تاريخ النشر: ٤ فبراير ٢٠١٣ - ١٤:٠٦

د. حیاة الحویک عطیة

کیف نقارب ما یُجرى فی العراق بعد سوریة وبعد سلسلة طویلة أولها أبعد من أحداث تونس وآخرها لا ینبئ بخیر لدول الخلیج العربی، خاصة بعد اکتشاف خلیة الامارات وبعد ما تسرب عن الجلسة السریة للبرلمان الکویتی؟

هل نحن أمام مالطا جدیدة؟ أمام اعلان بریطانی جدید؟ أمام سایکس- بیکو جدیدة؟

الخریطة مشدودة باستمرار على الطاولة، والأقلام الزرقاء والخضراء "اضیفت الیها الوان اخرى" لم تنفک تعمل علیها خطوطا تتطور اتجاهاتها مع کل معطى جدید ولا جدید فی الجدید لأن کله یندرج ضمن عنوانین ثابتین: الثروات الطبیعیة واسرائیل. غیر أن الأولى تجلت هذه المرة فی الغاز بعد أن کانت طویلا تترکز فی النفط.

برلسکونی یقول أمس إن ما حصل فی لیبیا لم یعدُ کونه التفافا فرنسیا على ایطالیا للحصول على الغاز اللیبی، وفی أکثر من کتاب صدر مؤخرا فی الغرب تفاصیل عن ترتیب موضوع غزو لیبیا بین قطر وفرنسا قبل أیة انتفاضة شعبیة فی ذلک البلد. المهم أن البلد لم یکن المقصود بل غازه، سواء من قبل هذا أو ذاک.

المصادر نفسها تقول إن المخطط لسوریة کان یستنسخ التجربة اللیبیة، لکن حسابات الحقل لم تتحقق على البیدر، ورغم الارباک الذی وقعت فیه السلطة فی البدایة، رغم التباطؤ فی ادارة الأزمة نتیجة عقلیة متکلسة لا تصلح لذلک، رغم انکشاف ضعف الحزب الحاکم والأجهزة الأمنیة، الا أن الجیش العربی العظیم تمکن من تلقف الکرة، ومن صد الهجوم الشرس الدولی العربی، إن لم یکن قد تمکن بعد من دحره. وبالتوازی کانت الدبلوماسیة تخوض معرکتها بنجاح وتتصدى بتماسکلها لکل توقعات الانهیار. بالمقابل کانت المعارضة الوطنیة العریقة، فی الداخل والخارج تجسد صلابة نادرة فی تمسکها بثوابتها الوطنیة والقومیة وفی عدم قبولها عروض الرشوة والارتزاق، وعدم خلطها بین معارضتها لنظام حکم وقبولها بتدمیر الوطن ارضا وشعبا، فترفع شعارها الثلاثی: لا للعسکرة، لا للطائفیة، لا للعنف. لم تنجح فی تطبیق هذا الشعار ، وابعدها تآمر عربی- اوروبی عن واجهة الصورة السیاسیة لتحل محلها معارضة مأجورة مرتزقة لا تعنیها سوریة الا بقدر ما یمکن ان تحمل لجیبها من منافع وما یمکن ان تؤمنه لها من الظهور فی الاعلام . وغطت هذه المعارضة المفبرکة المرتزقة العسکریة التی یحمل بعضها حقدا مذهبیا وجهلا ویحمل قادتها برنامجا معینا یعرفون کیف یخدمونه.

جوهر هذا الحلم سوریة ضعیفة مهزوزة ینطبق علیه ما خلص الیه خبراء مرکز بیغن -السادات فی اسرائیل : " لیس المهم من یحکم بعد الاستنزاف ، لأن الدولة السوریة تکون قد ضعفت وخطرها قد انتفى". لکن جوهر هذا الحلم خریطة فرنسیة قدیمة لا تزال فی الادراج لتقسیم سوریة الى دول ثلاث على أساس مذهبی ورابعة على أساس عرقی. خریطة لا تقبل بأن تکون حدود مفاعیلها سوریة الحالیة، وانما لا بد من مدها الى سوریا الطبیعیة کلها، وعلیه لا بد من العودة الى العراق، فاذا کانت سوریة قد شکلت عائقا لنجاح تقسیم العراق فی السنوات العشر الأولى من القرن، فان العراق الآن یشکل خط امداد لسوریة یساعدها على الصمود، خط لا بد من قطعه، وأفضل السکاکین هی السکین المذهبیة. ..حسنا ولکن ای نظام جاء بعد الاحتلال لم یکن فاسدا؟ فلماذا لم یدعم أحد غیر سوریة أی حراک احتجاجی أو مقاوم فی السابق؟ مظلومیة "السنة". حسنا ولکن ألم یکن العراقیون مظلومین منذ انطلقت طائرات الأمریکی من دول لتفرض علیهم الحصار ولتحتل بلادهم وتدمرها، فلماذا لم ترفع هذه الدول شرها عنهم بدلا من ان تغذی الیوم صبغ حراکهم باللون المذهبی، استکمالا لما عجز الاحتلال عن تحقیقه؟ أجل ان مطالب المتظاهرین حق، ولکن ما دخل مطالب المتظاهرین بجرائم ارتکبها شرکاء الحکم؟ هل یکفی أن یکون المتجاوز سنیا لیغفر له لدى "السنة وشیعیا" لیغفر له لدى الشیعة؟ وهل یجوز أن یصبح طارق الهاشمی أو رافع العیساوی أو نوری المالکی ثمنا مبررا لتقسیم العراق؟ خاصة وأنه من المعروف علمیا أن الانقسام تحت الاحتلال یکون أقل حدة لأن ثقل الاحتلال یوحد، لکنه بعد زواله الشکلی یصبح أکثر خطورة وعنفا. فهل على هذا راهن الامریکیون والغرب عموما بعد أن ترکوا وراءهم قنبلة متواترة التفجر هی القنبلة المذهبیة، التی ان التقت بقنبلة الفساد فی بلاد رحبة الخیرات، وبقنبلة الاحقاد فی ظل تاریخ سیاسی عمّقها، کان الحصاد رهیبا.

کاتبة وباحثة وإعلامیة لبنانیة