وجه قائد الثورة الاسلامیة ایة الله السید علی خامنئی ، الاربعاء رسالة الی شباب اوروبا و امیرکا الشمالیة ، تطرق فیها الی الاحداث التی شهدتها فرنسا وبعض الدول الغربیة مؤخرا.

ودعا قائد الثورة الاسلامیة في هذه الرسالة ، الشباب الی ان یتعرفوا علی الاسلام دونما واسطة ، عبر القرآن الکریم و سیرة الرسول الأعظم (صلّی الله علیه وآله وسلّم) ، و ألّا یسمحوا للساسة والسیاسیین بوضع سدّ عاطفي واحساسي منیع بینهم و بین الواقع عبر رسم صورة سخیفة کاذبة عن الإسلام لیسلبوا منهم إمکانیة الحکم الموضوعي.

وفیما یلي النص الکامل لرسالة قائد الثورة الاسلامیة :

بسم الله الرحمن الرحیم

إن الأحداث الأخیرة في فرنسا وما شابهها في بعض الدول الغربیة أقنعتني أن أتحدّث إلیکم مباشرة.

أتحدّث إلیکم أیّها الأعزة دون أن اتجاهل دور والدیکم، لأني أری مستقبل شعبکم وأرضکم بأیدیکم، وأری أن الإحساس بضرورة معرفة الحقیقة في قلوبکم أکثر حیویة ووعیاً. وکذلك فإني لا أخاطب الساسة والمسؤولین عندکم لأني أتصور أنهم بعلمٍ ودرایةٍ منهم فصلوا درب السیاسة عن مسار الصدق والحقیقة.

حدیثي معکم عن الإسلام وبصورةٍ خاصةٍ عن الصورة التي یعرضونها عن الإسلام لکم.

قبل عقدین وإلی یومنا هذا، اي بعد انهیار الإتحاد السوفیتي تقریباً جرت محاولات کثیرة لإعطاء هذا الدین العظیم موقع العداء المخیف. وللأسف إن عملیة إثارة مشاعر الرعب والفزع والنفور واستغلالها لها ماضٍ طویلٍ في التاریخ السیاسي للغرب.

لا أرید هنا أن أتعرض إلی ما یثیرون من أنواع الرعب في قلوب الشعوب الغربیة وعند استعراضکم العابر للدراسات التاریخیة والنقدیة المعاصرة ستجدون کیف تؤنب الکتابات التاریخیة الأعمال الکاذبة والمزیِّفة للدول الغربیة تجاه سائر الشعوب والثقافات. إن تاریخ أوروبا وأميرکا یطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوکه الإسترقاقي والإستعماري وظلمه تجاه الملوّنین وغیر المسیحیین. ثم انّ المؤرخین والباحثین لدیکم عندما یمرون علی عملیات سفك الدماء باسم الدین بین البروتستان والکاثولیك أو باسم القومیة والوطنیة إبان الحربین العالمیین الأولی والثانیة یشعرون بالمرارة والإنحطاط.

وهذا بحد ذاته یدعو الی التقدیر؛ ولست استهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطویلة جَلد التاریخ ولکني أرید منکم أن تسألوا کل مثقفیکم ونخبکم لماذا لا یستقیظ الوجدان العام في الغرب دائما إلا مع تأخیر عشرات السنین وربما المئات من السنین؟ ولماذا کانت عملیة النظر في الوجدان العام تتّجه نحو الماضي البعید وتهمل الأحداث المعاصرة؟

لماذا نجدهم في موضوع مهم من قبیل أسلوب التعاطي مع الثقافة والفکر الإسلامي یمنعون من تکوّن وعي عام لدیکم؟

أنتم تعلمون جیداً أن التحقیر و إیجاد حالة النفور والرهاب الموهوم من الآخرین تشکل أرضیة مشترکة لکل تلك الإستغلالات الظالمة. أرید الآن أن تسألوا أنفسکم لماذا استهدفت سیاسة نشر الرعب والنفور القدیمة الإسلام والمسلمین بقوة وبشکل لا سابقة لها؟ لماذا یتّجه نظام القوة والسلطة في عالمنا الیوم نحو تهمیش الفکر الإسلامي وجرّه الی حالة الإنفعال؟

