امریکا و"اسرائیل" تسعیان الى تصفیة القضیة الفلسطینیة
وأضاف السید نصر الله بالقول؛ "لولا انطلاق المقاومة والصراع الدامی الذی دخله اللبنانیون المقامون مع الاحتلال لما خرجت اسرائیل الى الشریط الحدودی"، مشیرا إلى أن الادارة الامیرکیة تسعى مع الادارة الصهیونیة الى تصفیة القضیة الفلسطینیة لأن کل دولة مشغولة بحالها.
العدو لا یخیفنا ولایمکن ان یمس بعزمنا
وقال السید نصر الله؛ إن "الاسرائیلی یعتبر الوضع فرصة له للهجوم على المقاومة فی لبنان والضغط علیها وقد یتم استغلال بعض الفرص لبعض الاعمال العدوانیة، مؤکدا أنه "الیوم فی ذکرى الشهداء القادة أقول إن العدو یعرف أنه لا یخیفنا ولا یمکنه ان یمسّ بعزمنا، ویعرف ان المقاومة تحافظ على جهوزیة عالیة فی کل وقت".
الارهاب التکفیری موجود فی کل المنطقة
وفی جانب آخر من حدیثه أشار نصر الله، إلى أن "ما یجری فی سوریا من قتال بین داعش وجبهة النصرة مشهد یجب التأمل فیه.. المرصد السوری یتحدث عن اکثر من 2000 قتیل وعشرات العملیات الانتحاریة ضد بعضهم وسیارات مفخخة ارسلوها الى بلدات بکاملها ولم یرحموا احدا"، مؤکدا أن "الارهاب التکفیری موجود فی کل منطقة ویتشکل من مجموعات مسلحة فی کل دول المنطقة وهذه التیارات تنتهج منطقا الغائیا اقصائیا".
وأضاف السید نصر الله "فی الجزائر الجماعات المسلحة فیها ماذا فعلت فی الشعب وقتل امراء بعضها البعض؟"، "لنرى تجربة افغانستان، الفصائل الافغانیة قاتلت اقوى جیش هو السوفیاتی، ثم عند خروجه فبعض الجماعات التی تحمل الفکر التکفیری دخلت فی صراع فیما بینها وما قتلته من بعضها لم یفعله الجیش السوفیاتی".
لبنان هو هدف للجماعات التکفیریة
السید حسن نصر الله شدد على أن لبنان هو هدف للجماعات التکفیریة وجزء من مشروعها، وعلى أن هذه الجماعات کانت ستأتی إلى لبنان، واعتبر أن عقیدیتهم هی من دعتهم للمجیء الى لبنان.
وحول تدخل حزب الله فی سوریا، قال الأمین العام لحزب الله "جرى نقاش فی لبنان على ضوء التفجیرات والعملیات الانتحاریة، البعض قال ما کانت هذه الاعمال لتکون لولا تدخل حزب الله فی سوریا، ومن یومها مشوا فی هذا المنطق التبریری للعملیات وهذا المنطق سیبقى ولو اصبحنا فی حکومة واحدة"، وهنا تساءل الأمین العام "قبل ان نذهب الى سوریا الم یکن فی لبنان حرب فرضها هؤلاء فی الشمال وبعض المخیمات واستهدفوا بسیارات مفخخة مناطق مسیحیین والجیش؟، هذه الامور قبل الاحداث فی سوریا".
غالبیة داعمی وممولی الارهابیین بداوا یکشفون عن خوفهم وقلقهم
ولفت إلى "المعطیات الجدیدة نجد ان اغلبیة الدول التی مولت وسهّلت وشجعت واوصلت المقاتلین الاجانب الى سوریا، بدأت تتحدث عن خوفها ورعبها من المخاطر الامنیة التی یشکلها انتصار هؤلاء فی سوریا وعودتهم الى الدول وما سیشکلون خطرا على هذه الدول"، مشیراً إلى أن عدداً من الدول اصدرت قوانین تحظر على ابنائها السفر الى سوریا للمشارکة فی القتال مثلا تونس.
ماذا فعلت الحکومة اللبنانیة حیال سوریا سوى دس الراس فی التراب
وسأل اللبنانیین "لماذا یحق لکل دول العالم والسعودیة وتونس وغیرها ان تقلق من وجود شبابها فی هذه الجماعات المسلحة فی سوریا ولا یحق لنا کلبنانیین ونحن جیران سوریا واکلنا وحیاتنا ومصیرنا مرتبط بما یجری فی سوریا، لماذا لا یحق لنا اتخاذ اجراءات وحرب استباقیة وسموها ما تریدون؟ ماذا فعلت الحکومة اللبنانیة سوى النأی بالنفس أی دس الرأس فی التراب".
وتابع السید حسن "اسأل المسیحیین قبل المسلمین ترون ما یجری فی سوریا این کنائسکم وراهباتکم ومطارنتکم؟ اذا تسنت لهذه الجماعات السیطرة على کل المناطق الحدودیة، اسأل البعض ماذا فعلتم حتى الآن؟"، "اسأل المسلمین ایضا الیس وضعهم نفس الشیء؟ وما هو وضع الدروز فی السویداء؟ اذا انتصرت هذه الجماعات المسلحة هل سیکون هناک مستقبل لتیار المستقبل فی لبنان؟ هل سیکون هناک مستقبل للتوجهات غیر هذا التوجه فی لبنان؟".
الخطر التکفیری یهدد جمیع اللبنانیین من دون تمییز
وأکد أن الخطر التکفیری یتهدد اللبنانیین جمیعا، ولذلک فی مواجهة هذا الخطر وهذه المعرکة المفتوحة منذ سنوات فی اکثر من بلد عربی وذهب ضحیتها عشرات الالاف بل مئات الالاف، نحن معنیون بالمواجهة.
الانتصار على التکفیریین مسالة وقت
وهنا ودعا الناس إلى أن یکون لدیهم الناس قناعة "اننا بهذه المعرکة سننتصر والمسألة مسألة وقت وما تحتاجه المعرکة من عقول وامکانات واستعداد على المستوى الرسمی والمقاومة والشعبی هو موجود لکن المسألة تحتاج الى وقت، هذه المعرکة مصیریة وافقها افق انتصار".
لن یبدر منا ای رد فعل یخدم الفتنة الطائفیة وهؤلاء التکفیریین
واکد ضرورة العمل على منع تحقیق أی من اهداف العمل التکفیری"ومن اهدافهم القتال الطائفی، الآن خطابهم فی سوریا ولبنان کله طائفی وهم یریدون فتنة، ویریدون ان نندفع کشیعة عندما تفجر نساؤنا واطفالنا برد فعل وهذا لم یحصل ولن یحصل، ای رد فعل یخدم الرد الطائفی یخدم هؤلاء التکفیریین، والحفاظ على دماء شهدائنا بالصبر والتحمل وعدم الاندفاع الى ای فتنة"، مشیداً بالجیش اللبنانی ومخابراته وانجازاتهم وخصوصا الانجازات الاخیرة.
وحول تشکیل الحکومة اللبنانیة، رفض الأمین العام لحزب الله السید حسن نصر الله التسمیة بأنها حکومة جامعة، کونها لا تضم جهات وازنة على الساحة اللبنانیة، کانت ممثلة فی الحکومة السابقة، واعتبر أنها حکومة "مصلحة وطنیة" وقال إنها حکومة تسویة.
وشدد السید نصر الله أن الحزب فی خطابه کان دائما یتحدث عن الشراکة، ولم یقل فی یوم من الأیام انه یرفض تشکیل حکومة یشارک فیها تیار المستقبل او القوات او احد من 14 آذار، "لم نقل یوما اننا نرفض ان یتمثل هؤلاء بالحکومة، لم نقل یوما اننا لا نجلس على طاولة الحکومة او الحوار مع 14 آذار بل کنا دائما نقول اننا نرید حکومة وحدة وطنیة واننا نرید الحوار ولکن هذا لا یعنی ان یفرض احد رأیه على الاخر".
من عطل تشکیل الحکومة هو من کان یرفض تشکیل حکومة سیاسیة
وأکد أن من عطل تشکیل الحکومة لـ 10 أشهر "لیس الحقائب او المداورة بل من کان یرفض تشکیل حکومة سیاسیة ودعا الى تشکیل حکومة حیادیة ودعا الى عزل حزب الله من ای حکومة سیاسیة".
وأعلن الأمین العام لحزب الله أن من فتح باب هذا الانجاز الوطنی هو حرکة أمل وحزب الله، وقال "نحن وضعنا قوی ولسنا ضعاف، وظرفنا السیاسی الداخلی والاقلیمی والدولی افضل من أی وقت بالسنین الثلاث التی مضت، ولکن الوقت ضیق بالنسبة للاستحقاق الرئاسی، کما ان تشکیل حکومة حیادیة سیؤدی الى مشکل، وبالتشاور بین حزب الله وأمل تنازلنا عن احد الوزراء الشیعة والضمانات التی نرجوها یمکن الحصول علیها بشکل آخر، ونحن من فتحنا الباب وقوبلنا فی لحظة اقلیمیة ودولیة بالقبول وهذا شیء یجب ان یکون مدعاة للایجابیة، المشکلة الاساسیة حلت وبقیت المداورة".
وأعلن السید نصر الله أن الحزب ذاهب إلى الحکومة لیس بنیة عداوات او خصومات، وأمل بالذهاب إلى حکومة تلاقی وتفاهم وحوار ونقل المشکلة من الشارع وتخفیف حدة الخطاب السیاسی والاعلامی فی البلد، وأکد أن هذا الأمر من مصلحة الجمیع.
اولویة الحکومة استحقاقاتها الدستوریة
وقال إن "الحکومة کما اعلن رئیسها ان اولویاتها تحقیق الاستحقاقات الدستوریة واهمها الاستحقاق الرئاسی ویجب ان نتعاون جمیعا لاجرائه وهذا التشکیل یجب ان یدفع الجمیع للذهاب وانتخاب رئیس وهذا یشجع ان لا یذهب احد الى الفراغ بالاستحقاق الرئاسی، ثم نأمل على الحکومة التصدی لکل انواع الارهاب ویکون هذا الملف جدیا وحقیقیا، ومعالجة الملفات الاقتصادیة والاجتماعیة".
اذا اردتم منع الفتنة بالمنطقة اوقفوا الحرب على سوریا
وتوجه السید نصر الله إلى الشرفاء فی منطقتنا بالقول "اذا اردتم ان تضییع الفرص على اسرائیل وتمنعوا ذهاب المنطقة الى فتنة اوقفوا الحرب على سوریا واخرجوا المقاتلین من سوریا، وبالتأکید یومها لن نبقى نحن فی سوریا، ویجب جمیعا وقف الحرب على سوریا حفاظا على لبنان وفلسطین وسوریا والامة".
کما وجه السید نصر الله تحیة کبیرة "تحیة اجلال وتقدیر للشعب البحرینی المظلوم بعد 3 سنوات من انطلاق حرکته السلمیة الراقیة ومواصلته لهذه الحرکة رغم القمع والتشویه والاعتقالات من قبل حکومة مفروضة علیه".
وفیما یلی النص الکامل لکلمة السید نصر الله:
النص الکامل لکلمة سماحة السید حسن نصر الله عبر قناة المنار بمناسبة ذکرى الشهداء القادة مساء الأحد 16-2-2014
أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، بسم الله الرحمن الرحیم، والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام على أشرف المرسلین، سیدنا ونبیّنا خاتم النبیین، أبی القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطیبین الطاهرین، وصحبه الأخیار المنتجبین وعلى جمیع الأنبیاء والمرسلین.
السلام علیکم جمیعا ورحمة الله وبرکاته
إننی فی البدایة أتوجه بالتحیة إلى أرواح القادة الشهداء، إلى أساتذتنا وقادتنا وحملة الرایة الأوائل وأصحاب الإنجازات والانتصارات، إلى سید شهداء المقاومة الإسلامیة السید عباس الموساوی، إلى شیخ شهدائها الشیخ راغب حرب، إلى القائد الشهید الحاج عماد مغنیة... وکذلک إلى جمیع الشهداء، شهداء الجیش والقوى الأمنیة، شهداء الشعب، شهداء المقاومة بکل فصائلها، الشهداء اللبنانیین والفلسطینیین والسوریین والعرب الذین روت دماؤهم أرض لبنان، فکانت لنا کل هذه الانتصارات.
أتوجه بالتحیة إلى عوائل الشهداء القادة، إلى عوائل جمیع الشهداء، وإلى الشهداء وعوائلهم الذین یتقدمون أیضا وما زالوا فی کل ساحة وفی کل موقع وفی کل جبهة وعند کل واجب جهادی یدافعون فیه عن بلدهم وشعبهم وأمنهم وکرامتهم وسیادة وطنهم ومقدساتهم وقضایا أمتهم.
