٠ Persons
٢٠ ديسمبر ٢٠١١ - ١٠:٥٧

خبراونلاین – على الرغم من شرعیة المطالب الشعبیة ونبذ الاسالیب القمعیة التی تنتهجها قوات الامن ضد ابناء الشعب فی مختلف المدن، من الصعب القول ان ما تشهده سوریا من التطورات الراهنة الیوم هو ثورة شعبیة بکل معنى الکلمة.

*سید مرتضی نعمت زاده
یتناهى الى الاسماع فی الآونة الاخیرة من قبل قطر والعربیة السعودیة، القادة الجدد للجامعة العربیة ، همسات واحادیث عن احالة مشروع قرار الجامعة العربیة الى الامم المتحدة. لکن اهمیة القضیة تکمن فی جدوى هذه الاستراتیجیة لانهاء العنف فی سوریا؟، وذلک فی وقت لم تصل فیه التظاهرات الشعبیة الى العاصمة السیاسیة (دمشق) والاقتصادیة (حلب).
ان واقع الامر یتمثل فی انه نظرا لهذه المیزة الهامة ، وعلى الرغم من شرعیة المطالب الشعبیة و نبذ الاسالیب القمعیة التی تنتهجها قوات الامن ضد ابناء الشعب فی مختلف المدن، من الصعب القول ان ما تشهده سوریا من التطورات الراهنة الیوم هو ثورة شعبیة بکل معنى الکلمة. فی الوقت الراهن لا تمیل التطورات التی تشهدها الساحة السوریة الى تغییر جوهری ای ثورة، کما ان الحکومة لیست فی مواجهة ظروف یمکن الزعم من خلالها انها على حافة الانهیار والسقوط.

ما من شک ان النظام السوری بحاجة ماسة لاصلاحات جادة وعمیقة. حیث تتمثل اهم المطالب الشعبیة بالحریة السیاسیة، المشارکة الحزبیة والقضاء على التفرد فی البلاد ، کما لا یوجد ادنى شک فی ضرورة تفعیل هذه الاصلاحات وتلبیتها. لکن حقیقة الامر هی ان ما تشهده سوریا الیوم یبتعد بعدا شاسعا عن التعاریف الکلاسیکیة للثورة، وهناک اسباب کثیرة لتبریر هذه المسألة:

اولها ان، ان نطاق التظاهرات لم یتسع لیشمل کافة المدن السوریة کما لم یسمع فی العاصمة السیاسیة او الاقتصادیة فی سوریا ایة مطالبات شعبیة. ربما لو ان هاتین المدینتین انضمتا ایضا الى التیار المعارض لکان یمکن اطلاق لفظة ثورة علیه وتحدید آفاقه المستقبلیة. ان الوقت الذی ستشهد فیه سوریا ثورة هو الوقت الذی یحدث فیه اجماع ، اجماع یکون فیه نظام بشار الاسد فی جهة والشعب على الجانب الآخر. لکن نرى الان ان هناک قسم لا یستهان به من الشعب السوری مؤیدا للنظام السوری وهناک جزء من المعارضین له کما ان هناک آخرین یلتزمون الصمت حتى وان کان منشأه الخوف.

ثانیها ان، طبیعة الثورة تستوجب دوما ان یکون مصدر التغییرات فیها عاملا داخلیا، فی حین ان قسما کبیرا من جذور المطالبات بالتغییر مصدرها عامل خارجی وان نقاط دخولها من الخارج الى الداخل تتمثل بالدعایة الخارجیة التابعة للغرب والانظمة الرجعیة والمناطق الحدودیة المحیطة بها ، لذا نجد ان جهة التغییرات فی سوریا هی من الخارج الى الداخل ولیس العکس.
وفی کل الاحوال ان الامر الیقین هو ان الخصائص الکلاسیکیة لای ثورة ومن ضمنها شمولیتها، لم تصل الى منصة الظهور بعد فی سوریا فما لم نر شمول الحرکة الاحتجاجیة لکافة ارجاء هذا البلد لا یمکننا اطلاق تسمیة ثورة علیها. فی الوقت الراهن لا تشکل المعارضة غالبیة المجتمع وحتى اننا نجد ان ما بین المعارضین ، هناک اقلیة ناشطة (غالبیة المعارضة فی الوقت الراهن لا تسعى الى النزول الى الساحة والتضحیة لاجل التغییر). لذا فی ظل هذه الظروف  التی لا تشکل فیها المعارضة الفاعلة الاغلبیة ، نرى ان خیار التغییر لا یمکن تحقیقه الا بواسطة التدخل العسکری الاجنبی وان السعی لایجاد تغییر بالقوة وفقدان الاجماع سیدخل البلاد فی حرب داخلیة واسعة النطاق ، وان التدخل الاجنبی حتى لو اسفر عن تغییر النظام سیصل بالبلاد الى طریق محفوف بالغموض والتعقید.

