الإتفاق النووي .. إيران تضع أكبر خياراتها على الطاولة

في مثل هذه الايام خرج الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي ، ضاربا عرض الحائط باتفاق دولي وقعت عليه امريكا الى جانب خمس قوى كبرى في العالم ، وكذلك بالقرار الاممي 2231 الذي أيد الاتفاق ، مؤكدا بذلك حقيقة لم تكن خافية على أحد مفادها ان امريكا لا تحترم حتى توقيعها ، ولا تؤمن بالقوانين والمعاهدات الدولية ، ولا تعترف الا بلغة القوة.

وعلى الفور اعاد ترامب كل العقوبات الظالمة التي فرضتها الادارات الامريكية المتعاقبة من جانب واحد على ايران ، كما تفننت ادارة ترامب بفرض عقوبات من مختلف الاشكال والانواع ، في ولع لا يوصف يصل الى الهوس المرضي ، كان اخرها محاولة تصفير صادرات النفط الايرانية وتقليص فترة التعاون النووي بين ايران والدول الموقعة على الاتفاق من 170 يوما الى 90 يوما ، دون اعفاءات جديدة.

الدول الاوروبية الثلاث التي وقعت على الاتفاق ، فرنسا وبريطانيا والمانيا ، دعت ايران الى التحلي بالصبر اسابيع حتى تجد آلية يمكن من خلالها ان تنتفع ايران بايجابيات الاتفاق النووي ، وخاصة في شقه الاقتصادي.

مرت اسابيع وشهور حتى بلغنا السنة الاولى على خروج ترامب من الاتفاق ، دون ان تحرك اوروبا ساكنا ، ولم تنتفع ايران سنتا واحدا من مواقف وتصريحات الاتحاد الاوروبي ، الذي هربت شركاته من ايران قبل ان يجف توقيع ترامب على قرار الخروج من الاتفاق النووي ، فيما ما انفكت الدول الاوروبية الثلاث تتحدث عن آليات للتبادل التجاري مع ايران وفي مقدمتها "اينستكس" ، الذي لم تشهد له ايران حسيسا.

الملفت انه خلال السنة الماضية ، توالت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، كما في السابق ، تؤيد التزام ايران الكامل بالاتفاق النووي ، فيما الشعب الايراني يتعرض لاقسى عقوبات وضغوطات اقتصادية احادية تفرضها امريكا على شعب من الشعوب ، وقد لمس الشعب الايراني حجم الظلم الذي نزل به بسبب هذه الحظر ، إثر كارثة السيول التي ضربت معظم مناطق ايران ، حيث منعت امريكا وصول المساعدات الانسانية التي قدمتها الجاليات الايرانية في الخارج وبعض الدول الى ايران ، لانها تحظر التعامل مع جمعية الهلال الاحمر الايراني.

الشعب الايراني عندما وقف الى جانب حكومته و وافق على خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز بنسبة 3,67 بالمئة خلال فترة 15 عاما ، وعندما خفض المخزون الإيراني من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلو غرام إلى 300 كيلو غرام على مدى 15 عاما ، وتعهد بعدم بناء أية منشآت نووية جديدة طيلة 15 عاما ، وعندما سمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة منتظمة لجميع المواقع النووية الإيرانية وكل الشبكة النووية بدءا من استخراج اليورانيوم وصولا إلى الأبحاث والتطوير مرورا بتحويل وتخصيب اليورانيوم ، وتمكين مفتشي الوكالة من الوصول إلى مناجم اليورانيوم وإلى الأماكن التي تنتج فيها إيران "الكعكة الصفراء" طيلة 25 عاما ، وعندما وافق على اجراء تعديلات على مفاعل المياه الثقيلة الذي هو قيد الإنشاء في اراك ، كان يتوقع رفع كل العقوبات الأمريكية والأوروبية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني، والتي تستهدف القطاعات المالية والطاقة ، خاصة الغاز والنفط والنقل.

هذا الشعب بدأ يتذمر من الغطرسة والعنجهية والبلطجة الامريكية ، وكذلك من دور المتفرج الذي تقوم به اوروبا ازاء ذلك ، والادهى ان الدول الاوروبية الثلاث ، فرنسا والمانيا وبريطانيا ، التي تدعو ايران الى الصبر وتحمل كل هذه الضغوط دون اي مقابل ، نراها بين وقت واخر تتخذ اجراءات ومواقف تكشف حقيقة نواياها ازاء الظلم الذي يتعرض له الشعب الايراني ، فهذه بريطانيا انتهكت قبل امريكا الاتفاق النووي عندما منعت ايران من استيراد 900 طن من الكعكة الصفراء من كازاخستان ، وفقا للاتفاق النووي ، تحت ذريعة ان ايران ليست بحاجة لهذه الكمية من الكعكة الصفراء ، اما سفير فرنسا في واشنطن فيعلن ان ايران ليست بحاجة الى تخصيب اليورانيوم بعد الاتفاق النووي ، وهو موقف تراجع عنه فيما بعد ، يعد ان طالبت ايران الحكومة الفرنسية بتوضيحات كاملة عن هذا الموقف الذي يتناقض مع الاتفاق النووي.

لقد اكدت التجربة المريرة للشعب الايراني مع امريكا خاصة والغرب عامة ، ان امريكا والغرب لا يؤمنون لا بالحوار ولا بالمفاوضات ، ولا يحترمون عهودهم و لا مواثيقهم ، لذا بدأت الاصوات تتعالى بين اوساط الشعب الايراني وهي تطالب لا بالانسحاب من الاتفاق النووي فحسب ، بل من معاهدة حظر الانتشار النووي ايضا ، المعاهدة التي طبقت ايران "لاءاتها" دون ان تحصل منها على اي حق من حقوقها المنصوصة فيها ، فلم يعد امام ايران من خيار انجع في التعامل مع هذا الغرب الا خيار المقاومة والوقوف في وجه عنجهيته ، عبر وضع "قضية الخروج من الاتفاق النووي ومن معاهدة حظر الانتشار النووي" ، وبجدية على الطاولة ، فالغرب وعلى راسه أمريكا لا يفهم الا لغة القوة ، ويكفي الاستماع الى خطابات ترامب وهو يتحدث الى "حليفه" السعودي ، وكذلك الى خطاباته وهو يتحدث الى "عدوه" الكوري الشمالي ، لنعرف الشخصية الامريكية على حقيقتها

رمز الخبر 189447

تعليقك

You are replying to: .
2 + 9 =