أتوجه بالتحیة إلى شهداء التفجیرات الأخیرة التی ضربت فی أکثر من منطقة لبنانیة، إلى الشهداء الأطفال والنساء والشیوخ والرجال والکبار والصغار وإلى عائلاتهم الشریفة، وأواسیهم وأعزیهم وأدعوهم إلى الصبر والتحمّل، إلى الجرحى أتوجه بالدعاء لهم بالشفاء العاجل، وإلى کل الصابرین المحتسبین الصامدین الثابتین المقاومین، دفاعاً عن کرامتهم وعن عزتهم ومستقبلهم، أصحاب البصیرة والرؤیة الصحیحة والوعی الواسع والاستعداد العالی للتضحیة والفداء کما کانوا طوال التاریخ وکما کانوا طوال عقود.
أیها الإخوة والأخوات: سأحتاج إلى مزید من الوقت للحدیث، لأنه لدینا العدید من الموضوعات فی هذه المناسبة، خصوصاً أنه مرّ مدة ولم أتحدث. حدیثی سیتناول ثلاثة عناوین أساسیة:
أولاً: العنوان الإسرائیلی، وما له صلة بالمقاومة والشهداء القادة والتحدیات الحالیة، ولن أتحدث عن التاریخ بقدر ما سأطل على الحاضر.
والمقطع الثانی له علاقة بالمواجهة القائمة حالیاً فی لبنان وسوریة والمنطقة والخطر القائم وبالتالی ما یتصل به أیضا من تحدیات أمنیة وسیاسیة وما شاکل.
وفی المقطع الثالث سأتحدث قلیلاً عن الحکومة الجدیدة وإذا بقی وقت إن شاء الله یکون هناک کلمة أخیرة.
فی ذکرى الشهداء القادة أبدأ أولاً من بدیهیة باتت منسیة للأسف عند کثیر من الناس هی إسرائیل. عندما نتحدث عن الشیخ راغب والسید عباس والحاج عماد وشهداء المقاومة یجب أن نتحدث عن المشروع الذی قاتلوه وواجهوه، عن العدو، وبالتالی عن إسرائیل، عن خطرها وأطماعها وتهدیداتها، خطرها على جمیع الدول فی المنطقة وعلى جمیع شعوب المنطقة العربیة والإسلامیة.
وأیضا نتحدث عن استفادتها القصوى من الفرص القائمة حالیاً والمستجدة لها فی وضع المنطقة وبمساعدة ودعم کاملین من الإدارة الأمریکیة.
طبعا أنا سأقتصر بالکلام عن المخاطر على فلسطین وعلى لبنان لأن الوقت لا یتسع لأتحدث عن مخاطر المشروع الصهیونی على کل المنطقة، وتحدثنا به کثیراً ولکن فیما یتعلق بفلسطین وفیما یتعلق بلبنان نحن بحاجة إلى بعض التذکیر.
هل یجب التذکیر بالخطر الإسرائیلی على فلسطین کأرض، کوجود، کتاریخ، ککیان، کمستقبل، على المقدسات الإسلامیة والمسیحیة، على الشعب الفلسطینی داخل فلسطین، على الشعب الفلسطینی اللاجئ فی الشتات. هذه بدیهیات یتحدث الناس عنها لعشرات السنین، لکنها الیوم غائبة.
الیوم ینشغل أهل کل بلد ببلدهم، بل أن بعض هذه البلدان تخوض الآن مواجهات دامیة ومعارک عسکریة حادة. للأسف الشدید وصلنا إلى مرحلة لا أحد یرید أن یتکلم عن فلسطین ولا أحد یرید أن یتکلم عن العدو، عن إسرائیل.
أنا أتوقع من بعض الناس أن یقولوا: "یا سید أنت وین والعالم وین؟ وشو قاعد تحکینا؟" هذا تعبیر عن الحال الذی وصلنا إلیه وهذا بالتحدید ما أرادت أمریکا وإسرائیل أن تصل إلیه شعوب المنطقة وحکوماتها ودولها بعد کل الانتصارات والانجازات التی حققها محور المقاومة من فلسطین إلى لبنان إلى سوریة إلى إیران.
المطلوب أن نرجع أن ننسى، المطلوب أن تخرج فلسطین والصراع مع العدو الإسرائیلی لیس من دائرة الأولویات، الأمیرکان وإسرائیل الآن لا یریدون أن تکون فلسطین والصراع مع العدو بالاولویات ولو محلها تحت، وأن تخرج من دائرة الاهتمام أصل الاهتمام، بل أن تخرج من العقل ومن القلب ومن العاطفة، أن نصل إلى مرحلة أنک عندما تقول فلسطین – اللیلة أرید أن أحکی کثیراً من الأمور بصراحة – سیقول لک الناس "حلّ عنا انت وفلسطین تبعک"، هذا ما یریدون أن تصل إلیه شعوب العالم العربی والإسلامی: لبنان، سوریا، ومصر والعراق والأردن وکل الدول. مطلوب أن نصل إلى موقع، حتى على مستوى القلب والعاطفة، تصبح فیه فلسطین فی کرة ارضیة أخرى، فی قارة أرضیة أخرى، فی عالم آخر، وحتى فی العاطفة والمشاعر، هذا (بین هلالین) تترتب علیه أیضاً مسؤولیة فلسطینیة. یمکن اذا بقی وقت احکی عنها فی سیاق الکلام.
یجب الاعتراف أنهم نجحوا فی هذا الأمر إلى درجة کبیرة، ولکن لم یفت الأوان بعد للتدارک، ما زال هناک وقت متاح وفرصة عمل متاحة واتخاذ خیارات ما زال متاحاً لتدارک هذا الأمر، ما الذی یفسر لنا ولکم جمیعاً هذا الاهتمام الأمیرکی الاستثنائی والضغط الخاص من وزیر الخارجیة الامیرکیة جون کیری أنه الآن، خلال أشهر قلیلة یرید تحقیق تسویة نهائیة للموضوع الفلسطینی. لماذا الآن؟
هذا سؤال مطروح أم لا؟
أن یخرج بعض المسؤولین الاسرائیلیین لیهاجموا جون کیری فهذه سخافات معتادون علیها لیتبین أنه وسیط نزیه وأنه یُهاجم من کل الأطراف. الآن الإدارة الأمیرکیة تسعى مع الإدارة الصهیونیة إلى تصفیة القضیة الفلسطینیة. الآن وقتها لماذا الآن وقتها؟ ببساطة لأنه لا یوجد عالم عربی نهائیاً. قبل الآن کان هناک بعض عالم عربی، هناک أحد یستطیع أن یقول عندنا مبادرة السلام العربیة وعندنا شروط، عندنا ضوابط وقیود. الآن لیس هناک عالم عربی، لیس هناک عالم اسلامی، لأن کل دولة "مشغولة فی حالها، ما حدا فاضی" لفلسطین أبدا، و"لا حدا فاضی" أن یضغط على أمیرکا لمصلحة الفلسطینیین ولا یضغط على الاسرائیلیین.
بالعکس الآن الواقع فی العالم العربی یضغط على الفلسطینیین أنفسهم، لأن کل واحد صار یرید أن یحل مشکلته فی بلده على حساب القضیة الفلسطینیة ویرید أن یقدم تنازلات فی القضیة الفلسطینیة للأمیرکیین لمصلحة الحفاظ على نظام الحکم أو سدة الحکم أو الوصول إلى الحکم فی هذا البلد أو ذلک. للأسف الشدید، حتى الشعوب هی فی عالم آخر، للأسف الشدید الفلسطینیین أنفسهم وضعهم صعب، انقساماتهم، ظروفهم، حکومة رام الله، حکومة غزة، یتعرض الفلسطینیون لشتى أنواع الضغوط الدولیة والعربیة والمیدانیة من قتل وسجن وحصار. هذا الواقع، هذه التحدیات، إسرائیل تعتبرها فرصة، هذه حقیقة. إسرائیل تتحدث مع الأمیرکیین أن هذه فرصة لتصفیة القضیة الفلسطینیة، یریدون استغلال هذه الفرصة وفرض الشروط على الفلسطینیین للوصول إلى التسویة التی تناسب المصالح الأمیرکیة والإسرائیلیة، "ما عم اقرا عزا لأنه یمکن التدارک".
یجب التذکیر فی الإطار الوطنی اللبنانی أن إسرائیل عدو، للذین نسوا فی لبنان، وأن إسرائیل خطر على لبنان، على کل شیء فی لبنان، على أرضه وشعبه ومیاهه ونفطه وأمنه وسیادته، وهذا الفهم یجب أن ننتبه له جمیعاً. نعم، فی الماضی، وما زال (الأمر الآن) کانت المشکلة دائماً فی لبنان هی تشخیص هذا الخطر، تسخیف هذا العدو، فهم هذا المشروع .
فی العقود الماضیة کان الإمام السید موسى الصدر، أعاده الله ورفیقیه، وقیادات دینیة وسیاسیة ووطنیة من کل الطوائف، منذ الخمسینیات وما بعد إلى الیوم، کان لهم صوت مرتفع فی التنبیه والتحذیر والدعوة إلى الاستعداد والتجهّز للمقاومة والممانعة ومواجهة الأخطار والتهدیدات الاسرائیلیة. هذه المهمة، بعد الاجتیاح الاسرائیلی عام 1982 کان للشیخ راغب حرب، کان للسید عباس، کان لکل إخوانهم فی مختلف الحرکات والفصائل أیضاً أصوات مرتفعة ودعوات صارخة لإیقاظ الناس وتحمّل المسؤولیة والدعوة للمقاومة والقول للناس جمیعاً ـ ولبنان کان فی حرب أهلیة، فی فتنة، فی صراع داخلی ـ أن هذا هو العدو الذی یجب أن تتوجه الیه العقول والقلوب والسواعد والبنادق.
للأسف الشدید، انا لا أتحدث فی التاریخ فقط، لاننا نعیش نفس الوضع لکن بعنوان آخر. للأسف الشدید، فی ذلک الوقت اعتبر کثیر من الناس أن مشکلة إسرائیل فی اجتیاح 82 لیست مع لبنان ولا مع اللبنانیین. إسرائیل لیست لها مشکلة معنا، إسرائیل فی 82 - هناک ناس کانوا یعتقدوا ذلک- إسرائیل فی 82 مشکلتها هی مع الفلسطینیین، مع منظمة التحریر الفلسطینیة، مع المقاومة الفلسطینیة، وهی اجتاحت لبنان من أجل إخراج الفلسطینیین من لبنان، وإلا فالاسرائیلیون لیس لهم أطماع فی لبنان ولا یریدون أن یحتلوا ویبنوا مستعمرات، ولیسوا طامعین فی میاهنا، ولایریدون الدخول فی قرارنا السیاسی وسیادتنا ودولتنا. أبداً، الجماعة نظر إلیهم البعض کمنقذ، ألیس کذلک؟ وأنه لا مشکلة، نحن الاسرائیلی بالنسبة لنا کلبنانیین لا یشکل خطراً ولا یشکل تهدیداً.
هذا الکلام یجب أن یُقال لان أجیال الشباب الحالیة الیوم فی لبنان والعالم العربی لم یعایشوا تلک الفترة.
حسناً، ماذا حصل لاحقاً؟ خرجت منظمة التحریر، خرجت فصائل المقاومة الفلسطینیة من لبنان وارتکبت أبشع المجازر بحق بعض المخیمات الفلسطینیة کصبرا وشاتیلا، ولکن بقیت اسرائیل فی لبنان. بقی الجیش الاسرائیلی یحتل الأرض، وأراد أن یفرض هیمنة وخیارات سیاسیة واتفاقات سیاسیة على لبنان، یقتل، یعتقل، بنى معتقلات وزج بها الآلاف من الشباب اللبنانی والفلسطینی من أبناء المخیمات، وکان یتحضر ـ لو استقر له الأمر ـ لبناء مستعمرات فی جنوب لبنان. هذا ما قالوه فیما بعد.
حسناً، لولا انطلاق المقاومة ـ بکل فصائلها وتلویناتها ـ والصراع الدامی الذی دخله اللبنانیون المقاومون مع قوات الاحتلال، کلنا یعرف، لَمَا خرجت اسرائیل من بیروت ومن الجبل ومن صیدا وصور والنبطیة وبنت جبیل وخرجت إلى الشریط الحدودی، وفی تلک المرحلة لم تکن المقاومة تشکل تهدیداً استرتیجیاً ولا تهدیداً وجودیاً على کیان العدو أبداً، لماذا کانوا بحاجة للبقاء فی الشریط الحدودی؟ طمعاً بالبقاء وبالاحتلال وبتکریس أمر واقع لولا استمرار المقاومة بعد عام 1985.
إذا لولا المقاومة لبقیت إسرائیل فی لبنان ولتأکد الواهمون أنها عدو وأن لدیها أطماع وأحلام وأنها ترید الهیمنة والسیطرة ولا ترید بهذا البلد وبشعبه ـ ولا بأی طائفة من طوئفه ولا منطقة من مناطقه ـ خیراً على الاطلاق.
ودائماً اللبنانیون یجب أن یستحضروا التجارب، المسیحیون، الموارنة، الدروز، الشیعة، السنة، الکل کل واحد له تجربة مع الإسرائیلی فی الجبل وبیروت وشرق صیدا، وصیدا، والشریط الحدودی وآخرها جیش انطوان لحد. هذه التجارب یجب أن تبقى حاضرة. الآن الاسرائیلی ما زال هو العدو وما زال هو الخطر وما زال هو المشروع وما زال هو التهدید الذی یجب الانتباه إلیه.