هل هناك مفاهیم وقیم في الإسلام تزاحم برامج ومشاریع القوی الکبری وما هي المنافع التي تتوخاها هذه القوی من وراء طرح صورة مشوّهة وخاطئة عن الإسلام. ولهذا فإن طلبي الأوّل منکم أن تتساءلوا وتتحروا عن عوامل هذا التعتیم الواسع ضد الإسلام.

الأمر الثاني الذي أطلبه منکم أن تقوموا کردِّ فعلٍ لسیل الإتهامات والتصورات المسبقة والإعلام السلبي وأن تسعوا لتکوین معرفة مباشرة ودونما واسطة عن هذا الدین. إن المنطق السلیم یقتضي أن تدرکوا حقیقة الأمور التي یسعون لإبعادکم عنها وتخویفکم منها فما هي وما هي أبعادها وحقیقتها؟

أنا لا أصرّ علیکم أن تقبلوا رؤیتي أو أیة رؤیة أخری عن الإسلام، لکني أدعوکم ألّا تسمحوا أن یستفید هؤلاء من الإدعاءات المرائیة للإرهابیین العملاء لهم وتقدیمهم لکم بإعتبارهم مندوبي الإسلام. علیکم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصیلة ومنابعه الأولی. تعرّفوا علی الإسلام عبر القرآن الکریم وسیرة الرسول الأعظم (صلّی الله علیه وآله وسلّم). وأودّ هنا أن أتساءل: هل راجعتم قرآن المسلمین مباشرة؟ هل طالعتم أقوال رسول الإسلام(صلّی الله علیه وآله وسلّم) وتعالیمه الإنسانیة والأخلاقیة؟ هل اطلعتم علی رسالة الإسلام من مصدر آخر غیر الإعلام؟ هل سألتم أنفسکم کیف استطاع الإسلام ووفق أیة قیم طوال قرون متمادیة أن یقیم أکبر حضارة علمیة وفکریة في العالم وأن یربي أفضل العلماء والمفکرین؟

أطالبکم ألّا تسمحوا لهم بوضع سدّ عاطفي واحساسي منیع بینکم و بین الواقع عبر رسم صورة سخیفة کاذبة عن الإسلام لیسلبوا منکم إمکانیة الحکم الموضوعي. والیوم حیث نری أن أجهزة التواصل اخترقت الحدود الجغرافیة، علیکم ألّا تسمحوا لهم أن یحاصروکم في الحدود الذهنیة المصطنعة، وإن کان من غیر الممکن لأي أحد أن یملأ الفراغات المستحدثة بشکل فردي ولکن کلاً منکم یستطیع هادئاً لتوعیة نفسه وبیئته أن یقیم جسراً من الفکر والإنصاف علی هذه الفراغات.

إن هذا التحدي المبرمج من قبل لنوع العلاقة بین الإسلام وبینکم أنتم الشباب أمر مؤلم، لکن بإمکانه أن یثیر تساؤلات جدیدة في ذهنکم الوقاد والباحث.

إن سعیکم لمعرفة الأجوبة علی هذه التساؤلات یشکل فرصة سانحة لکشف الحقائق الجدیدة أمامکم، وعلیه یجب أن لا تفوتوا هذه الفرصة للوصول الی الفهم الصحیح ودرك الواقع دون حکم مسبق؛ ولعلّه من آثار تحملّکم هذه المسؤولیة تجاه الواقع، أن تقوم الأجیال الآتیة بتقییم هذه الفترة من تاریخ التعامل الغربي مع الإسلام، بألمٍ أقل زخماً ووجدانٍ أکثر اطمئناناً.

السید علي خامنئي

 

رمز الخبر 188110