خبراونلاین – ان حکومة الاسد وحتى معارضیها هم لیسوا الاطراف الرئیسیة فی اتخاذ القرار حول مستقبل سوریا، بل انهم وفی الافضل الاحوال یمکنهم ان یمثلوا جزءا من عملیة المرحلة الانتقالیة و من الممکن ایضا ان یکونوا الترتیب المتفق علیه على المستوى الدولی لسوریا ما بعد بشار الاسد.


 *قاسم محب علی

مضى عام ونیف على الاضطرابات فی سوریا وبالرغم من کافة الاجتماعات والمؤتمرات التی عقدت بغرض حل الازمة، لکن ولحد الان لم یتم تقدیم سبل حل مؤثرة لتسویتها. الحقیقة هی ان تطورات سوریا جزء من مجموعة التطورات التی شهدها العالم والمنطقة خلال العقدین الاخیرین. وسوریا لم تکن بمنأى عن تأثیرات عملیة التغییر تلک.
 
یقول کونفوشیوس : "جمیع القوى یلزمها ثلاثة محاور او عناصر للبقاء، "السلاح وآلیات القدرة العسکریة، الاقتصاد وسبل کسب العیش، وآخرها الثقة والشرعیة". عندما عرض کونفوشیوس هذه القضیة لم یکن هناک نظام عالمی. کانت القوى تتکون فی داخلها، مع الاخذ بهذه المحاور الثلاثة وتمضی فی نموها، وتصل الى ذروتها وفی نهایة المطاف الى افولها ولم تخضع حینها للتأثیرات الخارجیة کثیرا، الا اذا ما وقعت حرب تسهم فی اسقاط القوة المعنیة.

لکن ومنذ الحرب العالمیة الاولى وحتى الیوم خرجت هذه المحاور الثلاثة عن محیطها الداخلی والقومی واتخذت اتجاها ذو جوانب عالمیة. ای مع تغییر الخطاب السائد على النظام الدولی، بات للحکومات وظائف منشأها القواعد ، المقررات، المعاییر والقیم السائدة على مستوى العالم.

بدأ ظهور هذا الوضع فی النظام الدولی منذ الحرب العالمیة الاولى ومن ثم منذ نهایة الحرب العالمیة الثانیة وحتى انهیار الاتحاد السوفیاتی، شهد النظام الدولی ظهور نظامین سیاسیین اثنین مختلفین بقیادة القوتین الکبرتین وعقب ذلک قامت الدول بالانضواء تحت لواء احد هذین القطبین وتطبیق انفسها مع قیمهما وقواعدهما. وبطبیعة الحال سعى البعض من خلال شعار عدم التعهد لسلک سبیل ثالث اما من الناحیة العملیة، کان سبیلا وسطا. لکن ومنذ نهایة الحرب الباردة تغیرت الاوضاع ونواجه الیوم وضعا ینبغی فیه على الحکومات تطبیق انفسها استنادا لمحاور کونفشیوس الثلاثة التی اشرنا لها (الاقتصاد، الامن والثقة) وفقا لنظام عام وعالمی. هذه المحاور التی بات ثلاثتها الیوم عالمیا ولم یعد یکفی الاهتمام بها فقط على الصعید الداخلی بل ینبغی المصادقة من قبل صعید العالمی الیوم على فاعلیتها ومکانتها واستخدامها. الاقتصاد والامن والشرعیة کلها ذات معاییر عالمیة یتم مراجعتها على الدوام ومتابعتها من المؤسسات المعنیة ووسائل الاعلام العالمیة. ان انطباق هذه الظروف الحدیثة على اوضاع الشرق الاوسط ومن ضمنها سوریا یذهب بنا الى استراتیجیة ذات نظرة تحلیلیة بالنسبة للمستقبل.

ان النظام القائم فی سوریا، هو من ضمن الانظمة المتبقیة من فترة الحرب الباردة فی الشرق الاوسط. ان ما حدث فی سوریا فی بدایة الامر ، هو  عبارة عن نزول الناس الى الشوارع فی اعقاب التطورات التی شهدتها دول مثل مصر، تونس، لیبیا والیمن ، اناس کانوا ساخطین ازاء اوضاع الحکم فی بلادهم، وکما قلنا آنفا فی کافة البلدان کان للتطورات تاثیرات وطنیة، اقلیمیة ودولیة وان التغییر فی البنى السیاسیة والاجتماعیة جاء وفقا للظروف السائدة فی الدول المشار الیها، وان عملیة التطورات خرجت بسرعة من نطاقها الوطنی لتصل الى المنطقة والعالم اجمع.

