٠ Persons
١ ديسمبر ٢٠١٢ - ١٢:٤٢

عبد الحمید صیام

 
 
 
خبرأونلاین-بعد نهایة عملیة 'الرصاص المسکوب' التی قامت بها إسرائیل ضد قطاع غزة فی نهایة 2008 وبدایة 2009، استخلصت حماس وفصائل المقاومة الأخرى درسا مهما وهو أن تلک العملیة لن تکون الأخیرة وأن رأس المقاومة مطلوب بمبارکة عربیة (آنذاک) وموافقة ضمنیة من السلطة الفلسطینیة. تأکدت تلک الفصائل أن العملیات العسکریة ضد نشطاء المقاومة لن تتوقف إلا إذا دخلت حماس ومعها بقیة فصائل المقاومة الفاعلة خیمة الطاعة وانضمت إلى حزب 'الحیاة مفاوضات' وتخلصت من مقذوفاتها العبثیة والتحقت بما سمی 'العملیة السلمیة' التی تتیح لإسرائیل أن تحقق کل أهدافها فی توسیع الاستیطان وتهوید القدس واعتقال الآلاف وفتح طرق التفافیة جدیدة تلتف حول أعناق القرى والبلدات الفلسطینیة وتقیم الجدران العازلة، وتحول آلاف المناضلین إلى موظفین یتلقون معاشاتهم الشهریة من الدول المانحة عن طریق مکتب خدمات الثلاثی'فیاض- بلیر- دایتون' وإذا ما أبدوا أیة إشارة یفهم منها أنها محاولة للتمرد أو المشاغبة تتأخر المعاشات کی یتم ترویض النفوس على الهدوء والانصیاع والقبول باقتلاع کل العناصر المناوئة لهذا الترتیب الترویضی اللئیم على طریقة 'نمور زکریا تامر فی یومها العاشر'. هذا البرنامج المدروس بعنایة فائقة آتى أکله بعد ثمانی سنوات لدرجة أن حجم مظاهرات الضفة الغربیة للتضامن مع غزة فی حربیها الأخیرتین أقرب إلى تجمعات الاحتجاج ضد صید الثعالب وحمایة الدولفین من الانقراض أو اعتصام عمال فی مصنع للمطالبة برفع الأجور.
من جهتها فقد أستخلصت إسرائیل أیضا الدروس من تلک الحرب وبالتعاون مع المؤسسة العسکریة الأمریکیة بدأت بالاستعداد لحرب قادمة ولکن لیس قبل إیجاد حل سلفا لمشکلة المقذوفات البدائیة ذات المدى القصیر والارتفاع المنخفض والتی تطلقها فصائل المقاومة ولا تستطیع بطاریات البتریوت التصدی لها؟ ومنذ نهایة تلک الحرب بدأ الطرفان الإسرائیلی والأمریکی بتطویر ما سمی ب'القبة الحدیدیة' بهدف إعتراض تلک المقذوفات المنهمرة على تلک البلدات وتفجیرها قبل ارتطامها بالأرض لتؤمن نوما هادئا لسدروت وعسقلان وأسدود وبئر السبع.
لقد أثبت الطرف الفلسطینی فی حرب الأیام الثمانیة الأخیرة أن الدروس التی تعلمها من حرب 'عملیة الرصاص المسکوب' کانت دقیقة ومؤثرة أکثر من الدروس التی تعلمها الجانب الإسرائیلی فقام ببناء شبکة واسعة من الأنفاق واستجلاب المکونات المطلوبة لتصنیع تلک المقذوفات محلیا وتحسین أدائها وإطالة مداها. کما تم الاستعداد للمواجهة وتوزیع المسؤولیات والتوسع فی استخدام المخابئ الأرضیة وتمویه منصات إطلاق المقذوفات وغیر ذلک مما لا نعرفه نحن کمتابعین ومراقبین عن بعد. أما قبة إسرائیل الحدیدیة المکلفة والممولة من دافعی الضرائب الأمریکان لم تکن أکثر من قطعة جبن سویسریة کثیرة الثقوب على حد تعبیر نورمان فنکلستین، المثقف الیهودی المتمرد على الحرکة الصهیونیة وأکثر المدافعین عن حقوق الشعب الفلسطینی فی الولایات المتحدة وصاحب کتاب 'صناعة الهولوکوست' الشهیر. فالقبة الحدیدیة لم تمنع من وصول المقذوفات إلى مدى أبعد مثل تل أبیب والقدس الغربیة ولم تحم المواطنین من دفع ثمن من دمائهم لمغامرة إسرائیل العسکریة.
ودعنی أستعرض هنا شیئا من الاستنتاجات والدروس التی حملها کل طرف من أطراف المعادلة المعقدة التی نسجت خلال وما بعد حرب الأیام الثمانیة:
 
