ومن العلوم والمعارف البارزة في بحوث ودراسات علوم القرآن وتلاوته، طريقة كتابة القرآن الكريم وحركاته الإعرابية، وللحصول على فهم أدقً لأبعاد وأنواع التلاوات المعروفة في القرون الإسلامية الأولى و طريقة الكتابة، ومن أهم المصادر التي يمكن الاستناد إليها هي المصاحف، و تأتي الكتب القديمة بالدرجة الثانية من الأهمية إلى جانب المصادر السردية.
و بطبيعة الحال، فإن البحث في هذا المجال يمنحنا معلومات أكثر دقة، ولحسن الحظً، لدينا ما يقارب من ٢٠٠ نسخة قديمة في مكتبات مختلفة، والتي يمكن أن توفر لنا أفقًا أوضح لكتابة و قراءة القرآن. و بناءً على هذه الدراسات يمكننا تحقيق طريقة موحدة، في كتابة القرآن الكريم.
أهمية اختيار هذا المصحف الشريف المنسوب إلى أمير المؤمنين علي (ع) هي هذا الإنتساب المقدس والنير للإمام، والثاني هو قِدَمه وانتمائه إلى القرن الإسلامي الأول، وكذلك كون هذا المصحف يكاد يكون كاملاً وشاملاً مقارنة بالمصاحف الأخرى.
مصحف المشهد الرضوي" هو عنوان أقدم نسخة للقرآن الكريم بالخط الحجازي القديم من القرن الأول الهجري، وهو محفوظ في مكتبة العتبة الرضوية المقدسة . وقد تم كتابة هذه النسخة على 252 صفحة، تضم أكثر من ٩٥% من القرآن الكريم.
يُظهر خطاب الإهداء الموجود في بداية النسخة لمصحف مشهد الرضوي أن هذا القرآن تم أُهداؤه لعتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد المقدسة من قبل أحد القراء في نيشابور، نهاية القرن الخامس الهجري وتمً حفظه في المكتبة التابعة للعتبة الرضوية المقدسة منذ ذلك الحين.
جاء في نص رسالة الواقف كما يلي:
هذا المصحف و هو بخطً أمير المومنين على بن أبى طالب عليه السلام وقف على مشهد السيد الأمام السعيد الشهيد أبى الحسن على بن موسى الرضا رحمة الله عليه، الموضوع بطوس، أوقفه مالكه علي بن أبي القسم المقرئ السَروي تقرباً إلى الله عزً و جلً و طلباً لمرضاته بلًغ اللًه آماله و كتبه ….. الورًاق الطبرى".
ولا توجد اليوم نسخة مستقلة من القرن الأول في العالم تحتوي على هذا الكمً من نصً القرآن الكريم.
و في هذا الحفل و بعد تلاوة معطرة لبعض الآيات من كلام الله المجيد من قبل القارئ الدولي السيد علي الحسيني، تقدًم حجة الإسلام والمسلمين السيد جلال الحسيني، مدير مكتبة العتبة الرضوية المقدسة و عرض شرحا وافيا عن أنشطة مكتبة العتبة الرضوية المقدسة.
واعتبر سماحته، خدمة العتبة الرضوية المقدسة توفيقا منقطع النظير، و مهما قيل عنها لم يتم إنصافها حقا، و أضاف على مدى تاريخ العتبة الرضوية المقدسة، كان إلى جانب العتبة أقدم مركز ثقافي بجوار المرقد الطاهر للإمام الرضا عليه السلام ، و هو المكتبة العامة للعتبة الرضوية التي تعتبر مرجعا ثقافيا و إن كنا نبحث عن النجاح الثقافي و العلمي و الاجتماعي و صحة المجتمع بشكل عام، فيجب أن نعطي أهمية أكبر لموضوع الكتب و القراءة.
وأشار إلى أن مهمة كل مؤسسة يجب أن تتماشى مع هيكليتها، وقال: كانت المهمة الرئيسية لنقابة المكتبات هي التأكيد على أن تكون كافة الأنشطة علمية في كل الأقسام المختلفة لهذه المكتبة، و في هذا الصدد، خططنا لخطة خمسية تقوم على توصيات سادن العتبة و إدارتها الموقرة.