فیما یخص سوریا کانت الاوضاع کذلک ، کان یمکن لسوریا مثل باقی الدول العثور الى تسویة للازمة منذ بدایتها، الحکومة والجیش وای مؤسسة اخرى کان ینبغی علیهم الدخول فی مصالحة مع المعارضین، مثلما حصل فی مصر، تونس والیمن.

لکن وفی خضم التطورات، لم تکن الحکومة السوریة على استعداد لتقسیم السلطة ولم تتمکن من تعریف هیکلیة جدیدة للسلطة.
بدلا من ذلک استخدمت القوة، لذا نرى ان الجانبین دخلا فی حرب واشتباکات، فی حین کان بالامکان ونظرا للعملیة السلمیة للتظاهرات اتخاذ صورة لها مثلما الحال فی اعتصامات میدان التحریر. لکن المبارزة اتجهت نحو العنف والتلسح کما حصل المعارضون تدریجیا على الاسلحة المتطورة ودخلوا بذلک فی المعادلات الاقلیمیة والدولیة. اما الامر الذی ینبغی الالتفات الیه ان الحرب القائمة فی سوریا لیست مع منازع واحد فقط، بل انها ونظرا لموقع سوریا واوضاعها الخاصة بات لها جوانب داخلیة، اقلیمیة ودولیة حیث اعقب ذلک ظهور اربع اوجه من الصراع والازمة فی سوریا:

*الصراع الداخلی بین الحکومة وغالبیة الشعب، المواجهة بین الحکومة التی ترتکز على طائفة الاقلیة مع غالبیة الشعب الساخط الذی لا یمتلک شئ.
*الصراع الاقلیمی، بین القوى الاقلیمیة سواء ترکیا، ایران، السعودیة واسرائیل والقوى الناشئة الحدیثة مثل قطر و ...
*الصراع الطائفی والمذهبی ، العلویون (الشیعة) والسنة على الصعید الاقلیمی والاسلامی.
* الصراع بین القوتین العظمتین امیرکا وروسیا (الذی هو امتداد لصراع الحرب الباردة).

فی هذه الاثناء نرى ان سوریا هی الحکومة الوحیدة المتبقیة من حلفاء الاتحاد السوفیاتی السابق فی الشرق الاوسط، فی حین ان کافة الحلفاء مثل لیبیا، العراق ، الجزائر والیمن طرأ علیهم تغییرات سیاسیة فی السابق او ان انظمتهم انهارت کلیا. لذلک فان الحفاظ على المکانة العالمیة والمصالح الاقلیمیة، الوطنیة وحتى وجاهة روسیا، یحظة باهمیة بالغة مع بقاء سوریا باعتبارها قوة حلیفة.

الامر الهام الاخر هو ان الصراع الاخیر یطرح نفسه الان اکثر من ای صراع آخر بسبب شموله وجوانبه وحتى انه یؤثر بشکل کبیر على الصراعات الثلاث الاخرى. فی الحقیقة ان الصراعات الثلاث الاخرى هی مجرد العاب صغیرة یدیرها اللاعبون الکبار. ای فی جانب هناک التکنولوجیا، الاقتدار الاقتصادی، العسکری، الاعلامی والدبلوماسی الغربی وفی الجانب الآخر هناک التکنولوجیا، الاقتدار الاقتصادی، العسکری، الاعلامی والدبلوماسی غیر الغربی او الغیر متطابق بالکامل مع الغرب وعلى راسه روسیا وان الجانبین یعکفان من خلال الافادة من کافة الآلیات والسبل على مواجهة بعضهما البعض. وان مرکز مواجهة هاتین القوتین على الصعید الدبلوماسی هو الامم المتحدة ومجلس الامن. النادی الذی یتبارى فیه کلا الجانبین لتعیین نتیجة السباق بینهما.