الولایات المتحدة
لقد تأکدت إدارة أوباما أن تهمیش القضیة الفلسطینیة ووضعها على الرف وتقدیم کثیر من الاهتمامات الأخرى علیها أمر غیر سلیم وأن الصراع سیعود ویفرض نفسه على من یجلس فی البیت الأبیض إن أراد ذلک أم لم یرد. فإسرائیل لا تحیا إلا بالصراع ولا تتنفس إلا غبار المعارک کا وصفها وأحسن وصفها محمود درویش عنما قال: 'إقتل کی تکون'. إذن سیجد أوباما نفسه مضطرا فی دورته الثانیة أن یضع الصراع الإسرائیلی الفلسطینی على رأس جدول أعماله على طریقة 'مکره أخاک لا بطل'، بل ونتوقع أن یضع جهدا مزدوجا فی دورته الثانیة بالتعاون مع مصر وترکیا لحلحلة المفاوضات المجمدة والدفع باتجاه حل الدولتین. هذا لا یعنی أنه سینجح بسبب الموقف اللیکودی المتطرف فی إسرائیل واتجاه المجتمع الإسرائیلی برمته نحو التطرف وتضاعف قوة المتدینین والمستوطنین لکنه بکل تأکید سیحاول.
 
حرکات المقاومة الفلسطینیة فی غزة
رأس المقاومة ما زال مطلوبا. ستبقى قوى الاستسلام والانصیاع مستمرة فی جهودها لإدخال مزید من القوى المناوئة داخل خیمة المفاوضات اللانهائیة کی یتم إغلاق آخر الثغرات المشاغبة بعد أن تم إغلاق کافة الحدود وتطویع کافة القوى ولجم قوات المقاومة فی جنوب لبنان بعد القرار 1701 اللئیم والذی أجبر سید المقاومة أن یعطى إجازة طویلة المدى لعناصره الشجعان الساهرین على الحدود الجنوبیة وأرسل بعضهم فی مهمات عاجلة لإنقاذ نظام الممانعة فی الجارة الکبرى فی حرب الإبادة التی یشنها على شعبه العظیم.
على حرکات المقاومة فی غزة ألاّ تبالغ فی موضوع الانتصار. الحقیقة أن إسرائیل لم تنتصر والمقاومة لم تهزم. التغنی بالانتصار سابق لأونه. إن المبالغة بتضخیم إنجاز صغیر ومهم یذکرنا بانتصارات حرب تشرین (أکتوبر) 1973 والتغنی بصمود بیروت 88 یوما فی حرب عام 1982 وتشتت المقاومة ونعرف أین أوصلتنا تلک الانتصارات: کامب دیفید وأوسلو. نضع قلوبنا على أیدینا من هذه المؤتمرات الصحفیة التی تکشف الأسرار وتفتح صفحات الأولى أن تبقى مغلقة. لیس هناک متسع من وقت فاستخلاص العبر والدروس یجب أن یستمر لیل نهار تحسبا من واستعدادا للقادم.
 
