٠ Persons
١٣ يونيو ٢٠١٢ - ١٢:٠٤

خبرأونلاین- اذا لم تکن هناک حرب عسکریة بین قوى الثورة المضادة وایران فالامر المؤکد ان الحرب الباردة بین الطرفین تتصاعد یومیا.

سعید الشهابی 
 اذا لم تکن هناک حرب عسکریة بین قوى الثورة المضادة وایران فالامر المؤکد ان الحرب الباردة بین الطرفین تتصاعد یومیا. والواضح ایضا ان وزیرة الخارجیة الامریکیة وضعت حصار ایران اولویة على جدول اعمالها، فما من زیارة لدولة اخرى او حضور لمؤتمر دولی الا وکانت ایران حاضرة کقضیة سواء فی المفاوضات العلنیة والسریة ام فی النقاشات الاکادیمیة. وبعد اکثر من اربعة قرارات غربیة بمقاطعة ایران اقتصادیا، کما حدث مع العراق فی التسعینات، لا یبدو ان قوى الثورة المضادة تکتفی بذلک خصوصا ان ایران ما تزال ملتزمة بسیاساتها على محاور ثلاثة: اولها الاصرار على تطویر مشروعها النووی وامتلاک دورة تصنیعیة نوویة کاملة، الامر الذی تعتبره حقا طبیعیا لها وفق معاهدة ان بی تی، وهو الامر الذی ترفضه القوى الغربیة ومعها السعودیة. ثانیها: دعمها للثورات العربیة عموما، وعدم سعیها لاخفاء ذلک الدعم المحصور بالجانب الاعلامی فحسب. وهذا یتضمن، شاءت طهران ام ابت، رغبتها فی توسع دائرة التغییر الثوری لتشمل الجزیرة العربیة التی بقیت حتى الآن خارج ملف التغییر او الاصلاح. ثالثها: موقفها الرافض للکیان الاسرائیلی، لیس على صعید العلاقات الدبلوماسیة فحسب، بل على مستوى الاعتراف بالوجود وتشجیع المجموعات الفاعلة ضد الکیان مثل حزب الله اللبنانی وحماس والجهاد الاسلامی الفلسطینیتین.

هذه القضایا مجتمعة تمثل خطوطا حمراء لقوى الثورة المضادة التی تهمها القضایا الثلاث کثیرا وتعمل ازاءها بالاتجاه المعاکس للموقف الایرانی. واذا کانت ایران الشاه تمثل مع السعودیة عمودی السیاسة الامریکیة فی منطقة الخلیج حتى انتصار الثورة الاسلامیة الایرانیة فی 1979 بقیادة الامام الخمینی، فقد استبدلت ایران بالکیان الاسرائیلی، واصبحت الاستراتیجیة العسکریة الامریکیة فی منطقة الشرق الاوسط تقوم على اساس تقویة النظامین السعودی والاسرائیلی باحدث الاسلحة (مع الحفاظ الدائم على التفوق النوعی الاسرائیلی). ولذلک تنظر واشنطن الى التطور العلمی الایرانی بریبة شدیدة خصوصا فی مجاله النووی. وتبذل الادارة الامریکیة جهودا غیر محدودة لکسب الحرب النفسیة مع ایران خصوصا فی مجالات الاقتصاد والعلاقات الدولیة والتحالفات الاقلیمیة. ولذلک اصبح الهم الاول لوزیرة الخارجیة الامریکیة کسب المعرکة النفسیة مع ایران بضمان نجاح مشروعها لتشکیل جبهة دولیة عریضة ضدها.