النقطة الاخرى التی یجب ان نشیر لها ان التدخل الخارجی من الممکن ان یحرر المواطن السوری من قیود النظام الحاکم لکنه سیسهم فی وضع سوریا فی الاسر و تحت سلطة الآخر وهذا الامر یتعارض من الاساس مع مقولة الثورة التی تضمن الاستقلال والقدرة على اتخاذ القرار فی داخل البلاد ومن قبل ابناء الشعب.

من جهة اخرى نرى ان کافة الدول المعارضة (الاقلیمیة والدولیة) التی تصطف الیوم فی مواجهة الحکومة السوریة اما انها کانت ومنذ القدم عدوا لسوریا او انها کانت ضمن الدول التی تفتقد للدیمقراطیة وانها لو عانت من ذات الظروف التی تشهدها سوریا لانتهجت نهجا اسوأ بکثیر من نهج بشار الاسد ، لذا تعتبر المطالبات الشعبیة فی سوریا للغرب ولبعض الدول مثل قطر والسعودیة مجرد ذرائع وان حکام الخلیج الفارسی الطغاة والطاعنین فی السن لا یعیرون ایة اهمیة لابناء سوریا ، وان مجرد اصطفافهم هذا هو لازالة بشار الاسد واسقاط حکومته.

فمن جهة یعتبر اسقاط بشار الاسد، کسرا لشوکة المقاومة ، وهی کانت ولا زالت رغبة العدید من الدول الواقعة فی جبهة التطبیع ، حیث وفیما یتعلق بنقل مکتب حماس الى باقی الدول العربیة ، نرى ان لا وجود لای دولة مستعدة لقبول مکتب حماس فیها.

بالطبع لا یعنی هذا الموافقة على الاسالیب القمعیة لقوات الاسد ازاء الشعب السوری، بل انه تبیین لحقائق لا یمکن فی تحلیل الموضوع بصورة شاملة غض الطرف عنها وتجاهلها.

لذلک لا ینبغی فی تحلیل الاجواء العامة للتطورات فی سوریا تصویرها على انها تطورات ذات جذور داخلیة فقط. فمن ینظر الى هذه الاحتجاجات من الناحیة الداخلیة لها ، یسمونها ثورة ، اما الاشخاص الذین ینظرون لها من الناحیة الخارجیة یسمونها بالمؤامرة الخارجیة، فی حین ان واقع التطورات فی سوریا هو مزیج من کافة العناصر الدخیلة ، لیس مجرد ثورة لعدم مشارکة الجمیع فیها ولیست مجرد مؤامرة خارجیة لانه لا یمکن تجاهل المطالبات الشعبیة. لذا تصنف  الحکومة السوریة معارضیها الى فئتین، الفئة الاولى هم الاناس العادیون المطالبون بالاصلاحات والفئة الثانیة المعارضون المدعومون من الخارج بغرض الاطاحة بالنظام.

فی غضون ذلک ما جدوى نقل مشروع قرار جامعة الدول العربیة الى الامم المتحدة ؟ من الواضح من آفاق نقل مشروع قرار جامعة الدول العربیة الى مجلس الامن الدولی اضفاء الشرعیة للتدخل العسکری فقط ، وهو الامر الذی یحیطه الغموض. من هنا یمثل موضوع متابعة القضیة السوریة بین الدول الغربیة وجامعة الدول العربیة نوعا من رمی الکرة فی ملعب الآخر فیما بین الحکومات المعارضة للنظام السوری. وسبب هذا یکمن فی صعوبة التدخل العسکری فی سوریا نظرا لموقعها الجیوسیاسی کما ان المصالح تستدعی عدم تورط الغربیین فعلا فی الخیار العسکری. لذلک نجد ان کافة الجهود تبذل حالیا للضغط على الاسد شخصیا واستخدام کافة الآلیات المتاحة الاقتصادیة والسیاسیة لتضییق الخناق علیه. ان احالة مشروع قرار جامعة الدول العربیة الى الامم المتحدة لا یمثل سبیلا للحل الامثل کما انه قد یتسبب ایضا فی تأزیم الاوضاع اکثر مما هی علیه.

*الملحق الثقافی الایرانی السابق ورئیس تحریر وکالة انباء تقریب

30349

رمز الخبر 181420