رشاد أبوشاور
نجم السعود وفی جبینک مطلعه
أنى توجه رکب عزک یتبعه
وبعد المطلع الترحیبی نبّه الشاعر الأمیر الزائر إلى ما ینتظر الأقصى:
یا ذا الأمیر أمام عینک شاعر
ضُمّت على الشکوى المریرة أضلعه
ألمسجد الأقصى أجئت تزوره
أم جئت من قبل الضیاع تودعه؟!
بصیرة عبد الرحیم محمود الثاقبة نبهت الأمیر إلى الخطر الصهیونی وأطماعه، ومتى؟ قبل النکبة ب14 عاما..فهل کان الأمیر فی غفلة عمّا یحدث لفلسطین، وهو سلیل من یحکمون الأرض التی ولد على ثراها نبینا محمد، حیث أقدس مقدسات المسلمین، التی لا تقل المقدسات فی القدس عنها قداسة؟!
الأمیر الذی زار الأقصى، وتجول فی أرجائه، تأمل ولا شک قبة الصخرة المشرفة التی عرج من قربها نبینا إلى السماوات العلى، تسلّم الحکم فی ما یسمى ( السعودیة)، وصار ملکا على البلاد التی عّرفت قبل حکم العائلة بشبه جزیرة العرب، وبلاد نجد والحجاز، ولم یفعل شیئا لنجدة الأقصى والقدس بعامة، رغم تفاقم الخطر الداهم على فلسطین منذ زیارة الأمیر، وسماعه لقصیدة شاعر فلسطین الثائر التحذیریة.
من لا یعرف مصیر ذلک الملک أنبهه إلى أنه بعد سنوات على حکمه، ترک المُلک مضطرا، وغادر بلده إلى مصر الناصریة، وبقی هناک عدّة سنوات حتى العام 67، ثمّ انتقل إلى سویسرا وتوفی هناک.
الملک الذی خلعته العائلة لمشاعره العروبیة، مات میتة طبیعیة، ولیس اغتیالاً کالملک الراحل فیصل، الذی یقال أن الصهیونی کیسنجر اغتاظ منه، ومن دوره فی حرب تشرین 1973 بسبب قطع النفط، فحرضّ علیه بعد أن توعده فی لقاء أغضب الصهیونی کیسنجر وزیر خارجیة نیکسون!
للتذکیر فإن المسجد الأقصى هو أولى القبلتین، وثالث الحرمین الشریفین، وإذا کان ملوک آل سعود قد لقبوا أنفسهم ب( خادم الحرمین الشریفین)، منذ الملک فهد، فإننا نسألهم: وماذا عن الحرم الثالث الذی تحتضنه القدس، الحرم الأسیر بالاحتلال الصهیونی، وبرعایة أمریکیة!
قصیدة عبد الرحیم محمود هی القصیدة الأولى فی طبعة أعماله الشعریة، ولعل هذا لیس بالمصادفة، فالقدس قلب فلسطین، وفی مقدمة أقدس مقدسات المسلمین فی العالم، وهی تضیع تماما تحت بصر وسمع حکام العرب والمسلمین، وتفقد ملامحها العربیة الإسلامیة..والمسیحیة أیضا. (أذکرکم ببیع ممتلکات الکنیسة الأرتذوکسیة للاحتلال الصهیونی التهویدی).
القدس تطلق هذه الأیام آخر زفراتها، هی التی استغاثت، وحذرت، ونبهت إلى ضیاعها شعرا ونثرا، منذ بدأ التسرب الصهیونی فی ظل رعایة الانتداب البریطانی منذ عشرینات القرن العشرین.
آخر ما أعلنته (بلدیة القدس) الصهیونیة، فی مسلسل تهوید القدس، تخطیطها لتحویل باحات المسجد الأقصى إلى (مرافق عامة)!
هذا یعنی تحویل الباحات إلى حدیقة للزوار الیهود، وهو ما سیکون مقدمة لزرع ما یسمى بالهیکل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، بعد قطع التواصل بین الأقصى وقبة الصخرة، للهیمنة على قلب القدس التاریخی والحضاری.
هل ستحرک الحمیة للدین حکام (السعودیة) لإنقاذ الأقصى قبل وقوع الکارثة؟!
