تاريخ النشر: ٣٠ يونيو ٢٠١١ - ٠٩:٥٥

تشهد السعودیة احتجاجات متفرقة منها التجمهر عند مدخل الوزارات وخاصة العمل والتربیة مطالبة بتوفیر الوظائف او تثبیت المعلمین والمعلمات او المطالبة بتعجیل صرف المعونات وجاءت حملة قیادة السیارة کجزء من حالة الحراک التی ازدادت وتیرتها بعد الربیع العربی.

د. مضاوی الرشید
 
تشهد السعودیة احتجاجات متفرقة منها التجمهر عند مدخل الوزارات وخاصة العمل والتربیة مطالبة بتوفیر الوظائف او تثبیت المعلمین والمعلمات او المطالبة بتعجیل صرف المعونات وجاءت حملة قیادة السیارة کجزء من حالة الحراک التی ازدادت وتیرتها بعد الربیع العربی.
ویمکن ان نقسم هذه التجمعات الى قسمین. القسم الاول یشکل تحدیا سافرا للنظام وطعنا فی شرعیة سیاسته الداخلیة. ومن هذه المظاهرات التی تحصل فی المنطقة الشرقیة حیث یشترک النساء والرجال فی المسیرات المطالبة بحقوق تتعلق بالمساواة والعدالة خاصة للطائفة الشیعیة وتطرح موضوع المساجین السیاسیین وحریتهم ومقابل هذه المظاهرات السلمیة نجد ان لها مثیلا فی الریاض حیث تمت احتجاجات تطالب بالافراج عن المساجین السیاسیین خاصة اولئک الذین یقبعون فی الزنزانات منذ فترة طویلة. نجد ان مثل هذه المظاهرات تواجه بالقمع المباشر فیعتقل القائمون علیها من الناشطین الحقوقیین والفعالیات المطالبة بحقوق الانسان والحریات المدنیة والسیاسیة.

فکما ان مسیرات المنطقة الشرقیة تواجه القمع المباشر نجد ان احتجاجات اهالی المعتقلین فی الریاض تلقى نفس المعاملة فیقتنص النظام الافراد الذین یقفون خلف هذه المظاهرات تماما کما حصل لمحمد ابجادی الناشط فی مجال المساجین والحقوق الانسانیة. تعتبر هذه التجمعات تحدیا لسلطة النظام وخاصة اجهزته القمعیة المرتبطة اما بفرعها فی المنطقة الشرقیة او فی مرکزها الرئیسی فی الریاض لذلک لا تتقبل الدولة مثل هذا الحراک السلمی الذی یکشف تعسفها واستهتارها بأبسط حقوق الانسان وحریته الفکریة. وقد اثبت النظام ان لا طائفة له حیث انه مستعد لان یقمع الجمیع ان هم تجمهروا وفضحوا ممارساته التعسفیة حیث تصبح المطالبة بحقوق المساجین اکبر تحد لنظام یحاول ان یقنع مجتمعه والعالم الخارجی انه النظام الابوی المعطاء الکریم والذی یتصدق على اهل بیته بین الحین والحین ولکنه صارم مع اولاده المتمردین على سلطته الابویة. ولیس من حق الابناء ان یأخذوا منه حقه الالهی فی تأدیب المتمردین المختلفین الذین لا یشاطرونه قناعاته وأسالیبه التأدیبیة المعروفة. وقد یرفضون ان یبیعوا ضمائرهم وقرارهم مقابل بعض المکارم والاتاوات ویصادروا حقهم طوعیا ویحتجوا على السلطة الابویة المتمرسة فی فنون الامر والطاعة المطلقة. لذلک یسرع النظام السعودی الى قمع مثل هذه الاحتجاجات والتی تنزع الحجاب عن ممارسات التأدیب والحجب على الفکر والحریة. ویحاول النظام جاهدا ان یعزل المطالبة بحقوق المساجین الشیعة عن نظیرتها فی المحیط السنی وبذلک یتم تطییف القضیة لیقطع الفرصة على بروز تیار موحد یعتبر السجین سجینا ولیس طائفة وفرقة. وهو بذلک یجزئ قضیة المساجین وکذلک التجمهرات التی تطالب بحقوقهم والافراج عنهم. والنظام بذلک یحاول تقویض ای محاولة لجمع الشمل وتبلور تیار وطنی یطالب بحقوق المساجین مهما اختلفت طوائفهم واتجاهاتهم الفکریة وحتى الدینیة. والنظام الیوم اصبح باستطاعته ان یفرز الاتجاهات التحرریة فی الجزیرة العربیة ویصنفها طائفیا حتى یقطع الطریق على نشوء وتبلور حرکة وطنیة تطالب بحقوق الانسان المدنیة والسیاسیة لیسهل علیه اقتناصها وخنقها قبل ان تتبلور ویشتد ساعدها وتحول تجمهراتها الحالیة الى مشروع وطنی اکبر بکثیر من قضیة المساجین.

