تاريخ النشر: ١٢ يوليو ٢٠١٢ - ١٩:٢٤

خبرأونلاین-کغیرها من دول المنطقة العربیة انبثقت السعودیة بحدودها الحالیة بعد الحرب العالمیة الاولى وعلى انقاض انهیار الدولة العثمانیة وکان لرؤیة بریطانیا حینها الحصن الاوفر فی تصور کیان امتدت حدوده على رقعة واسعة حیث کان هدفها توسیع مساحة هیمنتها على اکبر قدر من الاراضی خاصة وان محاولات التنقیب عن النفط بدأت مطلع القرن العشرین ونجحت فی اکتشاف حقول غنیة فی کل من ایران والعراق والبحرین حیث احتکرت شرکات النفظ البریطانیة عملیة التنقیب.


 

 

د. مضاوی الرشید
 
وبعد استکمال المشروع البریطانی فی السعودیة تلقت الشرکات البریطانیة ضربة موجعة مع نجاح الشرکات الامریکیة فی اقتناص الفرصة ودخولها للساحة السعودیة على حساب الشرکات النفطیة البریطانیة فوقعت هذه المساحة الشاسعة فی القبضة الامریکیة الاقتصادیة ومن ثم السیاسیة حتى اشعار آخر. بعدها تم الترسیخ لدولة مرکزیة تکون الضامن الاول للمصالح النفطیة والتی عملت معها الشرکات النفطیة لتثبیت الامن والاستقرار خاصة فی مناطق اکتشاف النفط المتمرکزة اولا فی المنطقة الشرقیة. وتحول الحکم المرکزی فی الریاض الى شرطی محلی یؤمن ویضمن الجماعات المحلیة وینزع منها ای سلطة تنافس السلطة المرکزیة وتقوض مراکز اکتشاف النفط والعاملین الاجانب فی مؤسسات وطرق امداداته وتصدیره الى الخارج وتکرس احتکار جهة منقبة عن النفط واحدة لا تخضع لقانون المنافشة العالمیة فتغلق الباب على مبادرات اخرى عن طریق عقود طویلة المدى للتنقیب عن النفط وتصدیره. استمرت هذه الرؤیا الرأسمالیة المرتبطة بحکم مرکزی محلی ونجحت فی استمراریة العقلیة الاحتکاریة الاقتصادیة والنظام السیاسی المرتبط بها حتى هذه اللحظة ونتج عنها حکم مرکزی عاصمته الریاض ینشر هیمنته الامنیة ورؤیته الاقتصادیة وفکره الثقافی وممارساته السیاسیة على کافة الاراضی التی خضعت له. وحتى هذه اللحظة تدار الدولة السعودیة من منطق المرکزیة المفرطة التی توزع المناطق على ابناء الاسرة الحاکمة والذین تحولوا الى امراء مناطق حسب الخارجة الاداریة السعودیة. یعینون من قبل الریاض ویعزلون حسب معطیات التوازنات الاسریة ولیس حسب معطیات الاداء الاداری المحلی لکل منطقة واصبحت امارة المناطق هبة من المرکز الى افراد الاسرة حیث یتوارث بعضهم المنصب من ابیه وقد یبقى محتکرا له لمدة قد تزید عن نصف قرن تماما کما هو حال بعض امراء المناطق فی المملکة. وفی ظل هذا الوضع الشاذ الذی یستمر فی اطراف المملکة وحتى فی مناطقها الحیویة اما لثقلها الاقتصادی او لثقلها الدینی او حتى لهامشیتها نجد ان محاسبة امراء المناطق واداءهم الاداری لا یخضع لای معیار سوى رضى المرکز فی الریاض مهما تسلطوا فی اماراتهم الصغیرة وصادروا الاراضی وعبثوا بموارد التنمیة الآنیة من الخزینة المرکزیة ومهما تردت الخدمات التعلیمیة والصحیة والبنیة التحتیة یظل امراء المناطق فوق الجمیع ویصبحون قطبا یستقطب الشخصیات المحلیة فی محاولة لخلق حلقات محلیة من المنتفعین الذین یقدمون الخدمات للسلطة المحلیة مقابل نصیب من المخصصات والآتوات.
