٠ Persons
٢ فبراير ٢٠١٣ - ١٥:٤٠

د. مضاوی الرشید

خبرأونلاین-تظل الشریحة الشبابیة فی السعودیة، وهی اکبر الشرائح العمریة، موضع اهتمام وبحث وتفصیل، خاصة بعد انطلاق الحراک الشبابی فی اکثر من بلد عربی خلال العامین المنصرفین.
وتطرح جملة من الابحاث السؤال المهم، وهو هل تستطیع هذه الشریحة الشبابیة ان تحرک المیاه الراکدة وتنطلق بمسیرة التغییر السیاسی؟ ام انها ستظل ساکنة غیر قادرة على العمل الجماعی فی محیطها وبیئتها الاجتماعیة والسیاسیة المنقسمة والمتشرذمة والمتقوقعة على ذاتها؟
وتأتی الاجابة منقسمة هی الاخرى تتأرجح بین تیارین، التیار الاول ینفی عن الشریحة الشبابیة السعودیة القدرة على التغییر والفعل، مرددا نظریات تتمحور حول صفات استهلکتها الآلة الاعلامیة السعودیة ککسل الشباب وخموله وعدم تجاوبه مع فرص العمل المتاحة والنأی بنفسه عن الاعمال والمهن الوضیعة، فیصور البعض الشباب السعودی وکأنه حالة خمول وکسل او دلال مفرط او اسوأ من ذلک، حین یتم استعراض حالات الادمان على المخدرات والکحول واحصائیات الامراض النفسیة، وتهدف کل هذه السردیات عن شباب السعودیة الى تکریس مفهوم الشباب کمعضلة او مشکلة مستعصیة تشکل خطرا على المجتمع، حیث مفهوم الشاب العنیف المخل بالآداب العامة والاخلاق، الذی یجب تقنین وجوده فی الساحات العامة والشارع والمرکز التجاری حتى لا یفتک بالسلم العام والاخلاق وحصانة المجتمع.
تأتی هذه النظرة السوداویة لتنزع عن الشباب القدرة على الفعل ما عدا العمل الذی یهدد أمن المجتمع وتنتهی السردیة الرسمیة عن الشباب الى ما هو اسوأ، عندما تربط بین الشباب والارهاب او التطرف الدینی، وقد حظیت مثل هذه السردیات باهتمام الباحثین فی الخارج، حیث انصب اهتمامهم فی دراسات عن المجتمع والسیاسة فی السعودیة على خطر الشباب من منظور امنی بحت. وکلما زادت سوداویة هذه المنطلقات والاستنتاجات البحثیة، نجد فی مقابلها تیارا آخر یحاول اعادة مفهوم الشباب الى سیاق اجتماعی ینفی عنه صفة الرکود والجمود او التطرف والارهاب، واعتقد ان النظرة السوداویة للشباب فی السعودیة قد ساهمت فی احباط شرائح کثیرة، لکنها لم تستطع ان تنفی القدرة على المبادرة والعمل الجماعی، رغم ما یتعرض له الشباب فی المملکة، نساء ورجالا من تمییز یعتمد على العمر کحد فاصل بین المواطن الصالح المسالم والمطیع، والآخر الذی قد یتمرد او یثور، وان کان شباب العالم العربی قد یبدو منخرطا فی عمل جماعی قد تخلف عنه شباب السعودیة فنعلل ذلک باسباب متعددة تتعلق بالمجتمع والنظام الذی یعیش فی ظله الشباب حالیا.
اولا: یخضع الشباب فی السعودیة لسلطة أبویة مطلقة على مستوى العائلة والدولة، فالثقافة المحلیة بطریرکیة صرفة تفرض على الشاب طاعة ملزمة، خاصة ان الاستقلال الاقتصادی للشاب یتأخر بل ربما یکون معدوما فی ظل ارتفاع معدلات البطالة، خاصة ضمن الشریحة الشبابیة التی تتعدى نسبتها 30% وتزداد اکثر عند الشرائح الشبابیة النسائیة، فیظل الشاب معتمدا على البیت العائلی وتمویل الأب، غیر قادر على الاستقلالیة الاقتصادیة التی تکون رکیزة لاستقلالیة فکریة وقدرة على اتخاذ القرار من دون ان یکون الشاب او قراره رهینة فی ید حلقة اکبر منه واکثر سطوة علیه. وکلما طال اعتماد الشاب والشابة على الموارد الجماعیة للاسرة، انتقصت قدرة الشاب على الاستقلالیة بمفهومها الشامل.
ثانیا: نجاح ای شاب او شابة یظل مرهونا لیس فقط بمهارات اکتسبها او علم تعلمه، بل یعتمد على علاقات تربط الاسرة التی ینتمی الیها بأسر اخرى تستطیع ان تفتح ابواب العمل والوظیفة، فیظل الشاب رهینة للقرار الجماعی حتى بعد اکتسابه مهارات عالیة ممکن ان توفر له وظیفة رفیعة المستوى، ویعلم ان فرص النجاح المستقبلیة تظل مرتبطة بقدرة الاسرة على تفعیل علاقاتها الاجتماعیة لتضمن له موقعا فی ساحات العمل المفتوحة وفرص النجاح المتوفرة.
