تاريخ النشر: ١٨ أبريل ٢٠١٢ - ١٤:٤٨

افتتح السید حسن نصر الله الجزء السیاسی من خطابه بمناسبة ذکرى المولد النبوی/1433 هجریة بالحدیث عن صناعة فتنة مذهبیة واتهام الشیعة، بخاصة إیران وحزب الله، بالعمل المبرمج على تشییع أهل السنة. نفى السید حسن الاتهام، وقال إن العمل على إحداث فتنة سنیة شیعیة یجری منذ سنوات، بخاصة بعد حرب عام 2006.

 

 عبد الستار قاسم

 

افتتح السید حسن نصر الله الجزء السیاسی من خطابه بمناسبة ذکرى المولد النبوی/1433 هجریة بالحدیث عن صناعة فتنة مذهبیة واتهام الشیعة، بخاصة إیران وحزب الله، بالعمل المبرمج على تشییع أهل السنة. نفى السید حسن الاتهام، وقال إن العمل على إحداث فتنة سنیة شیعیة یجری منذ سنوات، بخاصة بعد حرب عام 2006.

من متابعتی للأحداث، العمل على إحداث فتنة سنیة شیعیة یجری منذ عام 1979، وکان هذا واضحا لی أثناء عملی فی الجامعة الأردنیة. بدأت جهات عربیة رسمیة تفتح ملف السنة والشیعة منذ انتصار الثورة الإیرانیة، وشجعت نشر کتب تفتح الذاکرة بمعارک تاریخیة لم تخدم الإسلام والمسلمین، وبدأ بعض رجال الدین یتحدثون بسوء عن أهل الشیعة، وفتحت المجال أمام وسائل الإعلام لإبراز نقاط تسیء لأهل الشیعة. وقد کتبت حینها کتابا بعنوان "سقوط ملک الملوک" قلت فیه إن أمریکا ستحرض القادة العرب ضد إیران، وستدفع العرب لشن حرب على إیران. والأسباب أن سقوط الشاه قد سبب خسارة کبیرة لأمریکا، وأن إیران قد فتحت الباب أمام صحوة إسلامیة ستمتد إلى الأقطار العربیة، ما سیقوض حکم أصدقاء أمریکا، ولأن إسرائیل ستصبح فی دائرة الهدف.

فشلت الحرب على إیران، لکن الجهود لم تتوقف من أجل حشر إیران فی الزاویة وحصارها وإسقاط نظام حکمها. لم تتوقف الإجراءات العسکریة والاقتصادیة والحملات التحریضیة ضد إیران عبر السنوات، لکن الترکیز بقی على صناعة فتنة سنیة شیعیة عساها تتمخض عن حرب بین السنة والشیعة تستنزف الطاقات العربیة والإیرانیة وتؤجج مشاعر عمیقة من البغضاء والکراهیة بحیث یتباعد العرب والإیرانیون إلى قرون طویلة.

هدأت الحملة ضد إیران والشیعة عموما على مدى سنوات، لکن جهود إشعال الفتنة بقیت مستمرة، فی باکستان بخاصة بعد غزو أفغانستان، ولقیت مناخا جیدا لها فی العراق بعد الغزو الأمریکی، لکنها اشتدت واکتسبت زخما قویا وجهودا مکثفة بعد انتصار حزب الله فی حرب عام 2006.

لقد انتظرت أمریکا والمجموعة الغربیة وأغلب الأنظمة العربیة هزیمة حزب الله، وقدمت کل الدعم اللازم لإسرائیل، لکن آمالهم خابت، وارتدت إسرائیل تلعق جراحها. ولهذا وجدنا حملات إعلامیة واسعة ومرکزة حول بعض طقوس أهل الشیعة، وظهرت علینا مقولات قالها بعض غلاة الشیعة عبر التاریخ، وظهر علینا بعض الشیعة یشتمون الصحابة رضوان الله علیهم ویتهمون السیدة عائشة. لقد تم تجنید وسائل إعلام ومثقفین وأکادیمیین ورجال دین بهدف صناعة معارک وحروب بین السنة والشیعة، وظهر أن هناک العدید من رجال الدین من کلا الطرفین لا یعرفون الله، ولدیهم الاستعداد لإحراق الأمة ولیس فقط مساجدها.

