یوسف مکی:

فی 23 نوفمبر من العام الماضی قبل النظام فی البحرین توصیات لجنة تقصی الحقائق (المعروفة بلجنة بسیونی) فی احتفال حشد له النظام کل امکانیاته الاعلامیة والعلاقات العامة. وکانت توصیات هذه اللجنة صادمة للنظام وفاضحة للحجم الکبیر لانتهاکاته على صعید حقوق الانسان عموما وعلى صعید العنف المفرط تجاه المنتفضین خصوصا وتجاه مکون اساسی من الشعب البحرانی بشکل اخص، کما کانت هذه التوصیات فاضحة للحلیف الامریکی وکاشفة لإزدواجیة المعاییر.
طبعا کان الهدف من (الهیلمان) الإعلامی هو محاولة اقناع / تضلیل الرأی العام العربی والدولی بأن النظام جاد فی قبول توصیات اللجنة وما یترتب علیها، لکن الهدف الحقیقی من القبول الإعلامی (الشو) هو مجرد قبول شکلی دون المحتوى، فهو یقول للعالم اننی قبلت بالتوصیات وفقط عند هذا الحد، لکن التنفیذ لن یتحقق.
وبالفعل لم یتحقق، فبعد مرور قرابة سنة وعلى الرغم من قبول النظام بتوصیات لجنة بسیونی وعلى رؤوس الاشهاد والإعلام فإنه لم ینفذ شیئا ملموسا من تلک التوصیات وخاصة ماهو جوهری فی هذه التوصیات، لا بل قفز علیها بتشکیل لجنة لمتابعة تنفیذ هذه التوصیات من شخصیات موالیة، وغیر قادرة على تنفیذ حتى توصیة واحدة من قبیل اعادة المفصولین مثلا او اطلاق سراح معتقلی الرأی وقیادات الانتفاضة او الکف عن اطلاق النار على المتظاهرین او منعهم من التظاهر.
وبعد مرور الوقت اصبحت توصیات لجنة بسیونی مجرد حبر على ورق وقد تنصل النظام من التزاماته وقبوله بهذه التوصیات، واصبحت فی فقه النظام من مخلفات الماضی. وممارسات النظام قبل التوصیات وبعدها هی، هی تجاه الاحتجاجات لم تتغیر حیث المعالجة الامنیة / القمعیة هی سیدة الموقف، ولم تعدّل فی ممارساته وعنفه تلک التوصیات / الإدانات أی شیء على الاطلاق.
هذا فیما یخص قبول النظام بتوصیات لجنة بسیونی. اما الیوم وبعد مرور قرابة سنة فهو یقبل ایضا وعلى مضض بتوصیات اخرى هی توصیات مجلس حقوق الانسان او بمعظمها من خلال جلسة المتابعة الدوریة التی عقدت فی 19 من الشهر الماضی فی جنیف، وقبوله هذا فی حد ذاته یعتبر ادانة اخرى له ولممارساته تجاه شعبه. لکنه فی نفس الوقت سرعان ما یتنصل ویتملص من تنفیذه للتوصیات التی قبل بها. وینطبق علیه المثل (عادت حلیمة لعادتها القدیمة). القمع ثم القمع ثم القمع.
فهو یعتقد انه بهذا القبول یحاول ان یلتف على المجتمع الدولی، وکأنه یرید ان یقول اننی قبلت ونفذت تلک التوصیات. ولکن شتان بین القبول والتنفیذ فی ظل نظام محکوم بمنطق الاستبداد والدعم الدولی والامریکی خاصة. والقبول بالتوصیات لا یکفی.
ولکن للاسف الشدید ان النظام فی الوقت الذی یقبل فیه بالتوصیات سواء تلک الصادرة من قبل مجلس حقوق الانسان او من قبل لجنة بسیونی قبل حوالی سنة، فإنه لا ینفذ شیئا من تلک التوصیات على الارض، بل یزید الوضع تعقیدا من خلال ممارساته القمعیة التی تتعارض مع التوصیات التی یوافق علیها. وفی الحقیقة إنه یلعب بالتوصیات ولا ینفذها، ویقول شیئا فی جنیف، ویقول ویفعل عکسه فی البحرین.
