تاريخ النشر: ٤ ديسمبر ٢٠١٢ - ١٢:١٩

سهیل کیوان


 

'فرحة الفقراء'، بسیطة، صغیرة، وعموما لیست مُکلفة، ولکنها تنسی الفقیر همومه للحظات، أو ساعات، أو أیامٍ قلیلة، یشم ویذوق خلالها رائحة السعادة والنصر، هی فرحة قد تبدو هزیلة لدى الکثیرین، وخصوصًا الأثریاء، ولکن ما العمل وکل شیء نسبی فی هذا الکون! حتى الحزن والفرح والنصر. هکذا کانت فرحة أهل غزة، ومعهم أبناء شعبهم وأمتهم وأنصار الحریة فی العالم، فرحة کبیرة للفقراء والمساکین المحاصرین، الذین یعانون من البطالة والازدحام والبؤس والقتل شبه الیومی منذ سبعة عقود تخللتها استراحات بسیطة، هؤلاء الذین بالکاد یجدون ما یسدّون به رمقهم، فرحوا فرحًا عظیمًا وهذا حقهم، فقد نجحوا بصفع وجه تلک الثریّة البَطِرة المغرورة الصلفة، التی قد تدفع فی مقاهیها ثمن کعکة وفنجان قهوة ردیء ضعف ما یکسبه کادح غزّی مغتسل بعرقه ودمه منذ قبیل بزوغ الفجر إلى ما بعد المغیب.
المدهش فی هذه الحرب هو ذلک الوزیر المولدافی الأصل ما غیره، المدعو لیبرمان، بضربة واحدة تحوّل من بطل افتراضی وعد بتأدیب العرب حسب دعایته الإنتخابیة الشهیرة، التی أکد فیها بغضب، أنه هو الوحید الذی ایفهم لغة العرب'، لغة القوّة بالطبع، تحول هذا االبطلب إلى مادة دسمة للسخریة، بعد تصریحاته فی مؤتمر المصفوعین الثلاثة، حین راح وأمام دهشة بنی إسرائیل یمتدح أرض الکنانة ورئیسها المتورط فی التعدیل الدستوری على ما وصفه بدوره االمسؤولب فی تحقیق التهدئة، إنه یشبه شخصًا معتدًا جدًا بعضلاته، شدید الغرور، یتحدى هذا وذاک، فجأة تعرض للکمة قویة فی جبهته أفقدته شهیته للقتال، بل وراح یهذی بکلام لطیف عن الحب والسلام ونبذ العنف، ما کان لیقوله قبل اللکمة، إنه لیبرمان الملیونیر الذی هدّد مصر الفقیرة فی حقبة الملیاردیر حسنی مبارک بضرب السدّ العالی بقنبلة نوویة، صاحب لهجة التهدید والوعید، راح یتحدث بلهجة ابن آوى عندما یقع فی مأزق.
حتى أولى القبلتین وثالث الحرمین لم تنجُ من فرحة الفقراء، فقد کتب بعضهم على لسان الأدرعی (على وزن الأصمعی)، وهو الناطق العسکری الإسرائیلی تصریحًا یقول فیه األا تخجل حماس والجهاد من إیذاء أولى القبلتین وثالث الحرمین...ألا تخافون الله'! من یدخل تل أبیب لیس بآمن، ولا حتى من یدخل إیلات، وإذا کان ذو اللفة السوداء قد أطلق مقولته الشهیرة التی ذهبت مثلا 'حیفا وما بعد حیفا'، فقد قال ذو القبعة البیضاء'تل أبیب وما بعد تل أبیب'.
وإذا کانت المقاومة بعد ألف وثمانمئة غارة على قطاع غزة قد واصلت التفّ على الوجوه الصلفة المتکبرة...فکیف سیکون الحال إذا وقعت الواقعة مع إیران!