نشرت صحیفة "میدل إیست آی" مقالا للکاتب "الیستر اسلون" اشارت فیه الى الخلافات بین قطر و دول من مجلس التعاون الخلیج الفارسی والتی ظلت مستمرة لمدة ستة أشهر وکذلک مساع للمصالحة بین الجانبین و بالتالی محاولات الامارات لتقویض هذه المساعی، التی وصفت تصرفاتها بسلوک "طفل غنی مدلل".

و جاء فی هذا المقال، انه فی وقت سابق من هذا الأسبوع، وفی واحدة من أکثر أعمال العصیان المدنی سیریالیة فی العالم، قام أحد السکان الساخطین فی حی من الأحیاء غرب لندن بإلقاء التفاح على سیارة لامبورغینی تبلغ قیمتها 300.000 جنیهًا استرلینیًّا متوقفة خارج منزله، کان سائقها یقوم بإصدار أصوات عالیة بمحرکها کنوع من العبث.

ونشرت صحیفة محلیة لقطة الفیدیو من هاتف محمول تظهر السائق العربی یقفز بدهشة خارجًا ویتفقد الأضرار التی لحقت بسیارته، ونظرًا لأن ذلک حدث فی شهر أغسطس وأنه حدث فی لندن، فلم یکن من الصعب توقع أن یکون السائق بلا شک من أمراء الخلیج (الفارسی).

حیث اعتادت لندن فی هذا الوقت من کل عام أن تشهد ظاهرة وصول موکب رسمی من السیارات باهظة الثمن التی تصل کل صیف من دول الخلیج (الفارسی)، من أجل المسابقات التی یقوم بها الأثریاء العرب بین السیارات التی تصدر محرکاتها هدیرًا أعلى وأطول أثناء العبث بها فی حی نایتسبریدج، موطن الآلاف من الأثریاء العرب والروس، والقلیل جدًا من البریطانیین الأصلیین.

وعادة ما یقوم الأمراء العرب بدول النفط الغنیة، والمنتمین للأسر المالکة فی المملکة العربیة السعودیة والکویت وقطر والإمارات العربیة المتحدة، بشحن تلک السیارات باهظة الثمن من الخلیج (الفارسی) بتکلفة هائلة، ثم یعیدون شحنها إلى الوطن بعد أسبوعین فقط. وقد أنتجت محطة التلفزیون البریطانیة، فیلمًا وثائقیًا عن غضب السکان المحلیین من هذا المشهد الصاخب کل عام والذی یعبرون عنه برمی التفاح.

وللأسف، فإن بعض هؤلاء الأطفال قد تعلموا طرقهم المدللة تلک من أفراد أسرهم، الذین لا یزالون فی السلطة کملوک مستبدین فی حین تکافح الدیمقراطیة لکسب موطئ قدم فی واحدة من أغنى المناطق على وجه الأرض.

أحد أسوأ النماذج الحالیة لمتلازمة الطفل الغنی المدلل قد یکون الحکام من عائلة بن زاید فی الإمارات العربیة المتحدة، والذین یبدون مصممین على تقویض جهود المصالحة الحاسمة بین أعضاء مجلس التعاون والأسرة الحاکمة فی قطر، والتی ظلت مستمرة لمدة ستة أشهر وحتى هذه اللحظة. ففی نهایة هذا الاسبوع، سوف یجری عقد قمة لمحاولة التوفیق بین قطر مع أعضاء آخرین فی مجلس التعاون، وهو الاجتماع الذی من المتوقع أن یشوبه التوتر، خاصة بفضل لغة الخطاب التی یستخدمها بن زاید.

کان الخلاف قد ظهر بشکل واضح عندما قامت کل من البحرین والإمارات العربیة المتحدة والمملکة العربیة السعودیة بسحب مبعوثیهم من الدوحة، التی یحکمها آل ثانی، فی أوائل مارس الماضی. وکانت القمة التی عقدت بین تلک الدول قبل یوم واحد من سحب السفراء، قد رکزت على فشل آل ثانی فی الالتزام بالاتفاقیة الأمنیة المتفق علیها بین دول مجلس التعاون قبل خمسة أشهر من ذلک التاریخ. وکانت تلک الاتفاقیة الأمنیة تنصّ على أن دول الخلیج (الفارسی) یجب أن ینأوا بأنفسهم عن الإخوان المسلمین، وأن یضعوا قیودًا على الشیخ یوسف القرضاوی (المقیم فی قطر والمؤید لجماعة الإخوان)، وأن یعملوا بشدة على تقیید حرکة العناصر الإیرانیة داخل دول مجلس التعاون.

ولکن استمرار الوجود الصریح للقرضاوی فی الدوحة، وظهوره على موجات بث قناة الجزیرة، کان مزعجًا خصوصًا لعائلة بن زاید الحاکمة فی دولة الإمارات العربیة المتحدة، خاصة وأن القرضاوی کان قد وصفهم فی واحدة من خطبه المتلفزة بأنهم یقیمون دولة “غیر إسلامیة”. ومن المعلوم أن خطبه عادة ما تصل إلى عشرین ملیون مشاهد فی منطقة الشرق الأوسط.