لقد ارتکب حزب الله خطأ کبیرا عندما انتصر عام 2006، وکان المفروض أن ینهزم ویفتح أبواب لبنان لإسرائیل ویعرض سوریا للهلاک. لو فعل ذلک لما وجدنا أعدادا غفیرة من العرب تتجند لشتم إیران وحزب الله والشیعة، ولبقیت الأمة موحدة على أرضیة الهزیمة والاستسلام والذل. فما هو الأفضل: الهزیمة التی توحد الأمة، أم النصر الذی یمزقها؟ المفروض أن یعود السید حسن إلى دراسة أولیات الفکر السیاسی.

لماذا الفتنة؟

أمریکا تعلم تماما أن إیران وحزب الله لا یتبنیان برنامجا لتشییع السنة، وتعرف أن الدول السنیة لا تملک برنامجا لتسنین الشیعة، لکنها تعلم أن الفتنة أفضل آلیة لإنهاک المسلمین مما یمکنها وإسرائیل من استمرار هیمنتهما، ویمکن الأنظمة العربیة من استمرار بقائها فی الحکم. کل طرف من أطراف صناعة الفتنة له مصالحه وأهدافه، ویستطیع کل منهم تجنید عدد کبیر من الأغبیاء والمرتزقة والمتشنجین والمتعصبین لجر الناس نحو الاقتتال.

الفتنة ضروریة لأن سعی إیران للتطویر العلمی وامتلاک التقنیة والتصنیع والاعتماد على الذات سیکسبها قوة نحو الاستقلال ورفض الهیمنة الأجنبیة والاستعمار والاحتلال. القوة التی قد تکسبها إیران تؤثر مباشرة على وضع الحکام العرب لأنها تعریهم بالمزید أمام شعوبهم، وتعرض هیمنة أمریکا وإسرائیل على المنطقة العربیة- الإسلامیة للخطر.

المطلوب من دول المنطقة أن تبقى ضعیفة وتحت حکم بدائی شبیه بحکم عصور الظلام، وأن تبقى معتمدة على الحمایة الأجنبیة، ومطواعة فی تبذیر أموال الشعوب بطرق متعددة منها شراء الأسلحة بکمیات ضخمة، وملاحقة الشهوات بصورة مفرطة ومشینة.

والفتنة ضروریة من أجل أن یبقى الإسلام نائما لا دور له فی ترتیب أوضاع الناس نحو الحریة والعدالة، وأن یبقى المسلمون فی لجج من الجهالة والغباء یقتلون بعضهم باسم الدین دفاعا عن علی وعن عائشة، ویکررون مآسی الجمل وصفین وکربلاء!!

إذا تولدت دول إسلامیة قویة، وظهرت أحزاب إسلامیة متنورة فإن الثمن الذی ستدفعه أمریکا وإسرائیل والأنظمة البدائیة القبلیة سیکون باهظا. ستلتف الشعوب حول مراکز القوة، وستؤید الأحزاب المتنورة إسلامیا، فتضعف الأنظمة العربیة وتنهار، ومعها ینهار الحکم الأمریکی للمنطقة. وهذا واضح فی التفاف الناس بقوة حول حزب الله بعد طرد إسرائیل من جنوب لبنان عام 2000 وهزیمتها عام 2006. أضعف هذا الالتفاف الوجود الأمریکی فی المنطقة، وشکل حافزا کبیرا لأهل السنة للبحث عن أسباب القوة ومواجهة التحدیات. وهذا کان واضحا أیضا بالتأیید الکبیر الذی حصلت علیه حماس والمقاومة الفلسطینیة بعد الحرب على غزة عام 2008/ 2009. لقد استاء حکام العرب من صمود غزة وهی سنیة، کما استاؤوا من نصر حزب الله الشیعی.

الذی یخیف الحکام العرب ومن وراءهم لیس تشیع أهل السنة، وإنما قوة أهل الشیعة المتمثلة بإیران وحزب الله، والتی تنعکس إیجابا على أهل السنة فیکتسبون القوة التی تحررهم من الملوک والأمراء ورؤساء الاستبداد. ولهذا هم لا یتورعون عن القیام بأی عمل مهما کان منحطا لزرع بذور الانشقاق والصراع والاقتتال. وهم مرعوبون الآن من فوز الأحزاب الإسلامیة فی تونس ومصر لأن المسلمین سیتقاربون، بغض النظر عن مذاهبهم وطقوسهم. وإذا تقارب المسلمون انتهى دور المتأسلمین. أی أن مصر ستقترب من إیران حتما، وتونس من مصر، وتونس ومصر وإیران من غزة وحزب الله وکل فصائل وأحزاب المقاومة فی دیار المسلمین.

30449