السلطة الفلسطینیة
إن سلطة رام الله هی آخر من یتعلم وأول من یخطئ فی الحسابات. عشرون عاما من المفاوضات وما زالوا فی الصفحة الأولى (مع الاعتذار من نزار قبانی لتحریف بعض من شعره). یصرون على مفاوضات لم تأت إلا بالخراب وإضاعة الأرض والتخلی عن حق العودة ومشاهدة القدس تهود شبرا شبرا وهم یبحثون عن معارک ثانویة وبطولات وهمیة کمعرکتهم السنة الماضیة حول الاعتراف بفلسطین دولة کاملة العضویة والتی منیت بفشل عظیم ومعرکتهم هذه المرة حول الاعتراف بدولة 'مراقب' لجنی انتصار معنوی لا یترجم على الأرض بشیء ولا یغیر وضعیة الأرض المحتلة من الناحیة القانونیة. الدرس الذی یجب أن یستخلصوه من حرب غزة أن الشرعیة الحقیقیة فی ظل الاحتلال لمن یناضل ولمن یتصدى ولمن یواجه ولمن لا یفرط فی الحقوق. ولو عاد أبو مازن وجماعته من نیویورک إلى رام الله ووجه نداء للشعب الفلسطینی کله أن ینظم مسیرات ألوفیة فی کل مدینة وقریة والتوجه نحو الحواجز أو المستوطنات على أن یکون هو وقیاداته العتیدة على رأس تلک المسیرات لتعززت شرعیته أکثر ألف مرة من هذه المناورات التی یمکن تلخیصها بمقولة 'أنا أتحرک إذن أنا موجود' ونتمنى أن یستبدلها بمقولة 'أنا أناضل إذن أنا قائد شرعی'.
 
مصر
لقد وفرت هذه المعرکة فرصة جیدة للقیادة المصریة لتثبت للعالم أن مصر تغیرت وأن أیام المخلوع قد ولت وأن وکر المؤامرة على الشعب الفلسطینی فی شرم الشیخ قد هدم وجرف معه الثالوث البغیض: المسجون مبارک والمقتول عمر سلیمان والحاقد أبو الغیط. مصر على أبواب دور قیادی جدید. فإما أن تحسن استخدامه وبالتالی تجلس فی کرسی قیادة العالم العربی طوعا لا کرها کما جلس فیه خالد الذکر جمال عبد الناصر أو أن تبقى أسیرة لفکر وتکتیکات وانتهازیة حزب الإخوان المسلمین فتسقط هذه القیادة فی الفخ وتطرد من القصر الجمهوری فی أول انتخابات قادمة. وبمدى ما تلتصق القیادة المصریة بنبض الشارع العربی والمصری وخاصة فی قضیة الصراع العربی الإسرائیلی والحریات العامة والمواطنة المتساویة بمقدار ما تحملها الملایین على الأکف وتحیمها من غطرسة الولایات المتحدة وقاعدتها العسکریة المتقدمة إسرائیل.
 
إسرائیل
لا نشک أن إسرائیل ستعکف طویلا على دراسة هذه الحرب وتستخلص الکثیر من العبر والدروس. وقد أشارت جریدة النیویورک تایمز فی عددها یوم 22 تشرین الثانی (نوفمبر) أن هذه الحرب کانت بمثابة تمرین عملی لإسرائیل والولایات المتحدة لحرب قادمة مع إیران وخاصة إختبار جاهزیة الفصائل ومقذوفاتها المتطورة والمزودة من إیران من جهة واختبار قدرات إسرائیل للتصدی لها من جهة أخرى.
وتقول الجریدة إن لجان عمل من الطرفین قد تم تشکیلها لاستخلاص الدروس والعمل على رفع جاهزیة القبة الحدیدیة وزیادة فاعلیتها وضبط دقة إصاباتها. ویقول التقریر إن إسرائیل فی حرب قادمة علیها أن تکون جاهزة للتعامل مع صواریخ قصیرة المدى تطلق من غزة إلى المدن الآهلة وصواریخ متوسطة المدى تطلق من قوات حزب الله فی جنوب لبنان وصواریخ بعیدة المدى تُطلق من إیران. ویعکف الخبراء من الطرفین لإیجاد الوسائل الناجعة لحمایة المواطنین الإسرائیلین من تلک الأخطار فی حالة نشوب حرب شاملة فی المستقبل.

 

( أستاذ جامعی وکاتب عربی مقیم فی نیویورک )

رمز الخبر 183812