الواضح من سیاق العلاقات الدولیة فی العامین الماضیین ان نجاح واشنطن فی فرض حصار دولی فاعل ضد ایران ما یزال محدودا برغم انعکاساته السلبیة على الوضع الاقتصادی الایرانی. فمحاصرة التعامل المصرفی مع ایران أضر کثیرا بالقطاع المصرفی الایرانی وتعاملاتها المالیة الدولیة، وبرغم قدرتها على تصدیر اکثر من ملیونی برمیل من النفط یومیا فانها تعانی کثیرا من عدم قدرتها على استلام عائداته النفطیة، ولذک انخفض سعر العملة الایرانیة اکثر من 40 بالمائة خلال العامین الاخیرین. مع ذلک یبدو ان ایران کانت تتأهب لذلک، بتوفیر احتیاطی نقدی کبیر جعلها قادرة على تحمل تبعات الحصار الاقتصادی والمالی. وقال الرئیس احمدی نجاد الشهر الماضی ان ایران تملک سیولة نقدیة کافیة للصمود فی وجه حظر شامل على صادراتها النفطیة لعدة سنوات. وقال أحمدی نجاد خلال زیارة الى محافظة هرمزجان 'انهم (القوى الغربیة) یریدون فرض عقوبات على نفطنا ونحن نقول لهم اننا ادخرنا ما یکفی فحتى اذا لم نبع النفط لعامین أو ثلاثة فان البلد سیدبر احتیاجاته بسهولة'. وبین هذه الثقة المفرطة بالقوة الذاتیة والرهان الغربی على اضعاف الجمهوریة الاسلامیة تتواصل الحرب الاعلامیة والنفسیة بدون توقف. وفیما تصر طهران على الثبات فی موقعها وممارسة دورها السیاسی والدبلوماسی على المستویین الاقلیمی والدولی، یبدو الامریکیون اکثر توترا ازاء الوضع، وأشد إصرارا على إحکام حصارها بخطوات متواصلة. ففی الاسبوع الماضی قامت هیلاری کلینتون بزیارة رسمیة الى الهند مارست خلالها ضغوطا کبیرة على حکومتها للتوقف عن استیراد النفط الایرانی. وقالت کلینتون فی اجتماع بمبنى بلدیة مدینة کلکتا شرقی البلاد: 'الهند تعمل بالتأکید على خفض مشتریاتها من النفط الإیرانی، ونشید بالخطوات التی اتخذوها (الهنود) حتى الآن'، مضیفة: 'نأمل فی أن یتخذوا المزید من الخطوات'. وذکرت مصادر امریکیة انه فی حال لم تخفض الهند وارداتها من النفط الإیرانی، فإن واشنطن قد تحظر على أی بنک هندی یجری تعاملات مالیة نفطیة مع البنک المرکزی الإیرانی التعامل مع النظام المصرفی الأمریکی. وتهدف هذه الخطوة إلى الحد من عائدات طهران من النفط الذی یشکل المصدر الرئیسی لدخل البلاد. وفی مطلع الشهر قامت کلینتون بخطوة مماثلة خلال زیارتها الصین. فقد حثت حکومتها على 'کبح الأنشطة النوویة لإیران وکوریا الشمالیة، والضغط على الحکومة السوریة لوقف العنف والقضایا العالمیة الاخرى'. واضافت کلینتون فی کلمة إفتتاح الحوار الإستراتیجی والإقتصادی الذی استمر یومین فی بکین، انه 'فی مسألة ایران تشترک الولایات المتحدة والصین فی هدف منع إیران من الحصول على السلاح النووی'، موضحة انه 'من الضروی ان نواصل الضغط على ایران لتفی بالتزاماتها الدولیة وتتفاوض بجدیة وتثبت ان برنامجها النووی مخصص للاغراض السلمیة فحسب'. وکان استیراد النفط الایرانی من اهم ما طالبت کلینتون مضیفیها بوقفه او خفضه على الاقل.

