خبراونلاین – لقد حققت الصین التطور والتنمیة من خلال سیاسة اضعاف قیمة العملة الوطنیة ونظرا لان هذه السیاسة تصب فی صالحها فهی لیست على استعداد لتعزیز قدرة عملتها.

 
علی دینی ترکمانی

منذ عام 1980 وحتى 1994 طبقت الصین سیاسة خفض قیمة عملتها الوطنیة وعملت على رفع سعر الدولار من 5و1 یوان الى ما یعادل 5و8 یوان. لکن وخلافا لاراء بعض الخبراء الاقتصادیین فی ایران الذین وللاسف لا یلقون نظرة على الاعداد والارقام، منذ عام 1995 وما اعقبه بات سعر ال"یوان" ثابتا امام الدولار وحتى انه سعره تعزز منذ 2005 . (سعر صرف الدولار انخفض من 5و8 الى 5و6 یوان فی عام 2007) تعزیز قیمة الیوان یعود الى ما قبل وقوع الازمة المالیة الکبرى وضغوط امیرکا واوروبا على الصین بغرض تعزیز قیمة عملتها. لذلک، نرى ان الصین قامت خلال مرحلة من الزمن بخفض قیمة عملتها الوطنیة وفی برهة زمنیة اخرى قامت برفعها.
هنا نقطتین مهمتین هما، اولا خلال هذه الفترة التی استقر فیها الیوان ارتفع مستوى صادرات الصین. حیث سجلت صادرات الصین خلال اعوام 1990 الى 2008 ارتفاعا من حوالی 5 ملیارات دولار الى حوالی 140 دولار ومن ثم وبسبب الازمة المالیة الکبرى انخفضت.
ثانیا، خلال هذه الفترة تم فی بدایة الامر خفض سعر صرف العملة الاجنبیة ومن ثم زیادته. ای ومن دون ایجاد صدمة فی مجال العملة الاجنبیة، تم تثبیت سعر الصرف الحقیقی . والسؤال هنا هو کیف یمکن تثبیت سعر الصرف الاسمی للعملة وفی ذات الوقت تثبیت سعر الصرف الحقیقی ایضا؟ الجواب هو من خلال السیطرة والتحکم بالضغوط التضخمیة. السعر الحقیقی یخضع لتأثیر عامل سعر السلع المستوردة بالنسبة لعامل سعر السلع المصنعة محلیا. اذا ما تم السیطرة على الضغوط التضخمیة وتثبیت سعر السلع المستوردة عندها ومن دون خفض قیمة العملة الوطنیة بل وحتى من خلال تعزیزها یمکن تثبیت سعر الصرف الحقیقی.
ان معدل التضخم خلال 1980-1996 بلغ نحو 12 فی المئة ای حوالی 2 إلى 3 فی المئة اقل من اعوام 1997-2008. وهذا الانخفاض فی الضغوط التضخمیة یمکن توضیحه من خلال ارتفاع استقطاب رأس المال الذی ینعکس بدوره على القدرة الإنتاجیة والتنافسیة. قامت الصین خلال الفترة من 1980 إلى 1994، بخفض قیمة عملتها الوطنیة مرتین ونحن قمنا بهذا الامر خلال عام 1990 (1369) وما اعقبه خلال مرحلتین. مرة عام 1991 تم زیادة سعر الصرف الرسمی للعملة الاجنبیة من 70 ریال الى 1450 ، ومرة أخرى عام 2001 من 1750 الى 7950 ریال.
ان مسیرة سعر الصرف الحقیقی ، الذی تم احتسابه وفقا لسعر الصرف الرسمی، هو مؤشر لقیاس اسعار التجزئة ومؤشر قیاس بلدان منظمة التعاون الاقتصادی ( OECD) ، الذی یظهر انه وعقب کل صدمة فی سوق العملة الاجنبیة التی تتسبب بارتفاع سعر الصرف الحقیقی، نجد انخفاضا فی سعر الصرف من جدید. وللتوصل لنتیجة افضل تم احتساب سعر الصرف الحقیقی بناء على سعر الصرف غیر الرسمی للعملة الامر الذی یؤید الامر ذاته من جدید. هذه التوجهات هی مؤشر على اننا عاجزون على تثبیت سعر الصرف الحقیقی لان الضغوط التضخمیة تؤثر بقوة فی الاقتصاد.
عقب کل صدمة فی سوق العملة، وبسبب التضخم، ینخفض سعر الصرف الحقیقی من جدید. لذلک ینبغی توجیه صدمة اخرى. بحیث تستمر هذه الحالة من دون تثبیت سعر الصرف الحقیقی للعملة الاجنبیة. المشکلة تکمن فی عدم قدرة القطاع الاقتصادی الحقیقی فی ایجاد انفراجة هامة على صعید الاقتصاد والذی سببه ضعف استقطاب رؤوس الاموال. طالما القدرة على استقطاب راس المال ضعیفة لا یمکن من خلال التلاعب باسعار صرف العملة التوصل للاهداف التنمویة. ان اتجاه التضخم فی ایران مقارنة بمعدل التضخم فی العالم وبلدان منظمة التعاون والتنمیة الاقتصادیة مرتفع.
