تاريخ النشر: ٢٦ سبتمبر ٢٠١٢ - ٠٩:٠٥

داوود احمد زادة

 

 

 

خبراونلاین – دون التوصل لاجماع اقلیمی وتفاهم دولی لا یمکن التعویل على نجاح مهمة الاخضر الابراهیمی فیما یخص الازمة فی سوریا.
قرابة التسعة عشر شهرا انقضت على الازمة السوریة ولا تزال الاشتباکات الدمویة مستمرة بین الحکومة والمعارضین المسلحین المدعومین عربیا وغربیا. خلال هذه الفترة تم تقدیم عدد من المبادرات من قبل دول المنطقة وایضا من قبل منظمة الامم المتحدة لتسویة الازمة السوریة. فی غضون ذلک تم تفویض عدد من الشخصیات الدولیة والدبلوماسیین المخضرمین من قبل المؤسسات الدولیة للقیام بوساطة وعقد حوار لتسویة الازمة حیث نشیر هنا الى مهمة کوفی انان التی تمثلت فی الخطة السداسیة. بالطبع واجهت خطة انان طریقا مغلقا بسبب تعارضها مع مصالح القوى الاقلیمیة والدولیة وعدم رغبة المعارضین فی اجراء مباحثات مع نظام بشار الاسد، فی ظل هذه الظروف دخول المعارضین السوریین فی مرحلة التحشید العسکری والدعم التسلیحی والمالی من قبل الغرب وبعض دول المنطقة الى جانب ارتفاع عدد القتلى الابریاء ، اضفى على هذه الازمة ابعادا اقلیمیة بحیث تسرب العنف الى خارج الحدود ووصل الى لبنان، ترکیا والاردن ودق ناقوس خطر نشوب حرب شاملة اقلیمیة.
فی غضون ذلک وضمن المساعی المبذولة حول الازمة السوریة والتی تتمحور حول ترکیا، السعودیة وقطر یمکن الاشارة هنا الى سیناریو لیبیا حول سوریا وضرورة تنحی بشار الاسد وایجاد هیکلیة جدیدة للسلطة. هذه الآراء اسهمت فی حمل المعارضة السوریة التی عند بدء الازمة واتساع نطاق الربیع العربی کانت تؤکد على الحل السلمی والعصیان المدنی للمطالبة بحقوقها ، حملها على الدخول فی مرحلة العسکرة اثر التأکد من دعم هذه الدول الثلاث لها وعدم استسلام بشار الاسد وبدأت انشطتها وضاعفتها للسیطرة على سوریا. الدول الثلاث الداعمة الرئیسیة للمعارضین السوریین والى جانب مواکبة الاتحاد الاوروبی وامیرکا وعبر الافادة من آلیة مجلس الامن الدولی والمصادقة على قرارات ضد سوریا، اعربت عن مرافقتها ومماشاتها لمآرب المعارضین السوریین. من جهة اخرى نرى الدول التی تؤمن بالاصلاحات الداخلیة وعدم التدخل العسکری التی تتمحور حول ایران الى جانب مواکبة العراق تسعى عبر سبیل المفاوضات السوریة-السوریة والاصلاحات الداخلیة الى انهاء الوضع المتأزم.
على الصعید الدولی نرى ایضا ان الصین وروسیا وباعتبارهما عضوان فی مجلس الامن الدولی ومن خلال استخدام حق النقض الفیتو منعتا تکرار السیناریو اللیبی فی سوریا.
ویبدو انه وعقب الاجتماع السادس عشر لحرکة عدم الانحیاز فی طهران والتحرکات الدبلوماسیة المکثفة لحل الازمة السوریة من خلال ترویکا مجموعة "نم" ومبادرة تشکیل مجموعة اتصال من قبل محمد مرسی الرئیس المصری ازاداد حجم المبادرات الرامیة للخروج من الطریق المغلق امام الازمة السوریة.
