وأدلى الرئيس "بزشكيان" بتصريحات اليوم الاثنين في الاجتماع الافتراضي الاستثنائي لقادة مجموعة الـ"بريكس" حول الوضع الحالي للعالم مع التركيز على البيئة الاقتصادية وحالة النظام المتعدد الأطراف وأكد بأن إعادة إنشاء النظام العالمي الحالي تتطلب إصلاحا جادا في هيكل الحوكمة العالمية، وذلك من مراجعة تكوين مجلس الأمن وأدائه إلى إصلاح النظام المالي والنقدي الدولي.
وأضاف رئيس الجمهورية : في هذا المسار، تتحمل مجموعات مثل مجموعة الـ"بريكس" ومؤسسات أخرى في الجنوب العالمي مسؤولية خاصة في توجيه الانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب وديمقراطي وعادل؛ نظام تسمع فيه أصوات جميع الدول، وخاصة الدول النامية.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس في هذه القمة، وهي ثاني قمة استثنائية لمجموعة البريكس منذ انطلاقها، والتي عقدت بناء على اقتراح رئيس البرازيل بصفته الرئيس الدوري لهذه المؤسسة، بهدف "دراسة آخر التطورات العالمية مع التركيز على التعددية والتجارة الحرة والقيود المفروضة على الدول في مجال التجارة الحرة" :
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس
أصحاب الفخامة رؤساء الجمهورية
أصحاب السعادة رؤساء الوزراء
السيدات والسادة؛
يشرفني أن أخاطبكم في هذه المرحلة الحساسة، خلال قمة قادة دول الـ"بريكس"؛ هذا التحالف الذي لا يمثل اليوم فقط الاقتصادات الناشئة والنامية، بل هو أيضا حامل لواء الأمل في بناء نظام عالمي أكثر عدلا وتوازنا وازدهارا.
إن عالمنا يمر بمرحلة مليئة بالتحديات؛ فالتصعيد الناتج عن السياسات الأحادية، وفرض العقوبات غير القانونية، واتساع الهوة الاجتماعية والاقتصادية يرسم صورة مقلقة للنظام الدولي الراهن. وفي الوقت نفسه، فإن التوترات الجيوسياسية وأزمة التغير المناخي المتفاقمة لا تهدد النمو الاقتصادي فحسب، وإنما تهدد أسس السلم والأمن الدوليين أيضا.
إن النفوذ غير المتكافئ لقلة من الدول، والإجراءات الأحادية، وتسييس الأدوات الاقتصادية لم يؤدِ فقط إلى تآكل الثقة بين الدول، بل أضعف بشدة فعالية منظومة الحوكمة العالمية. هذه السياسات، عبر خلق حواجز تجارية وزيادة تكاليف التبادل وإضعاف سلاسل القيمة العالمية، تعيق التنمية المستدامة.
أيها الحضور الكرام،
إن التعددية والتجارة الحرة وجهان لعملة واحدة حيث تتحول التجارة الحرة دون آليات متعددة الأطراف إلى أداة في يد القوى الكبرى، وبدون حرية التجارة يفقد التعددية معناها ووظيفتها.
ومن أخطر التهديدات التي تواجه العدالة والاستقرار في النظام الدولي المعاصر، تصاعد السياسات الأحادية واستخدام العقوبات والقيود الاقتصادية كأداة ضغط، وهي سياسات تهدد المصالح الوطنية للدول المستقلة، وتعرقل التعاون الدولي، وتجعل التنمية المستدامة أمرا مستحيلا.
في هذا السياق، فإن مجموعة الـ"بريكس" قادرة ويجب أن تضطلع بدور محوري وريادي في مواجهة هذا الاتجاه المقلق. فهذه المنظومة، بما تمتلكه من تنوع وتضامن، لديها القدرة على أن تكون صوتا موحدا وقويا دفاعا عن السيادة الوطنية، والاحترام المتبادل، وحل الخلافات عبر الحوار والتعاون المتعدد الأطراف.
لقد كشفت التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط مجددا فشل النظام الدولي القائم. إن العدوان العسكري الذي شنه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حزيران/يونيو 2025، واستمرار المجازر بحق الشعب المظلوم في غزة وما يتعرض له من إبادة جماعية، وقتل الأبرياء في لبنان واليمن، وكذلك الضغوط والتهديدات غير المقبولة ضد فنزويلا، كلها شواهد واضحة على عجز النظام الدولي عن ضمان السلم والعدالة والأمن.
