٠ Persons
٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ - ١٠:٢٥

أمجد ناصر

 
 
خبرأونلاین-ینسب الى العاهل الأردنی الملک عبد الله الثانی قوله، فی لقاء ضمَّه بنشطاء یساریین أردنیین، إنَّه یساری فی الصحة والتعلیم والبیئة ویمینی فی ما یتعلق بالجیش والأمن! قد یکون الملک، المنخرط هذه الأیام فی لقاءات شعبیة أردنیة غیر مسبوقة، قال ما أنسبه إلیه (على ذمة ما کتبه بعض حاضری اللقاء) بصیغة مختلفة بعض الشیء غیر أن مضمونه المتناقض یظل واحداً، فکیف یمکن أن یکون رأس الدولة یساریاً فی خیار ویمینیاً فی خیار آخر، خصوصا عندما یتعلق الأمر بالهویة الاجتماعیة والاقتصادیة للنظام؟ کیف تتبدى هذه 'الیساریة' فی نظام قائم على اطلاق 'قوى السوق' الجشعة فی الحیاة الاقتصادیة للبلاد، وما هو نوع هذه 'الیساریة' الملتحقة، ذیلیاً، فی رکاب المشاریع الامبریالیة سیاسةً واقتصاداً وأمناً؟ هذا، کما نرى، لا یستقیم. الیساری یساری على طول الخط والیمینی یمینی على طول الخط. الیسار، کخیار سیاسی واقتصادی واجتماعی وثقافی، لا یلتقی بالیمین. إنهما أشبه بخطی سکة حدید لا یلتقیان إلا.. فی کارثة!
لن نحمَّل الملک کلاما قاله على سبیل مجاملة شخوص اللقاء وجوِّه أکثر مما یحتمل. فمن الواضح أنه سایر 'جوَّ' تلک الجلسة وانساق معه وأعطى الحاضرین ما یرغبون فی سماعه ولکنه لیس من ذلک الجوّ 'الیساری' ولن یکون انطلاقاً من طبیعة المصالح التی یمثلها، کما أنَّ هذا لیس هو المهم فی ما یعیشه الأردن الیوم من حراکات متواصلة واحتقانات خانقة وانتظارات مقلقة. لیس المهم ما یقوله الملک فی الجلسات والحوارات، الکثیرة هذه الأیام، ولکن ما هو ماضٍ فیه ومصرٌّ علیه من خیارات لا تحقق حتى الحد الأدنى مما یتحدث عنه، هو شخصیاً، من اصلاح. فما الذی حدث، على أرض الواقع، منذ أن بدأ الاردنیون التحرک للمطالبة باصلاح نظامهم؟
أربع أو خمس حکومات (نسیت عددها فی الواقع) متعاقبة؟!
قانون انتخابی أعرج؟!
بضعة قوانین (لن أخوض فیها) تبدو شکلاً أنها تفصل بین السلطات وتحدُّ من الحکم القروسطیّ المطلق غیر أنها لیست کذلک فعلا. فلو کانت تلک القوانین والاجراءات إصلاحیة، بالمعنى العمیق للکلمة، لظهر أثرها على الحیاة الاردنیة الکئیبة على غیر صعید. کل الاقتراحات التی تقدَّمت بها هیئات مدنیة ومؤسسات بحث وقوى سیاسیة وشخصیات وطنیة لاصلاح النظام فی الاردن نُحّیَت، على ید حواة النظام وقوى شدِّه العکسی، جانباً أو تمَّ مسخها بحیث انقلبت الى عکسها. ومن المفید القول إن تلک المقترحات لم تصل، قط، حدَّ تجرید الملک من صلاحیاته وتحویله ملکاً على الطریقة البریطانیة.. ومع ذلک ضُربَ بها عرض الحائط.
ولیس أبلغ على انسداد آفاق الاصلاح فی الاردن من الاستقالة غیر المعهودة التی تقدَّم بها رئیس الوزارء الأسبق عون الخصاونة بعدما تأکد، بما لا یدع مجالاً للشک، أن لا أمکانیة للقیام بعبء الولایة العامة (رغم الوعود التی قیل إنها قطعت له على هذا الصعید) فی ظل حکومة الظلِّ القویة التی تحکم البلاد وتسیرها سواء من مکاتب الدیوان الملکی أو من مقرّ المخابرات العامة. کان ینبغی للجمیع أن یعلموا، بعد واقعة الخصاونة، أنَّ 'قوى الشدِّ العکسی' لن تقبل بتقدُّم مسیرة الاصلاح طوعاً. لن تشعر، من تلقاء نفسها، بفداحة الأزمة التی تمرُّ بها البلاد والآفاق الغائمة التی تمضی الیها. فالأمر لا یتعلق بالمشاعر (المنعدمة عندها أصلاً) ولکن بالتمسّک الوقح بـ 'مصالح' اقتطعت من قوت الشعب وموارده الضئیلة. ینبغی أن تشعر هذه القوى أن لا خیار لها إلا التسلیم بالاصلاح.. أو تقع الکارثة. وهذا لن یحدث ما لم یتصاعد الحراک الجماهیری ویتسع بحیث یشمل قطاعات اجتماعیة لم یشملها حتى الآن.. وقد بدأ هذا التطوّر یطل برأسه بفضل قرار رفع أسعار الوقود.. وهو، على الأرجح، سیتواصل فی المستقبل القریب مع تصاعد الأزمة المعیشیة.
