٠ Persons
١٥ نوفمبر ٢٠١٢ - ١٢:٣٨

علی جنتی

 

 

خبراونلاین – تعتبر الکویت البلد الوحید فی الخلیج الفارسی الذی یتمتع بنوع من الدیمقراطیة النسبیة والحریات السیاسیة والاعلامیة. هذا البلد یتمتع کذلک بدستور منظم منذ عام 1962 ولدیه برلمان منتخب ووسائل اعلام حرة. فی ذات الوقت لا یمکن تسمیته دولة دیمقراطیة لان تداول السلطة فیه لا یتم بین قادته ولا تزال اسرة الصباح تحکم هذا البلد بالتوریث منذ اکثر من 250 عاما.

منصب رئاسة الوزراء ینحصر بآل الصباح کما ان الوزارات السیادیة مثل وزارة الداخلیة، الخارجیة ، الدفاع ، النفط والاعلام یتم ادارتها على الدوام من قبل اعضاء آل الصباح. وان تعیین الوزراء یتم عادة باقتراح من قبل رئیس الوزراء وبموافقة امیر الکویت ولا یمتلک البرلمان ای دور فی منح الثقة لهم بل بامکانه فقط استجوابهم او استجواب رئیس الوزراء. کما ان الوزراء وعقب اداء الیمین یشارکون بالتصویت فی البرلمان ویلعبون دورا فی غالبیة قرارات البرلمان. خلال العقد الاخیر کان هناک توترات جادة بین الحکومة والبرلمان بحیث انه وخلال السنوات ال 6 الاخیرة اصدر الامیر قرار انحلال البرلمان 5 مرات آخرها کان فی 7 اکتوبر الماضی کما شهدت الحکومة تغییرا 7 مرات خلال هذه الفترة.

قبل عدة اشهر واثر ضغوط نواب مجلس الامة استقال الشیخ محمد الصباح رئیس الوزراء وحل محله الشیخ جابر المبارک وزیر الدفاع فی منصب رئاسة الوزراء. کما شهدت عاصمة الکویت خلال العام الماضی عدة مسیرات وتظاهرات واحتجاجات تم ادارتها من قبل عدد من النواب اصحاب الضجة فی المجلس. وفیما یخص مناقشة جذور اضطرابات الکویت هناک عاملین رئیسیین هما:

الف- العوامل الداخلیة:

1-الخلافات الداخلیة بین الاسرة الحاکمة وعدم اعتقاد بعض کبارها بالدیمقراطیة اسهم فی ان کل جناح منها یقوم بدعم مرشح خاص ونتیجة ذلک تحویل البرلمان الى ساحة لتصفیة الحسابات الداخلیة لاعضاء الاسرة الحاکمة ونجد ان عددا من النواب یسعى الى افشال التجربة البرلمانیة فی الکویت.

2-صراع السلطة بین التیارات المختلفة  السیاسیة التی تسعى  بشدة الى استخدام الدیمقراطیة کاداة لتحصیل السلطة. ان الافادة من الامکانیات المالیة للتجار ورجال الاعمال والشیوخ الاثریاء لشراء الآراء، الناس، والتحایل مع زعماء القبائل لدعم المرشحین الخاصین فی البرلمان ووضع العقبات امام المناصب الحساسة الحکومیة اسهم فی تفضیل نواب البرلمان مصالحهم الشخصیة والقبلیة على المصالح الوطنیة للبلاد ووقوع اضطرابات وفوضى فی الجهاز الاداری ، انتشار الفساد، الرشوة وسوء الادارة لذا وعلى الرغم من وجود بعض الحریات السیاسیة فی هذا البلد، تتبوأ الکویت ضمن الدول التی تتمتع بالدیمقراطیة المرتبة 122.

ب- العوامل الخارجیة:

لا یخفى على احد عدم ارتیاح السعودیة للتجربة البرلمانیة والحریات السیاسیة فی الکویت . فالملک عبد الله اعرب عدة مرات خلال لقاءاته الخاصة مع مسؤولی الکویت عن عدم ارتیاحه للطرق البرلمانیة فی هذا البلد وسعت الحکومة السعودیة على الدوام الى اثارة العدید من النواب ، التیارات السیاسیة الموالیة لها ولزعماء القبائل من خلال ایجاد مشاکل للحکومة الکویتیة. ان ضغوط السعودیة لاقالة الشیخ ناصر محمد الصباح رئیس الوزراء الکویتی الذی له علاقة جیدة مع ایران وعلاقة عقلانیة ومنطقیة مع شیعة هذا البلد کما ان استجواب الوزراء ورئیس الوزراء من قبل النواب السلفیین من اتباع السعودیة هی نماذج بارزة على هذه السیاسة. ان الحکومة السعودیة ومن خلال الافادة من نفوذها بین عدد من القبائل الکویتیة تتدخل فی انتخابات مجلس الامة الکویتی. جدیر بالذکر ان من 1.2 ملیون شخص من المواطنین الکویتیین هناک 200 الف شخص لهم جنسیة مضاعفة واکثرهم یحملون الجنسیة السعودیة لذا نرى انه وخلال اجراء الانتخابات البرلمانیة یدخل عدد کبیر من الحدود السعودیة الى الکویت ویصوتون لصالح مرشح خاص.