إن إضعاف الإرادة السياسية للالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ النظام التجاري المتعدد الأطراف، ينذر بانزلاق العالم نحو مزيد من الأزمات الاقتصادية والأمنية. وهذا يحتم علينا أن نسعى إلى تعددية أشمل وأكثر توازنا وفاعلية من أي وقت مضى.
إن إعادة بناء هذا النظام تتطلب إصلاحات جذرية في هيكل الحوكمة العالمية؛ من إعادة النظر في تركيبة ووظائف مجلس الأمن الدولي، إلى إصلاح النظامين المالي والنقدي الدوليين. وفي هذا المسار، تتحمل الـ"بريكس" وغيرها من مؤسسات الجنوب العالمي مسؤولية تاريخية في قيادة الانتقال نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، ديمقراطي وعادل، يضمن سماع صوت جميع الدول، ولا سيما النامية منها.
وفي هذا الإطار، تقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية المقترحات التالية :
1- إصلاح النظام المالي الدولي :
ينبغي للبريكس أن تتصدر الجهود لإصلاح شامل للمؤسسات المالية الدولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لكي تعكس الحقائق الاقتصادية الجديدة وتدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية في الاقتصادات الصاعدة. كما أن تعزيز دور بنك التنمية الجديد خطوة أساسية، مع إنشاء أنظمة دفع مستقلة تقلل من هيمنة بعض العملات العالمية واستخدامها كسلاح سياسي.
2- تعزيز التعددية العادلة والشاملة :
على البريكس أن تدعم الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى كي يُسمع صوت الدول النامية، وأن تعمل على منع استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط سياسي. كما أن التعاون مع منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) يعزز صوتا موحدا للعالم النامي.
3- تعزيز التعاون في مجال المنافع العامة العالمية :
يجب ضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والتقنيات الطبية والمعدات الأساسية، خاصة في أوقات الأزمات. كما أن إنشاء منصة مشتركة للبريكس للاستجابة السريعة للأوبئة والطوارئ، سيعزز التنسيق ويزيد من مصداقية المجموعة ككيان أخلاقي ومسؤول.
4- إنشاء آلية مشتركة لمواجهة العقوبات الأحادية :
يمكن للبريكس أن تضع آلية دعم مشترك لحماية أعضائها من العقوبات غير القانونية، بما يسمح لاقتصاداتهم بمواصلة النمو بعيدا عن الضغوط السياسية الجائرة.
5- توسيع آفاق الابتكار والتنمية المستدامة :
يتعين على مجموعة الـ"بريكس" تعزيز التعاون لتطوير سلاسل إمداد مرنة، وتوسيع الاقتصاد الأخضر والرقمي، وتشجيع الابتكار التكنولوجي. كما أن إنشاء صندوق مشترك للبحث والتطوير في التقنيات الصديقة للبيئة، سيعزز الاستقلال الطاقوي والتنمية المستدامة. ويجب أن تدافع الـ"بريكس" عن حق الدول النامية في استثمار مواردها الطبيعية، وألا تستغل السياسات المناخية كأداة ضغط جديدة. كما أقترح إنشاء مركز ابتكار مشترك للبريكس في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقات الجديدة، والتكنولوجيا الطبية، والصناعات الفضائية، بما يضمن الوصول المتكافئ للمعرفة ويمنع الاحتكار.
السيدات والسادة،
تؤكد إيران مجددا التزامها بالتعاون البناء والفاعل مع جميع أعضاء الـ"بريكس" لتحقيق هذه الأهداف. ونحن على يقين أن مواجهة الأحادية وتعزيز التعاون في إطار مجموعة الـ"بريكس"، لن يكون في صالح أعضائها فحسب، بل لصالح المجتمع الدولي بأسره.
وأختتم بالتأكيد على أن تعزيز التعددية، وإحياء نظام التجارة الحرة، والتمسك بمبادئ التنمية المستدامة، ليست فقط أدوات لمواجهة أزمات اليوم، بل ضمان لبناء عالم أفضل للأجيال القادمة. ويمكن للبريكس أن تكون نموذجا رائدا لترسيخ هذا النهج.
شكرا لكم