٠ Persons
٣ أبريل ٢٠١٣ - ١٦:١٠

نقولا ناصر

خبرأونلاین-(إن الأولویة التی منحت لسوریة فی قمة الدوحة العربیة الأخیرة لا یمکنها إلا أن تثیر أسئلة فلسطینیة مستهجنة عن أسباب دفع الأولویة الفلسطینیة إلى مرتبة أدنى)
  
عشیة یوم الأرض فی فلسطین، فی الثلاثین من آذار/ مارس، وبینما تعلن "الإدارة المدنیة" لقوات الاحتلال الإسرائیلی أن (37%) من الأرض الفلسطینیة المحتلة عام 1967 فی الضفة الغربیة مخصصة للاستعمار الاستیطانی مقابل (0,7%) منها مخصصة للبناء الفلسطینی، وبینما یعلن تقریر صادر عن الإحصاء الفلسطینی بمناسبة "یوم الأرض" أن الاحتلال یسیطر على (85%) من أرض فلسطین التاریخیة، فإنها تکون ازدواجیة تقلب الأولویات العربیة بطریقة مفجعة وکارثیة مستهجنة فلسطینیا عندما تمنح قمة الدوحة العربیة الأخیرة الأولویة لـ"تغییر النظام" السیاسی فی سوریة وتنزل إلى مرتبة أدنى قضیة فلسطین حیث یتآکل یومیا وجود العرب وهویتهم العربیة الإسلامیة ومقدساتهم وتاریخهم ونظامهم السیاسی والاجتماعی والثقافی بالتهوید المتسارع للأرض والإنسان.
 
وبغض النظر عن أی معارضة أو تأیید فلسطینی لموقف قمة الدوحة العربیة الأخیرة من الأزمة السوریة الدامیة وعن أی موقف فلسطینی فی هذه الأزمة، فإن ازدواجیة جامعة الدول العربیة، على سبیل المثال بین الحل العسکری فی سوریة وبین الحل السلمی فی فلسطین، أو بین تسلیح المعارضة فی سوریة وبین رفض تسلیح المقاومة الفلسطینیة، أو بین سحب الشرعیة العربیة عن الحکم فی دمشق وبین الاعتراف العربی بشرعیة وجود دولة الاحتلال الإسرائیلی، أو بین التنفیذ الفوری لقرارات القمم العربیة بشأن سوریة وبین بقاء مثل هذه القرارات حبرا على ورق بشأن فلسطین، وبین سیل التمویل المتدفق إلى سوریة وبین عدم الوفاء بالتعهدات المالیة لفلسطین، إلى غیر ذلک من أمثلة الازدواجیة العربیة بین سوریة وبین فلسطین، إنما هی ظاهرة مرصودة ولافتة للنظر ومستهجنة فلسطینیا.
 
ولا یعنی ذلک بالتأکید تأییدا فلسطینیا لموقف الجامعة العربیة من الأزمة السوریة، أو تأییدا ل"النظام السیاسی" الذی تسعى جاهدة إلى تغییره فی سوریة، بالرغم من أن طرفی الانقسام الفلسطینی یصطفان عملیا إلى جانب ما تجمع علیه الأکثریة لأسباب براغماتیة واضحة.
 
فالإجماع الفلسطینی لا یمکن إلا أن یکون على أولویة القضیة الفلسطینیة على کل ما عداها عربیا وإسلامیا وعلى تحریم الاقتتال العربی أو الاحتراب الإسلامی لتوفیر کل الدماء العربیة والإسلامیة من أجل الجهاد، أو لدعم الجهاد، فی "دار الحرب" الوحیدة الأجدى عربیا وإسلامیا بالجهاد فی فلسطین.
 
لذلک فإن الأولویة التی منحت لسوریة فی قمة الدوحة العربیة الأخیرة لا یمکنها إلا أن تثیر أسئلة فلسطینیة مستهجنة عن أسباب دفع الأولویة الفلسطینیة إلى مرتبة أدنى.
 
و"قرار الحرب" فی سوریة الذی اتخذته القمة لا یمکنه إلا أن یثیر الأسئلة الفلسطینیة عن أسباب "قرار السلم" فی فلسطین الذی تبنته قمة الدوحة والقمم العربیة السابقة لها.
 
وتحویل الجامعة العربیة إلى "طرف" فی الأزمة السوریة یثیر حتما الأسئلة الفلسطینیة عن دور "الوسیط" بین عرب فلسطین وبین دولة الاحتلال الإسرائیلی الذی تلعبه الجامعة منذ سنین.
 