ان تطورات الاوضاع فی سوریا التی مضی على اندلاعها 16 شهرا، وبالرغم من انها مستوحاة من تطورات کافة البلدان، لکن کیفیة مواجهة القوى فیها مختلفة تماما فیما یتعلق بهذه التطورات. فی مصر وتونس ونظرا لان کلیهما کان حلیفا للغرب ، لم یکن هناک مواجهة بین القوى الکبرى. بدأت هذه المواجهة بین امیرکا وروسیا فی لیبیا. لکن سیر التطورات فی لیبیا بدا بسرعة وفی نهایة المطاف وباقل التکلفة انتهى لصالح الغرب والشعب اللیبی.
اما فیما یخص سوریا فان الاجواء تماما کما کانت ابان فترة مواجهة نظام القطبین. الجانب المتحفظ ای الروس الذین یرمون للحفاظ على الوضع الراهن وفی المقابل الغرب الذی یرید تغییر الوضع الراهن.

لکن وخلال هذه الفترة وبالرغم من کافة المساعی لم یتمکن مجلس الامن من التوصل الى حل للازمة السوریة، وفشلت اجتماعات مجلس الامن الواحد تلو الاخر اثر مقاومة الصین وروسیا، حتى تمکن الجانب الغربی من تشکیل مجموعة دولیة تعرف باسم "اصدقاء سوریا" بغرض تسویة الازمة. حیث عقدت هذه المجموعة اجتماعات فی تونس، اسطنبول وباریس وتقرر ان تجتمع المرة المقبلة فی باریس ایضا. فی غضون ذلک وبسبب عدم توصل الجانبین الى اتفاق طرأت تطورات على الصعید المیدانی بغرض تعزیز المتحالفین. بلدان المنطقة انتهجت سبیل تسلیح المعارضین وفی المقابل عملت روسیا على تشجیع الحکومة وتجهیز سوریا لتتبوأ مکانة متفوقة ، وقامت بتعزیز قدرتها البریة وحتى الجویة. لکن هذا النهج الروسی لم یمضی قدما لان المعارضین تقدموا على الارض ومهما استخدمت حکومة بشار الاسد لصدهم عسکریا لم یکن ذلک  بالامر المؤثر لتهدئة الاوضاع.

الامر الثانی هو الاجراءات المتخذة على الصعید العالمی فی اطار الاصلاحات سواء من تغییر الدستور، البرلمان والحکومة والتی لم تسفر کلها عن ای تاثیر میدانی ولم تحظى بالشرعیة الداخلیة والدولیة. حیث شعرت روسیا ان لا فرصة للفوز وانها ستفقد حلیفها خلال هذه العملیة. فی اعقاب ذلک اظهر الروس مرونة من قبلهم . کانت نتیجة المرونة الروسیة والرغبة فی الرجوع الى التفاهم الدولی وتسویة الازمة هو اجتماع جنیف. وبغض النظر عن کافة الانجازات او النتائج المرافقة لهذا الاجتماع، لکن واقع الامر هو ان ذات الاجواء مستمرة على صعید المؤتمرات الدولیة.

ان ماراثون المباحثات على کافة الاصعدة الرامی الى انهاء الحرب الدامیة فی سوریا مستمر، وهو یتضمن لاعبین على ثلاثة مستویات داخیلة، اقلیمیة ودولیة کل منهم یسعى الى ادخال لاعبه الى اللعبة. کما ان القوتین بذلتا السعی لادخال لاعبیها المختصین بها الى اللعبة، فی هذه الاجواء سعت روسیا الى ادخال ایران فی اجتماع جنیف لکنها لم تتمکن وبالطبع تم التخلی فی الجانب المقابل عن السعودیة. ان عدم تواجد ومشارکة دول الجوار فی اجتماع جنیف لا یزال تسوده حالة من الغموض ولم یتم تقدیم تبریر منطقی لذلک. خاصة ان حضور ترکیا لا یزال یواجه علامة استفهام کبیرة.

مع هذا یبدو ان صورة المشارکة وترتیب اللاعبین فی هذا الاجتماع یعکس تفوق الغرب فی الازمة السوریة فی مواجهة روسیا التی لم تتمکن من ادخال حلیفها الاقلیمی ای ایران الى الاجتماع. هذه خطوة اظهر فیها الروس تراجعا وتخلوا فی لعبها للطرف المقابل. لان غالبیة المشارکین فی اجتماع جنیف والقوى الاقلیمیة المشارکة جمیعها کانت من حلفاء الغرب.

