خبراونلاین – اذا امکن انقاذ الاتحاد النقدی وفقا للخطة التی اعدها قادة الاتحاد الاوروبی، فسیکون هذا العلاج اسوأ من ذات المرض.

جان غراهل

بدایة العام 2012 تمثل اعلانا وللمرة الثانیة عن ان الیورو قد بلغ العاشرة من عمره. فمن الناحیة الفنیة والمالیة تم اعلان العملة الواحدة الاوروبیة فی الاول من ینایر عام 1999، فی وقت تم فیه تبدیل کافة قوائم الحسابات المالیة للدول الاحدى عشر الاعضاء فی الاتحاد الاوروبی الى الیورو، وعقب ثلاثة اعوام من ذلک التوحید النقدی تم استبدال فئات العملة النقدیة التی کانت متداولة فی مختلف الدول الاوروبیة بعملة الیورو.

خلال الذکرى الاولى على تنفیذ مشروع التوحید النقدی لعشر سنوات زعم "جان کلود تریشه" رئیس البنک المرکزی الاوروبی آنذاک (ECB) ، ان الیورو اسهم بالحفاظ على اقتصاد منطقة الیورو من الصدمات المالیة العالمیة و ساعد على مواجهة تدهور الاقتصاد خلال الاعوام القلیلة المنصرمة، جاء ذلک فی وقت تسببت فیه العملة الاوروبیة الیورو بازمات معقدة فی منطقة الیورو وبمشاکل عدیدة لمستقبلها لتضحى اهم بؤرة للصدمات والتدهور الاقتصادی على مستوى العالم.

کما ادعى تریشه حینها ان الوحدة النقدیة کانت مؤثرة على صعید نمو العمالة: "ما بین اعوام اطلاق الیورو وحتى نهایة 2007، تم ایجاد اکثر من 15 ملیون وظیفة جدیدة کما ان معدل البطالة وصل الى اقل مستوى له فی بدایات الالفیة، وفی الواقع تظهر بیانات اللجنة الاوروبیة Ameco حالیا ان نمو العمالة فی منطقة الیورو (الدول الاحدى عشر بالاضافة الى الیونان) بلغ ما بین عامی 1999 حتى 2007 نسبة 7و13 ملیون. لکن ثلثی هذا العدد او ما یعادل 9و8 ملیون کانوا على الهامش فی کل من ایرلندا، الیونان، اسبانیا، ایطالیا والبرتغال.

وبعبارة أخرى ، ان نمو العمالة لم یکن جراء حسن سیر خطة الاتحاد الاوروبی المالیة بل کان نتیجة سوء أداءها ، فهذا النمو یتعلق بعدم التوازن التجاری – حیث ان الفائض التجاری  الضخم فی ألمانیا وبعض الدول المجاورة امام العجز التجاری الواسع النطاق للدول الواقعة على الهامش ، تم التغطیة علیه من خلال رأس المال الغیر المستدیم الذی کان یأتی من البلدان الأولى الى البلدان الثانیة. حتى انه ولهذا السبب لم تکن خطة ایجاد فرص العمل فی منطقة الیورو انجازا مؤثرا، الامر الذی اشار الیه تریشه على انه اقل مستوى للبطالة منذ 1999 وحتى 2007: فی عام 2007 وقبل ضغوط الازمة الاقتصادیة العالمیة کان لا یزال عند مستوى 6و7 بالمئة. وکان فی ثلاث بلدان هی الدنمارک، السوید وبریطانیا التی رفضت الانضمام الى منطقة الیورو، بالترتیب عند مستوى 8و3 بالمئة، 6 بالمئة و6و6 بالمئة.

فی الواقع، ان العقد الاول للیورو الذی تزامن مروره مع عقدین من السیاسات المقیدة للاقتصاد العام – کان هدفه خلال العقد المنصرم هو خفض مستوى التضخم عبر اسعار الفائدة المرتفعة وخلال العقد التالی الاعداد للوحدة النقدیة عبر زیادة الضرائب وخفض الانفاق العام. اما الاعضاء المتطوعین للانضمام للوحدة النقدیة للتنمیة والعمل وبغرض تطبیق انفسهم مع شروط معاهدة ماستریخت التی استمرت فیما بعد باعتبارها معاهدة الاستقرار والتنمیة فکانوا ضحایا هذا الامر.

وهنا لن یتم مناقشة موضوع امکانیة انقاذ منطقة الیورو من هذه الازمة بالتفصیل. ومع هذا، اذا امکن انقاذ الاتحاد النقدی وفقا للخطة التی اعدها قادة الاتحاد الاوروبی، فسیکون هذا العلاج اسوأ من ذات المرض. الشئ الذی یسمى الیوم "الوحدة النقدیة" لا یمت بای صلة لهذا المسمى، وهو لا یشتمل على تقارب حقیقی بین السیاسة الاقتصادیة العامة او تحقیق ایرادات ضریبیة کبیرة. بل هو بالاحرى هیکلیة سلطویة مستبدة تقوم بشکل رسمی وعبر اللجنة والبنک المرکزی الاوروبی ، ومن قبل المانیا والدول الاقوى شمال اوروبا بالاشراف الدائم والالزامی على الحکومات الضعیفة.

ان "وحدة الاشراف" ربما وکما هی بعیدة عن الدیمقراطیة سیاسیا فهی بنفس القدر لا یمکن التعویل على اصطلاحاتها الاقتصادیة وتفعیلها عملیا. ان احد الجوانب التی تدعو لتوخی الحیطة والحذر هو نظرة الالمان ازاء "الاصطلاحات الدارجة" والرغبة بالتقید العددی- فی الانفاق العام، القروض العامة وغیرها، ان هذه الامور تشبه الى حد کبیر افکار فریدمان حول الحدود العددیة للاموال والاسهم وهی تماما کما قوانین عرض الاموال سوف تظهر عدم تأثیرها وفاعلیتها. ان الدین العام لا یعتبر متغیرا للسیطرة فی ید السیاسیین بل هو ممثل لحلقة الوصل بین القطاع العام والقطاع الغیر مستقر والغیر متوقع ای الخاص الذی لا یعرف القیود المیکانیکیة لعلم الحساب.

ان المساحة محدودة هنا لمناقشة البدائل. (لاستعراض شامل لسیاسات الاتحاد الاوروبی والاقتراحات البدیلة راجعوا مذکرة التفاهم للیورو 2012). ومع ذلک، یمکن الاشارة هنا الى ثلاثة عناصر رئیسیة: اعفاء الدیون الهائلة، التی یمکن توفیرها من الضرائب التی فرضت على الثروات الکبیرة التی تحققت ابان فترة الازدهار الاقتصادی. المضی نحو التبادل النقدی بین الاقتصادات القویة والاقتصادات الضعیفة فی الاتحاد الاوروبی، وایجاد تقارب بین السیاسات الاقتصادیة العامة والتی ینبغی ان یکون اول اهدافها انهاء سیاسة الموازنة التجاریة لالمانیا التی تعد مصدر العدید من المشاکل الراهنة. قبل عدة اعوام قامت المانیا بخفض مستوى الضمان الاجتماعی ما اسهم عن زیادة ضریبة القیمة المضافة – وهو مقدار ما یعادل خفض قیمة عملة بلد مع فائض تجاری یتبوأ المرتبة الثانیة بعد الصین، ان تعدیل هذا الاجراء العاری عن الاحساس بالمسؤولیة یمکن ان یمثل مؤشرا للعودة بشکل عقلانی الى الوحدة النقدیة.
30349

رمز الخبر 181521