وتشریع القمة لتورید السلاح لمن یقاتلون الحکم فی سوریة واستغلال العلاقات الدولیة لدول الجامعة لضمان إیصال هذا السلاح إلى داخل سوریة یثیر بالتأکید أسئلة فلسطینیة ترقى إلى اتهامات صریحة عن أسباب الحصار العربی المفروض على تسلیح المقاومة الفلسطینیة حد إغلاق الأنفاق التی تحفرها تحت سطح الأرض لتهریبه، وهو ما یجعل تحیة القمة فی بیانها الختامی یوم الثلاثاء الماضی لمقاومة الشعب الفلسطینی وبخاصة فی قطاع غزة مجرد "رفع عتب" لفظی لا قیمة له.
 
وعلى الأرجح أن یکون الظهر الأمیرکی الذی استندت إلیه القمة فی موقفها من سوریة هو السبب فی خلو بیانها من أی إشارة، ناهیک عن أی إدانة، لانحیاز الولایات المتحدة الذی تجدد سافرا ومستفزا بزیارة رئیسها باراک أوباما الأخیرة لدولة الاحتلال التی عدها أوباما "معجزة" حققت "وعدا إلهیا" فی "أرض المیعاد" ووعد بـ"تحالف أبدی" بین بلاده وبینها..!
 
وهو ما یثیر کذلک أسئلة فلسطینیة جادة عن التناقض الکامن فی الاستناد العربی إلى الظهیر الأمیرکی فی سوریة حیث تتصدر الولایات المتحدة مؤتمرات "أصدقاء سوریة" التی تضم الدول الغربیة الأساسیة التی زرعت الدولة الصهیونیة فی القلب الفلسطینی للوطن العربی ولا تزال تمدها بکل أسباب الحیاة والبقاء والاستمرار، وفی رأس هذه الأسئلة طبعا سؤال کیف یمکن أن تکون هذه الدول "صدیقة" للعرب والمسلمین فی سوریة أو فی غیرها من بلاد العرب؟!
 
ولا یسع المراقب الفلسطینی لازدواجیة الجامعة العربیة إلا المقارنة بین رفض قمتها الحوار مع الحکم فی سوریة إلا على "رحیل النظام" وبین قرارها تحریک الحوار مع دولة الاحتلال الإسرائیلی دون اشتراط رحیل الاحتلال بإرسال وفد عربی وزاری إلى واشنطن لشرح "مبادرة السلام العربیة" وإقناع الولایات المتحدة بأن "الملفات النهائیة فی المفاوضات" مع دولة الاحتلال "لیست شأنا فلسطینیا فحسب وإنما عربیة وإسلامیة أیضا" کما قال کبیر مفاوضی منظمة التحریر د. صائب عریقات.
 
أما الازدواجیة العربیة بین التنفیذ الفوری لقرارات الجامعة العربیة بشأن سوریة وبین بقاء مثل هذه القرارات حبرا على ورق بشأن فلسطین فکان لها أکثر من تعبیر فی قمة الدوحة.
 
ومنها قرار القمة بتبنی الاقتراح القطری بتأسیس صندوق للقدس المحتلة برأسمال قدره ملیار دولار أمیرکی وهو قرار یذکر بوجود قرار لقمة عربیة سابقة بإنشاء صندوق للأقصى والقدس برأسمال قدره نصف ملیار دولار لم یدفع منها دولار واحد حتى الآن بینما تتدفق الأموال على الجیوب والصنادیق التی تمول "تغییر النظام" فی سوریة.
 
ویذکر ترحیل المصالحة الوطنیة الفلسطینیة إلى قمة مصغرة برئاسة مصر ورعایتها وضیافتها بأن قمة الدوحة لم تقترح جدیدا بهذا الترحیل وبأنها کانت تستطیع معالجة هذه المسألة خلال فترة انعقادها، بینما یتم عقد مؤتمرات القمم والاجتماعات الوزاریة لـ"أصدقاء سوریة" دوریا وسریعا من دون ای "تصغیر" لها.
 
وتذکر مطالبة قمة الدوحة للدول الأعضاء بتوفیر "شبکة أمان مالیة" لـ"دولة فلسطین" بأن القرار رقم (551) الذی اتخذته قمة بغداد السابقة بهذا الشأن لا یزال حبرا على ورق، بینما یتم الوفاء بکل التعهدات العربیة المالیة لـ"تغییر النظام" السوری.
 
وتذکر دعوتها لـ"المجتمع الدولی" للعمل على إنهاء حصار قطاع غزة بأن مفتاح فک هذا الحصار کان وما زال عربیا وبأن مطالبة الآخرین بعمل یستنکف العرب عن فعله هی مطالبة تفتقد الصدقیة وتکشف الازدواجیة العربیة إذا ما قورنت بـ"المبادرة" العربیة إلى استباق المجتمع الدولی فی فرض الحصار على سوریة.
 
ومن الواضح أن قمة "التحدیات" فی الدوحة، کسابقاتها، قد بدأت وانتهت من دون أن تواجه تحدیا واحدا من التحدیات العربیة فی فلسطین.

رمز الخبر 184749