٠ Persons
٢٥ ديسمبر ٢٠١١ - ١٩:٥٥

نصرة الله تاجیک

خبر اونلاین – عقب سلسلة من التوترات السیاسیة بین امیرکا والعراق فیما یخص موضوع اخذ الحصانة السیاسیة لاقامة عدد من القوات العسکریة الامیرکیة فی العراق الذی جوبه بمعارضة شدیدة من قبل ابناء شعب ومسؤولی النظام العراقی ، اسفرت زیارة رئیس الوزراء العراقی لامیرکا لوضع اللمسات الاخیرة على هذا الموضوع والانتهاء من البت فی قضیة الشراء العسکری للعراق، البلد الذی ترتکز بنیته التسلیحیة على الجانب الروسی ، فی ادخاله الى معسکر التسلیحات العسکریة الغربی.
ان اصرار الامیرکیین على الاخذ بهذا الحق یمثل بحد ذاته امرا جدیرا بالاهتمام ، وبحاجة الى مناقشة ابعاده بشکل منفرد ، لکن دخول امیرکا للعراق له احادیثه وحکایاتهالمتعددة وکذلک فترة تواجدها هناک والیوم خروجها. فحتى الیوم لم یتم الشعور بهکذا فراغ فی القوى السلطویة على صعید العلاقات الدولیة ، بحیث تنفرد قوة عسکریة على هذا النحو ومن دون ای منازع لها بساحة العلاقات الدولیة. لقد بات جلیا للعیان ان غزو العراق وتدمیر البنیة التحتیة لهذا البلد عبر اطلاق مزاعم واهیة عن وجود اسلحة دمار شامل لیست سوى ذرائع من قبل المحافظین الجدد فی امیرکا اطلقوها فی ضوء هذا الفراغ السلطوی بغرض تغییر قواعد اللعب فی مجال العلاقات الدولیة. تغییر من الممکن ان یفضی عنه تداعیات خطرة جدا سواء على صعید مستقبل المنطقة وایضا على صعید تشکیل بدایة للعدید من التدهوات السیاسیة الاجتماعیة والاقتصادیة فی مختلف مجتمعات منطقة غرب آسیا التی تعرف فی نظریات المحافظین الجدد بالشرق الاوسط الکبیر ، الذی یحظى موضوع السیطرة علیه باهتمام بالغ من قبلهم.
ان الفتور الذی رافق اجراء مراسم الخروج الامیرکی فی احد القواعد الامیرکیة قرب مطار بغداد الدولی وبحضور وزیر الدفاع الامیرکی وبکلمة القاها جنرال عراقی ممن ساعد القوات الامیرکیة خلال تواجدها فی العراق وفی ظل غیاب ملحوظ للمسؤولین السیاسیین العراقیین، انما هو مؤشر على غضب العراقیین واستیاءهم ازاء اسلوب الامیرکیین خلال کل تلک الفترة. فبالرغم من ان ابناء الشعب العراقی لم یتوانوا فی الاحتفال واطلاق الاهازیج بمناسبة مغادرة الامیرکیین وحتى ان کلمة اوباما فی امیرکا امام الجنود العائدین من العراق التی سعى من خلالها الى تبدیل موضوع مغادرة الامیرکیین للعراق الى احد اهم مواضیع البحث على صعید السیاسة الداخلیة الامیرکیة بغرض استغلالها لمآربه الانتخابیة وایضا لتبریر سیاسات امیرکا فی الشرق الاوسط والعالم، کل هذه الامور فشلت ولم تحضى بالنجاح المنشود.
لقد کتبت فی مقالة فیما یخص المواضیع التی نشرت فی ویکیلیکس ان قول امیرکا یختلف عن فعلها اختلافا کبیرا، وهذا یؤکد ان هذا البلد وسیاساته لا یمکن الثقة بها. لکن تناول هذا الافتراض وطرحه امام بلدان العالم یتطلب فنا دبلوماسیا خاصا. ان احد اوجه هذا الافتراض التی یمکن اثباتها الیوم هو موضوع دخول وحضور وخروج امیرکا من العراق.