كما قدم سماحته إحصائيات من المصادر المتوفرة في مختلف أقسام هذه المؤسسة والأعمال المنجزة خلال فترة تصديه للمؤسسة و أضاف، في هذه الفترة، أخذنا التخطيط و البرمجة بنظر الاعتبار في معظم السياسات المتبعة؛ لأن الأهداف و الاستراتيجيات كانت واضحة تقريبا بالنسبة لنا.
و في الختام أشار حجة الإسلام و المسلمين السيد جلال الحسيني إلى الدور المهم للمكتبة في تنظيم نمط الحياة الإسلامية و قال: لا ينبغي أن نعتبر المكتبة مكانًا لقراءة الكتب فحسب، و إذا كانت المكتبة لا تؤثر على نمط حياة الناس، و خاصة الشباب، فلم تحقق أي نتائج على أرض الواقع.
و في تعبيره عن جزء من خططه و برامج لإدارة المكتبات و المتاحف و مركز وثائق العتبة الرضوية المقدسة، أعتبر حجة الإسلام حسيني أن المهمة الرئيسية للمكتبة في العصر الجديد هي النمذجة و تأهيل الكوادر و ايجاد شبكة من المشرفين الواعين مؤكدا، أن المزيد من الاهتمام بالمصالح العامة، و تفعيل التواصل بين المراكز العلمية الأكاديمية و الحوزوية و إيجاد إمكانية وصول الباحثين إلى المصادر القيمة لهذه المنظمة هي جزء من البرامج المتاحة في الفترة الحالية.
ثم تحدث سماحة حجة الإسلام و المسلمين الدكتور مهدوي راد، و هو من كبار الباحثين في علوم القرآن الكريم في إيران، وأستاذ مشارك في جامعة طهران و أمين جائزة "كتاب العامً" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و قدم كلاما ثريًا وثميناً حول إحياء المصاحف المخطوطة بيد الأئمة المعصومين عليهم السلام، وا ختلاف خطوط كتابة القرن الأول مع القرن الثاني و أيضا مع القرن الثالث و بصرف النظر عن ذلك، تحدث عن كتابة القرآن في القرون اللاحقة و قدم بحثاً و دراسة علمية اعتبرها الجميع قمًة في الروعة دون مبالغة، بحيث بات جميع الحاضرين في الحفل آذان صاغية لكلامه على مدى محاضرته، حتى وافق معظم الحاضرين في قاعة المؤتمر آراءه العلمية و أثنوا عليها.
ثم قدم الدكتور كريمي نيا، الباحث القرآني الذي عمل على هذه النسخة من القرآن وجمعها لمدة سبع سنوات، قدم معلومات موثقة بفيلم قصير عن نشاطات المفكرين و الباحثين القرآنين و الناشطين في الشؤون الدينية.
كما أشار الدكتور كريمي نيا الباحث القرآني خلال كلمته في هذا الحفل إلى بعض تفاصيل هذا القرآن و قال:
يعدً هذا القرآن الكريم الذي يقع في ٢٥٢ صفحة، و يعتبر أكمل مجموعة للنسخة القرآنية بالخط الحجازي للقرن الأول الهجري في العالم و هي نسخة تحتوي على ٩٥%من جميع النسخ القرآنية الموجودة.
و أضاف: و من خلال دراسة السمات النصًية لهذه النسخة من القرآن الكريم، تجلت ملامح و خصوصيات كتابته و الموارد الإملائية الغريبة، وا ختلاف القراءات و ترتيب السور، و بالتالي حسب الإختبارات التي جرت عبر استخدام الكاربون ١٤، تبين أن الجزء الرئيسي من هذه النسخة للقرآن الكريم تمت كتابته في القرن الأول للهجرة النبوية الشريفة.
وأشار إلى أن "قرآن المشهد الرضوي" هو اسم نسختي القرآن الكريم بالخط الحجازي القديم، و المحفوظتين في مكتبة العتبة الرضوية المقدسة. وكل نسخة تكمل الأخرى وتتضمن كل نسخة جميع سور القرآن الكريم.
و ذكر أن مصحف مشهد الرضوي كتب على قطع جلدية بمقاس ٥٠× ٣٥سم في المدينة المنورة أو الكوفة، وقد تم نقل هذه النسخة في القرون اللاحقة إلى خراسان و مدينة نيشابور و كان في متناول يد العلماء.