حسناً، إسرائیل خلال الأسابیع القلیلة الماضیة أیضاً ـ فی الدائرة اللبنانیة ـ حاولت أن تستفید من الفرص لتشنّ حرباً نفسیة قاسیة على المقاومة وعلى بیئة المقاومة، ولذلک سمعنا خلال الأسابیع القلیلة الماضیة تهدیداً ووعیداً، وأننا نقصف وندمّر ونمسح ونمحی. طبعاً هناک الکثیرون فی لبنان لم یستمعوا إلى هذه التهدیدات لأنها خارج دائرة اهتمامهم، لکن الإسرائیلی اعتبر أن هذه فرصة له، الانقسام الحاد فی لبنان، القتال والمعارک فی سوریا، وهذه فرصة لأن یهجم على المقاومة فی لبنان، یستفرد بالمقاومة فی لبنان، ویضغط علیها نفسیاً، وقد یتم استغلال بعض الفرص ببعض الأعمال العدوانیة من هنا أو من هناک. هذا یلجأ إلیه الاسرائلی ولکن لا شک ان الاسرائیلی لا زالت عینه على أرضنا، على میاهنا، على نفطنا، وما زال ینظر ـ کما حصل فی المؤتمرات الاخیرة فی الکیان التی خطب فیها رئیس حکومة العدو ورؤساء أرکان ورؤساء مخابرات سابقین ـ ما زالوا ینظرون إلى حزب الله على أنه الخطر الأکبر فی المنطقة، طبعاً لیس بمعزل عن سوریا وإیران، ولکن بالمباشر، ما زالوا یعتبرون المقاومة هی التی تشکل الخطر على مصالحهم وعلى أطماعهم وعلى طموحاتهم وعلى مشاریعهم.
بالتأکید، الیوم، فی ذکرى الشهداء القادة أود أن أقول للعدو والصدیق أن العدو یعرف أنه لا یخیفنا وأنه لا یستطیع المس بإرادتنا ولا بوعینا ولا بعزمنا بعد کل هذه التجارب الطویلة بیننا وبینه والانجازات الکبیرة وما ألحقته المقاومة بهذا العدو من هزائم، وهو یعرف أیضاً أن المقاومة تحافظ على جهوزیة عالیة فی کل وقت وحتى فی هذا الوقت بالرغم من کل ما یجری فی لبنان وسوریا، وأن العدو یعلم أن کل ما یخشاه من قوة المقاومة وإمکانیاتها هو قائم وجاهز ویتطور أیضاً، وأن المقاومة ـ وإن کان یسقط لها شهداء فی سوریا تعتز بهم إلا أنها ـ تزداد خبرة ومعرفة وقدرة وکفاءة على مواجهات أکبر واستحقاقات أهم من کل ما واجهته من تجارب سابقاً فی مواجهة العدو.
مع لبنان، من یجب أن یقلق هو العدو الاسرائیلی وحکومة العدو الاسرائیلی. شعب الکیان العدو هو الذی یجب علیه أن یقلق، وکما کان یحسب دائماً لهذه المقاومة ولرجالها، لمقدراتها، لإمکاناتها، لبیئتها، لشعبها ملیون حساب، الیوم أیضاً یجب أن یبقى فی هذه الحالة وأن لا یتوهم أو یرتکب أی حسابات خاطئة من خلال قراءته للأوضاع اللبنانیة والإقلیمیة.
الیوم مجدداً أنا أدعو اللبنانیین جمیعا للتنبه إلى ما تمثّله إسرائیل من تهدید ومخاطر على کل شیء فی لبنان وأن یتحملوا مسؤولیتهم الوطنیة على کل صعید.
نحن فی السابق، أنا فی احتفال النصر الالهی فی 22ایلول عام ألفین وستة من جملة ما قلت فی ذلک الخطاب، نحن نتمنى أن یأتی الیوم الذی یصبح لدینا فیه دولة قویة قادرة أن تدافع عن لبنان، أن تحمی لبنان فی مواجهة العدو الإسرائیلی حتى نرتاح نحن ونذهب إلى بیوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وحقولنا.
الیوم فی ذکرى الشهداء القادة، الذی تکلمنا عنه فی العام ألفین وستة نعیده الیوم أیضاً، نحن ندعو ونتمنى أن یاتی الیوم الذی یصبح فیه الجیش اللبنانی، هذه المؤسسة الوطنیة هو القوة الوحیدة القادرة على حمایة لبنان، والقوة الوحیدة التی تتحمل مسؤولیة الدفاع عن لبنان، ونذهب نحن فیه إلى بیوتنا ومدارسنا وحوزاتنا وجامعاتنا وحقولنا، وهذا هو التحدی الحقیقی. نحن مع کل ما یقوی هذا الجیش عدةً وعتاداً وعدیداً وامکاناتٍ وسلاحاً نوعیاً وسلاحاً متطوراً قادراً على حمایة لبنان فی مواجهة التحدیات الاسرائیلیة.
على کل حال التجارب والأیام هی التی ستثبت أنه هل هناک فی العالم، فی مکان ما من العالم، إرادة بأن یقدم إلى الجیش اللبنانی سلاح من هذا النوع أو لا، لو حصلت هذه الإرادة وحصل هذا الدعم سنکون شاکرین لکل من یعطی للبنان عنصراً من عناصر القوة. نحن همّنا وغمّنا، فی ذکرى الشهداء القادة وعلى مدى أکثر من ثلاثین عاماً، کان أن یُدافع عن لبنان، عن شعبه، عن کرامته، عن سیادته، عن عزته، عن مقدراته وخیراته، لا أن یُترک لمصیره. فی الماضی تُرک لبنان لمصیره والیوم ما زال متروکاً لمصیره. نحن نأمل أن تتحقق إرادة وطنیة جامعة لأن یکون لدینا دولة حقیقة تفکر بکل شبر من الأراضی اللبنانیة، بکل لبنانی، بکل منطقة لبنانیة وبمصیر کل لبنان وتبنی جیشاً قویاً ومقدرات وطنیة کبیرة لمواجهة هذه الأخطار.
أنتقل إلى المقطع الثانی، أو العنوان الثانی.
لکن بالربط بین العنوانین، هناک أمر آخر فی العنوان الأول یجب أن أشیر إلیه ویساعد على فهم المواجهة فی المرحلة الحالیة.
أیضاً للتذکیر، أتمنى على أجیالنا الجدیدة أن تسأل أیضاً عن هذا الموضوع. منذ العام 1982 وحتى 2000 وفی 2006 کان دائما فی لبنان أناس یحمّلون المقاومة مسؤولیة کل ما کان یقوم به العدو من إعتداءات. أی أن الإسرائیلی یقصف الضیع (القرى)، قبل الانسحاب إلى الشریط الحدودی، عندما تحصل عملیات على الجیش الإسرائیلی - قوات الإحتلال، یأتی الإسرائیلی فیعتقل شباباً على الحواجز، یحاصر ضیعاً، یداهم ضیعاً، یهدم بیوتاً، یعتقل الناس، یقتل الناس. بعد ذلک عندما انسحب إلى الشریط الحدودی، کان یقصف الضیع - من دون تمییز - على المدن ویسقط شهداء وجرحى، دائما کان هناک أناس فی لبنان یقولون إن الذی یتحمل المسؤولیة هو المقاومة، لماذا تقومون بتنفیذ عملیات على الإسرائیلی؟ لماذا تهاجمون مواقع الإسرائیلی؟ لماذا تنفذون عملیات استشهادیة فی بیروت ضد الاسرائیلی أو فی الجبل أو فی صیدا أو فی صور أو فی الأماکن الأخرى؟ اترکوا الاسرائیلی فلا یفعل شیئاً. حتى بعض الناس، إلى 2000 لم یستخدم یوماً کلمة شهید عن شهداء المقاومة - لا أرید أن أفتح الماضی لکن أرید أن آخذ عبرة - ولم یکن یتحدث عن مقاومة وعدو، وإنما کان یتحدث عن حلقة عنف، دائرة عنف، قتال، ویسلخ عنه صفة الوطنیة وصفة المقاومة وصفة القضیة الشریفة.
حسناً، یومها لو أصغینا إلى هذا المنطق، حتى وصل إلى أن أصبح له تنظیر سیاسی وبات هناک حدیث عن سیاسة سحب الذرائع، فکیف نحمی لبنان بسیاسة سحب الذرائع؟ نسحب الذرائع ویبقى لبنان تحت الإحتلال، هذه کانت النتیجة. لو أصغینا إلى هذا المنطق لکانت إسرائیل ما زالت فی بیروت والجبل، وکانت ستکمل على الشمال، على طرابلس وعلى بعلبک الهرمل، ولکانت تقیم مستعمرات ولکانت هی التی تعین الحکومة وهی التی تدیر البلد وتفرض خیاراتها السیاسیة وتنهب میاهنا التی نحن اللبنانیین "ما عم نعرف" کیف نستفید منها، لکن هم کانوا سحبوها على فلسطین المحتلة، وبعد ذلک إذا تبین أنه یوجد نفط لن نتقاتل على وزارة النفط، کان کل شیء عند الإسرائیلی.
لو أصغینا إلى هذا المنطق الذی کان یعتبر أن ما یقوم به العدو الإسرائیلی من اعتداءات على اللبنانیین وقراهم وبلداتهم وبیوتهم ورجالهم ونسائهم هو مجرد رد فعل طبیعی، منطقی، مبرر للعدو الإسرائیلی لأنه أنتم المقاومة تقومون بعملیات ضده. ألم یکن هذا موجوداً فی لبنان، وعمل له أدبیات، وعمل له إعلام، وعمل له تنظیر سیاسی وثقافی وفکری؟ ولکن هذه المقاومة وأهل هذه المقاومة وکثیر من اللبنانیین وجزء کبیر من الشعب اللبنانی، لم ینضغطوا بهذا المنطق ولم یصغوا إلیه وواصلوا الطریق، واصلوا العمل، وبالتضحیات وبالشهداء وبالجراح وبالأسر وبالسجون وبالتحمل وبالتهجیر ومرة واثنتین وثلاث وأربع وخمس إلى أن صنعوا هذا التحریر الذی نحتفل به فی کل عام وینعم به کل اللبنانیین، من دفع الثمن ومن لم یدفع الثمن.
حسناً، هذه لنترکها بالذهن حتى نعود ونتکلم عن الخطر الثانی لأن هذا أیضاً موجود فی المواجهة.
یأتی الخطر الثانی والتهدید الثانی الذی أیضاً طالما تحدثنا عنه خلال الفترة الماضیة، الذی یهدد کل دول المنطقة، مثلما إسرائیل خطر تهدد کل دول وحکومات وشعوب المنطقة، الیوم هذا الخطر یهدد کل دول وشعوب المنطقة وهو خطر الإرهاب التکفیری.
فی صراحة، التکفیر بحد ذاته وحده لا یشکل خطراً کبیراً، الآن شخص قال لی أنت کافر، "یصطفل"، أنا لا أطلب منه شهادة أن یقول لی إذا أنا کافر أو مؤمن، یکفّر الذی یریده، هذا شأنه، یعنی إذا کان الأمر فی الدائرة الفکریة القانونیة، "یصطفل"، فی النهایة بالدنیا ما طالبین شهادة منه، لا أحد طالب شهادة من أحد، لا نحن ولا غیرنا، وفی الآخرة مفتاح الجنة لیس بیده حتى یدخل الذی یرید ویخرج الذی یرید، مفتاح الجنة معروف أین.
المشکلة لیست فقط فی التکفیر، المشکلة أنهم عندما یکفّرون لا یقبلون هذا الآخر الذی یختلف عقائدیاً أو فکریاً أو مذهبیاً أو سیاسیاً معهم، وإنما یذهبون مباشرة إلى الإستباحة - لیس هناک حل آخر - إستباحة الدماء والأعراض والأموال، إلى الإقصاء، إلى الإلغاء، إلى الشطب، إلى الحذف، وهذا الأمر بات معروفاً، لا یحتاج منی إلى وقت وإلى إستدلال، لا یحتاج، بات معروفاً فی کل المنطقة.
طبعاً هذا الإرهاب التکفیری الیوم هو موجود فی کل منطقة، یتشکل من مجموعات مسلحة موجودة فی أغلب دول المنطقة، بل یمکن فی کل دول المنطقة، هذه التیارات أو الجماعات تنتهج منهجاً تکفیریاً، إقصائیاً، إلغائیاً، تستبیح فیه کل من عداها، حتى - هنا الموضوع لیس موضوع سنة وغیر سنة أو مسلمین و مسیحیین مسیحیین مفهوم، حتى فی الدائرة الاسلامیة، شیعة، علویین، دروز، إسماعیلیة، زیدیة، کل من غیر السنة محسوم ، عندما نأتی إلى السنة ـ کل من عاداهم من السنة هو أیضاً فی دائرة التکفیر. وأسهل شیء لدیهم أن یقول له "أنت کافر مرتد".