یعتبر الغزو العسکری الامیرکی للعراق عام 2003 احد النقاط الهامة ونقاط العطف فی مجال العلاقات الدولیة. فقد استطاعت حکومة بوش وبسبب مزاعم امتلاک العراق لاسلحة الدمار الشامل ودعمه للارهابیین من خلق اجواء قلما واجهت معارضة لشن هجوم عسکری غربی على العراق. لکن ومع مرور الزمن تم التأکد من ان هذه الادعاءات وحتى بحوث و دراسات کبرى المؤسسات تمت کلها فی ضوء نظریات ووفقا لمصالح واهداف محددة لتمکین امیرکا من ازالة ایة عقبة او تهدید لمصالحها فی الشرق الاوسط. لذلک وعقب الاحتلال العسکری للعراق، وبالرغم من کافة عملیات التجسس والبحث الفنی، لم یتم العثور على ای نوع من اسلحة الدمار الشامل التی وصفت بانها کانت تمثل تهدیدا لمصالح امیرکا الامنیة، وللاسف شغلوا بلدان العالم بمشاکل عدة على صعیدها الداخلی بحیث لا یتساءل احدها الیوم عن اسباب شن ذلک العدوان وما هی النتائج المترتبة علیه والتی لم یسفر عنها سوى بقاء عراق مدمر مع ما یقارب ملیون ونصف الملیون قتیل.
لقد آن الآوان الیوم للعمل الدبلوماسی واثبات ان المحافظین الجدد الذین تصوروا ولاسباب غالبیتها اقتصادیة ضرورة غزو العراق والبحث عن ادلة لاثبات مزاعمهم وقبل اثباتها قام منظرو حزب المحافظین والمحافظون الجدد باتخاذ قرارهم وبذلوا الجهد لاضفاء الشرعیة على تلک المزاعم لیتمکنوا من التصدی للرأی العام للمسلمین. ان اهم آثار الغزو الامیرکی للعراق تتمثل باخلال التوازن الاقلیمی حیث کان یرمی الامیرکیون لایجاد توازن جدید وفقا لرؤیتهم ویتمحور حولهم لیستطیعوا من خلاله الحصول على النفط الرخیص وتعیین حدود امن الکیان الصهیونی وحفظها فی اطار الترتیبات الجدیدة.
فی ضوء هذه التطورات فتحت الاجواء الاستراتیجیة لایران ابوابها فی العراق نحو الغرب والجنوب الغربی او ما یعرف ب "الهلال الشیعی" ، الامر الذی اعتبر منافیا لنوایا امیرکا فی غزوها للعراق ومن باب الصدفة ساهم الغزو الامیرکی للعراق فی تعزیز القدرات الایرانیة لکن الامیرکیین کانوا وراء شئ آخر لیس فقط الحد من اشاعة هذه الاجواء بل ایجاد قاعدة لهم فی العراق لمواجهة ایران. وان تبوء ترکیا، الاردن والسعودیة لدور لها فی العراق انما یأتی فی سیاق السیاسات الاقلیمیة لامیرکا. لذا یعتبر امر المغادرة على هذا النحو لیس عدم حضور فی العراق بل اختلافا له شکلا وصورة.
فمن جانب سوف یعتمد العراق على الصناعات التسلیحیة الغربیة ومن جانب آخر هناک بلدان فی المنطقة ونیابة عن امیرکا سوف تعمل على توجیه القضایا الداخلیة والخارجیة للعراق وفقا لما ترمی الیه مآربها. بلدان تتعارض توجهاتها السیاسیة والاستراتیجیة مع توجهات الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وحتى یمکن القول انه فیما یخص العراق وفی اقل تقدیر ربما تسفر حتى عن مواجهة سیاسیة بینها.
عقب الافلاس الاقتصادی الامیرکی والازمة الاقتصادیة التی اجتاحت العالم جراء هذا الاقتصاد ، لم یعد موضوع التواجد الامیرکی بشکله الماضی الباهظ التکلفة (1) الذی اسفر عن تداعیات داخلیة ودولیة امرا ضروریا ، لذا استوجب التواجد بصورة اخرى تصنع المال بغرض انفاق ارباح النفط العراقی على صناعات التسلیح الغربی حتى تتمکن من تبدیل انفاقاتها الماضیة الى استثمارات مربحة.