وبيًن الدكتور كريمي نيا أن المصحف المشهد الرضوي هو أقدم مصحف في العالم و عدد نسخه قليل جداً، وقال: إن عدد نُسخ هذا القرآن لا يتجاوز ٥٠ نسخة في العالم ولم يبق من بعضها سوى أوراق قليلة، بينما هذه النسخة وهي تضم معظم آيات القرآن الكريم و تحتوي على 95% من السور والآيات.
واشار الدكتور كريمي نيا الى: "مصحف المشهد الرضوي" مع مقدمة وشروح باللغتين العربية والانجليزية صدر عن معهد آل البيت عليهم السلام لغرض إحياء هذه النسخة.
وأضاف: يتميز هذا المصحف التاريخي بجودة التصوير العالية والطباعة الفاخرة على ورق لامع، مع استخدام اللون والتصميم الجيد، وبغطاء جلدي فريد من نوعه.
وفي نفس الوقت شكر سادن الروضة الرضوية حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أحمد المروي في كلمته التقديرية، رئيس مؤسسة آل البيت حجة الإسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني، ووصف الممثل المخول للمرجعية الشيعية، هذا العمل التاريخي والعظيم بأنه صفحة ذهبية، في سجل جهود هذه الشخصية الفذة، معربا عن امتنانه لجميع القائمين على إحياء القرآن الكريم الذي وصلنا من القرن الأول و ينسب إلى خط أمير المؤمنين عليه السلام و الذي يعتبر أهم مصحف كامل حاليا، و تمنى أن يكتب الله للعاملين عليه الأجر و الثواب في الدنيا و الآخرة بلا شك ووصفها بأنها باهظة الثمن.
و في ختام هذا الحفل البهيج واللقاء الروحاني المهيب، تم إزاحة الستار عن المصحف الرضوي بالخط الحجازي وبأسلوب جميل يكاد يكون فريدا من نوعه.
ومما تجدر الإشارة إليه وفي خطوة لم يسبق لها مثيل، ونيابة عن حجة الاسلام والمسلمين السيد جواد الشهرستاني وفي مراسم خاصة قدم الدكتور كريمي نيا نسخة من مصحف الرضوي الشريف للمراجع العظام أصحاب السماحة آية الله السبحاني، و آية الله وحيد خراساني، و آية الله نوري همداني، و آية الله جوادي آملي، و آية الله شبير الزنجاني حيث أشادوا جميعهم بهذه الخطوة الجبارة.
كما تمً تقديم نسخة من المصحف الرضوي الشريف للمرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني. و قام بتقديم هذه النسخة الفريدة الباحث في العلوم القرآنية السيد مرتضى كريمي نيا لدى زيارته سماحة آية الله السيستاني في النجف الإشرف.
و في هذا اللقاء قدم الدكتور كريمي نيا الذي كان مسؤولا عن تحقيق و تنقيح وطباعة هذه النسخة الفريدة و الخطية للقرآن الكريم في مدينة مشهد، قدم شرحا مختصرا عن أهمية هذه المخطوطة القرآنية و تاريخها الذي يعود إلى القرن الأول للهجرة النبوية الشريفة.
و بدوره أكًد سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني أن هذا العمل الذي يهدف لتعريف أقدم النسخ القرآنية الخطًية، يحتاجه الكثير من الباحثين في هذا المجال.
و أضاف سماحته قائلاً: "قبل سبعين عاماً، عندما لم تكن الأدوات الحديثة متوفرة، تمكنت من النظر إلى عدد من النسخ القرآنية الخطًية المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام والتي كانت في مكتبة العتبة الرضوية المقدسة.
و أضاف: أنا سعيد وسعيد جداً برؤية نشر مثل هذه الوثائق والمصادر التاريخية التي بفضل جهودكم و جهود مؤسسة آل البيت تمً طباعتها و إنها ستساعد علماء الإسلام بشكل كبير في بحوثهم و دراساتهم.
كما أعرب آية الله السيستاني عن أمله في إحياء الكتب والمخطوطات التاريخية مثل شرح تفسير الوزير المراكشي. ثمً قال آية الله السيستاني: أنقلوا تحياتي وسعادتي إلى السادة على الدعم الذي قدًموه لطباعة القرآن الكريم في مدينة مشهد المقدسة. الدكتور هادي الأنصاري
عضو الأكاديمية الإيرانية للعلوم الطبًية