ثانیا من الناحیة الجیوسیاسیة ، الاقتدار الاستخباراتی والاقتصادی تقع روسیا فی مرتبة ادنى من الغرب. یحظى الغرب باقتدار تقنی اکبر وهذه قضیة ملموسة على صعید کیفیة تجهیز المعارضین بالاجهزة الاستخباراتیة ما یوفر امکانیة السیطرة والتحکم على اجهزة الاتصالات والاقمار الصناعیة وتحرکات الجیش السوری الامر الذی سیسفر عن تفوق استراتیجی امنی للمعارضین.

من الناحیة المالیة والاقتصادیة نرى ان حلفاء روسیا فی مواجهة السعودیة، مع امتلاک الف ملیار دولار کدعم مالی من العملة الصعبة الى جانب بلدان الخلیج الفارسی العربیة یقعون فی مرتبة ادنى ایضا. خاصة ان حلفاء روسیا لا یتمتعون بمشروع حوار قابل للدفاع على الصعید العالمی والرای العام وان حلیف سوریا الاخر وهو ایران یخضع الیوم لضغوط دولیة وعقوبات مشددة دولیة. لذا فان ایران ومن الناحیة الاقتصادیة لا تمتلک القدرة لمواکبة هذه الجبهة ولا تستطیع من الناحیة المالیة واللوجیسیتة دعم الحکومة السوریة بشکل مؤثر.

العامل الرابع برأیی الذی یحظى باهمیة بالغة، هو ان داعمی المعارضین فی سوریا هم طیف من العالم العربی، العالم الاسلامی والغرب. ونظرا لان هذه الجبهة تعتمد على الشعارات والمفاهیم الدیمقراطیة وحقوق الانسان، عالم اهل السنة الذی یقف الى جانبها فهی کلها تمثل نطاقا وسیعا وحدیقة خلفیة استراتیجیة اکبر. هذا الامر هو احد المزایا التی تفتقدها روسیا.

وبغض النظر عن کافة التکالیف والفرص المتاحة للاعبین الذین تم الاشارة الیهم یمکن طرح السؤال ببساطة کبیرة وهو اذا ما تم وضع امیرکا و روسیا جنبا الى جنب ، فای منهما له القدرة الاکثر على ادارة الازمة؟ هل حاجة روسیا الى التکنولوجیا والاستثمار والعلاقة مع الغرب اکثر؟ او حاجات امیرکا الى العلاقة مع روسیا؟ بالطبع وخلال تحدید الجانب الذی سیضطر الى منح الامتیازات للآخر ، فذلک سیکون روسیا. بالاضافة الى ان من یرید الحفاظ على الوضع الراهن هو من یتوجب علیه تقدیم التنازلات ولیس من یرید التغییر. خاصة ان الحکومتین الروسیة والسوریة هی دول یواجه اقتصادها وامنها المخاطر والتهدید، فی حین ان الجانب الغربی لا یمتلک شیئا لیفقده ولا یواجه ضغوط الرای العام وعدم الثقة وفقدان الشرعیة. یمکن القول ان مسیرة ادارة تسویة الازمة السوریة فی ید الغرب ولیس الشرق. بالرغم من عدم الکشف حتى الان عن ترکیبة الحکومة الانتقالیة المنبثقة عن اجتماع جنیف لکن هذا لا یعنی ان الجمیع قد توصلوا الى هذه النتیجة وهی ان الحکومة الراهنة لا تمتلک الشرعیة والاستحقاق اللازم لمواصلة عملها.

وفی الختام وفیما یخص استمرار هذه التطورات ، فان حکومة الاسد وحتى معارضیها هم لیسوا الاطراف الرئیسیة فی اتخاذ القرار حول مستقبل سوریا، بل انهم وفی الافضل الاحوال یمکنهم ان یمثلوا جزءا من عملیة المرحلة الانتقالیة و من الممکن ایضا ان یکونوا الترتیب المتفق علیه على المستوى الدولی لسوریا ما بعد بشار الاسد.
*سفیر ایران السابق فی الیونان ومالیزیا وخبیر شؤون العالم العربی

30449
 

رمز الخبر 182553