لقد تطرقت احیانا الى حجم و نوعیة السفارة الامیرکیة فی بغداد التی یقال ان لها 18000 موظفا و 5000 مقاولا عسکریا-امنیا والتی تعتبر من اضخم السفارات على الکرة الارضیة، وان بدء انعقاد الاتفاقیات التسلیحیة هو ما یثبت هذا الادعاء والذی اشرت له فی مقالة (2) لکن لا شک وکما قیل ان ما یحدد السلوک الامیرکی فی العراق منذ البدایة وحتى الیوم وفی المستقبل ایضا، هو المصالح المتوسطة الامد والبعیدة الامد الاقتصادیة والاستراتیجیة التی تعتبر جزءا من تواجد امیرکا الاقلیمی فی احدى اهم بقاع الشرق الاوسط والخلیج الفارسی الاستراتیجیة والتی تعود اسبابه الى الاستراتیجیة الامیرکیة العالمیة لحفظ تفوقها الاستراتیجی على الصعید العالمی(3).
للاسف لم یتم مناقشة ودراسة هذا المحور الاستراتیجی بشکل کاف ومن هنا لم یتم استکشاف ابعاده وجوانبه بصورة جیدة ، والتی اسهمت فی خروج امیرکا بهذه الطریقة الباردة . على الرغم من ان الخروج الامیرکی من وجهة نظر الحکومة الامیرکیة الحالیة هو اعلان لاتمام مهمتها فی استقرار وتحریر العراق واعلان نهایة الحرب هناک ، لکن الحقائق الاقلیمیة ونظرا لمنافاتها للرغبات الامیرکیة اسفرت فی جعل المنطقة على اعتاب احداث اخرى. لذا هناک امور على ارض الواقع فرضت على الامیرکیین وادت الى خروجهم من العراق ولم یتم هذا الخروج وفقا لرغباتهم کما یدعون ، لکنهم سعوا الى تبدیل هذا التهدید الى فرصة والخروج بشکل یحفظ صورتهم واتخذوا تدابیر تمکنهم من الافادة من التجارب التی اکتسبوها خلال السنوات الثمان الماضیة، حیث لا زالت الساحة العراقیة والساحة السیاسیة الاقلیمیة مشتعلة.
سوف یسهم الجمع بین فعالیات القوى الدینیة والقومیة والاکراد التی تتمتع کل منها باراء واهداف مختلفة عن ایجاد اجواء جدیدة فی العراق والتی نظرا لاغراض ودوافع امیرکا الخفیة فی هذا البلد ستفضی الى تغییر ظروفه واجواءه. بالطبع الظروف الخاصة للمجتمع العراقی والتعددیة السیاسیة والقومیة ووجود الاراء المختلفة فی ضوء التخلص من دکتاتوریة صدام من الممکن ان تسهم فی ایجاد فرصة لهذا المجتمع وفی ذات الوقت ایضا ان تمثل تهدیدا له، ولکن العودة بالتنمیة السیاسیة والاجتماعیة للعراق الى الوراء والتی تسببت بها امیرکا لها آثارها التدمیریة الخاصة بها ویجب الالتفات الى الحقائق الاجتماعیة فی عراق الیوم وخفض الآثار المترتبة عن دخول، حضور وخروج امیرکا من العراق الى اقل ما یمکن.
فی الختام یجب الاخذ بعین الاعتبار ان نسبة تأثیر دخول وحضور امیرکا فی العراق تفوق بکثیر نسبة تأثیر خروجها وما فرضته على الحکومة الامیرکیة وایضا على الشعب العراقی حیث ان امیرکا لم تدفع الکثیر حتى الان ازاء مغادرتها العراق.


(1)http://www.costofwar.com/ [http://r20.rs6.net/tn.jsp?llr=iqnuv6bab&et=1108975159177&s=72610&e=001ObjIMARrXZOJiDOlz7p5cDv3p8_02AcQar_51ZapPFfjJQG3tQQUQKoiEM2IbxZ3VcSJIwNRQK8b82f7WhGclRLOQP_0B-g3QM4b0IW0LvTQfz0oYYK43g==

(2) http://tehrantimes.com/opinion/93740-is-the-us-truly-leaving-iraq

(3)http://www.irdiplomacy.ir/fa/news/61/bodyView/18971
4949

رمز الخبر 181442