محمد رضا نوروزبور
وافادت وکالة انباء رویترز ان هیلاری کلینتون شددت على ان قوات المعارضة السوریة تزداد فعالیة یوما تلو الآخر ولمحت الى ان الجماعات المسلحة ربما ستشن هجوما، مشیرة الى انه کلما تم انهاء اعمال العنف بشکل اسرع کلما تم تجنب شن هجوم عسکری سیسفر عن وقوع کارثة لسوریا وللمنطقة.
یمکن تفسیر تصریحات کلینتون على هذا النحو وهو ان امیرکا خلصت الى ان مصیر سوریا ینبغی ان تحدده حرب اهلیة شاملة بین المؤیدین والمعارضین وان تحقیق هذا الامر على وجه السرعة سیکون افضل ما یکون. ویمکن استنتاج هذا الحدیث من تصریحاتها التی قالت فیها "کلما انتهت اعمال العنف اسرع کلما تضاءلت فرص شن هجوم کارثی على سوریا والمنطقة".
لا شک انه وفی ظل الظروف الراهنة توصل الجمیع الى نتیجة ان الاسد لن یتنازل عن السلطة وان معارضیه لن یتخلوا عن السلاح. من ناحیة اخرى لا الناتو ولا ای قوة اخرى لها القدرة على شن هجوم یستهدف سوریا ولا رغبة لهم فی ذلک. اذن یبدو ان رأی السیدة کلینتون خلص الى ان السبیل الوحید المتبقی هو محاربة الطرفین لبعضهما البعض حتى هیمنة المنتصر على الساحة وبالطبع یستلزم هذا الامر وکما جاء فی تصریحات وزیرة الخارجیة الامیرکیة ، تجهیز وتسلیح المعارضین بشکل اکبر حتى یتمکنوا من "انهاء اعمال العنف بصورة اسرع" . ونظرا لان هذا الاستدلال معناه تجهیز وتسلیح المعارضین اکثر فلا شک ان هذا سیسهم فی تصعید العنف ولیس انهائه، ویمکن الاستنتاج ایضا ان ما ترمی الیه وزیرة الخارجیة من انهاء العنف هو الاطاحة بالاسد. من هنا فان الرسالة واضحة وتتمثل فی التالی : جهزوا انفسکم وحاربوا الاسد بشکل افضل حتى ینتهی العنف عقب الانتصار علیه.
فی ذات الوقت یمکن الاستنتاج من کلام وزیرة الخارجیة ان الحرب الداخلیة ستحمل المنطقة تکالیف اقل من شن هجوم عسکری خارجی. من جهة اخرى یبدو ان تصریحات وزیرة الخارجیة کلینتون هی بمثابة رخصة لتوسیع نطاق العمل العسکری والعملیات الارهابیة فی دمشق وحتى فی الاماکن العامة والحکومیة بحیث لن یکون هناک مکان آمن فی هذا البلد. وان الایام المقبلة ستثبت صحة هذا الادعاء او عدم صحته ولا ینبغی تجاهل ان اعلان هذا الامر سیسفر عن ترکیز الاقتدار الامنی السوری علیه وان یقظة القوات الدفاعیة السوریة ستنصب علیه ایضا ما سیؤدی الى تشتت الترکیز والاجماع العسکری لمؤیدی الاسد ما سیصب فی نهایة المطاف فی صالح معارضیه.
الامر الآخر الذی بات ملموسا هو الاحصاءات الدقیقة للسیدة کلینتون للقدرات العسکریة وغیر العسکریة للجانبین (الثوار المسلحین) او الارهابیین (حسب تعبیر الاسد) والقدرات العسکریة السوریة.
ان کلینتون تعلم جیدا ان ای تدخل عسکری فی الوقت الراهن فی الاراضی السوریة مع الدعم الروسی والصینی والاقتدار الذی یتمتع به جیش البعث من الممکن ان یتمخض عنه تداعیات لا تحمد عقباها للغرب. من هنا فان افضل السبل للدول الراغبة باسقاط الاسد ، هو تجهیز وتسلیح الثوار السوریین لشن حرب شاملة على الحکومة واضعاف الآلیة العسکریة والدفاعیة للاسد الى اقصى حد ممکن.
ان الناتو یعلم جیدا ایضا ان اداء الحرب الداخلیة نظرا لعمل وسائل الاعلام وتأثیرها على الرأی العام وتطور آلیات الحرب الناعمة وقلة تکلفتها هو افضل بکثیر من الحرب التقلیدیة. فالاسد یواجه تهمة قتل شعبه. هذا ما روجت له وسائل الاعلام وحولته الى صورة یراها کل شعوب العالم. بینما یقول هو ان الارهابیین المسلحین الذین یستهدفون امن البلاد یقومون بالاختفاء بین الاطفال ما تسبب فی ان یذهب الاطفال ضحیة ذلک. لکن وسائل الاعلام لها قصتها عن الحادثة وتقوم على الدوام ببث صور الاطفال والنساء القتلى فی هذا البلد ما یجعل القلیل یصدق ان الثوار المسلحین ، الارهابیین اومعارضی الاسد(ایا کان اسمهم) هم من قام بهذه الفعلة. على الصعید النفسی نرى ان الاسد هو الخاسر حتى الان ، لان اثبات ان القتلى هم نتاج الجانبین امر صعب ، ناهیک عن ان الاسد یستطیع اثبات ان الضحایا الباقین من الاعمال الارهابیة هم اولئک الذین ینعتون انفسهم بالثوار.
