مقتدى الصدر یعمل على نسف الجسور وراء ظهره

اخیرا کسر طالبانی حاجز الصمت الطویل الذی لطالما التزمه. وبالرغم من الغموض والتناقض الذی کان یکتنف تصریحات طالبانی رئیس الجمهوریة العراقیة، حول موضوع سحب الثقة من المالکی ، اعرب اخیرا عن عدم رغبته بتنفیذ قرار سحب الثقة. ووفقا لاعلانه فانه یفضل تسویة الاختلافات القائمة من خلال عقد "حوار وطنی". وجاءت تصریحات طالبانی فی الایام الاخیرة فی غضون ارسال مقتدى الصدر رسالة الى بان کی مون الامین العام للامم المتحدة یدعوه فیها الى التدخل فی العراق ما اثار ضجة اعلامیة کبیرة. وان ما یبعث على الاستغراب هو ان التیار الصدری وبالرغم من تواجده فی البرلمان وتولیه لعدة وزارات فی العراق ، یشیر باصابع الاتهام للمالکی بتهمة التفرد. وحول تداعیات هذه الاجراءات واسهامها فی جر العراق من جدید الى ساحة صراع بین التیارات السیاسیة، تحدث الینا علی جنتی سفیر بلادنا السابق فی الکویت وخبیر شؤون العالم العربی الیکم تفاصیل هذا الحوار ادناه:
ترى ما سبب اصرار مقتدى الصدر على تفعیل قرار سحب الثقة من المالکی؟
یحظى مقتدى الصدر فی العراق بنفوذ کبیر بسبب استشهاد والده ابان عهد نظام صدام حسین بید عناصر حزب البعث. کما ان جزءا کبیرا من هذا النفوذ السیاسی تعود اسبابه الى محمد باقر الصدر. لا ننسى ان الشهید محمد باقر الصدر یعد من ابرز الشخصیات العراقیة التی کانت تتمتع بمکانة هامة على الساحة السیاسیة والاجتماعیة فی هذا البلد حینذاک. هذا السجل التاریخی الحافل لمقتدى الصدر کفیل بصناعة شخصیة طامحة من مقتدى الصدر على الرغم من وجود عدد کبیر (حوالی 30 او اکثر) من نوابه فی البرلمان العراقی لکننا نجده یطالب بحصة اکبر من سیادة العراق.
الجزء الآخر من هذا الصراع یعود الى التطورات التی اعقبت اسقاط صدام. فعقب الاطاحة بصدام کان لمقتدى الصدر اشتباکات عدیدة مع تیار دولة القانون بزعامة المالکی، بلغت ذروتها فی واقعة البصرة التی اسفرت عن وقوع اشتباکات بالغة بین الحکومة والجیش العراقی والشیعة المؤیدین للصدر ما ادى الى مقتل عدد کبیرة من عناصر تیار مقتدى الصدر. لذلک نرى ان الاختلافات بین المالکی والصدر لها جذور عمیقة.
لکن واثر اتمام فترة حکومة ابراهیم الجعفری، رأینا ان تشکیل الحکومة الجدیدة استغرق تسعة اشهر وشهدنا خلال تلک الفترة اصرارا من قبل الاحزاب على حصتها حتى تم التوافق اخیرا على انتخاب نوری المالکی کرئیس للوزراء. ویعود ذلک الى ان اطیافا عدیدة فی العراق سواء الاکراد، تیار مقتدى الصدر والعراقیة لم تبدی استعدادا للتواجد الى جانب بعضها البعض خاصة ان ایاد علاوی الذی کان یحظى بالدعم الامیرکی  کان یسعى لتولی منصب رئاسة الوزراء، لکن وفی نهایة المطاف ومن خلال مساعی الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة اجتمعت التیارات الشیعیة مع بعضها واستطاعت ایران باقناعها بالوقوف الى جانب بعضها البعض وقبول نوری المالکی کرئیس للوزراء. لذا نرى ان الائتلاف الذی بنی بینهم کان ومنذ البدایة ائتلافا هشا وان تیارات مثل تیار الصدر لم تکن من الاساس توافق على المالکی بالرغم من تولی هذا التیار لمسؤولیة العدید من الوزارات فی العراق حالیا لکن المطالبات الکثیرة لتیار مقتدى الصدر اسهمت فی التسبب بمشاکل عدة للحکومة. واخیرا وعقب ان شعر مقتدى الصدر ان الاکراد من جماعة بارزانی لدیهم هم ایضا مشکلة مع المالکی ومع تواجد تیار علاوی الذی کان ومنذ البدایة معارضا للمالکی ، نجده الیوم یلتحق برکب التیار المعارض ونرى ان الجمیع عاقدون العزم على الاطاحة بالمالکی. ولو استطاع هذا التیار کسب 50 بالمئة بالاضافة الى صوت واحد فی البرلمان فیما یخص قرار سحب الثقة من المالکی فانه سیتمکن من الاطاحة به. و ارى انه من غیر المستبعد مع وجود کافة هذه الجهود المبذولة حالیا من قبل مختلف التیارات تحقیق هذا الامر.