وفی موازاة ذلک تعهدت السعودیة بتوفیر إمدادات النفط للعالم فی کل الاوقات للتعویض عن النفط الایرانی للبلدان التی توافق على عدم استیراده. وتکررت هذه التعهدات على ألسنة العدید من المسؤولین السعودیین فی الشهور الاخیرة، ومنها ما قاله وزیر الاقتصاد السعودی، محمد الجاسر، فی مطلع فبرایر الماضی فی الیابان وما عبر عنه مساعد وزیر النفط السعودی فی ذلک الشهر ایضا الذی قال إن الشاغل الرئیسی للمملکة هو توفیر إمدادات نفط کافیة فی السوق العالمیة. ویتطلع کبار المشترین الآسیویین الى أکبر منتج للنفط فی العالم لزیادة الإنتاج لتعویض تراجع الإمدادات من إیران. وبینما تقول نیودلهی إنها لن تلتزم بالعقوبات تسعى شرکات التکریر الهندیة لشراء کمیات أکبر من النفط من السعودیة. وعرض العاهل السعودی الملک عبد الله بن عبد العزیز فی وقت سابق هذا الشهر تزوید الهند بکمیات إضافیة من النفط بعد أن أعلن وزیر النفط السعودی علی النعیمی أن المملکة یمکنها أن تزید إنتاجها بنحو ملیونی برمیل یومیًا فی وقت قصیر للغایة. وزادت السعودیة إمداداتها إلى العملاء فی الهند ثلاثة ملایین برمیل فی أغسطس بعدما خفضت إیران صادراتها إلى نیودلهی عقب إلغاء آلیة مقاصة فی دیسمبر 2010. ان ذلک کله یؤکد ان السعودیة اتخذت اجراءات عدیدة لمنع تصدیر النفط الایرانی للدول الآسیویة الکبرى خصوصا الیابان والصین والهند، وهی اکبر الدول الأسیویة استهلاکا للنفط نظرا لتطورها التکنولوجی وتوسع صناعاتها.

وذهبت السعودیة ابعد من ذلک، فاصبحت تسعى لمحاصرة ایران عسکریا مستعملة عائدات النفط العملاقة. فعندما وافقت روسیا قبل خمس سنوات على بیع ایران منظومة صواریخ أرض جو من طراز إس-300 مارست کل من واشنطن وتل أبیب والریاض ضغوطا مکثفة على موسکو للتوقف عن ابرام الصفقة. وللامعان فی الضغط على روسیا دخلت السعودیة على الخط بقوتها المالیة. وفی 25 اغسطس 2011 قالت صحیفة الفایننشال تایمز إن السعودیة تسعى للحصول على تعهد روسی بعدم تسلیم إیران شحنة الصواریخ اس 300 أرض جو المتقدمة فی مقابل توقیع صفقة سلاح معها تبلغ قیمتها ملیاری دولار على الأقل، وربما تصل إلى 7 ملیارات، فی مقابل الصفقة الایرانیة التی لا تتجاوز 800 ملیون دولار. وستشمل الصفقة مع السعودیة أکثر أنظمة الدفاع الجویة التی تنتجها روسیا تقدما، التی توازی نظام صواریخ باتریوت الأمریکی. وکانت ایران تأمل ان یمنحها امتلاک ذلک النظام الصاروخی قدرات دفاعیة جویة متقدمة وقوة ردع ضخمة ضد أی هجوم یهدف لتدمیر منشآتها النوویة. وذکرت مصادر عسکریة ان إیران هی أهم سبب من بین الأسباب الاستراتیجیة وراء شراء السعودیة لنظام 'إس 400' الروسی المتطور، إذ یجعل الریاض تتقدم سوریا وإیران، وبالتالی فإن هذه الصفقة تعطی السعودیین فرصة ترجیح کفة میزان الدفاع الاستراتیجی لصالحهم، کما أنها ترسل رسالة لصناعة الأسلحة فی الغرب بأن لدى المملکة السعودیة بدائل أخرى. کما مارست السعودیة ضغوطا على الصین لمنعها من التعاون مع ایران. وتتفاوض السعودیة مع الصین لشراء نوعین من الصواریخ البالیستیة القادرة على حمل رؤوس نوویة، لتحل مکان صواریخ 'ریاح الشرق' التی اشترتها الریاض من الصین فی الثمانینیات. ونقل موقع 'دیبکا' الاسرائیلی عما أسماه بـ'مصادره الاستخباریة والعسکریة' قولها إن السعودیة تسعى لشراء صواریخ 'دی إف 21' المعروفة لدى الحلف الأطلسی تحت مسمى 'سی إس إس- 5'، وهی صواریخ متوسطة المدى من مرحلتین، وتستخدم الوقود الصلب، وقادرة على حمل رأس نووی واحد. ویستطیع الصاروخ 'دی إف 21' حمل رأس نووی بقوة انفجاریة تصل إلى 500 کیلوطن، أی 25 مرة ضعف القنبلة التی ألقتها الولایات المتحدة على مدینة هیروشیما الیابانیة فی السادس من أغسطس عام 1945، ویصل مداه إلى 1800 کلم. أما النوع الثانی من الصواریخ فیسمى 'دونغ فینغ 15'، وهو معروف لدى الحلف الأطلسی تحت مسمى 'سی إس إس- 6'، ویستخدم أیضاً وقوداً صلباً، ویصنف على أنه قصیر المدى.