ادت المرکزیة المفرطة من الریاض والتحکم بالوضع المحلی وموارده من قبل الامارات ورجالها الى خلل تنموی رهیب همش بعض المناطق وابعدها عن مسارات التنمیة بل جرها الى کوارث بیئیة وهدر للمال العام وترد فی تطویرها لتلحق برکب مناطق اخرى تعتبر واجهة النظام المرکزی. هذا بالاضافة الى فقدان المناطق القدرة على التحکم بالقرار المرکزی لیلائم متطلبات المجتمعات المحلیة فتذمر هؤلاء من المرکزیة المفرطة التی تعنى اولا واخیرا بالهاجس الامنی على حساب تنمیة بشریة حقیقیة وتطویر للثقافة ومفاهیمها فی التعاطی مع حاجات المناطق التربویة والصحیة والمدنیة.
ان استمراریة هذه المرکزیة المفرطة المتزامنة مع التغیرات الجذریة التی تشهدها الساحة العربیة السیاسیة وارتفاع اصوات تطالب بحق التمثیل وتقریر المصیر یجعلنا نتوجس من تداعیات کل هذا على الساحة السعودیة والتی تعج بالمطالب الاصلاحیة من مجالس منتخبة الى عدالة اجتماعیة مرورا بتحسین الوضع الاقتصادی وخاصة البطالة ومشاکلها وازدیاد الهجرة من الریف الى المدن الکبرى طلبا للعمل وشحة المساکن لذوی الدخل المحدود وتکدس البطالة فی المناطق النائیة ناهیک عن الملفات السیاسیة الساخنة کأزمة المعتقلین السیاسیین بدون محاکمة الناشطین الحقوقیین وفی مقابل ذلک نجد القیادة مشلولة بسبب تداعیات فراغ المناصب الحساسة وعملیة توزیع السلطة على شخصیات جدیدة ربما لا تکون الافضل والاقدر على مواجهة تحدیات المرحلة القادمة خاصة فی ظل الثورات العربیة العربیة وتفرد امراء المناطق بالقرارات واعتبار اماراتهم مساحات شخصیة وارثا عائلیا یجعلنا ندق ناقوس الخطر والذی قد یهدد السعودیة مستقبلا بشبح التقسیم والذی ان برز على الساحة سیکون اول من یساعد فی ترسیخه هم امراء المناطق انفسهم. ومن اجل مواجهة هذه الفرضیة یجب على القیادة قطع الطریق على مشاریع قد تجد صدى عند بعض المجموعات المتذمرة من المرکزیة المفرطة من جهة وغطرسة امراء المناطق من جهة اخرى حیث لم تترک هذه الازدواجیة مجالا حقیقیا للتأثیر فی السیاسة المحلیة وتدیر شؤون المناطق واستأثرت بکل القرارات على حساب المصلحة المحلیة لابناء المناطق انفسهم الذین خضعوا قهرا وغلبة للمشروع السعودی الاول والذی حتى هذه اللحظة لم یتطور ویتجاوب مع التغییرات الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة على السعودیة ان تتحصن من خطر التقسیم خاصة وان الهویات الضیقة قبلیة کانت ام مناطقیة او طائفیة فی طریقها الى التبلور اکثر واکثر خاصة تحت ضغط الحکم المرکزی الذی ینفی قدرتها على تدبیر شؤونها وینزع عنها ای تمثیل سیاسی. على القیادة اولا: اعادة النظر بالممارسة السائدة المتعلقة بارسال امراء مناطق الى اطراف المملکة والتوقف عن توزیع المناطق کغنیمة لهذا الامیر او ذاک وهدیة له کحصة وارث شرعی لمجرد کونه من ابناء الاسرة الحاکمة. یجب ان تستبدل الامارات الحالیة بمجالس محلیة منتخبة ینتخبها المقیمون فی کل منطقة ویمثل مطالبهم الحیاتیة واحتیاجاتهم الیومیة.