حسناً، ألم تحکم قبل اسابیع داعش على جبهة النصرة؟ وهما فکر واحد، منهج واحد، کانوا تنظیماً واحد، أمیر واحد، بیعة واحدة، نفس واحد، أخلاق واحدة، واحد تماماً فی کل شیء، بالزی وبالشکل وبالمنطق وباللغة وبالأدبیات وبالعقل وبالقلب، وعندما اختلفوا بموضوع سیاسی، ممکن أن یختلفوا على بئر النفط فی سوریا، یمکن على إقتسام الغنائم، حکم علیهم بالکفر والارتداد - بسهولة جداً- وما یستتبع ذلک من أحکام. هذا الأمر الیوم أصبح واضحاً فی کل منطقة، لو اختلفوا مع الآخر الذی هو منهم على موضوع تنظیمی أو موضوع سیاسی أو موضوع مالی، یسارعون إلى الحکم بالکفر وبالإرتداد ویرتّبون الأثر على ذلک.
ما یجری منذ مدة فی سوریا من قتال قاسٍ وشدید بین داعش من جهة وبین جبهة النصرة والآخرین من جهة أخرى، هذا مشهد یجب التأمل فیه کثیراً، لیس من جهة الشماتة الذی هو لا یختلف معهم، کلا، جدیاً الکل یجب أن یتفرج على هذا المشهد، یأخذ عبرة، نقرأ الحاضر، نتوقع للمستقل.
أنظروا ما الذی حصل إلى الآن - خلال أسابیع قلیلة - المرصد السوری المعارض یتحدث عن أکثر من ألفی قتیل خلال أسابیع قلیلة بینهما، عدد العملیات الانتحاریة بالعشرات خلال أسابیع ضد بعضهم البعض، سیارات مفخخة أرسلوها إلى قرى ملیئة بالسکان، فقط لأن هذه "الضیعة" داعش أو هذه "الضیعة" مع النصرة، لکن هناک الکثیر من الناس لیست مع داعش ولا مع النصرة ویمکن مع المعارضة فی الموقف السیاسی. لم یرحموا أحداً، سبی نساء، ذبح الأطفال، تدمیر القرى - مع بعضهم، لا أتکلم عن معرکتهم مع النظام، دعوا هذا الموضوع جانباً - عملیات إنتحاریة ضد بعضهم البعض، قتل المعتقلین والأسرى بدون رحمة، مقابر جماعیة، مجازر جماعیة، على ماذا اختلفوا؟ أنتم منهج واحد وفکر واحد ومذهب واحد واتجاه واحد وأمیر واحد، على ماذا اختلفوا؟ على شأن سیاسی أو على شأن تنطیمی له علاقة أنه الأمیر فلان أو فلان أو على بئر نفط، ألیس على هذه الأشیاء اختلفوا وقاموا بذلک. هذا النموذج وهذا المشهد تأملوه جیداً ،هذا یبین لکم العقل الذی یتحکم بقادة وأفراد هذه الجماعات وهذا لیس جدیداً ولیس مفاجئاً، نحن کنا نتوقع ذلک، لیس لأنه نحن "شایفین" أکثر من غیرنا، کلا، لأن من واکب التجارب السابقة له أن یتوقع هذا.
حسناً، هذه تجربة أفغانستان، الفصائل الجهادیة الافغانیة قاتلت أحد أقوى الجیشین فی العالم، الجیش السوفیاتی، وألحقت به الهزیمة فی أفغانستان، بعد ذلک خرج السوفیات. مجموعة من الفصائل الجهادیة، لأنه فی بعض الفصائل الجهادیة فی أفغانستان کانت تحمل هذا الفکر التکفیری، الإلغائی، الإقصائی، الدموی، الذبح ـ ومخترعین حدیث عن النبی "جئتکم بالذبح"، هذا لیس من دین الله ولیس من دین رسول الله ولا یمکن أن یکون دین نبی من أنبیاء الله عز وجل ـ لأنه یوجد أناس کانوا یحملون هذا الفکر دخلت الفصائل الجهادیة الأفغانیة فی صراع دامٍ فیما بینها. ما دمرته من أحیاء ومن مدن ومن قرى وما ألحقته ببعضها من أعداد قتلى وجرحى وما قتلته من قادة جهادیین کبار لم یفعله الجیش السوفیاتی. والآن أین أفغانستان؟ من الیوم الذی خرج منها السوفیات إلى الیوم ، أعطونی یوماً فی أفغانستان لا یوجد قتل، لا یوجد جراح، لا یوجد تهجیر، لا یوجد تدمیر، لا یوجد صعوبة عیش، أعطونی یوماُ واحداً فیه سلام، فیه هناءة عیش، بسبب هؤلاء.
حسناً، فی الجزائر - هذه أفغانستان ممکن أن تقولوا لی (سکان) جبال و"قاسیین" - الجماعات المسلحة فی الجزائر ماذا صنعت وفعلت فی الشعب الجزائری وماذا فعلت ببعضها فی قتل أمراء بعض والصراعات التی قامت بین هذه الجماعات ؟
یکفی هذا المقدار من الأمثلة لیتسع وقتنا لبقیة المواضیع..... إذاً هذا الذی یحدث الآن أمامنا والذی یجب أن نأخذ جمیعاً منه العبرة.
هنا أدخل إلى لبنان فی هذا الشق. حسناً، فی لبنان صار عندنا تفجیرات فی أکثر من منطقة، عملیات إنتحاریة استهدفت الناس، أطفال ونساء وأسواق وأناس عادیین وارتکبت جرائم على هذا الصعید وبعض هؤلاء الذین (نفذوا العملیات)، کنا فی الأول نقول کیف ومن؟
أحد ما کان یقول النظام السوری، أحد یقول المخابرات السوریة، أحد یقول الموساد، أنا کنت واضحاً، نحن لم نتهم أحداً سریعاً بالتفجیرات وکنا نقول "طوّلوا بالکم" سیظهر (المنفّذون)، لیس لأنه لدیهم سریة أو لیس لهم سریة، کلا، هم ذاهبون إلى حرب معلنة ولذلک ینزّل بالفیدیو وبالإنترنت ویتبنى ویعلن عن الإنتحاریین ویعمل رسائل ویعلن أهداف، إذاً لم یعد هذا الأمر فی دائرة النقاش والجدل، إن من یقف خلف العملیات الإنتحاریة والتفجیرات، هی جهات تکفیریة قتالیة، لیست جهادیة، إذا یوجد أحد بعد فی لبنان أو فی العالم یرید أن یناقشنا، الإسرائیلی أکید داخل فی هذه الجماعات، الأمر کان أکیداً، یستخدمون هذه الجماعات وهم استخدموها فی العراق طویلاً وفی غیر العراق، ولکن لا یوجد نقاش أن فلان وفلان بالأسماء، معروفین، هذا لبنانی وهذا فلسطینی وهذا سوری وهذا سعودی وهذا مغربی وهذا عراقی، هم الذین یدیرون هذه الشبکات وهم الذین یدیرون هذه الأعمال الإنتحاریة والتفجیریة فی لبنان. هذا عن ماذا یعبر؟ یعبر عن هذا المنهج، عن هذا العقل.
جرى نقاش فی لبنان على ضوء هذه الأعمال التفجیریة والانتحاریة بین اللبنانیین. کالعادة ننقسم. هناک ناس خرجوا لیقولوا ما کانت هذه الأعمال لتکون، هذه التفجیرات وهذه العملیات الانتحاریة، لولا تدخل حزب الله العسکری فی سوریة. ومن یومها یسیرون بهذا المنطق التبریری للعملیات، من یومها ومازالوا یسیرون، والیوم نفس المنطق، وهذا المنطق سیبقى حتى لو أصبحنا فی حکومة واحدة، هذا منطق سیبقى وهذا جزء من الخصومة والصراع السیاسی الموجود فی البلد.
نأتی لهذا المنطق قلیلاً: قبل أن نذهب نحن إلى سوریة ألم تحدث فی لبنان حرب فرضها هؤلاء فی الشمال وفی بعض المخیمات وفی بعض المناطق واستهدفوا بسیارات مفخخة مناطق مسیحیة وجیش؟ (هذا) موجود. لا نود فتح لائحة، یستطیع الإعلام وضع لائحة، هذا قبل الأحداث بسوریة أساساً.
حسناً، دعوا هذا جانباً. أمام هذا المنطق هناک فرضیتان لا ثالث لهما: إما أن یکون لا علاقة لهذه التفجیرات بتدخلنا بسوریة، أو له علاقة بتدخلنا فی سوریة. هل هناک فرضیة ثالثة؟ واحدة من اثنتین: إما لها علاقة، إما تدخلنا فی سوریة هو السبب، وإما لا، تدخلنا لیس هو السبب، وعلى کل حال کانوا یودون فتح جبهة لبنان.
هناک هاتان الفرضیتان. حسناً إذا ذهبنا إلى الفرضیة التی نعتقد بها نحن، أن هذه الجماعات التکفیریة لبنان هو أحد أهدافها، وهذا معلن فی أدبیاتهم وفی خطباتهم، ولکن جاءوا وقالوا لبنان الآن هی ساحة نصرة ولیست ساحة جهاد، الأولویة أن ننتهی من سوریة وثم نأتی إلى لبنان. هذا قیل أم لا؟ هذا موجود على الإنترنت وفی التلفزیونات ووسائل الإعلام والخ.
حسناً، هم ذهبوا ضمن أولویة ما للسیطرة على المناطق الحدودیة مع لبنان، سواء مع الحدود الشمالیة أو مع الحدود البقاعیة إن صح التعبیر، فالمسألة إذاً هی مسألة وقت فقط. معناه أنه من حیث المبدأ بالنسبة لهم هم "جایین جایین"، ونحن نعتقد أنه إذا لم یأتوا الیوم سیأتون غداً، هم أعلنوا ذلک وقالوا ذلک. هذا إذا اعتبرنا أن الموضوع لیس له علاقة کمبدأ.
من حیث المبدأ لبنان هدف للجماعات التکفیریة، لبنان جزء من المشروع، مشروع الجماعات التکفیریة وإذا کان الأمریکی والإسرائیلی اخترقهم قطعاً سیجعل لبنان هدفاً قطعاً، سیجعل لبنان هدفاً لأنه یود تمزیق کل المنطقة، وهناک خصوصیة فی لبنان کسوریة، أنه فی لبنان هناک مقاومة ما زالت تشکل أکبر تهدید للمشروع الإسرائیلی فی المنطقة.
معنى ذلک برأینا "جایین جایین"، والذی دعاهم إلى الدخول إلى الساحة اللبنانیة هو عقلیتهم ومشروعهم ومنهجهم، وفتحت الجبهة. لنفترض أن هذا منطق.
هناک منطق ثانٍ، لو سلّمنا بمنطقکم. الیوم لا أود الدفاع عن المنطق الأول. أود التسلیم، سأسلّم جدلا بالمنطق الثانی، لو سلمنا بمنطقکم، أنه یا شباب یا جماعة ویا ناس انتم تدفعون ثمن أن حزب الله أرسل مقاتلین لیقاتلوا فی سوریة، فهذا السبب، جاء الجماعة ونفذوا تفجیرات وعملیات انتحاریة ولجأوا الى هذا الخیار.
لنأخذ مثلاً هذه الفرضیة. سیکون کلامنا بوضوح وبصراحة. هذا یترتب علیه سؤال آخر. لو سلّمنا بهذه الفرضیة، أنه هل الأمر یستحق هذه التضحیة؟ تحمل هذه التبعات؟ هل یستحق الأمر أن نذهب ونقاتل فی القصیر وأن نذهب ونقاتل فی دمشق، لأن هاتین المنطقتین الأساسیتیین اللتین ساهمنا فیهما بشکل أساسی، القصیر یعنی المنطقة الحدودیة، ودمشق یعنی المنطقة الحدودیة، لأنه لا سمح الله لو سقطت دمشق کل المناطق الحدودیة مع لبنان کانت تحت سیطرة هذه الجماعات المسلحة.
هل الأمر یستحق أن نقوم بعمل یؤدی إلى ردات فعل من هذا النوع أو لا یستحق؟ طبعاً هنا أعود وأذکّر بما قلته قبل قلیل فی الموضوع الإسرائیلی: عندما کانوا یقولون لنا أنتم هاجمتم الإسرائیلی وقاتلتم الإسرائیلی وحواجزه وتواجده وثکناته ومعسکراته (نفّذ هجماته)، طبیعی کان هذا تبریراً للإسرائیلی. الیوم هناک تبریر لهذه الجماعات المسلحة بالاعتداء على لبنان.