وان کان النظام قد استطاع ان یقمع بطریقة منظمة مثل هذه الاحتجاجات الا انه یظل یلتزم الصمت على نوع آخر من التجمهرات. احتجاجات السعودیة المطالبة بلقمة العیش عن طریق التوظیف والتثبیت فی الوظیفة تعتبر تجمهرات غیر خطرة على النظام لذلک هو یسمح بها ویغض الطرف عنها. فقد رأینا تجمهرات طلابیة ونسائیة ترفع شعارات تؤید رؤوس النظام وتکیل لهم المدیح والثناء وتطالب موظفی الدولة الصغار باحترام الاوامر الملکیة کتلک التی تعجل بتوظیف خریجی الجامعات او تثبیت المعلمات بعد سنوات من العمل فی التدریس.

وان کانت المظاهرات المناصرة للمساجین السیاسیین تفضح زیف النظام وتعسفه، نجد ان هذا النوع الاخر من الاحتجاجات یحاول ان یثبت صورة الاب المعطاء الذی یصدر الاوامر والوعود وینمی ثقافة الامل والوهم. ولکن هناک بعض العقبات فی وجه تنفیذ الاوامر والتوصیات من قبل القائمین على اجهزة الدولة کالموظف البسیط والمدیر الفرعی لجهاز من اجهزة الدولة، فتأتی هذه التجمهرات کتکریس لثقافة الدولة الاب صاحب النظرة الثاقبة والکرم الطائی. وتکمن العقدة فی اولئک القائمین على تنفیذ الاوامر الملکیة وتعطیلها او عدم الالتزام بها.

فالاب المعصوم یصطدم بارادة الموظف البسیط المتجاهل للحکمة الابویة واوامرها. ویبقى رأس الهرم بینما تتهاوى الرؤوس الصغیرة التی تدیر امور البیت السعودی فان فسدت الامور فهذا من عمل ذلک الموظف البسیط وان تعطلت فرص التوظیف فلأن ذلک المدیر قد تجاهل الاوامر العلیا وحکمتها وان تباطأ فی صرف مکرمة ملکیة فلانه بلید یتجاهل اوامر سیده ویعطل حکمته الازلیة. فیخرج الطلاب والنساء والباحثون عن وظائف بشعاراتهم الموالیة المؤلهة لرؤوس النظام بینما یصبون جام غضبهم على ذلک الموظف القابع فی مکتبه المبرد غیر مکترث بهموم المواطن ومتناسیا لتعالیم الابوة واوامرها الملکیة. وفی هذه الحالة تطرح مثل هذه الاحتجاجات المتکررة عدة اسئلة تخص النظام نفسه واسالیبه فی ادارة الازمة السعودیة وتداعیاتها الحیاتیة.
اولا: تبین مثل هذه الاحتجاجات ان الملک یصدر اوامر لا تنفذ وثانیا تفضح مثل هذه الاحتجاجات الارادة الملکیة المعلقة حیث ان تکررها یسلط الضوء على ان الملک غیر قادر على جعل اوامره قابلة للتنفیذ فهی تبقى حبرا على ورق رغم شعارات التمجید والمدیح التی تستعرض وفی مثل هذه المواقف نجد ان خسارة الملک تکون کبیرة حیث کیف لموظف بسیط او مدیر ثانوی فی مؤسسة حکومیة ان یعطل الارادة الملکیة ویتجاهل الاوامر العلیا ویبقى فی منصبه.