من الممکن ان تتساءلوا ان الصین طبقت سیاسة خفض قیمة عملتها الوطنیة خلال فترة زمنیة استمرت 15 عاما. ان الموضوع لیس تطبیق ام عدم تطبیق هذه السیاسة فی الوقت المحدد، الموضوع هو اذا ما کان استقطاب رؤوس الاموال ضعیف فان هذه السیاسة ومع تشدید الضغوط التضخمیة ستنقلب الى ضدها. ان الهدف منها تطبیق تثبیت سعر الصرف الحقیقی لکن وبمرور الزمن وبسبب التضخم سینخفض سعر الصرف الحقیقی مرة اخرى. استطاعت الصین تنمیة امکانیاتها الانتاجیة بشکل جید والسیطرة على الضغوط التضخمیة المترتبة عن هذه السیاسة. احد المؤشرات هی زیادة استقطاب نسبة تکالیف البحوث والتنمیة بالنسبة للانتاج المحلی الاجمالی. فی الصین تبلغ نسبة هذا المعدل نصف بالمئة من الانتاج المحلی الاجمالی فی عام 1996 وارتفعت الى 5و1 بالمئة فی 2007 ومن هذه الناحیة فانها باتت تقترب من معدل الاتحاد الاوروبی. المؤشر الاخر المتعلق بهذا الامر، تواجد 66 جامعة صینیة بین افضل 200 جامعة فی العالم وفقا لتصنیف التایمز. کما یمکن الاشارة ایضا الى تقریر اکادیمیة العلوم الوطنیة البریطانیة فی عام 2011 حیث سجلت الصین المرتبة الثانیة بعد امیرکا على صعید انتاج البحوث العلمیة والفنیة وستتجاوز امیرکا خلال السنوات المقبلة.
هنا ساستعرض قسما من بیانات حول ضعف استقطاب رؤوس الاموال فی الاقتصاد الایرانی. وما هی المؤشرات الدخیلة فی هذا؟ ان مشاریع الاستثمار الغیر مکتملة تعتبر من اهم مؤشرات امکانیة استقطاب رؤوس الاموال فی الاقتصاد الایرانی. طول مدة تنفیذ المشاریع وارتفاع اسعار استهلاک راس المال هی من ضمن هذه المؤشرات. اضف الى ذلک نسبة راس المال الى الانتاج المرتفع اللذان هما نتیجة المؤشرین السابقین. لقد اشارت بیانات مؤسسة التخطیط والموازنة فی عام 2002 الى وجود اکثر من 9 آلاف مشروع غیر مکتمل مؤسساتی على مستوى البلاد. وکالة انباء فارس اکدت هذا الموضوع ایضا فی تقریر فی عام 2009. هذه البیانات تظهر ان مشکلة المشاریع غیر المکتملة تتواجد بصورة مؤثرة فی اقتصاد ایران ولم ینخفض معدلها على مر الزمن. لذلک نرى ان القدرة الانتاجیة لا تنمو بشکل جید لکن ومن خلال تنفیذ هذه المشاریع سیرتفع معدل الطلب وسینعکس على الضغوط التضخمیة.
ان عملیة تراکم رؤوس الاموال عقب الثورة بلغت مستوى متدنیا جدا. فیما ارتفعت تکالیف استهلاک رؤوس الاموال بشدة. لقد ارتفعت هذه النسبة ابان فترة العدوان العراقی على ایران ما اسفر عن بلوغ نسبة صافی الاستثمار الصفر. لکن تکالیف الاستهلاک المرتفعة لرؤوس الاموال استمرت الى ما بعد الحرب ما نتج عنها وبالرغم من نمو الاستثمار الاجمالی فی عام 2009 رقما یعادل نسبة عام 1977. هذا النهج الضعیف فی تراکم رؤوس الاموال اسهم فی ایجاد الضغوط التضخمیة. لذلک، ینبغی تعزیز هذا الامر فی استقطاب الاموال ،  وینبغی لتحقیق هذا الهدف رفع مستوى القدرة على جذب الاستثمارات. طالما لم یحدث ذلک فان التلاعب بالاسعار ومن ضمنها سعر الصرف سیتبدل الى ضده.
اذا ما ارتفعت قدرة استقطاب رؤوس الاموال، فان التسهیلات الائتمانیة الممنوحة للشرکات التی تمثل جزءا من حجم السیولة المتداولة ستتحول بسرعة الى امکانیات للانتاج وتسهم فی تعدیل الفجوة بین العرض والطلب. والا ستتحول الى قدرة مالیة تسهم فی ایجاد التضخم.
فی الحقیقة ان سعر الصرف هو مؤشر لتحدید السعر وما یحدد مدى تاثیره مقدار امکانیة جذب الاستثمار. اذا ما کانت هذه القدرة ضعیفة فان سیاسة خفض قیمة العملة الوطنیة ستفقد تاثیرها على تثبیت سعر الصرف الحقیقی. لانه ونظرا لقوة المؤشرات بین سعر صرف العملة واسعار السلع والخدمات والاجور وکذلک تخصیص العملة لخطوط الانتاج سیسهم فی ارتفاع تکالیف الانتاج والتضخم ما سینعکس تاثیره على خفض سعر الصرف الحقیقی.
* دکتوراه فی الاقتصاد، أستاذ مساعد فی مؤسسة الدراسات و البحوث التجاریة

30449

رمز الخبر 182674