مثلما تحدثت قبل قلیل، نحن شرحنا طویلاً حیثیات وخلفیات لماذا ذهبنا إلى سوریة ولماذا قاتلنا فی سوریة لما ما زلنا نقاتل فی سوریة ولماذا سنبقى حیث یجب أن نکون سنکون. یعنی لیس هناک أی تعدیل على الإطلاق، بل المعطیات تزید الناس قناعة بصوابیة وصحة هذا الخیار. أنا لن أتحدث من البدایة، سنتحدث من الآخر (عن) المعطیات الجدیدة الآن فی الوضع الإقلیمی والدولی، الیوم نجد أن أغلبیة الدول فی العالم التی موّلت وسهّلت ومنحت تأشیرات دخول وفتحت الحدود وشجّعت ودعمت وأوصلت المقاتلین الأجانب ـ أی غیر السوریین ـ إلى سوریة، أغلب هذه الدول الآن بدأت تتحدث عن خوفها وقلقها ورعبها من المخاطر الأمنیة التی یشکلها انتصار هؤلاء فی سوریة وبالتالی عودتهم إلى تلک الدول وإلى تلک البلدان، وخصوصا دول الجوار.
بالتالی عودتهم إلى تلک الدول وإلى تلک البلدان وخصوصاً دول الجوار وما ستتعرض له تلک الدول وتلک المجتمعات من مخاطر، هل هذا صحیح أم غیر صحیح؟ هل أنا من یخترع هذا المعطى أو أنه موجود الآن؟ الآن یوجد اجتماعات لأجهزة المخابرات الغربیة وغیر الغربیة وبعض الدول الاقلیمیة لیعرفوا ما الذی سیفعلونه.
إذا هؤلاء ـ لا سمح الله ـ انتصروا، سیصبح لدیهم قاعدة کبیرة. سوریا ستصبح أسوأ من افغانستان وسیعودون إلینا، ماذا نفعل؟ أو اذا هٌزموا ـ لحقت بهم الهزیمة ـ وبدأوا ینسحبون ویخرجون من سوریا وعادوا إلینا، ماذا سنفعل؟ هذه المصیبة التی صنعوها بأیدیهم، هذه الأفعى التی ربوها هم، الآن هل هذا النقاش موجود بالعالم أم غیر موجود؟ هذا معطى.
ثانیاً: سنّ عدد من الدول منذ مدة قوانین تحظر على أبنائها ومواطنیها السفر إلى سوریا للمشارکة فی القتال، مثلاً تونس تمنع السفر، وتتخذ إجراءات، التونسیون تکلموا عن هذا الموضوع، لماذا اضطرت الحکومة التونسیة أن تتخذ هذا الموقف مع أنها فی البدایات أیّدت کل ما یجری فی سوریا، ودعمت ما یجری فی سوریا؟ لأن الذین عادوا إلى تونس أذاقوا المجتمع التونسی والشعب التونسی والمستقبل السیاسی التونسی، أذاقوه بعضاً مما تذوقه الآن شعوب المنطقة، من عملیات إرهابیة، من قتل، من اغتیال، من تمرد، ومن ومن.. التونسی استیقظ وقال إذا هؤلاء الجماعة استمروا بهذه الطریقة أین تصبح تونس، کانوا یملکون العقل والشجاعة لیتخذوا إجراءات مبکرة من هذا النوع.
ثالثاً: ربما یأتی بعض اللبنانیین لیقول لک تونس بعیدة، السعودیة تهمهم أکثر. فی الأسابیع الأخیرة ما هی الإجراءات التی أخذتها السعودیة؟
1- بدأت حملة إعلامیة وثقافیة وتبلیغیة ضد المشایخ فی السعودیة الذین یحرّضون الشباب السعودی على الذهاب الى سوریا، هل هذه مبادرة شخصیة من فلان الصحفی أو فلان الأستاذ أو فلان الشیخ؟ کلا، هذه سیاسة رسمیة، الآن یوجد هجوم کبیر وبالأسماء على فلان وفلان ـ وسمّوهم دعاة أو ما شاکل ـ الذین کانوا یحرّضون الشباب السعودی للذهاب إلى سوریا، صار لهم ثلاث سنوات وهم یحرضون الشباب السعودی لیذهب إلى سوریا، لماذا الآن هذا الإجراء؟
2- تم اتخاذ إجراء قانونی بأنه من یذهب ویقاتل خارج البلد، ومن جملتها الساحة المفتوحة أمام الشباب السعودی هی سوریا، إذا کان مدنیاً یُحبس من 3 إلى 20 سنة، واذا کان عسکریاً من 5 إلى 30 سنة، لماذا الآن هذا الامر؟ هل لأن السعودیة غیّرت موقفها واستراتیجیتها من سوریا؟ کلا، هی ما زالت تقدم المال والسلاح، وتدعم بالسیاسة، وبالإعلام، وبمجلس الأمن الآن "رافعین دعوى جدیدة"، وتحارب على کل الجبهات فی سوریا، ولکن لدیها "تدبیر" اسمه: ممنوع على الشباب السعودی القتال فی سوریا. وأیضاً من ضمن الاجراءات أن السفارات السعودیة فی دول الجوار، فی ترکیا، فی الأردن، فی لبنان.. وجهت دعوات للشباب السعودی فی سوریا: تفضلوا، نحن جاهزون لاستقبالکم، وأن نسوّی لکم أوضاعکم، ونعیدکم إلى البلد.
لماذا؟ تستطیعون أن تسألوا لماذا؟ تستطیعون أن تجیبوا لماذا؟ مع العلم أنه خلال ثلاث سنوات کان الاعلام السعودی، الاعلام الرسمی وغیر الرسمی، المشایخ، الفتاوى، الانترنت، وأیضاً المخابرات السعودیة، کانت تموّل، وتجنّد، وترسل الشباب السعودی إلى سوریا للقتال، "ما عدا مما بدا؟" ببساطة أدرکت الحکومة السعودیة أن هؤلاء عندما یعودون ستکون مصیبة فی السعودیة، کما حصل بعد أفغانستان، هل ننسى ما الذی حصل فی السعودیة بعد أفغانستان عندما عاد الشباب السعودی المجاهد من أفغانستان ومن باکستان؟ وماذا جرى فی السعودیة من أعمال قتل، من تفجیرات، من عملیات انتحاریة، ومن مواجهات قاسیة بین جماعات القاعدة والجیش السعودی والأجهزة الأمنیة السعودیة، هل ننسى کل هذا؟ أدرکت الحکومة السعودیة أن الاستمرار فی هذه السیاسة یعنی أن المزید من الشباب السعودی الذی یقاتل فی سوریا یحمل هذا الفکر ویکتسب الخبرة والکفاءة، ویعود إلى السعودیة لیخوض معرکة وقتالاً ویسبب مصیبةً فی السعودیة، فمن أجل حمایة السلطة فی السعودیة، هم لجأوا إلى هذا الخیار، ممنوع على الشباب السعودی (أن یقاتل فی الخارج)، وهذا لیس من أجل وقف الفتنة والحرب والصراع والدمار وحقناً للدماء فی سوریا، کلا، حرصاً على الوضع فی السعودیة. جید، هذا جید، کلما قلل الناس (صبّ) وقود وزیت وبنزین على النار یکون هذا جیداً.
لکن هذا معطى، هنا آتی إلى اللبنانین وأسألهم لماذا یحق لأمیرکا وفرنسا وبریطانیا وبلجیکا وکندا وکل دول العالم، لماذا یحق للسعودیة، لماذا یحق لتونس، لماذا یحق لکل هذه الدول البعیدة عن سوریا أن تقلق من وجود شبابها فی هذه الجماعات المسلحة على الأراضی السوریة، ولا یحق لنا نحن اللبنانیین ـ الذین نحن جیران سوریا وعلى الحدود مع سوریا ومستقبلنا ومصیرنا وأمننا وسلامنا وأکلنا وشربنا وحیاتنا مرتبط بما یجری فی سوریا ـ لماذا لا یحق لنا أن نقلق؟ لماذا لا یحق لنا أن نأخذ إجراءات؟ لماذا لا یحق لنا أن نأخذ اجراءات واحتراز و(نقوم بـ) حرب استباقیة وسمّوها کما تریدون، ماذا فعلت الحکومة اللبنانیة التی کنا نحن جزءاً منها؟ ماذا فعلت الدولة اللبنانیة إزاء هذا التهدید، سوى النأی بالنفس، یعنی دس الرأس بالتراب.
الآن کثیر من الناس یخرجون لیقولوا لک: "کلا أنت ما هی علاقتک؟ الدولة، الدولة هی التی یجب أن تأخذ قراراً". بقینا عدة سنوات، یوجد 30 ألف لبنانی فی القصیر، مسیحیین ومسلمین، اعتدی علیهم، احتلت بعض قراهم، خُطف ناس منهم، قُتل ناس منهم، اغتصبت نساء لبنانیات! مش عیب؟ أتریدون أن آتی إلیکم بالأسماء؟ مش عیب؟ ماذا فعلتم فی لبنان؟ الدولة اللبنانیة ماذا فعلت؟ الحکومة اللبنانیة ماذا فعلت؟ لا شیء، النأی بالنفس.
ألا یحق لنا أن نتدخل لندفع خطر القتل والتهجیر والاغتصاب والنهب عن 30 ألف لبنانی موجودین فی منطقة القصیر؟ ألا یحق لنا؟ ألا یستحق هذا الأمر؟ تحمل ردات الفعل بحسب منطقکم؟ الیوم إذا جاء هؤلاء التکفیریون الذین هزمناهم فی منطقة القصیر وولوا الأدبار بعد ما کانوا طبعا قد صنعوا معرکة إعلامیة وسیاسیة وعسکریة، وأقاموا الدنیا فی الدنیا ولم یقعدوها، وأخذوها إلى أبعاد هی لیست صحیحة، لم یترکوا شیئاً من التجییش والتحریض والاستنفار والاتهام.. فی معرکة القصیر إلا واستخدموها.
من أجل الدفع عن أهل القصیر ـ 30 ألف لبنانی أهل المنطقة ـ أنه لو افترضنا جاء هؤلاء الذین یریدون أن یرسلوا إلینا السیارات المفخخة وأرسلوا انتحاریین، هذا جزء من معرکة. هل نسیتم أنتم أیها الحکومة اللبنانیة والدولة اللبنانیة وبقیة اللبنانیین عندما خرج أناس فی البقاع لیهددوا، وموجود تسجیل فی التلفزیونات یعنی، أنه نحن فی نصف ساعة نستطیع أن نسیطر على المنطقة من بعلبک الى الهرمل، على ماذا کانوا یستندون؟ کانوا مستندین على أن الجماعات المسلحة ستسیطر على کل المنطقة الحدودیة وتشکل سنداً لهم ودعماً لهم، وتدخل إلى لبنان، ویحتلوا بعلبک ـ الهرمل خلال نصف ساعة، هذا لم تسمعوه! هذا لم تشاهدوه! ماذا فعلتم له؟ بالعکس استقبلتوهم وذهبتم إلیهم، وأرسلتم لهم وفوداً، وحییتموهم، وما زلتم تحیّونهم، هل حدث هذا أم لم یحدث؟
من أجل أن ندفع الخطر عن أهل بعلبک ـ الهرمل، أن نتحمل بعض التبعات، یستحق او لا یستحق؟
الیوم أرید أن أسأل فی هذه النقطة أیضاً قبل أن ننقل إلى الملف الأخیر، أرید أن أسأل فی هذه النقطة، لو سیطرت الجماعات المسلحة لا سمح الله على کل سوریا، ما هو مشهد سوریا الیوم؟ کان مشهده الذی یحدث فی الرقة، وبدیر الزور، وبأدلب، وبشمال أدلب، وبشمال حلب. هذا کان المشهد، کان سیتعمم على کل سوریا، مثل افغانستان بعد خروج الجیش السوفیاتی، مثل الجزائر.
الذی لدیه کلام آخر فلیتفضل، من الذی کان سیمسک بسوریا؟ رئیس الائتلاف المعارض؟ أو المجلس الوطنی بإسطنبول؟ من؟
هذا کان المستقبل فی سوریا، هذا الآن من أهم المعطیات، یعنی هذا الانقلاب بالرأی العام حتى السوری، هذه المظاهرات التی ترونها، هذه لیست المخابرات السوریة هی التی تدفعها، کلا، کثیر من هؤلاء الناس أدرکوا أنهم لدیهم ملاحظات على النظام، لدیهم موقف من النظام، قیّموا کیفما شئتم، لکن کانوا یعتبرون أن هناک بدیلاً سیأتی لهم باعتقادهم بالدیموقراطیة، والحریة، وحریة التعبیر.. الآن إذا تکلم أحدهم "کلام عابر" یُحاکم فی الشارع ویُقتل أمام أمه ویتهم بالکفر، هذا هو البدیل الذی قُدّم للشعب السوری، لذلک لماذا هم خائفون من الانتخابات المقبلة؟ تفضلوا وأقیموا انتخابات فی سوریا.
أمس أحد المحللین السیاسیین قال کلاماً جمیلاً عندما خرج الأمیرکان لیردوا على بوتین لتأییده لترشیح المشیر السیسی فی مصر، أی فی مصر رئیس مصر یختاره شعب مصر، إذاً رئیس سوریا یختاره شعب سوریا، لماذا هم خائفون من الانتخابات فی سوریا؟ لماذا؟ لأنهم یعرفون أین اصبح المزاج الشعبی، وأین أصبح الرأی العام الشعبی.