فی غضون ذلک حظیت المبادرة المصریة ورغم اختلاف وجهات النظر بموافقة ایران وتم التوصل لاتفاق متوازن یبتنی على النهج الدبلوماسی ورفض التدخل الاجنبی وفی حال اتفاق کافة اللاعبین المؤثرین فی الازمة من الممکن ان یفضی عن خفض التوتر والتوصل الى حل نهائی وشامل یحظى باتفاق الجانبین. وبالرغم من ان مرسی اکد خلال مؤتمر طهران من خلال شنه هجوما سافرا على سیاسة النظام السوری على ضرورة تنحی الاسد . لکن اوجه اختلاف مصر الجدیدة بزعامة مرسی عن باقی القوى الاقلیمیة (المحور المضاد لسوریا مثل ترکیا، السعودیة وقطر) هو ان مصر لا تحتمل التدخل الاجنبی. ان دخول مصر الهام فی الازمة السوریة انما یعکس ان مصر تحولت تدریجیا من لاعب مهمش الى لاعب مقتدر ومؤثر فی حل الازمات الاقلیمیة وتسعى من خلال التشاور والمشارکة فی الامکانیات الدبلوماسیة لباقی دول الشرق الاوسط مثل ایران الى سلب المبادرة من الغرب فی هذا المجال.
کما یبدو ان دخول مصر الى ساحة الازمة السوریة وضمن ایجاد توازن فی القوى الاقلیمیة من الممکن ان یمهد الارضیة للتوصل لاجماع اقلیمی لتسویة الازمة. الى جانب مصر هناک ایضا العراق وحتى الاردن ولبنان هی من تعارض الهجوم العسکری على سوریا وبسط نطاق الاشتباکات الدمویة فی هذا البلد الى کل الشرق الاوسط. ان تشکیل اللجنة الرباعیة من قبل مصر، ترکیا، ایران والسعودیة هی تاکید جاد على عدم التدخل الاجنبی فی سوریا ومن ضمنه قطع ارسال الاسلحة والمساعدات المالیة ما یمکن ان یؤدی الى تمخض هذه المبادرة عن نجاح ملموس.
کما یمکن القول ان بعض الدول فی المحور المعارض لسوریا مثل السعودیة وترکیا باتت مطلعة على التداعیات السیئة للتدخل السافر فی شؤون سوریا. حیث تواجه الاضطرابات فی المناطق الکردیة وتهدید الامن القومی الترکی ما یمثل ناقوس خطر لانقرة. من جانب آخر نرى السعودیة وبالرغم من التدابیر الامنیة وقمع الشیعة فی جنوب الحجاز لا تزال تواجه الاضطرابات المدنیة وتشعر ان استبدال النظام بالسلفیین المتطرفین الذین هم على صلة بالقاعدة سیهدد تاج وسلطنة آل سعود ولن تکون فی مأمن من الهجمات الارهابیة لذلک نرى مؤشرات ایجابیة خلال الاسابیع الاخیرة من قبل الریاض حول قبول الحقائق السوریة وخفض التشدد ازاءها.
هذه الاوضاع اسفرت عن تسلیط الضوء على دور مصر واجراءات ایران السیاسیة فی حل الازمة السوریة. لا شک ان مفتاح حل الازمة المعقدة فی سوریا یکمن فی التفاهم وحوار القوى الاقلیمیة مثل ایران، مصر، السعودیة وترکیا والترکیز على سبیل الحل السیاسی وعدم التدخل العسکری کل هذا یمثل خیارا مناسبا للسیطرة على الازمة. من جهة اخرى نرى ان الاخضر الابراهیمی الدبلوماسی المخضرم المعروف والمطلع على اوضاع المنطقة بامکانه من خلال اخذ العبرة من مهمة انان الافادة من امکانیات الدول الاقلیمیة الدبلوماسیة لحل الازمة السوریة عبر بذل المساعی الجمیلة.
لا شک انه ومن دون التوصل لاجماع اقلیمی واتفاق دولی لا یمکن التعویل على نجاح الاخضر الابراهیمی فی مهمته الرامیة لتسویة الازمة السوریة. لکن وبسبب تصادم مصالح القوى الکبرى فی اطالة الاوضاع المؤثرة ، فیبدو ان المبادرة المصریة والى جانب التدخل الجاد للمبعوث الاممی ( الاخضر الابراهیمی) بالامکان المضی بها تریجیا لحمل طرفی النزاع على التطبیع والتوصل الى حل منطقی وعقلانی عبر السبل الدبلوماسیة.