

لقد تم طرح موضوع الاسلام والعلوم الانسانیة من جانب قائد الثورة وتم التطرق الى احادیث کثیرة حول هذا الامر. هل ان التغییر فی مجال العلوم الانسانیة یمکن تصوره بهذه البساطة ام انه یتطلب ثورة وسنوات من البحث والتحدی والدراسة؟
هذا البحث له جوانب متعددة، ان موضوع العلم هو تنظیر وانتاج لمحتوى ولا یکون عبر اتخاذ قرارات اواصدار مرسوم وغیرها. نحن یمکننا عبر اصدار مرسوم الحیلولة دون النمو السرطانی للعلوم الانسانیة فی البلاد ، نحن نفتقد الیوم لبرنامج شامل وخطة تعلیمیة متکاملة، نحن نفتقد للطلبة الجامعیین الذین یتناسب عددهم مع متطلبات البلاد ای اننا لا نقبل الطلبة بالجامعات وفقا لاراء الخبراء والمختصین بحیث یتم تحدید العدد المطلوب لکل فرع واستنادا الى تلک الحاجة نقبل الطلبة ونقوم باستحداث الفروع، الامر لیس کذلک ولهذا نواجه عددا کبیرا من الطلبة فی مجال العلوم الانسانیة، على کل یمکن عبر اصدار تعلیمات ومرسوم تصحیح هذا الامر وایجاد وقفة وان نناقش امر الجامعات التی تقدم خریجین ضعفاء او لها اطروحات ضعیفة وان لا نسمح باعطاء رخصة لاستحداث درجة الدکتوراه فی ای جامعة کانت. اما الاجراء العملی فلا یمکن تحقیقه باصدار التعلیمات والمراسیم انه یتطلب عملا جادا، ان اعداد النصوص الدراسیة المناسبة والحدیثة یعتبر اسهل الخطوات، ام العمل الاصعب هو طرح النظریات فی مختلف مجالات العلوم الانسانیة ومقدمته النقد.
ای ینبغی اولا نقد العلوم الانسانیة القائمة والاشارة الى مواضع الخلاف التی لنا ازاءها؟ وتعریف مجتمعنا العلمی فی الجامعات والحوزات باوجه الضعف للعلوم الانسانیة القائمة الامر الذی لم یحدث لحد الان، حیث ان هناک العدید من الاساتذة الذین لا تشکل لهم العلوم الانسانیة الراهنة ایة مسألة ولا یعلمون شیئا عن التوطین وهذه القضیة لا یمکن تسویتها بالتعلیمات والمراسیم بل هی بحاجة الى نقاش ، ان مجتمعنا العلمی وبدلا من انتهاج الانفعال ازاء العلوم الانسانیة الغربیة بحاجة الى تفسیر جاد حتى یتم تعیین اوجه المشکلة؟.

ینبغی من خلال الخطوة الاولى وعبر المنطق والاستدلال حمل مجتمعنا الاکادیمی على قبول المشاکل التی تتضمنها العلوم الانسانیة القائمة، ینبغی العمل على تفعیل هذا الامر والمضی بالمجتمع الاکادیمی للتحرک نحو هذه القضیة.
اما الخطوة التالیة هی المضی قدما وبصورة تیار بالعلوم الانسانیة فی البلاد نحو التوطین، ترى لماذا تم ایجاد العلوم الانسانیة الغربیة؟ لقد تم ایجادها لحل قضایا مجتمعاتهم  وسیاستهم وثقافتهم وغیرها من الامور وقاموا حولها بالتنظیر لحل مشاکلهم المتعلقة بها.
ونحن حدیثنا هو هذا : ینبغی الالتفات الى المعتقدات، القیم والمتعلقات الثقافیة السائدة فی مجتمعاتنا ونفسیاتنا والوقائع الراهنة فیها والتوصل الى سبل حل لها، اذا حدث هذا الامر فسیکون لنا نحن ایضا علوم انسانیة وطنیة ومحلیة وهو امر بحاجة الى وقت، اولا یتعین على الاوساط الاکادیمیة الاهتمام بهذه المسألة ومن ثم تعلیم جیلنا الجدید عبر الکتب والمناهج ان یکون مبدعا ولیس مقلدا وان یمضی نحو حل القضایا الخاصة بمجتمعه وان یقوم بتصدیر النظریات، بهذه السبل یمکن لهذه العجلة الدوران والحرکة قدما ونستطیع عندها ان یحدو بنا الامل نحو تأسیس علوم انسانیة اسلامیة.

30349

رمز الخبر 181528