الیوم أنا أرید أن اسأل اللبنانیین لو سیطرت هذه الجماعات المسلحة ـ لا سمح الله ـ على سوریا أو على کامل المناطق الحدودیة مع لبنان، أی لم تسیطر على دمشق أو على بقیة المناطق بل على المناطق الحدودیة کلها، کل حدودنا باتت مفتوحة على أماکن تواجدهم ومعسکراتهم وثکناتهم، وبالتالی جاء الوقت الذی رأو فیه أنه الآن أصبح الوقت الذی یجب أن یصبح لبنان فیه ساحة جهاد ولیس ساحة نصرة، ونحن فی هذا الوقت لم نکن قد فعلنا شیئاً، وبدأوا العمل فی لبنان، یومها ما أنتم فاعلون؟ هل تقاتلون على کل الحدود؟ تقاتلون على کل الجبهات؟ إذا جاءت سیارتان ثلاث أو عشر سیارات ـ الحمدلله کُشف نصفهم ـ حتى الآن، وقتها کیف ستواجهوهم؟ کل المعابر باتت مفتوحة، کل الحدود مفتوحة، "لحّقوا على سیارات" على کل المناطق، أین مستقبل لبنان؟ لماذا تختبئون وراء أصابعکم؟ لماذا نخادع الناس؟
أرید أن أسأل المسیحیین قبل المسلمین، أنتم ترون ما الذی یحصل فی سوریا ـ أنا لا أُحرض طائفیاً، سیخرج أحدهم ویقول: "السید عم یحرض"، أبداً ـ أین کنائسکم؟ أین مطارنتکم؟ أین راهباتکم؟ أین صلبانکم؟ أین تماثیل السیدة العذراء علیها السلام؟ أین مقدساتکم؟ أین هی؟ ماذا فعل العالم لها؟ سابقاً ماذا فعل لها فی العراق؟ ألیست هذه الجماعات هی التی تفعل هکذا؟ وفی کل المناطق، الآن یأتون لیقولوا لک هذه داعش أو غیر داعش، کلهم مثل بعضهم، ثبت حتى الآن أنهم کلهم مثل بعضهم. اختلفت الأسماء، أما العقلیة والجوهر والفکر الموجود على الأرض تقریباً واحد، إذا تسنى لهم السیطرة على کل هذه المناطق الحدودیة، وهم یریدون أن یکون لبنان جزءاً من الدولة الإسلامیة فی العراق والشام، ماذا ستفعلون؟ ماذا فعلتم؟ ما الذی فعلتموه حتى الان؟ هذا سؤال، یعجبکم أم لم یعجبکم هذا سؤال موجود ومطروح.
المسلمون فی نفس الوضع، الآن ما هو وضع الدروز فی منطقة السویداء ـ أنا وعدتکم فی البدایة أننی سأتکلم بصراحة ـ اسألوا أیضاً الدروز الذین هم مع المعارضة، هل هم قادرون لیحموا الدروز فی منطقة السویداء؟ لیس لیحموهم من السنّة، کلا، لیحموهم من هذه الجماعات التکفیریة، التی تهدّد السنة، والدروز، والمسیحیین، والکل. هذا فی منطقة السویداء.
یعنی ما هو الفرق بین دروز سوریا ودروز لبنان؟ هل یشفع لکم موقفکم السیاسی بأنکم مع المعارضة السوریة عند هؤلاء؟ ألا تعرفون فکرهم، وفقههم، وعقلیاتهم، وأدبیاتهم؟ العلویون مفهوم، الشیعة مفهوم، حتى إخواننا السنة، یعنی اذا انتصرت هذه الجماعات المسلحة، هل یوجد مستقبل لتیار المستقبل فی لبنان؟ هل یوجد مستقبل لبیوت وزعامات سیاسیة ووطنیة فی لبنان؟ هل یوجد مستقبل للجماعة الإسلامیة فی لبنان؟ هل یوجد مستقبل للاتجاه الاسلامی غیر التکفیری فی لبنان؟ بالنسبة لهم کلنا مثل بعض أحبائی! والدلیل سوریا، والدلیل أفغانستان، والدلیل العراق، والدلیل باکستان، والدلیل الصومال.. ماذا تریدون أدلة أکثر؟
نقضی ساعة ونحن نتکلم عن الأدلة.
هذا الخطر هو أولاً خطر یتهدد اللبنانیین جمیعاً فی حال اقتنعوا أم لم یقتنعوا، قبلوا أو لم یقبلوا، الخطر الاسرائیلی.
یعنی عندما یوجد سم وبعض الناس یقول لک إن هذا سم، وبعضهم یقول لک إن هذا کوکتیل! حسنا "اصطفل"، أنت مقتنع أن هذا کوکتیل ولکن هذا سم، وفی النهایة إذا شربته سوف تموت، وأنا ادفع عنک السم الذی تظنه کوکتیل.
مع اسرائیل هکذا القضیة کانت وما زالت، ومع هذا الارهاب التکفیری القضیة هکذا کانت وما زالت أیضاً، ولذلک فی مواجهة هذا الخطر، هذه المعرکة المفتوحة منذ سنوات فی أکثر من بلد عربی واسلامی وذهب ضحیتها عشرات الآلاف من الجزائریین والعراقیین والأفغان والبکستانیین والصومالیین (مئات الآلاف ولیس عشرات الآلاف) ومن السوریین وغیرهم.
حسناً، الآن ما العمل، هذا البلاء موجود فی کل المنطقة ووصل إلى منطقتنا. نحن معنیون بالمواجهة، فی سیاق المواجهة اسمحوا لی أن أقول ، أولاً وثانیاً وثالثاً أیضاً بالسرعة اللازمة.
أولاً: من الواجب فی هذه اللیلة وفی ذکرى الشهادة والتضحیة والتحدی والإباء الذی مثله السید عباس والحاج عماد الشیخ راغب، یجب الإشادة بصبر الناس وتحملهم ووعیهم وإرادتهم، خصوصاً عوائل الشهداء والجرحى ومن لحقت بهم أضرار نفسیة أو مادیة من خلال التفجیرات.
ثانیاً: یجب التنویه بانضباطیة هؤلاء الناس وقدرتهم العالیة على ضبط الأعصاب، وعدم الانسیاق فی ردات فعل. واقعاً، هذا شیء عظیم جداً وکبیر جداً وحضاری جداً. حتى الآن هذا الذی حصل وهو عظیم جداً، إذا تأملناه بقیمته الإنسانیة والأخلاقیة والوطنیة والدینیة، هو یعبّر عن عمق ومدى هذا الالتزام بهذه القیم، وهو یحتاج إلى تقدیر عالٍ.
ثالثاً: هذه المواجهة یجب أن نعرف أنها تستحق الصبر والتحمل والتضحیة وتحمل التبعات. إذا کان هذا ردة فعل لأن الشهداء الذین سقطوا فی هذه التفجیرات من النساء والأطفال والکبار والصغار هم تماماً مثل شبابنا الذین استشهدوا أو الذین یستشهدون فی سوریا، هؤلاء شهداء مع هؤلاء فی نفس المعرکة، مثل ما کان یسقط فی الضیع شهداء جراء القصف الاسرائیلی، هؤلاء الشهداء من الناس هم مثلهم مثل شهداء المقاومة، هذه الدماء وهذه الشهادة وهذه التضحیات وهذا الصبر هو الذی صنع انتصار المقاومة، وأیضاً هنا هذه الشهادات وهذه الدماء وهذه الجراح وهذا الصبر وهذه اللهفة وهذا التحمل وأحیاناً هذا التهجیر من بعض البیوت هو جزء من هذه المعرکة، هل یستأهل ؟ نعم یستأهل. لماذا؟ لأننا مثل ما کنا نتکلم فی المقاومة، حتى لا تذهب کل أرضنا، حتى لا تهدم کل بیوتنا، حتى لا تُسبى کل نسائنا، حتى لا یذبح کل أطفالنا، حتى لا تسرق کل أرزاقنا، حتى لا یذّل کل شعبنا. نعم من الطبیعی سقوط بعض الشهداء من المقاومة والناس، وأن یذهب بعض الضحایا وأن نتضرر اقتصادیاً وأن نجوع وأن نتهجر أو نشعر بالخوف أو القلق أو الاضطراب أو... هنا أنا أتکلم عن الناس العادیین، هذا جزء من المعرکة أیها الناس الشرفاء، وإلا هؤلاء ماذا یریدون منکم؟ هؤلاء یقولون لکم کذبا، انسحبوا من سوریا ولیس لدینا معکم علاقة فی لبنان، هذا کذب، لانهم إذا سیطروا على الحدود، فعندها احصوا سیارات مفخخة فی لبنان فی کل المناطق، لأن هؤلاء عقلهم هکذا، لا یستطیعون أن یکونوا إلا هکذا. بالعکس هذا یعتبرونه واجبهم الدینی والشرعی بأن یذبحوا الناس من کل الطوائف، فهذا لیس له ضمانة، ومع ذلک هم قالوا ـ وهذا برسم قوى 14 آذار وشرکائنا فی الحکومة غداً ووزیر العدل ووزیر الداخلیة والخ ـ ماذا قال هؤلاء الانتحاریین، إنهم لن یوقفوا العملیات الانتحاریة إلا فی حالتین، الأول هو بعد انسحاب حزب الله من سوریا والثانی إطلاق سراح من أسموهم أسراهم فی السجون اللبنانیة وسجن رومیة، یعنی الذین قاتلوا فی مخیم نهر البارد وقتلوا ضباط وجنود الجیش اللبنانی الذین هم من کل الطوائف، لأن هذا جیش وطنی، إذا لم تطلقوا سراحهم سوف نکمل بالعملیات الانتحاریة، إذاً السبب لیس فقط ذهابنا الى سوریة، فثالثاً الانتباه أنه ـ نعم ـ هذا یستحق التضحیة کما کانت مقاومة الاحتلال الاسرائیلی تستحق التضحیة.
رابعاً: أن یکون لدى الناس جمیعاً قناعة بأننا فی هذه المعرکة سننتصر إن شاء الله کما انتصرنا فی المقاومة، المسألة إذاً هی مسألة وقت، ولکن فی هذه المعرکة وما تحتاجه هذه المعرکة من عقول وإرادات وعزائم وتخطیط وإمکانات واستعداد.. على المستوى الرسمی وعلى مستوى المقاومة وعلى المستوى الشعبی هو موجود وقائم. ولکن المسألة بطبیعة الحال تحتاج إلى وقت، هذه معرکة مصیریة وتاریخیة وتحتاج إلى وقت، ولکن أفقها هو أفق انتصار ولیس أفق هزیمة.
خامساً: وجوب العمل على منع تحقیق أی من الاهداف، أهداف العدوان التکفیری، ومن جملة هذه الأهداف، صدقونی هذه واحدة من أهدافهم، من أهدافهم هو القتال الطائفی وهذا الأمر فعلوه فی العراق، کل خطابهم کان الشیعة والروافض وبالتالی تحریض السنّة على الشیعة، وتحریض الشیعة على السنة، من أجل أن یکون هناک قتال سنی شیعی. الآن خطابهم فی سوریة کله طائفی، وفی لبنان أیضاً خطابهم کله طائفی. إذاً هم یریدون فتنة، ویریدون أن نندفع نحن الشیعة ـ عندما تفجر نساؤنا وأطفالنا... ـ بردّ فعل على إخواننا السنة. هذا ما یریدونه وهذا ما لم یحصل ولن یحصل إن شاء الله بوعیکم وأخلاقکم وأدبکم والتزامکم بنبیکم وأهل بیت نبیکم (صلوات الله علیه وعلى آله أجمعین).
هذا یجب الانتباه له، أی رد فعل یخدم الفتنة الطائفیة هو یخدم الانتحاریین ویحقق أهداف هؤلاء التکفیریین وهذه الجماعات المسلحة. إن الحفاظ على دماء هؤلاء الشهداء الذین سقطوا فی الهرمل والضاحیة وغیرها، وعلى أمانة وکرامة هذه الدماء الزکیة هو الصبر والتحمل وعدم الاندفاع إلى أی فتنة مع أی طائفة فی لبنان.
وأیضاً من جملة الأهداف هو إیجاد صراع بین المخیمات ومحیطها، وهذا هدف إسرائیلی تخدمه الجماعات التکفیریة. عندما یحاولون أن یعملوا، لماذا الاصرار أن بعض مسؤولی الشبکات یجب أن یکونوا فلسطینیین؟ لماذا الکلام دائماً أن هذه السیارة خرجت من المخیّم؟ من أجل إیجاد جو توتر عاطفی ونفسی شدید بین محیط المخیمات والمخیمات والذهاب إلى صراع بین المخیمات ومحیطها، وتکرار تجارب سابقة، وهذا أمر یجب التنبه إلیه. طبعا هنا مسؤولیات على الجمیع، یجب أن یتحملها الجمیع.
