عبد الباری عطوان

اطفال سوریة یموتون من البرد والثلوج فی مخیمات اللاجئین فی الاردن وترکیا، ونظراؤهم فی قطاع غزة من الغرق بسبب الفیضانات، والدول العربیة، والثریة منها على وجه الخصوص، تدیر وجهها الى الناحیة الاخرى ولا ترید ان تعرف.
قطاع غزة بلا کهرباء منذ بضعة اشهر، والحیاة فیه مشلولة تماما بسبب الحصار العربی الاسرائیلی الخانق، وجاءت الفیضانات لتزید الوضع سوءا، فسلطة حماس التی تدیر القطاع لا تملک الخبرة ولا المال ولا الامکانیات اللازمة للتعاطی مع هذه الازمة، واضطرت الى اللجوء لقوارب صید قدیمة متهالکة لانقاذ ما یمکن انقاذه من المواطنین الذین باتوا فی العراء على سطوح منازلهم یستغیثون ولا من مغیث.
عدد الدول الاعضاء فی منظومة اصدقاء الشعب السوری یزید عن 150 دولة، معظمها من الدول الاوروبیة والعربیة الثریة، ومع ذلک یعانی اکثر من اربعة ملایین لاجیء سوری، داخل البلاد وخارجها، من الجوع والمرض والرعب وانعدام ای حل بمستقبل مطمئن.
***
ملیارات الدولارات العربیة یتم انفاقها فی “صناعة الموت” فی سوریة لتمویل الفصائل المقاتلة لاسقاط النظام الدیکتاتوری السوری، وملیارات اخرى تنفق لشراء احدث المعدات العسکریة لتسلیحها، ولکن عندما یصرخ الاطفال فی مخیمات اللجوء، ویتجمدون حتى الموت بفعل الصقیع، تتوارى الملیارات واصحابها وحکوماتها، فهی مرصودة من اجل القتل ولیس من اجل الحیاة.
المنطق یقول ان الذین یستطیعون ایصال الاسلحة الى المقاتلین، لا یعجزون مطلقا عن ایصال المساعدات الطبیة والغذائیة والبطاطین الى اطفال حلب وحمص والرستن والرقة وادلب وکل المدن السوریة الاخرى المنکوبة، واذا کانت هذه المهمة الانسانیة متعذرة علیهم، ونحن لا نعتقد ذلک، فان بامکانهم ایصال المواد الضروریة والاغاثیة اللازمة واجهزة التدفئة الى السوریین فی مخیمات اللجوء فی الاردن وترکیا على الاقل حیث لا توجد مواجهات عسکریة، ولا برامیل النظام المتفجرة.
الائتلاف الوطنی السوری المعارض وجه بالامس نداء الى العالم “لرفع مستوى المساعدات العاجلة والسریعة والاساسیة للسوریین المحتاجین سواء داخل سوریة او خارجها وذلک لتجنب الاطفال والشیوخ الموت بردا”، وبث ناشطون على الانترنت جثة طفل بدت ذراعاه مرفوعتین فی الهواء “مجلدتین” على الارجح، ولم نسمع ای استجابة تستحق الاصغاء.
الشعب السوری یتعرض للذبح والقتل من کل الجهات فی داخل سوریة، وللاهانات والمعاملة المذلة على ایدی اشقائه العرب خارجها، الامر الذی یؤکد مجددا ان تدمیر هذا الشعب وبلاده وکسر شموخه وعزة نفسه وکرامته، هو الهدف والاولویة.
منظمة العفو الدولیة انتقدت فی بیان اصدرته الیوم اخفاق الاتحاد الاوروبی فی لعب دوره فی ایواء اللاجئین السوریین، مثلما انتقدت الحواجز التی وضعتها دوله للحد من العدد الذی تستضیفه معتبرة انه امر مخجل.
***
جمیل موقف منظمة العفو الدولیة هذا فی انتقاد الدول الغربیة “الکافرة” ولکن ماذا عن الدول العربیة “المسلمة”، وخاصة تلک التی ترید تصدیر الدیمقراطیة وحقوق الانسان الى سوریة، ونسأل کم عدد اللاجئین السوریین استوعبتهم، ثم کیف تتعاطى حدودها مع السوریین الهاربین من الموت للنجاة بأرواحهم، وهی دول تستوعب ملایین العمال الاجانب من اکثر من 180 جنسیة غیر عربیة؟
ملیارات الدولارات تُقدم الى مصر الشقیقة کمنح نفطیة من الدول الخلیجیة الشقیقة ایضا، لحل ازمة الوقود فیها، وهذا تصرف انسانی مشرف لا نملک الا ان نشید به على رؤوس الاشهاد، ولکن لماذا لا تطالب هذه الدول السلطات المصریة، ومن منطلق انسانی بحت، ان تسمح بمرور بعض الکمیات المحدودة الکافیة لتشغیل محطة کهرباء غزة “الیتیمة” بحیث تعید النور والبهجة الى ملیونی انسان عربی مسلم “وسنی”؟
غرق قطاع غزة فی الظلام والفیضانات، وموت اطفال سوریة وشیوخها من الصقیع والثلوج، وصمة عار فی تاریخ هذه الامة، تضاف الى وصمات اخرى عدیدة، فمن لا یغیث المحرومین المحاصرین المجوعین، وهو القادر، لا یمکن ان یحرر اوطانا، او یحترم الحد الادنى من حقوق الانسان فی بلاده او غیرها.

رمز الخبر 185958