ثانیا: توفیر میزانیة لهذه المجالس من الخزینة المرکزیة تأخذ بعین الاعتبار التعداد السکانی لکل منطقة وما تحتاجه من خدمات ضروریة تحددها المنطقة ذاتها ولیس ضرورات الحکم المرکزی فی الریاض. ثالثا: تخضع عملیة توزیع المیزانیة وصرفها لمعاییر المحاسبة والشفافیة ولیس لمعاییر مکافأة أمراء المناطق حسب قربهم او بعدهم من المرکز ومدى رضى هذا المرکز على ولائهم.
رابعا: توسیع صلاحیات مثل المجالس المنتخبة لتشمل تقریر سیاسات تربویة وصحیة وقضائیة وبیئیة حسب ما یتطلبه الوضع المحلی ولیس حسب معطیات واولویات السلطة المرکزیة وامیرها المعین فی کل منطقة. فکل منطقة لها احتیاجات یفرضها الوضع الاقتصادی المحلی والطبیعة الدیموغرافیة والبنیة التحتیة والتی قد تختلف عن مناطق اخرى وتفشل السیاسة المرکزیة فی حلها عندما تطبق نموذجا واحدا یفرض على الجمیع دون الاخذ بعین الاعتبار خصوصیة کل منطقة واحتیاجاتها.
خامسا: وهذا هو الاهم على المرکز ان یفکر جدیا بتداعیات الصمم عن سماع اصوات الاصلاح التی تنادی بنقل الحکم الى مرحلة جدیدة یکون فیها تمثیل سیاسی حقیقی لکل المجتمع وکافة المناطق عن طریق مجلس شورى منتخب یتمتع بصلاحیات سیاسیة حقیقیة ولیس مجلسا صوریا کما عهدته المجتمعات العربیة یکون دیکورا للسلطة السیاسیة التی تجرده من کل صلاحیات ما عدا البت بامور یمکن ان تحل على مستوى المناطق بکل جدیة ویکون لمجلس الشورى المنتخب ممثلون من کل المناطق والمجالس المحلیة المنتخبة.
وتعتبر مثل هذه الاقتراحات السابقة الخطوة الاولى لتدعیم وحدة البلاد وتحصینها من تیارات بدأت اکثر جرأة الیوم فی التعبیر عن سخطها من هیمنة الدولة المرکزیة وتهمیشها للمطالب الشعبیة. ونعتقد ان القیادة السعودیة بصمتها عن الاصلاح السیاسی الحقیقی تحفر قبرها بیدها وستجر البلاد الى امرین تکون عاقبتهما وخیمة على الوطن برمته الاول هو انفجار الصراع على السلطة داخل الاسرة الحاکمة نفسها حیث ان تشعبها وعددها وکثرة المطالبین بحصتهم من خزینتها والمواقع المؤثرة فیها لا یمکن استیعابه الا على حساب الشعب وطموحاته. وثانیا: ستجد دعوات التقسیم صدى عند کل مهمش معزول فاقد لقدرته على التأثیر فی مستقبله ومصیره وستزداد مثل هذه الدعوات حدة وستجد من یقبل ان ینخرط تحت رایتها على حساب الوحدة الوطنیة لیس لانه عمیل او خائن بل لانه یقع تحت ضغط الهامشیة والنفی والغربة فی الوطن وهی من اصعب الحالات. ان یعیش الانسان فی بلد قد سحب البساط من تحت قدمیه هی حالة اغتراب وسلب للذات قد تنقلب الى عمل طائش یجرف الجمیع فی سیل خطیر.
 
' کاتبة واکادیمیة من الجزیرة العربیة

 

30449