محمد ایرانی

 

 

خبراونلاین – تشهد مصر الیوم مرحلة انتقالیة، وان سبیل تسویة الازمة والتغلب علیها، هو رهن فی التوصل الى التوافق والتفاهم الداخلی. وان توافق الآراء الدیمقراطیة وحوار رئیس الجمهوریة مع المعارضین من الممکن ان یمثل مخرجا من هذه الازمة.

ان احدى الآثار السیئة المترتبة عن اندلاع الثورات فی الحکومات المستبدة العربیة خلال العامین الماضیین هی ظهور النزاعات الخفیة، الانشقاقات، التحالفات السیاسیة والحزبیة والمواجهة فی الشوارع. جزء من هذا طبیعی وهو من مستلزمات ای ثورة اجتماعیة عقب تحقیق النصر. لکن ما یحدث الان فی مصر، امر یفوق الخلاف والنزاعات السیاسیة وهو امر یعکس عدم ثقة کلا الطرفین بالآخر. ففی جهة تقف جبهة، الائتلاف النادر بین التیار الاسلامی للاخوان المسلمین والسلفیین الذین حصدوا غالبیة المقاعد البرلمانیة خلال انتخابات نوفمبر 2010 البرلمان الذی تم حله من قبل المجلس الاعلى للقوات المسلحة حینها ومن ثم وخلال انتخابات حزیران 2012 الرئاسیة انتخب هذا الائتلاف محمد مرسی بغالبیة هشة لتولی منصب رئاسة الجمهوریة. وفی الجبهة المقابلة، هناک التیارات السیاسیة القومیة، المعتدلة، الیساریة، الاقلیات الدینیة والاحزاب اللیبرالیة التی یساورها قلق شدید ازاء ان تذهب الاوضاع الداخلیة فی مصر نحو الرادیکالیة وان تصب فی صالح الاسلامیین لا سیما فی صالح التیار المتطرف والسلفی. وتعتقد هذه الجبهة انه وبالرغم من مشارکة السلفیین فی الانتخابات لکنهم یواجهون مشاکل فی قبول الدیمقراطیة والمجتمع المدنی. وان جزءا من هذا الفریق خاصة القومیین والناصریین وقفوا خلال الانتخابات الماضیة الى جانب محمد مرسی و عارضوا المرشح الآخر (احمد شفیق).

هذا واحتدم النزاع الداخلی بین هذین التیارین عقب اصدار محمد مرسی الاعلان الدستوری الذی تم فیه تخصیص صلاحیات عدیدة من صلاحیات السلطة القضائیة لنفسه. ان حجم التواجد الشعبی فی الشوارع لمعارضی مرسی واعتصامهم فی میدان التحریر ازداد حدة مثلما هو الحال ابان الثورة ضد حسنی مبارک. ومع اقتراب تاریخ 15 دیسمبر (موعد الاستفتاء على الدستور) نشهد مواجهات مباشرة بین مؤیدی محمد مرسی ومعارضیه ، اشتدت خلال الایام الاخیرة وتحولت الى مواجهات فی الشوارع، تدمیر وقتل وجرح عدد من الاشخاص ما ادى الى تعقید الاوضاع الداخلیة فی مصر اکثر من ذی قبل واسهم فی اضفاء هالة من الغموض على مصیر الاستفتاء واعادة الاستقرار الى هذا البلد المهم لکن المتأزم.

والیوم لم یعد میدان التحریر فقط فی القاهرة ساحة للاعتصام بل کذلک نشهد احتجاجات وتجمعات امام مقر القصر الرئاسی ومقر الاخوان المسلمین اللذان باتا ساحة للمواجهات ، اوضاع قلما کان یتوقع حدوثها احد. لا شک ان العناصر المتطرفة لها ید ودور رئیسی فی تأزیم الاوضاع القائمة. ان استمرار هذا النهج الراهن لن یصب ابدا فی صالح مصر ومستقبلها. ان محمد مرسی وتیار الاخوان المسلمین وبالرغم من تمتعهما بالاغلبیة وتولی زمام الامور فی البلاد قانونیا، لکن ومع هذا هم من تقع على عاتقه مسؤولیة ارساء الاستقرار والهدوء الداخلی فی البلاد. ان مرونة الشریحة الحاکمة فی مصر وفی ظل الظروف التی یشهد فیها المجتمع المصری انقساما بات الیوم ضرورة لا بد منها. ان التشدد والحدیث عن الاغلبیة والاقلیة لم یعد یجدی نفعا لمستقبل مصر ومسیرة السیادة الشعبیة فی هذا البلد. فی حین ان کبار مسؤولی جماعة الاخوان المسلمین وضعوا کل شئ رهنا بصوت الشعب وبیوم الاستفتاء ووجهوا الدعوة للمعارضین لاستعراض العضلات یوم 15 دیسمبر الجاری، فی حین اتهمت الجماعات المتشددة وبدون الالتفات الى التنوع ، والکثرة والتعددیة فی المجتمع المصری، اتهمت الجماعات المعارضة التی نرى بینها التیارات الوطنیة والمناهضة للصهیونیة وداعمی المقاومة الفلسطینیة ، ووصفتها بانها جبهة الکفر او الباطل امام جبهة الحق والایمان ووجهت اصابع الاتهام الیها على انها ذات صلة بالاعداء خارج الحدود. کما نرى فی الجبهة المقابلة عدد من المتطرفین، الذین یتحدثون عن اسقاط او اقالة مرسی ویطالبون بالعودة الى نقطة الصفر الامر الذی یعتبر تجاهلا للانجازات الکبرى للشعب المصری وللمسیرة التی تم المضی بها حتى الیوم. ان ترویج فکرة ان محمد مرسی رئیس حزب الاخوان المسلمین ولیس رئیس مصر امر مذموم. حیث یتم الحدیث على انه وخلال مواجهة الاوضاع الخارجیة وعلى سبیل المثال فیما یخص العلاقات مع امیرکا وتجدید العلاقة مع الکیان الاسرائیلی اظهر مرونة تجاهها لکنه وفیما یخص المشاکل الداخلیة، کان غیر مرنا وانطوائیا ، وبالرغم من صحة بعض هذه الامور لکنها لا تصب فی صالح المصلحة الوطنیة لمصر.

الیوم تشهد مصر مرحلة انتقالیة . وان سبیل تسویة الازمة والتغلب علیها، هو رهن فی التوصل الى التوافق والتفاهم الداخلی. ان التشدد والتطرف من قبل ای تیار کان دون ادنى شک سیسهم فی تأزیم الاوضاع . وان توافق الآراء الدیمقراطیة وحوار رئیس الجمهوریة مع المعارضین من الممکن ان یمثل مخرجا من هذه الازمة.

وختام الحدیث فان مصر لطالما کانت انموذجا یحتذى به من قبل العالم العربی وستکون کذلک، کما ان التطورات التی تشهدها ساحتها الداخلیة یمکن ان تکون هکذا ایضا.

سفیر ایران السابق فی الاردن

رمز الخبر 183873