انها حرب باردة تتواصل فصولها تحسبا لتغیر درامی فی المشهد، یحتاج لاستعدادات عسکریة واقتصادیة متمیزة. ولا یمکن فصل هذه الحرب الباردة عن اجواء ثورات الربیع العربی التی ترى فیها قوى الثورة المضادة امتدادا للثورة التی اطاحت بنظام الشاه قبل اکثر من ثلاثة عقود. فاذا کان سقوط دیکتاتور واحد قد ترک الآثار التی عاشها العالم بعد قیام النظام الایرانی الجدید، فکیف سیکون المشهد لو سقط النظام المصری واستلم الشعب زمام الامور؟ وماذا لو امتدت الثورة للسعودیة واسقطت حکم العائلة السعودیة؟ وکیف یمکن حمایة هذا النظام اذا استمر تساقط الرؤوس القدیمة على غرار بن علی ومبارک؟ الثورة المضادة لم توفر مسارا الا وسلکته أملا فی احتواء روح الثورة المرشحة لاحداث تغییر جوهری المنطقة العربیة یفوق اثره، فیما لو تحقق، ما جرى فی ایران. وهذا یفسر حالة الرعب التی تعصف بانظمة الحکم الاخرى خصوصا فی منطقة الخلیج. وما الاعلان السعودی عن رغبته فی اقامة اتحاد خلیجی الا تعبیر عن الخشیة التی تتعمق باضطراد من وصول ریاح الثورة الى عواصم الدول التی بقیت انظمتها حتى الآن خارج دوائر الاصلاح والتطور. ولکن کانت نتائج اجتماع الریاض هذا الاسبوع مؤشرا الى غیاب الاجماع الخلیجی على المشروع السعودی للاتحاد، واتضح انه محصور بالسعودیة والبحرین التی تشهد ثورة تستعصی على سیاسات القمع. یضاف الى ذلک اثارة قضیة الجزر الثلاث بین الامارات وایران، واعتبارها عنوانا لموقف خلیجی قابل للاستغلال من قبل قوى الثورة المضادة لاعتباره اساسا لنزاع عسکری مسلح. ولا یمکن فصل البعد الاسرائیلی عن ملف الصراع مع ایران، خصوصا بعد قرار نتنیاهو اقامة حکومة وحدة وطنیة مع شاؤول موفاز رئیس حزب 'کادیما'. وثمة اتفاق على ان تشکیل هذا التحالف یعتبر خطوة تصعد احتمالات الحرب ضد ایران.

ثمة رأی یعتقد بان الحماس الامریکی المتصاعد لتضییق الخناق على ایران اقتصادیا وعسکریا یعتبر ترجیحا لخیار حل الازمة معها بطرق سلمیة واستبعاد الحرب التی یلوح بها الکیان الصهیونی. فالحرب غیر مضمونة النتائج وقد تؤدی مردودات عکسیة خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسیة الامریکیة، وتعمق الازمة الاقتصادیة فی الغرب، ودخول اوروبا حقبة غامضة بعد انتخابات کل من الیونان وفرنسا. ویعتبر فوز فرانسوا أولاند بمنصب الرئاسة من شأنه اضعاف خیار الحرب لانه محسوب على الیسار الاشتراکی. ولذلک یبدو خیار الحرب مستبعدا فی الوقت الحاضر، خصوصا انها لن تحظى بموافقة دولیة لان روسیا والصین، وربما فرنسا برئاسة أولاند، لن توافق على قرار یسمح بشن عدوان على ایران التی لم ترتکب مخالفات قانونیة واضحة، وانما تحاسب على نوایا قادتها، وفق تخمینات المسؤولین الغربیین والتحریض الاسرائیلی. هذا برغم الاستعدادات التی تقوم بها السعودیة للحرب.

' کاتب وصحافی بحرینی یقیم فی لندن

30449

رمز الخبر 182433