' ' '
التسویف وتمریر الوقت هما المتراس الذی یقف خلفه النظام فی مواجهة موجات الغضب الشعبیة التی راحت توجِّه سهامها، شیئاً فشیئاً، إلى القصر الملکی ولیس إلى الحکومات التی لا تحلُّ ولا تربط. لا سیاسة للنظام، المحاصر بانتفاضات الأقلیم وثوراته الدمویة، إلا هذه السیاسة التی قد تصلح تکتیکیاً عابرا غیر أنها لا تصلح أن تکون استراتیجیة لدولة فی عالمٍ ثبت، قطعاً، أنه متغیرٌ، وأنه الى مزید من التغیر. فانتظار ما ستسفر عنه العاصفة السوریة وما ستستقر علیه الأوضاع المضطربة فی مصر لیس من السیاسة فی شیء. إنه تجمید للاستحقاق. هروب مما یجب عمله الیوم، وهو ممکنٌ ومتیسرٌ، ولیس غداً عندما یکون صعباً أو مستحیلاً. فلن یسفر ما یجری فی کل من مصر وسوریة عن أوضاع سیاسیة قد تکون فی مصلحة النظام حتى لو أخفق الاسلامیون فی بسط سیطرتهم على البلدین. التغیرات فی هذین البلدین الحاسمین فی مصائر المنطقة لا رادَّ لها الى الوراء، وربما شکلت، على أی صورة ستکون، أکثر من مجرد حافز أو ملهم للأردنیین.
لا فی حالة غلبة 'الاخوان' على الاوضاع فی مصر وسوریة (بعد سقوط النظام) ولا میل الأمور هناک لصالح القوى المدنیة سیکونان فی صالح بقاء الأوضاع فی الأردن على حالها. فالتغیرات هذه، أیاً کان شکلها أو الصیغة التی ستنتهی إلیها، ستنعکس على الأردن. سیجد النظام نفسه أمام ما هرب منه.. ولکن ساعتها قد یکون فات أوان التغییر الطوعی.
' ' '
أعود الى کلام الملک عن یساریته وما راج حول ذلک من أحادیث مطنبة عن میل محتمل لتحالف بین النظام و'الیسار' فی مواجهة 'الأخوان' لأقول إن ذلک لن یحدث (حتى بهذا المعنى الانتهازی) إلا فی حدود الصیغ المعهودة من قبل. فلیس جدیداً على النظام الأردنی 'الاستعانة' بخبرات 'الیساریین' الذین سرعان ما یصبحون، کما یقول المثل، ملکیین أکثر من الملک. وکلنا نعرف البؤس العرفی الذی انحط الیه 'یساریون' أردنیون استمالهم النظام الیه. بهذه الحدود لا مشکلة لدى النظام الاردنی حیال 'الیسار' و'الیساریین'. هذه هی حدود 'التحالف' الذی طالب به بعض 'الیساریین' الأردنیین ملک البلاد فی اللقاءات المشار الیها أعلاه، کأن لسان حالهم یقول: لقد تحالفتم طویلا مع 'الاخوان' فی مواجهتنا (أیام العز الیساری) وها هم ینقلبون علیکم فلماذا لا تجربوننا؟
ینسى هؤلاء الذین یراهنون على خیار کهذا أن لا بضاعة لدیهم یقدمونها للنظام سوى شطارتهم فی الکلام، أما 'الأخوان' فلهم نصیب معلوم، بقوة، من قبل النظام فی الشارع.. لکن أهم ما ینسونه هو انعدام قدرتهم (بهذه الخفّة السیاسیة والجماهیریة المذهلة) على إحداث أدنى تغییر فی جوهر النظام، وقصارى ما سیحصلون علیه هو حقیبة أو اثنتان فارغتان فی حکومة فارغة.
أمام 'یسار' کهذا و'أخوان' مراوغین ینتظرون، هم أیضاً، مآلات الأوضاع فی مصر وسوریة یواصل النظام هروبه من الاصلاح إلى الأمام.. ولکن السؤال: إلى متى؟
 

رمز الخبر 184013