ثالثا: بالاضافة الى البیئة المجتمعیة التی تحاصر الشاب نجد الدولة بمؤسساتها واجهزتها تساهم فی تحیید الشباب، بل حتى نفیهم من المساحات العامة وتجرم تنظیمهم فی حرکات طلابیة قد تهدد الدولة ولو من بعید. واستطاع النظام ان یکرس مبدأ ینطبق على الشاب وهو 'مبدأ انت متهم حتى تثبت براءتک' ویتعرض هؤلاء لعملیة مراقبة صارمة تمتد من المدرسة والجامعة الى المراکز التجاریة والاستراحات واماکن اللهو، حیث تصبح هذه المساحات مرصدا لمراقبة الشباب وتحرکاته وتصرفاته عن طریق اعداد هائلة من المراقبین، بدءا بالمطاوعة وانتهاء بعمال أمن المناطق التجاریة والمؤسسات والشرطة وغیرها من اجهزة مستحدثة هدفها محاصرة الشباب ومراقبته. ومؤخرا لجأ النظام السعودی الى العقاب الجماعی، خاصة فی حالات المساجین السیاسیین حیث یعاقب الشخص المعنی ومن ثم یزج بأقربائه وافراد اسرته معه فی السجن، خاصة ون تحرک هؤلاء مطالبین بحق ابنهم السجین او فرد آخر من افراد اسرتهم. وقد یکون ذلک عامل ردع للشاب ینهاه عن تبنی آراء قد تفتک بأفراد آخرین من اسرته ان هو تمادى فی الافصاح عنها، ناهیک عن التردد فی الانخراط بعمل قد یزج بأفراد اسرته کلهم فی السجن من باب العقاب الجماعی الذی یفرضه النظام السعودی على کل من یخالفه او یتمرد على سلطته المطلقة. فعمل الانسان الواحد لم یعد عملا شخصیا تحت المنظومة السعودیة، بل هو ذریعة تعتمدها السلطة لتعاقب أسرا کاملة تتکون من الاب والابن وحتى الحفید. وقد خلقت هذه الممارسات السعودیة حالة خاصة قد تجعل التردد فی الانخراط بالعمل الجماعی سید الموقف، لکنها لم تنجح نجاحا قاطعا فی ثنی المجموعات الشبابیة او حتى الاباء عن العمل الذی تعتبره الدولة مخلا بالامن والامان، والدلیل على ذلک تعدد حالات السجن التی یعانی منها طیف کبیر عادة ینتمون الى اسرة واحدة، مما جعل نساء هؤلاء ینخرطن فی العمل الجماعی مطالبات بحق رجالهن، خاصة بعد ان انعدمت فرص اللجوء الى مؤسسات حقوقیة توفرها الدولة لمثل هذه الحالات.
وان بقیت مظاهر الحراک الشبابی محصورة فی السعودیة ولم تبلغ الزخم الذی وصلته فی الدول العربیة الاخرى الا ان رصد هذه الحالات المتفرقة یعطی صورة واقعیة عن طبیعة هذا الحراک الذی تجاوز المعهود، خاصة فی المنطقة الشرقیة حیث المجموعات الشیعیة تخوض مواجهة مع النظام منذ اکثر من 18 شهرا، ذهب ضحیتها حتى اللحظة 16 شابا قتلوا برصاص النظام.
أما فی محیط الاکثریة الکبرى فنجد هذا الحراک یظهر ولو على استحیاء بأعداد صغیرة وتجمعات محدودة الا انه قد بدأ بالفعل وانطلق من قضیة المساجین السیاسیین والمحاکمات التی یتعرض لها الحقوقیون بشکل دوری اسبوعی. وقد سبق ذلک حراک الطلاب فی جامعات سعودیة مختلفة تمرکز حول مطالب مشروعة تخص البیئة التعلیمیة، ناهیک عن تجمعات العاطلین عن العمل والمطالبین بوظائف فی دوائر حکومیة متعددة. فحتى اللحظة لا نستطیع ان نجزم ان الشریحة الشبابیة السعودیة هی شریحة ثوریة او رجعیة، لکننا نستطیع ان نجزم انها شریحة موجودة على الساحة ووجودها ولو دون فعل قد یشکل حالة اضطراب للنظام، وان لم یتمکن الشباب السعودی ان یوقفوا الحیاة العامة حتى تتحقق مطالبهم الا انهم یستطیعون ان یثیروا حفیظة النظام وآلته القمعیة بمجرد وجودهم بکثافة فی الساحات العامة. والمشکلة البنیویة التی یواجهها الشباب فی السعودیة رغم کثافة اعداده هی انعدام حرکة طلابیة مؤطرة بفکر نضالی یطلب نهضة حقیقیة سیاسیة لا مطالب حیاتیة مجزأة، حیث تبقى هذه محصورة لن تتحقق فی ظل النظام الحالی، فتجزئة حقوق الشباب الى سلسلة من المطالب تدور حول العمل والمأکل والمسکن وحقوق المساجین السیاسیین یساهم فی تقویة النظام المسؤول عن کل التقصیر والانتهاکات.
فقوة الشباب لیست عددیة فقط بل هی تنظیمیة تحتاج الى حرکة طلابیة، کما عرفتها الشعوب الاخرى لتتجاوز الشرائح الشبابیة حالة التشرذم والانفرادیة والتقوقع خلف مطالب محدودة، ووحدها هذه الحرکة تستطیع ان تستنجد بقوة الاتصالات الالکترونیة لتبنی قاعدة شعبیة تتجاوز محدودیة الحیاة الطلابیة وجمهورها، فالطالب طالب لفترة قصیرة یخرج منها لیصبح شخصا فی المجتمع بفعل ارادته وحقوقه ومسؤولیته تجاه المجتمع الکبیر. ومهما کبرت الشریحة الشبابیة تظل محدودة ان هی لم تنخرط فی عمل طلابی حقوقی یؤطر بحرکة طلابیة تقود نفسها الى ساحة النجاة فی اطار نظام هدف الى تجریمهم وتهمیشهم، بل حتى افقارهم تحت مظلة میزانیات ترلیونیة خیالیة.
 

( کاتبة واکادیمیة من الجزیرة العربیة )

رمز الخبر 184316