ان اضطرابات الاشهر الاخیرة فی الکویت التی اثارها عدد من النواب السلفیین المتطرفین، لا شک ان جزءا منها سببه التدخل الخفی للسعودیة فی هذا البلد. وعلى الرغم من تحذیرات امیر الکویت المکررة للمحتجین، لکنهم استمروا فی الاحتجاجات بدعم خارجی. ان جماعات لا تعتقد بالدیمقراطیة البرلمانیة نراها تسعى من خلال شعار الدیمقراطیة الى تحصیل القدرة والنفوذ فی الاجهزة والمؤسسات الحکومیة. بالاضافة الى الجماعات السلفیة البعض الآخر من التیارات الاسلامیة ومن ضمنها الاخوان المسلمین فی الکویت التی تنشط تحت عنوان حرکة الدستور وایضا بعض الجماعات اللیبرالیة والعلمانیة کان لها دور ایضا فی هذه الاضطرابات. شعارها کان مکافحة الفساد وعدم الکفاءة الحکومیة فی ادارة البلاد. کلام حق له اغراض سیاسیة خاصة. الامر الذی ینبغی التمعن فیه هو ان النواب معارضی الحکومة والتیارات السیاسیة المعارضة کلها تعرب عن وفاءها لنظام التوریث وسیادة آل الصباح لکنها تطالب بلعب دور اکبر فی ادارة البلاد. ومن ضمن مطالباتها الرئیسیة، انتخاب رئیس الوزراء والوزراء من قبل البرلمان ومن اشخاص خارج الاسرة الحاکمة. کما ان بعض التیارات تطالب بشکل واضح بتغییر الدستور بحیث یضمن نظام الدستور الملکی والحد من صلاحیات امیر الکویت فی ادارة البلاد. فیما تطالب التیارات الاسلامیة ایضا اصلاح المادة 2 من الدستور بحیث تعلن ان الشریعة الاسلامیة هی المصدر الوحید للتشریع فی البلاد بالطبع المقصود هنا من الشریعة الاسلامیة ، الاسلام السلفی ذو النظرة المتحجرة والضیقة للسنة السلفیة.

ومن ضمن مطالباتهم الاخرى تغییر اوضاع الدوائر الانتخابیة. فحالیا تقسم الکویت الى 5 دوائر انتخابیة یترشح عن کل منها 10 اشخاص نواب. وان عددا من نواب البرلمان السابقون طالبوا بتغییر الدوائر الانتخابیة بغرض لعب قبائل الکویت دورا اکبر فی السلطة الامر الذی یتعارض مع محکمة الدستور وفی نهایة المطاف وبسبب الفراغ البرلمانی صادق امیر الکویت على مشروع یمنح کل مواطن کویتی حق التصویت لنائب واحد فقط فی کل دائرة لذا تم خفض دور القبائل ومنع المساومات بین اصحاب السلطة الى حد ما. الامر الجدیر بالتمعن فی کل هذه الاحداث ، ان عامة الشیعة فی الکویت لا سیما النواب الشیعة فی البرلمان یعارضون ای نوع من انواع الاضطرابات فی البلاد ویعتبرون ان تغییر الدستور وهیکلیة النظام یتعارض مع المصالح الوطنیة للبلاد ودعوا الى حفظ الوضع القائم حیث یمنح الشیعة امتیازات اکثر.

آفاق المستقبل السیاسی فی الکویت:

لا شک ان الکویت لا یمکنها ان تبقى بعیدا عن امواج تطورات الشرق الاوسط وعلى الرغم من تمتع غالبیة مواطنی الکویت بالرفاهیة النسبیة والثروة التی منشأها الایرادات النفطیة، لکن الجیل الجدید یطالب بلعب دور اکبر فی ادارة البلاد وهو یحظى بدعم عدد من اعضاء الاسرة الحاکمة. وهو ما یمثل مصدر القلق السائد بین غالبیة حکام الدول العربیة فی منطقة الخلیج الفارسی حیث شهدنا اضطرابات خلال العام الاخیر فی کل من السعودیة والبحرین. وعلى اعتاب الانتخابات البرلمانیة فی الکویت نرى امتناع اکثر من 300 شخص من نواب الدورات السابقة فی البرلمان من تسجیل اسماءهم کما انهم یعتزمون مقاطعة الانتخابات. لذلک یبدو انه فی حال استمرار الاحتجاجات والمسیرات وتشدید التدابیر الامنیة، ستضطر اسرة آل الصباح الى منح المحتجین امتیازات للحیلولة دون وقوع ازمة سیاسیة فی هذا البلد لان هذا البلد النفطی الصغیر فی الخلیج الفارسی لا یمکنه تحمل ازمة سیاسسة داخلیة طویلة الامد.

*سفیر ایران السابق فی الکویت

رمز الخبر 183679