وهو بهذه الطریقة یستخدم اللف والدورات والکذب السیاسی، بمعنى انه یعلن موافقته على التوصیات لکن هذه التوصیات ستظل حبرا على ورق، حیث التنفیذ سیتبخر مع الوقت وستنتهی المشکلة مع مرور الوقت.
لاشک ان اللف والدوران من قبل النظام هما من سماته، إلا ان ذلک لیس شطارة منه، بل هو نتیجة منطقیة وموضوعیة للدعم والتواطؤ الامریکی والبریطانی معه وتغطیة ممارساته وهی ممارسات خطیرة، وتستحق العقوبات اسوة ببقیة الانظمة القمعیة (سوریا مثلا ). لکن فیما یبدو ان النظام مطمئن لوضعه ولنتائج ممارساته ونقض ما یلتزم به بسبب من ان الادارة الامریکیة تعتبره حلیفا استراتیجیا ولن تفرط فیه حتى لو اباد شعبه، فهو مدعوم من القوة الاعظم.
وهو یعرف ان السیاسة الامریکیة فی المنطقة الخلیجیة تجعل من مصالحها الاستراتیجیة وتحالفاتها مع الانظمة وفی مقدمتها النظام البحرانی اهم من حقوق الانسان فی البحرین واهم من الربیع البحرینی واهم من النضال من اجل الدیمقراطیة واهم من حقوق الانسان، ولن تخذله، ویکفی الاشارة فی هذا السیاق الى عدم تطرق اوباما فی خطابه فی الامم المتحدة الى الثورة البحرانیة.
لذلک فإن النظام سیظل مستمرا فی قمعه وعنفه المفرط وممارساته الامنیة تجاه الحراک الشعبی ویده فی الماء کما یقال، کما سیظل یقبل بأی نوع من التوصیات التی تدین ممارساته لکن دون ان تجد طریقها للتنفیذ او تؤدی الى تغییر نهجه، سیلتف علیها بالتأکید، فقط لأن الامریکان لا یریدون ذلک ولن یزعجوا النظام بالضغط علیه لتنفیذها، وقضیة الشعب البحرینی لیست ضمن اجنمدتهم فیما یتعلق بالدیمقراطیة وتداول السلطة واحترام حقوق الانسان، فالنفط وصفقات السلاح اهم من شعب یناضل ضد نظام قبلی استبدادی. فدعم الدیمقراطیة والحکم الرشید فی البحرین لیست من شیم الامریکان. بالنتیجة ستظل کل التوصیات السابقة واللاحقة حاضرا ومستقبلا فی مهب الریح وحبرا على ورق بالنسبة للنظام ورعاته.
هذا هو مصیر توصیات لجنة بسیونی قبل سنة والمصیر نفسه بالنسبة لتوصیات مجلس حقوق الانسان. وسیبقى الوضع على حاله وزیادة طالما ان النظام مدعوم امریکیا ومغطى بعباءته، ومرتاح لتغطیة الحلیف الامریکی الذی یعرف تماما انه سیهب الى نجدته متى ما تطلب الموقف ذلک .
فالتوصیات مهما کانت قویة، مجرد حبر على ورق اذا لم تجد الارادة الدولیة لاجبار النظام فی البحرین على تنفیذها، فهی لیست ذات قیمة، والارادة الدولیة فی هذه المنطقة من العالم هی امریکیة / امبریالیة بالدرجة الاولى حیث یتوقف فعلها ودیمقراطیتها ودفاعها عن حقوق الانسان والشعوب عند ابواب العوائل الحاکمة فی المنطقة.
اجل انها المصالح الامبریالیة الاستراتیجیة التی تجعل من ربیع الشعب البحرینی المستمر منذ اکثر من سنة ونصف لا کجزء من ربیع العرب، انما تجعل منه شیئا من خارج الفصول والتاریخ وتترکه تحت رحمة النظام الخالی من الرحمة.

' باحث بحرینی فی علم الاجتماع

رمز الخبر 183323