وبعد ستة أشهر منذ ذلک الاجتماع المصیری، لم یعد الإخوان المسلمون یشکلون تهدیدًا حقیقیًا لدولة الإمارات العربیة المتحدة أو زملائها فی دول مجلس التعاون. فعدو الإخوان الرئیس، عبد الفتاح السیسی، قد وصل إلى الحکم بأمان فی القاهرة، بعدما تم دعمه بالملیارات من المساعدات من دولة الإمارات العربیة المتحدة والمملکة العربیة السعودیة، وأصبح أعضاء جماعة الإخوان فی المنفى، أو فی السجن، أو حُکم علیهم بالإعدام من قبل القضاء المصری.

أما بالنسبة لتهمة السماح للإیرانیین للسفر إلى دول مجلس التعاون، ففی حین أنها لا تزال قضیة خطیرة، إلا إنها صارت تحمل وزنًا أقل بکثیر مما کانت علیه قبل ستة أشهر. فالأحداث فی العراق، مع صعود تهدید "الدولة الإسلامیة" خلقت خطرًا أمنیًا جدیدًا وخطیرًا على طول الحافة الشمالیة لمنطقة الخلیج(الفارسی)، مما دفع دول مجلس التعاون، بقیادة الملک عبد الله، إلى الاقتراب من إیران. وحتى قبل ذلک، رحبت أبو ظبی ودبی على وجه الخصوص برفع الحظر الغربی ضد طهران، وإعطاء الطرق التجاریة النائمة عبر المضیق فرصة جدیدة للحیاة.

وکانت السعودیة أول دولة تقوم بإعداد تقریر مفصل حول کل ما تعتقد أن قطر قد أخطأت فیه، وطلب الملک عبد الله من القطریین التوقیع على محضر التقریر من أجل المضی قدمًا. ومن المفهوم، أن أی دولة فی الخلیج (الفارسی) لن تقبل بإراقة ماء الوجه بهذا الشکل، لذا فقد رفضت قطر.

ورغم ذلک، قام ممثلون عن آل سعود بزیارة مؤخرًا لآل ثانی، فی ما أسموه “الزیارة الأخویة القصیرة”. کما قام الأمیر تمیم بن حمد آل ثانی، رئیس دولة قطر، بزیارة المملکة العربیة السعودیة لإجراء محادثات مع الملک عبد الله الشهر الماضی. ومن الواضح أن هناک نیة لتحریک الأمور إلى الأمام على کلا الجانبین. ویعتقد بعض المحللین بأن السعودیة بدأت التراجع عن الصف.

ورغم کل هذه التغیرات، لا یزال بن زاید یضغط على قطر، ولا تزال وسائل الإعلام التی تسیطر علیها الدولة فی أبو ظبی ودبی مستمرة فی صب الزیت على النار مع تصاعد الخطاب لتشویه سمعة آل ثانی. وفی یولیو الماضی، أمر بن زاید باعتقال ثلاثة مواطنین قطریین بتهمة التجسس. کما دعموا بحماس عائلة آل خلیفة فی اتهامها للقطریین بتأجیج التوتر الطائفی فی البحرین.

وقال مسؤول بدبی لم یکشف عن اسمه لصحیفة کویتیة، إن هناک صعوبات حقیقیة فیما یتعلق بالخلاف بین البحرین والمملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة من جهة، وقطر من جهة أخرى محذرًا من أن الوضع یتجه نحو التصعید.

من ناحیة أخرى، بذلت العائلة المالکة العمانیة والکویتیة محاولات یائسة لتصحیح الأمور، عن طریق إصدار التقاریر التی تبث الأمل فی نجاح المحادثات.

وترجع الضغائن بین بن زاید وآل ثانی إلى أوائل القرن التاسع عشر، کما ذکرت صحیفة الخلیج (الفاؤسی) الإماراتیة، کما أنها تجددت مع الاشتباک الحدودی الذی أسفر عن سقوط قتیلین فی عام 1992. وبعد عقد من الزمان، سحبت أبو ظبی سفیرها من الدوحة، مرة أخرى بسبب مادة بثت على قناة الجزیرة. واستغرق الأمر عدة سنوات لتحسین العلاقات، التی لم تعد إلى طبیعتها، فلا تزال التوترات تحت السطح. کما إن هناک السیاسة الخارجیة التی تتبناها قطر، والتی تحید بعض الشیء عن تلک التی یتبناها مجلس التعاون فیما یتعلق بدعم المنظمات الإسلامیة بشکل عام، بما فی ذلک حماس.

ولکن الحکمة تقتضی أن یتوقف بن زاید عن التصرف مثل الأطفال الصغار المدللین فی نایتسبریدج. فهناک التهدید الجدید من داعش الذی یتطلب الوحدة مع جمیع جیرانها الإقلیمیین إذا أرادوا وأد داعش فی مهدها. فإذا کان الغرب یفکر فی الشراکة مع إیران، بل وحتى بشار الأسد، وإذا کان آل سعود منفتحین على إصلاح الأمور حتى مع غریمهم التقلیدی فی طهران، فبالتأکید یمکن لـ بن زاید أن یغفروا لآل ثانی.
 

رمز الخبر 187536