من هنا نرى ان الغرب یرتبون انفسهم ویبدأون بالقاء الخطابات التی تتحدث عن محاکاة الشعب وانهم مناصرو حقوق الانسان اما من الناحیة العملیة فلن یقوموا بای هجوم عسکری لان الانظمة الصاروخیة المتطورة الروسیة وکافة التجهیزات العسکریة المقتدرة التی هی الیوم بحیازة الاسد ربما انها لا تصلح فی محاربة الثوار المسلحین او الارهابیین لکنها وبسهولة تتسبب باضرار للناتو ولحلفاء الناتو ومن ضمنهم ترکیا التی هی معرضة للخطر مثلها مثل ابریق الزجاج بحیث ان الاضرار التی ستلحق بهم لا یمکن التعویض عنها.
من ناحیة اخرى نرى ان تاریخ الفتوحات العالمیة ومشارکة امیرکا فی مختلف الحروب ضد الدول اظهر بشکل جید ان هذا البلد وبلدان الناتو یلعبون فی ارض الربح فیها مؤکد ومضمون. من هنا ما دام الاسد واقف وصامد وما دام اقتداره الدفاعی لا یمکن المساس به ، فلن یکون هناک هجوم عسکری ابدا.
اما الفائدة الاخرى للحرب الداخلیة الشاملة التی ستعود على الناتو وامیرکا فهی ، ان امیرکا ومنذ الحرب العالمیة الثانیة وحتى الیوم کانت على الدوام الطرف الرابح فی الحروب وفی الحقیقة انها تذهب لاطلاق الطلقة القاضیة بینما نرى انها فی ای حرب دخلتها منذ البدایة کانت الخاسر فیها سواء فی فیتنام او فی کوریا. منذ دخول قواتها فی فرنسا فی اللحظات الآخیرة من اشهر الحرب العالمیة الثانیة والتی قال عنها الجنرال "دوغل" انها قامت فقط بالتقاط صورة تذکاریة مع الدب المیت وحتى حرب افغانستان والعراق التی یعود تاریخها الى العقد الماضی لم یکن للامیرکان ساحة حرب ونزال حقیقی فیها مع الخصوم. لا حرکة طالبان کانت بتلک القوة ولا صدام الذی کسر شوکته وشعبه مسبقا تحت ضغوط العقوبات المضنیة على مدى عشرة اعوام.
من هنا عندما تشتد نار الحرب الداخلیة، فان اقتدار الاسد العسکری سیضمحل شیئا فشیئا. فی الحرب الداخلیة لن یستطیع التفاخر بالصواریخ، الاسلحة الکیمیائیة والخطیرة وغیر التقلیدیة الکثیرة التی یمتلکها او استخدام التقنیات العسکریة المتفوقة الروسیة واعتبارها تهدیدا رادعا لان ای من هذا لا یمکن التعویل علیه فی حرب المدن والحرب الداخلیة. وبدلا من ذلک ستضمحل الروح المعنویة لقواته بسبب اختباء الثوار المسلحین بین عامة الناس واستخدامهم کدروع بشریة امام آلة حرب بشار الاسد ودعم وسائل الاعلام المکثف للقتلى فی هذا الصراع الدموی سیصب فی صالح الثواروسیبقى القائد فی نهایة المطاف وحیدا. هنا سیظهر الدور الامیرکی فی اطلاق الضربة القاضیة صوب الضحیة التی تلفظ آخر انفاسها وستسجل افتخار اسقاط الاسد باسمها بغرض تحصیل مصالحها المستقبلیة.
ان الجوانب الانسانیة للاجراءات والقرارات الامیرکیة لطالما کانت فی السر آخر شئ یفکر فیه الامیرکان ویعیرونه اهمیة، لکن ظاهر الامر هو ترکیزهم وتمحور خطاباتهم حول هذا الموضوع. وکما اوضحنا ان هکذا استراتیجیة بعیدة عن الاخلاق والشهامة سیکون نتاجها سفک دماء العدید من ابناء الشعب السوری ، وفی نهایة المطاف اذا ما نجح المعارضون فی اسقاط الاسد او قتله فان الامیرکان سیتواجدون وباسرع من سرعة البرق فوق رأس الاسد لتسجیل النصر باسمهم او بحسب العبارة التی اتینا على ذکرها آنفا لالتقاط صورة تذکاریة مع الصید الکبیر.
لذلک یبدو أن النموذج الذی یخطط له الامیرکان لتطبیقه فی سوریا هو ذات انموذج الحرب الأهلیة فی لبنان ابان عقد السبعینات وقریبا وبغرض تحقیقه سیتم وضع اوراق ولاعبین جدد على الطاولة. لکن المعادلات لیست دائماً کما یتصورها الأمیرکیین وکل شیء یتوقف على الرابح فی الحرب الأهلیة، ومن ستکون له الید الطولى فی نهایة الصراع. ان تجربة الحرب الأهلیة فی لبنان، ودراسة تاریخها موضوع لا یخلو من تحصیل الفائدة.
30449