وما هو تأثیر رسالة مقتدى الصدر الى بان کی مون وهل ستسهم فی تدویل هذه القضیة؟
ان هذه الخطوة التی اقدم علیها مقتدى الصدر لها جانب دعائی ولا یمکن لها ان تتمخض عن تداعیات وعواقب خارجیة. لکن الامر الذی یبعث على الاستغراب هو وجود تیار فی بلد یرأسه رجل دین یرغب بتدخل الامم المتحدة، خاصة ان المنظمات الدولیة لا تتدخل عادة فی مثل هذه الامور. بالاضافة الى ضرورة الالتفات هنا الى ان الامیرکان لا یؤیدون کثیرا تدهور الاوضاع فی العراق. خاصة انهم لا یؤیدون تیار مقتدى الصدر. کما تعلمون ان تیار مقتدى الصدر تیار مناهض للامیرکان بشدة وان الامیرکان لا یرغبون باسقاط المالکی والمجئ بشخص یحظى بثقة وتأیید مقتدى الصدر.
وهل الصراع القائم هو حول تولی الحقائب الوزاریة التی ظلت الى الیوم من دون وزیر؟
ان جزء من هذا الصراع یعود الى موضوع الوزارات التی من دون وزیر. ونظرا لحساسیة هذه الوزارات نرى ان المالکی لا یثق بتولی مسؤولیاتها من قبل ای کان. اذا ما اراد تسلیمها لبعض الشیعة من الممکن ان یواجه معارضة الاکراد او التیارات السنیة فی العراق. من هنا وبغرض الحیلولة دون نشوب خلافات، نراه یتولى شخصیا ادارة هذه الوزارات بالطبع لیس بالامر الصحیح واستنادا لاصول الادارة ان یتولى رئیس وزراء، مهمته التنسیق بین الاجهزة والمؤسسات المختلفة هذه المسؤولیة واقحام نفسه فی هکذا قرارات تنفیذیة وادارة عدة وزارت هامة لمدة طویلة. لکن نظرا لان المالکی یشعر بعدم وجود اشخاص محط ثقة وانه فی فی حال تعیین اشخاص ، سیشهد معارضة من قبل کافة التیارات او مواجهة هذه التعیینات لعراقیل فی البرلمان فهو یفضل تولی ادارتها بنفسه. لکن هذه السیاسة لا یمکن لها الاستمرار ولا یمکن لرئیس وزراء القیام بهذه الاعمال بنفسه على الدوام.
وما مدى تأثیر هشاشة ائتلاف المالکی على مستقبل الحکومة؟
بالرغم من اعلان طالبانی عن عدم استقباله لموضوع سحب الثقة بسبب عدم اکتمال حد النصاب القانونی لکن بالرغم من ذلک هناک امکانیة اکتمال النصاب القانونی ایضا وتمریر القرار. بالطبع نرى هنا ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وبسبب دعمها الدائم لثبات واستقرار العراق ستعمل على بذل کافة مساعیها لتسویة هذه الازمة. لکن ومع هذا وبالرغم من زوال هذه الخلافات فی الوقت الراهن، نجد ان التیار السنی لا یزال معارضا للمالکی ویعمل على وضع العراقیل امام الحکومة. لکن الامر المؤکد هو ان مقتدى الصدر ومع هذه التحرکات التی یقوم بها یعمل على نسف الجسور وراء ظهره ولا یبدو انه یعیر ای اهمیة لتوصیات الجمهوریة الاسلامیة ولمراجع التقلید.
30449