هل ستتخذ المملکة التی یتوارث ملوکها لقب (خادم الحرمین الشریفین)، ما یعبر عن ولائهم للحرمین..وللحرم الثالث، الذی بدونه تکون المهمة الجلیلة التی انتدبوا أنفسهم ناقصة، وسببا لإدانة تقاعسهم من ملیار ومائتی ملیون مسلم فی العالم، کونهم حکام بلاد رسول الله، و..وأصدقاء أمریکا راعیة الکیان الصهیونی، التی یتنافس رؤساؤها على خدمة الکیان الصهیونی، وعلى حساب فلسطین، والأقصى، دون أن یأبهوا بزعل المملکة، کون زعلها الشکلی لا قیمة له، ولا یعنی بنظر أمریکا سوى مجرد کلام للتسویق على مسلمی العالم!
سیتساءل کثیرون، ومعهم کل الحق: ومتى کان نفط المملکة و..أخواتها النفطیات والغازیات فی خدمة قضایا الأمة، وفی صلبها قضیة فلسطین، وجوهرتها قدس الأقصى والصخرة..والقیامة؟!
یوم الجمعة 20 تموز الماضی، أجرى الشاعر والإعلامی زاهی وهبه حوارا حول القدس، مع السیدین: موسى أبوغربیة، ویونس العموری، وهما من کوادر السلطة المتابعین لشأن القدس، فقدما معلومات مرعبة عن القدس، وما یدبر لها، منها أن عدد المستوطنین فی القدس الشرقیة _ هناک من یردد یومیا أنه یریدها عاصمة للدولة الفلسطینیة..رغم أنه أن لم یبق منها ملمح عربی!_ بلغ 250 ألف یهودی..والرقم یتصاعد مع توسیع المستوطنات، التی هی مدن عملاقة، فی مقدمتها معالیه أدومیم. لتعزیز المستوطنات التی تطوق القدس، وتخترقها، اتخذت سلطات الاحتلال قرارا یسمح بإنشاء فنادق 5 نجوم فیها، لتستوعب السیّاح القادمین من أمریکا وأوربة للتبرک بالکیان الصهیونی، وربما.. بالهیکل الذی سینشأ بعد دمار دمار مسجد قبة الصخرة، والأقصى المبارک!
هناک معلومة أوردها أحد الأخوین المتداخلین فی الحوار، وهی أن مؤتمر القمة العربیة فی (سرت) ـ أیام القذافی ـ اتخذ قرارا بدعم القدس سنویا ب 500 ملیون دولار سنویا..لم یصل منها سولا67 ملیون دولار، ومجموع ما وصل من العرب والمسلمین فی العالم نصرة للقدس، ودعما لصمود أهلها بلغ 300 ملیون دولار فی کل السنوات الماضیة!.
بحسب متابعة الأخوین، فإن الیهود فی العالم دعموا مخططات تهوید القدس ب3 ملیارات دولار حتى اللحظة، والرقم مفتوح..حتى یتم تهوید القدس، مع بقاء قلة قلیة عربیة محشورة فی أحیاء تقضم یوما إثر یوم، بحیث تتقلص مساحة کل ما هو عربی بشرا وحجرا!
الباحات الفسیحة المفتوحة على السماء التی عرج منها النبی، والتی قال فیها الله تعالى: سبحان الذی أسرى بعبده لیلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذی بارکنا حوله (ص)..ستتحول إلى مرافق عامة، وهو ما یعنی أماکن قصف ولهو للیهود، و..المرافق تعنی مراحیض لقضاء حاجاتهم، فی الأرض التی ارتوت بدماء من حرروا الأقصى من الفرنجة، و..الذین نزفت عروقهم وهم یواجهون الإنکلیز والصهاینة فی ثورات فلسطین، وانتفاضاتها، وهبّاتها.
فی حدیثهما مع زاهی وهبی، توقف القادمان من القدس للقاء المیادین، عند التبرعات التی یقدمها سنویا الملیاردیر الیهودی الصهیونی موسکوفتش.
هذا الشخص العجوز موسکوفتش، له محلات قمار تنتشر فی أمریکا ، وهو یجمع کل أرباحه سنویا، ویطیر بها إلى الکیان الصهیونی، ویوظفها مثل کل عام، فی خدمة توسیع المستوطنات، وبلغ به الأمر أنه تحمل تکالیف إنشاء مستوطنة بکاملها من أموال القمار!
أموال نفط حماة الحرمین الشریفین لا یقدم منها شیء یذکر للحرم الثالث، وشعب فلسطین الصامد، وأولى القبلتین، أمّا القدس، والأقصى، وقبة الصخرة..فلها الله!