سادساً: المواجهة هی مسؤولیة الکل، لأن الکل مستهدف، بدأوا عندنا، بدأوا فینا، ولکن الکل مستهدف والشواهد تؤکد على ذلک، وبالتالی یجب أن تکون المواجهة وطنیة. المواجهة الوطنیة یکون جزء منها ثقافی تعبوی یوجد فیه توعیة وهذا مسؤولیة رجال الدین والعلماء ـ واسمحوا لی أن أقول خصوصاً العلماء ورجال الدین من إخواننا أهل السنة ـ والمساجد والمنابر. الکل یتحمل مسؤولیته فی هذا الأمر. وسائل الاعلام یجب أن تکون منتبهة وحذرة.
والجزء الآخر سیاسی، عبر الکف عن تبریر هذه التفجیرات، والذهاب جدیاً إلى مشروع الدولة وعدم استخدام هذه المعرکة فی الصراعات الداخلیة السیاسیة. جزء منها أمنی، یعنی اتخاذ إجراءات الحمایة المطلوبة وهذا یحصل بنسبة کبیرة والأهم معرفة الجناة ومجموعاتهم وشبکاتهم وتوقیفها وتفکیکها قبل أن تصل النوبة إلى وصول السیارات وإلى تفجیرها. وعلى هذا الصعید أیضاً حصلت إنجازات مهمة خصوصاً فی الأیام الماضیة، والیوم أیضاً حصل هذا الأمر، المسؤولیة قطعاً هی مسؤولیة الدولة والأجهزة الأمنیة فی الدولة.
نحن فی أدبیاتنا ـ ویکنکم أن تعودوا إلى الفترة من 1982 إلى الیوم ـ نحن لم نقل فی أی یوم أن الأمن مسؤولیتنا أبداً، کنا نقول نحن شرکاء فی المقاومة وعندما یصبح باستطاعة الدولة أن تقاوم نحن نبتعد.
بالنسبة للأمن، نحن دائماً کنّا نقول بأنه مسؤولیة الدولة والجیش والأجهزة الأمنیة، وهی التی یجب أن تتحمل المسؤولیة، ونحن من طرفنا یأتینا معلومات فنعطی أجهزة الدولة، وعندما نقدر على المساعدة نساعد.
کل اللبنانیین مطلوب فی هذا الامر أن یساعدوا ویتعاونوا ویکشفوا ویقدموا معلومات ویسهلوا ویدعموا أیضاً الجیش اللبنانی والقوى الأمنیة الرسمیة فی کل إجراءاتها، وأن لا یدافع أحد وأن لا یبرر أحد، وأن "تطوّلوا بالکم" وأن لا تتسرّعوا فی الحکم على الناس.
نحن لسنا مع الإدانة ولیس مع التبرئة، من یعتقل فلتنتظروا التحقیق معه، یوجد قضاء، ویکون فی النتیجة انه من لیس له دخل یعود إلى بیته والذی لدیه علاقة یبقى فی السجن. الضغط على القضاء وعلى الجیش اللبنانی، وعلى الأجهزة الأمنیة مع کل اعتقال هو أمر خاطىء وله تداعیات غیر مناسبة.
فی هذا السیاق أیضاً یجب الإشادة بالجیش اللبنانی، بمخابرات الجیش اللبنانی وبجهودهم وبإنجازاتهم، وخصوصاً الإنجازات الاخیرة، ونضرب لهم التحیة والسلام ونحن أصدرنا بیاناً یعبّر عن موقفنا السیاسی والعاطفی أیضاً تجاه هذه الانجازات ونتمنى أن تتعاون کل القوى الأمنیة والأجهزة الأمنیة لحمایة البلد.
فی هذه المواجهة نحتاج إلى هذا التعاون من الجمیع وهذا التکاتف من الجمیع وإن شاء الله بالوعی وبالصبر والتحمل نستطیع ان نتجاوز هذه المعرکة بنصر ومرفوعی الرأس کلبنانیین جمیعاً إن شاء الله، ونحافظ على بلدنا وعلى علاقاتنا اللبنانیة وعلى المخیمات الفلسطینیة وعلى مستقبل البلد والخ...
المقطع الأخیر ما یتصل بالحکومة. والذی یعیش هذا الجو کله الذی تحدثت عنه قبل قلیل، هذه الاهتمامات وهذه الأولویات وهذه المخاطر وهذه التهدیدات وهذه التحدیات یستطیع مباشرة أن یفهم خلفیتنا وسلوکنا فی موضوع تشکیل الحکومة اللبنانیة الجدیدة، لکن مع ذلک أرید أن أتوقف عند بعض النقاط وأیضاً سریعاً، وهذا المقطع الأخیر بکلامی:
أولاً: کل إنسان یستطیع أن یقیّم نتیجة الحکومة کما یحب. لا یوجد مشکلة وکل واحد یستطیع أن یعبّر عن رأیه، إیجاباً أو سلباً، وأنا أؤکد لکم، أنا شخصیاً، ونحن فی حزب الله لا ننزعج من هذا، وبالعکس نحن نحترم کل الآراء ونحترم أیضاً کل المشاعر، وکل واحد یمکن أن یکون له تقییمه ورأیه.
ثانیاً: من الطبیعی أن یختلف الناس فی التقییم، لماذا؟ لأنه بحسب الزاویة التی تنظر منها أنت، یعنی مرة هذه الحکومة تنظر إلیها من فوق فتراها شیئاً، دعکم من الحکومة، فلنعطِ مثالا فی شخص، حتى لو کان... لا أرید أن أقول إنه جمیل، یعنی مقبول، تنظر إلى هذا الشخص من الأعلى فتراه بشکل وفی مرة أخرى من الیمین أو الشمال أو من أمامه على وجهه أو من الخلف أو من الأسفل.. على کل الأحوال، فالزاویة التی تنظر منها طبعا تؤثر على رأیک وعلى تقییمک، لأنک أنت ماذا ترى؟ من أی زاویة أنت ترى؟ من أی منظار أنت ترى المسائل والأمور؟
ولذلک من الطبیعی أن یختلف التقییم بین الحلفاء والأصدقاء والخصوم فی هذه الجهة وفی تلک الجهة. یعنی مثل ما یوجد هنا تقیمات مختلفة وآراء مختلفة، وأحیانا تکون هناک بعض المشاعر الغاضبة، أیضاً فی الجهة الأخرى، أیضاً نفس الأمر، لأنه له علاقة بالزاویة التی تؤثر على التقییم.
ثالثاً: نحن دائماً، وفی خطابنا السیاسی دائماً، وعندما أقول دائماً فیعنی هذا أنه لیس مستجداً، لستا فی کل یوم نحن نغیّر رأینا، کنّا دائما نتحدث أنه فی لبنان المطلوب شراکة، نحن مع الدولة ومع الشراکة الوطنیة، حتى لو کانت هذه الاطراف على خصومة بل حتى على عداوة، نحن ولا یوم من الأیام على مدار السنین الماضیة کلها ـ وخصوصا خلال الأشهر العشرة الماضیة ـ ولا یوم من الأیام نحن قلنا إننا نرفض أن تشکل حکومة یشارک فیها تیار المستقبل أو حزب الکتائب أو القوات اللبنانیة أو أحد من 14 آذار، هل قلنا ذلک؟ لم نقل ذلک، ولم نقل فی یوم من الأیام نحن نرفض أن یتمثل هؤلاء فی الحکومة وأن یشارکوا فی الحکومة، ولم نقل فی یوم من الأیام نحن لن نجلس ولا نجلس على طاولة حکومة أو على طاولة حوار مع تیار المستقبل أو الکتائب أو القوات أو 14 آذار، أبداً.
بل کنا دائماً نقول: نحن ندعو إلى الشراکة الوطنیة، إلى حکومة شراکة وطنیة وإلى حکومة وحدة وطنیة وإلى الحوار وإلى طاولة الحوار وإلى التلاقی وإلى النقاش. نعم هذا لا یعنی أن یفرض أحدنا رأیه على الآخر، أبداً، وإنما نحاول، نسعى. ولذلک نحن لا نشعر بأی حرج من هذه الحکومة من هذه الزاویة. لأننا لم نقل فی یوم من الأیام: لن، ولا نقبل، ونرفض. من لدیه مشکلة فی هذا الموضوع هو الجهة الأخرى. الذی عطّل تشکیل الحکومة عشرة أشهر، لیس الحقائب، لیس المداورة، أبداً، هذا موضوع إشکالی، صحیح، لکن الذی عطّل عشرة أشهر هو الذی کان یرفض تشکیل حکومة سیاسیة فی لبنان، والذی دعا خلال عشرة أشهر إلى تشکیل حکومة حیادیة فی لبنان، هو الذی دعا إلى عزل حزب الله من أی حکومة سیاسیة إذا أراد أن یتنازل ویجعلها سیاسیة. خرجوا منذ الیوم الأول وقالوا حکومة سیاسیة من غیر سیاسیین من غیر حزبیین، غیر استفزازیین، هذا الذی عطّل. لیست قصة الحقائب، وحقیبة النفط والمداورة. لا، هذا لاحقاً، عندما حلّت العقدة السیاسیة، کم استهلک من وقت؟ لم یأخذ وقتاً وتمت معالجته وکان یمکن أن یُعالج. لو من أول یوم، لم تکن هناک مشکلة سیاسیة، وبقیت المشکلة هی المداورة والحقائب، کان الأمر عولج خلال أسبوعین أو ثلاثة کما حصل الآن.
للأسف الشدید أن الفریق الذی یعطّل یتهمک بالتعطیل، وعندما تناقش یقول هناک قرار من إیران بالتعطیل، فأولاً نحن لیس لدینا أی حرج، ثم لاحقاً صدر الکلام عن الانجازات الوطنیة.
الذی فتح باب هذا الانجاز الوطنی، مع احترامی للجمیع، هو حرکة أمل وحزب الله، حزب الله وحرکة أمل، نحن الذین فتحنا الباب.
فی "ساعة سمّاعة" أدرکنا أنه واضح ، نحن وضعنا ممتاز وقوی، نحن لسنا ضعافاً، لا فی لبنان نحن ضعاف، لا فی سوریا ضعاف، ولا فی المنطقة ضعاف. على العکس، الأمیرکیون یعترفون الیوم بفشل سیاساتهم وبهزیمتهم، وبعض الدول العربیة انسحبت، وهناک حکام تغیروا، وإذا أردت أن أجری الآن قراءة إقلیمیة، أقول : نحن الآن ظرفنا السیاسی الداخلی والإقلیمی والدولی أفضل من أی وقت خلال السنوات الثلاث التی مضت، لکن الوقت ضیق للاستحقاق الرئاسی، إذا بقینا على هذه الحالة، الاستحقاق الرئاسی فی خطر، هذا أولاً.
ثانیاً، نحن ذاهبون إلى "مشاکل"، البلد ذاهب إلى مشاکل، لأنه إذا شُکلت حکومة حیادیة ستحصل مشاکل کبیرة فی البلد، وإذا شکلت حکومة أمر واقع سیاسیة کان سیحصل مشاکل کبیرة فی البلد. نحن لا نرید مشاکل فی البلد، لا نرید أن نصل إلى هذه النقطة. إذاً، هل هناک شیء ما یمکن أن نقوم به ونفتح من خلاله باباً؟ فوجدنا من خلال التشاور بین حزب الله وحرکة أمل. وهنا من حق بقیة حلفائنا أن یعتبوا، لأن هذا الأمر کنا معنیین به فی الدرجة الأولى.
على کل حال، نحن عندما کنا نتحدث عن تسعة ، یعنی فی التقسیمات اللبنانیة خمسة للشیعة وأربعة لتکل الإصلاح والتغییر.
حسناً، هؤلاء الخمسة نحن نتنازل عن واحد، والضمانات التی نرجوها ونأمل بها یمکن الحصول علیها بطریق آخر، أو بطرق أخرى، فجئنا وأبلغنا الآخرین أننا نسیر بهذا الموضوع.
نحن من فتح الباب، ولذلک قوبلنا وفی لحظة سیاسیة إقلیمیة دولیة تحتاج إلى تأمل أنه بعد عشرة أشهر رفض ونداءات عزل وقسم أیمان أننا لا نقبل أن نجلس معکم على طاولة واحدة ونشارککم حکومة واحدة، قبلوا.
هذا أمر جید، هذا یجب أن یکون مدعاة للإیجابیة لا لأن یشمت أحدنا بالآخر. أنا عندما أقدم تنازلاً ما، هذا لیس من أجل أن یشمت أحد بنا، وعندما غیری یقدم تنازلاً ما لا یجب أن یشمت به أحد أیضاً. على العکس، یجب تقدیر هذا الأمر وأن الأطراف فتحت أبواباً، جید، ذهبنا إلى تفتیح الأبواب.
المشکلة السیاسیة الأساسیة حُلت، بقیت المداورة وموضوع الحقائب، حصل هناک جدل، حصل هناک تضامن، من حق کل جهة أن تطالب بأی حقیبة ترید، نحن لا نتوقف عند هذا الموضوع، تضامنا مع حلفائنا فی هذا الموقف إلى أن تم الوصول إلى نتیجة. إذاً نحن الذین فتحنا الباب. لو بقینا نحن مصرین على 9 9 6 ولا أحد یرید أن یتنازل، هل کان الآن هناک حکومة؟ هل کانت تشکلت حکومة أصلاً قبل الاستحقاق الرئاسی؟ هل کان سیحصل استحقاق رئاسی؟ إلى أین کان یمکن أن یذهب البلد؟ نحن لا نعرف.