وفی مثل هذه التجمهرات یطلق البعض شعار 'نفذوا أوامره' وهذا من دلالات عدم قدرة السلطة الملکیة على تثبیت اوامرها والتی هی مجرد شعارات کبیرة غیر قابلة للتنفیذ. وقد اتضح ذلک بشکل مفضوح فی موضوع زیادة اعداد الموظفین من خریجی الجامعات حیث فشلت الدولة فی تبنی سیاسة اقتصادیة تمتص البطالة رغم الشعار الذی تبنته مخططات الدولة للتنمیة خلال السنوات المنصرمة. ورغم هذه المبادرات یظل الاقتصاد اقتصاداً یعتمد على الریع النفطی والاستهلاک ولیس الانتاج الذی یوفر الوظائف للشریحة الاکبر فی المجتمع السعودی. تقف اجهزة الدولة تتفرج على هذه الاحتجاجات المتکررة معجبة بشعارات الثناء والمدیح لرؤوس النظام فهی لا تقعمها کما تقمع المظاهرات المطالبة بحقوق اکبر من قضیة التوظیف لانها تعتقد ان مثل هذه الاحتجاجات تمتص غضب واحتقان الشارع وتعید الشرعیة للرؤوس الکبیرة التی تبقى معصومة فیتوجه غضب الشارع الى الموظف البسیط المعرقل للمکارم والنعم والمتخاذل فی جعلها حقیقة ملموسة على الارض یستفید منها الابناء الابرار.

فیتفرج النظام على هؤلاء الابناء یستجدون العمل على عتبات الوزارات وفی استجدائهم هذا ترتفع اصوات الثناء وتختلط مع تلک التی تنتقد القائمین على تدبیر شؤون المنزل کالحاجب مثلاً والذی اصبح یعرقل تفعیل شعارات القیادة ومکارمها. ومؤخراً انضمت النساء الى مثل هذه الاحتجاجات وبدورهن أصبحن یرددن نفس شعارات الرجال ویطالبن بتنفیذ أوامر القیادة العلیا وکم من ملاسنة نسائیة وتهجم على ذلک الموظف البسیط المتهم بنزاهته وقدرته الاداریة قد تمت بین المتظاهرات ومن یجرؤ على مقابلتهن على عتبات الوزارة من المدراء والموظفین.
تعتبر مثل هذه المواجهات حالة تصب فی مصلحة النظام ولیس المحتجات والمحتجین حیث تظهر القیادة بمظهر العصمة والحکمة بینما یصبح موظف الدولة البسیط مثالاً للتخاذل والبلادة وتمییع القرارات بل حتى تعطیلها.
وبذلک یکسب النظام فرصة لتمییع الاحتقان وانحرافه من احتقان ضد القیادة الى آخر یشیطن الجهاز الاداری للدولة ویحمله مسؤولیة فشل المکرمات الابویة او تأخرها. لذلک یتبنى النظام الصمت تجاه مثل هذه الاحتجاجات المهدئة والمخدرة للوضع والتی تصرف الاهتمام عن مواضیع تتعلق بقیادة البلد والمرحلة الانتقالیة القادمة والتی تنذر بعلامات استفهام کبیرة حول الاب القادم خاصة بعد ان اتضحت الصورة مؤخراً وتبین للمجتمع الداخلی والخارجی ان القیادة قد تتعثر خاصة وانها تمر بمرحلة شیخوخة وضعف حالیاً وتکثر التکهنات حول مصیر الحکم القادم. فالنظام فی هذه المرحلة لا یطیق ولا یتحمل مظاهرات من النوع الاول تکشف سیاسة القمع والاقصاء والاعتقال التعسفی ویرتاح لتجمهرات الاستجداء والثناء على عتبات الوزارات. ولکن فی الحالتین نعتقد ان الخسارة الاکبر هی من حصة الملک.

' کاتبة واکادیمیة من الجزیرة العربیة