صلاح العربی :

حادثتان وقعتا خلال الايام الماضية، اظهرتا متغيرا جديدا في علاقات مصر الخارجية، وهو وجوب مراعاة الراي العام الشعبي عند اتخاذ اية مواقف او خطوات في هذه العلاقات، الحادثتان هما اقتحام السفارة الاسرائيلية بالقاهرة واعتراض المعتمرين المصريين على المعاملة السيئة من السلطات السعودية لهم بعد تكدسهم في مطار جدة بالسعودية.
هذا المتغير الجديد في العلاقات الخارجية، ظهر بعد سبعة اشهر فقط من شعور المصريين بكرامتهم بعد ثورة 25 يناير ورحيل نظام مبارك عن الحكم، وهو متغير لابد أن تأخذه الحكومة والمجلس العسكري في الحسبان خلال الشهور المتبقية في حكمهما، كما أنه المتغير الذي سيكون له أكبر الأثر في مستقبل علاقات مصر مع 'اسرائيل' من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة اخرى بل أزعم أنه سيكون له اثر كبير حتى في علاقتنا مع الدول العرببة.
الحادثتان لهما دلالات كثيرة، فلأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود يكون للرأي العام أثر في العلاقات الخارجية المصرية، فقد تجاهل نظام مبارك ومن قبله نظاما السادات وعبدالناصر رأي الشعب في هموم الداخل والخارج، وكان كل نظام منهم يتعامل على أنه المعبر عن الرأي العام في بر مصر، على خلاف الحقيقة، واذا بالثورة تخرج هذا المارد الشعبي ليقول للحكام الجدد في قاهرة المعز أنا هنا وأستطيع أن اقول رأيي وأعبر عن نفسي.
حادثة اقتحام السفارة الاسرائيلية نتجت عن عدم اتخاذ المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف المؤقتة لمواقف تعبر عن الغضب الشعبي بعد حادث الاعتداء على الضباط والجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، فعندما لم يجد الشعب حكومته التي هي بالأساس وكيل عنه تتخذ موقفا حازما وحاسما مع هذا العدو المتغطرس، قرر أن يتخذ هذا الموقف بنفسه وان يقتحم هذا المقر الذي حصنوه بجدار عازل، رغم كونه في الطوابق الاخيرة من عمارة سكنية مرتفعة، ليوصل رسالته الى اسرائيل بأن عليكم أن تراعوا مستقبلا رأي هذا الشعب وليس رأي الجالسين على الكراسي فقط.
أما الحادثة الثانية فهي اعتراض المعتمرين المصريين لاول مرة على المعاملة المتعسفة من جانب السلطات السعودية في مطار جدة لهم بعد تكدسهم في المطار نتيجة خطأ الطيران المدني السعودي حسبما اعترف به بعد ذلك، وهذه أيضا حدثت نتيجة عدم اتخاذ الحكومة المصرية لموقف قوي وحاسم تجاه السلطات في الشقيقة السعودية رغم تكدس المعتمرين المتعمد لمدة تزيد على ثلاثين ساعة دون طعام او شراب في نهاية رمضان.
وهذا الحادثة لها دلالتها فلاول مرة يعترض المعتمرون على المعاملة السيئة من السلطات السعودية فقد تكررت هذه الحوادث خلال الاعوام الماضية، ولم يكن المصريون يعترضون بل كانوا يسترضون هذه السلطات نتيجة خنوع حكومتهم وضعفها، أما وقد ثارت الجماهير فلا بد أن يتخذوا موقفا ضد هذا التعسف حتى وان تركتهم حكومة الثورة دون سؤال عنهم، فكان عليهم اتخاذ هذا الموقف بأنفسهم.
هذان الحادثان يظهران بجلاء أن مفردات علاقات مصر الخارجية تغيرت، وأن المفردات الجديدة لابد أن تراعي الرأي العام الشعبي في المحروسة، لذلك يجب على الحكومة المؤقتة برئاسة عصام شرف أو الحكومات المنتخبة مستقبلا أن تضع في حسبانها اتجاهات الرأي العام قبل اتخاذ أية مواقف أو طرق للرد على أية اعتداءات أو معاملة سيئة للمصريين في الخارج، لأنه اذا لم ترد الحكومة فسوف يقوم الشعب بنفسه بالرد على هذه الاعتداءات.
هذا المتغير اصبح هو المسيطر الان على صناع القرار في كل من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكـــــية والدليل على ذلك، البيان الذي ألقاه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وموقف الحكومة الامريكية من حادث اقتحام السفارة، لكن لا تزال بعض حكومات الدول العربية تتعامل معنا بنفس الطريقة التي كانت تعامل بها نظام مبارك، ونتمنى أن يدركوا مع مرور الوقت أن هناك ثورة حدثت في مصر وأن هناك شعبا اصبح هو السيد المتحكم في كل شؤونه.

' كاتب وصحافي مصري مقيم في الامارات

4949
 

رمز الخبر 181244