فی هذا الموضوع، نعم، یستطیع کل طرف أن یقول أنا قدمت تنازلات. طبعاً هناک أطراف لم تقدم شیئاً. قدمنا تنازلات، هناک أطراف قدمت تضحیات، هناک أطراف قدمت تضحیات أکثر من غیرها. لکن اسمحوا لی بالقول: نحن الجهة التی قدمت تضحیات أکثر من الجمیع فی هذا الموضوع. نحن لیس لدینا أی مکسب خاص. نحن حتى آخر لحظة لم نناقش فی الحقائب. أنا أعلم أن بعض قواعدنا قد لا یعجبهم هذا الأمر. لکن، هکذا نحن. فی الأولویات لدینا فی الاهتمامات لم نناقش فی الحقائب ولم نسأل عن حقائب حتى آخر ساعة. آخر ساعة، سألناهم ماذا قررتم أن تعطونا من حقائب، لأنه کان همنا أن تتشکل الحکومة، ویصبح هناک حکومة فی البلد، لأن مصلحة البلد فی الحکومة. ولذلک إذا أراد أحد أن یقیّم الموضوع من زاویة ما هی الحقائب التی أخذها حزب الله؟ هذه زاویة خاطئة، لا تجری تقییماً لا فی الحقیبة ولا فی العدد. المهم الناتج، العملیة السیاسیة الوطنیة الکبیرة التی نریدها نحن. ماذا یعنی التی نریدها؟ نحن وجدنا البلد أمام خیارات: إما استمرار الفراغ وهذا کان خطیراً، أبداً لم نکن نرید الفراغ ولا فی یوم من الأیام، لا تهتموا لاتهاماتهم، هذا کذب وافتراء وتضلیل، وهذا لن ینتهی، یمکن أن یخف، لأننا سنکون فی حکومة واحدة معاً. استمرار الفراغ هذا غیر صحیح، لا سیاسیاً ولا اقتصادیاً ولا مالیاً ولا أمنیاً. ثانیاً، تشکیل حکومة حیادیة أمر خطیر على البلد. وحکومة أمر واقع سیاسیة کان خطیراً أیضاً على البلد، إذاً لم یبقَ سوى خیار وحید، حکومة تسویة، سموها ما شئتم، حکومة ربط نزاع، حکومة تسویة، حکومة متخاصمین، حکومة أعداء، حکومة مصلحة وطنیة، ممکن، أحسن تسمیة حکومة مصلحة وطنیة. طبعاً، أنا لا أسمیها وأتمنى أیضاً أن یعاد النظر بالتسمیة، هذه لیست حکومة جامعة، لأن هناک قوى سیاسیة لم یتح مجال التفاوض والأعداد والترکیبة أن تکون شریکة فی هذه الحکومة کانت موجودة فی الحکومة السابقة من قوى وطنیة وإسلامیة فی أکثر من طائفة من حلفائنا وأصدقائنا الذین نحترمهم ونعزّهم ونفتخر بالعلاقة معهم. أنا لا أعتبر هذه الحکومة حکومة جامعة ولا أعتبرها حکومة وحدة وطنیة، لأن هناک قوى وازنة هی خارج الحکومة، نعم هی حکومة تسویة، هی حکومة مصلحة وطنیة، هذا صحیح. ولذلک نحن نتطلع إلى هذه الحکومة، نرید لها أن تکون حکومة تلاقی.
انتبهوا، نحن لسنا ذاهبین لأن نقیم متاریساً، نحن بکل جدیة، اللیلة أنا فی ذکرى الشهداء القادة أحب أن أقول لکل اللبنانیین: نحن ذاهبون إلى هذه الحکومة، لا بنیّة إقامة متاریس ولا بنیّة عداوات ولا بنیّة خصومات مع ما بیننا من خصومات وحتى حواجز نفسیة، یمکن لهذه الحکومة أن تکسر هذه الحواجز النفسیة، وأن تفتح الأبواب بیننا. نحن نأمل أن نذهب إلى حکومة تلاقی، تفاهم، حوار، نقل المشاکل من الشارع، تخفیف التوتر فی البلد، تخفیف حدة الخطاب السیاسی والإعلامی فی البلد، وهذا مصلحة الجمیع. فبمقدار ما یخف التوتر فی البلد وتهدأ النفوس وتجلس الناس وتتحدث مع بعضها البعض، هذا الذی أمضینا وقتاً فی الحدیث عنه والمطالبة به، هذا یمکن أن یتحقق من خلال الحکومة، نأمل ذلک
. نحن بهذه الروحیة الإیجابیة ذاهبون إلى الحکومة. یمکن أن یأتی أحد ویقول، کما فعلت بعض وسائل الإعلام وقالت أنتم قلتم عن فلان وفلان کیت وکیت، طبیعی، هم قالوا عنا الشیء نفسه. وکل طرف یمکن أن یستفز بشخصیات من الطرف الآخر، لکن عندما تقول شراکة، فإن الطراف الآخر سیأتی بما لدیه من شخصیات، تعجبک أو لا تعجبک، یمکن أن تجادل فی بعض التفاصیل، لکن هذه من تبعات ولوازم أننا نرید شراکة ونرید لقاءً بین اللبنانیین، ونرید تخفیف توتر، ونرید تحصین الوضع الداخلی اللبنانی فی مواجهة موجات الفتن.
الأمر الأخیر، نقول: هذه الحکومة کما أعلن رئیس الحکومة نفسه أن أولویاتها تحقیق الاستحقاقات الدستوریة القادمة، وأهمها وفی مقدمها الاستحقاق الرئاسی، الذی یجب أن نتعاون جمیعاً على تحقیقه، وعلى العکس أنا أعتقد أن هذا التشکیل الذی یوجد فیه محلات مزعجة ونافرة قد یشکل واحداً من المشجعات للکل أن تعالوا ننتخب رئیساً حتى یصبح لدینا حکومة جدیدة فی البلد وتتشکل حکومة جدیدة بعیداً عن الضغط، وبالتالی کل طرف یجلس ویتحدث بما لدیه ویناقش ولیس تحت ضغط الظروف، ضغط الاستحقاقات، هذا یشجع أن لا یذهب أحد إلى الفراغ فی الموضوع الرئاسی، وإنما نذهب إلى انتخاب رئیس.
فأولاً الاستحقاقات الدستوریة، ثانیاً، بحسب تعبیر دولة الرئیس نفسه، التصدی لکل أنواع الإرهاب. هذا ما نأمل أن تقوم به الحکومة، وهذا طبعاً سیحمّل من تولى مسؤولیات أساسیة خصوصاً الداخلیة والدفاع والعدل والاتصالات، تفضلوا، الیوم، هذه هی مسؤولیاتکم. نتمنى أن تتحمل هذه الحکومة وعلى رأسها رئیس الحکومة وبإشراف فخامة رئیس الجمهوریة أن یکون هذا الملف، التصدی للإرهاب، ملفاً جدیّاً وحقیقیّاَ، ومعالجة الملفات الاقتصادیة والاجتماعیة بکل صدق.. هذه هی الأولویات. یعنی هذا هو المقدار الذی تتحمله هذه الحکومة خلال الأشهر المتبقیة بیننا وبین الاستحقاق الرئاسی.
یبقى فی الشأن الحکومی، قبل الکلمة الأخیرة، هناک بعض الحلفاء، بعض الأصدقاء، بعض الناس لدیهم مشاعر ومخاوف وقلق، أنا أحب أن أتابع هذه التفاصیل وأفهمها، أنه غداً قد یطلقون سراح عمر الأطرش، یعنی إذا کان هناک شخص اعترف وهو مدان وهو نقل سیارات مفخخة وانتحاریین أیاً کان وزیر العدل هل یستطیع أن یطلقه؟ أو ربما غداً قد یطلقون سراح نعیم عباس مثلاً!؟. أما فی موضوع النساء الثلاث فهناک من یقول أن اثنتین منهن لا دخل لهما وواحدة هی (المذنبة)، ممکن، لکن لو أطلقوا سراح النساء الثلاثة، أکید هناک مشکلة کبیرة فی البلد. یعنی هذا الموضوع، لیس موضوع وزیر هنا أو وزیر هناک والناس تقلق وتخاف، لا.
أحب فی هذه النقطة عموماً بما یثار من مخاوف ومن قلق نحن موجودون وحلفاؤنا موجودون ومنتبهون وواعون ونعرف ماذا نعمل وننظر من فوق ومن کل الجهات فلا یخاف أحد ولا یقلق أحد.
هذه مرحلة نرید أن "نلمّ بها" بلدنا ونتجاوزها ونتحمل بعضنا البعض، یجب أن نتحمل هنا شخصیة استفزازیة، هناک شخصیة استفزازیة، ماذا یقول هذا أو ماذا یفعل ذاک، هذا کله ینبغی أن یعالج ویتجمع. ولذلک لاحظتم أنی لم آت الیوم لأضع خطب من سبقنی وأناقشها وأجاوب علیها مع أنه حصلت إساءات کبیرة بحقنا. دعوا هذا الأمر جانباً، نحن ذاهبون إلى وضع جدید.
مصلحة البلد، المصلحة الوطنیة، المصلحة الأمنیة، مصلحة لمّ البلد تقتضی أنه کم نستطیع تدویر الزوایا، نحن معروفون نحن أناس نتحمل ونضحی ونصبر، هذا فکرنا وهذا عقلنا، وهذه تجربتنا، وجمهورنا طالما تحمل معنا وقبل منا ذلک.
فی مکان ما یکون المرء متألماً أو منزعجاً، لیس کل ما تطلبه یحصل، هذا بلد الناس موجودة فیه ویجب أن تتعاون الناس مع بعضها من أجل ما هو أهم ومن أجل ما هو أکبر.
فی الکلمة ألأخیرة أود أن أوجه تحیة کبیرة، تحیة إجلال وتقدیر للشعب البحرینی المظلوم بعد انتهاء ثلاث سنوات من حرکته وقیامه وثورته الأخلاقیة الوطنیة السلمیة الراقیة ومواصلته ـ شاهدنا مسیرات بالأمس ـ لهذه الحرکة السلمیة بالرغم من القمع والتهشیم والتشویه والاعتقالات والسجون وکل ما یتعرض له هذا الشعب المظلوم من قبل حکومة مفروضة علیه من خلال واقع إقلیمی معین وقوة الحدید والنار.
والأخیر فی الکلمة الأخیرة، الذی قلت إننی سأعود فی الآخر إلیه، عندما أقول فلسطین وإسرائیل، نحن مختلفون فی هذه النقطة، لکن أقول للبنانیین، وأقول للفلسطینیین، لشعبنا الفلسطینی الذی طبعاً یحمل مسؤولیات کبیرة حتى الآن فی المخیمات، أنا أقول لإخواننا فی الفصائل والعلماء واللجان الشعبیة: لا یکفی أن تصدر فقط بیانات الإدانة، علیکم أن تشدوا همّتکم، وتتحدثوا مع الناس وتراقبوا، لأن هناک من هو مصر على توظیف الشخص الفلسطینی والإنسان الفلسطینی من أجل الوصول إلى هذه النتیجة التی تحدثت عنها فی سیاق الکلمة، فلا أعید.
أقول للبنانیین والفلسطینیین والسوریین ولکل الشعوب العربیة، لکل الأحزاب والقوى العربیة، لکل الشرفاء فی هذا العالم وفی منطقتنا، الذین تعنی لهم حقاً فلسطین، ویعنیهم لبنان ویعنیهم سوریا، إذا أردتم أن تضیع الفرص من إسرائیل، هذه الفرصة التی تحدثنا عنها قبل قلیل، إذا أردتم أن تمنعوا ذهاب هذه المنطقة إلى فتنة لا تنتهی بعشرات السنین، أوقفوا الحرب على سوریا، أوقفوا الحرب على سوریا، أخرجوا المقاتلین من سوریا، اسمحوا للسوریین أن یتصالحوا کما یتصالحون الآن فی أکثر من منطقة. بالتأکید یومها لن نبقى نحن فی سوریا أیضاً. لکن إذا أردنا أن نتدارک وأن لا تزداد هذه الفرص وأن لا تکبر هذه التهدیدات یجب علینا جمیعاً، یجب وقف الحرب على سوریا وفی سوریا حفاظاً على فلسطین، على لبنان، على سوریا، على الأمة. هذه الفرصة نرجو أن لا تضیع.
فی ذکرى الشهداء القادة، نحن نعاهد هؤلاء الشهداء الکبار والعظام أن نحمل عقلهم، فکرهم، تدبیرهم، إخلاصهم، صدقهم، ودماءهم وتضحیاتهم وصبرهم وآلامهم وآمالهم کما کل الشهداء، وأن نواصل طریقهم لیکون هذا البلد وهذا الشعب وهذه الأمة دائماً إن شاء الله فی موقع العزیز والکریم والمقتدر. رحم الله شهداءنا وشهداءکم جمیعاً والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.