الربیع وما أدراک ما الربیع، إذا کان هناک من ینکره، فهناک من أقرّ به وعلى الملأ، ألا وهو الملک عبد الله بن الحسین، الذی اتصل هاتفیا بنتنیاهو أثناء عمود السحاب، وأطنب علیه بعدم الدخول برًا إلى غزة، کی لا یسکب مزیدًا من البنزین الذی طارت أسعاره على نیران ربیع العرب.. أحد الناجین من موقعة العمود، والذی أصبح محبوب الجماهیر الیهودیة خصوصا فی (مستوطنات القسّام)، أی المستوطنات التی أدمنت صواریخ القسّام، واستعاد شیئًا من خسارته المعنویة إثر مقامرته الخاسرة عام ألفین وستة، کان صاحب فکرة تمویل القبة الحدیدیة، وهو عمیر بیریس ذو الشاربین العروبیین، والذی کان حزب الله قد هزّأه ومسح به أرض جنوب لبنان، فقد تفوّق وهو المدنی على الجنرالات فی بعد النظر، ورأى فیه سکان (مستوطنات القسّام) بطلا ، واستقبلوه فی الغرف العازلة بالترحاب، ویبدو أن أصله المغربی بالذات وشبهه الشکلی بالعرب، کان قد جعله مادة دسمة للسخریة، خصوصًا بعد موقعة (الناظور المغلق) الشهیرة، فقد استعاد شیئا من هیبته أمام الإسرائیلیین بعد تفوّقه على جنرالات لم یعیروا القبة الحدیدیة اهتمامًا، إلا بعد أن أنقذت کثیرًا من أرواح الإسرائیلیین، الحلقة الأضعف فی هذه الجولة لم تکن مفاجئة، السید أبو مازن الذی أصر على وضع کل بیضه فی سلة من لا یشفعون ولا یرحمون ، وهو الحجر الذی أهمله بناؤو المستوطنات، الذین ردوا على کل رجاءاته بسادیة مریضة، الآن سُمعتْ أصواتٌ تعترف له بحسن النیة وتقولبلقد قتلنا المخلص الأمین'، وهُرعت إلى الإعلام طواقم إسعاف فی محاولة إحیاء مستعجلة للرجل، راحوا یطیّبون خاطره کما لو کانوا یواسونه...
لا تزعل یا أبو مازن ولا تؤاخذهم فإنهم لا یفقهون، أنت الشریک فی صنع السلام، حتى نتنیاهو أصیب بنوبة ضمیر وقال إنه مستعد للعودة للتفاوض ولیس له أی شرط سوى مواصلة الاستیطان وتهوید القدس وبدون زعل، لأن ما أوله شرط آخره سلامة، إنه الرجل الذی قالوا له قبل شهر فقط، 'لا یوجد مکان لدولتین بین النهر والبحرب..یعنی ضُب بضاعتک واسکت أحسن لک، وهو الذی قالوا له، سوف نؤدبک بل نضربک (ددی واوا) إذا ما تجرأت وذهبت إلى الأمم المتحدة ولکنه ذهب، وفی آخر الأخبار قالوا بأنهم لم یضربوه على فعلته هذه، هو الذی (تفلّت)علیه قبضایات إسرائیل من کل حدب وصوب وهددوه بتقویض سلطته فوق رأسه کلما فتح فمه بتصریح یختلف ولو بشکل بسیط مع الدستور الداخلی لحزب اللیلکود ردّوا علیه بألف وحدة استیطانیة، وحرموه من المصروف الشهری...الآن یعودون إلى ابو مازن ولسان حالهم یقول..زعلک رضا یا عباس، اللهم ابعد عنک وعنا امخربیب الجهاد وحماس.وکانت هیلاری کلینتون قد زارته فی رام الله وبدلا من تطییب خاطره ومواساته ومحاولة تضمید جراحه، فقد وبّخته لتوجهه إلى الأمم المتحدة کما لو کان ولدًا عاقًا أساء التربیة.هکذا عملیا وفی منطق کلینتون الدیمقراطیة ونتنیاهو السّادی، لم یبق أمام أبو مازن سوى الانضمام إلى الجناح المعتدل فی حزب اللیکود ومحاولة تغییر السیاسة من الداخل. وفی الوقت الذی قاتل فیه أهالی غزة أعتى جیوش العالم وأطلقوا وسوف یطلقون صواریخ (رخیصة وکویسة وبنت حلال) ردا على الطیران الحربی الإسرائیلی، فإن طائرات العرب الباهظة الثمن کانت وما زالت تقصف العرب فی سوریة بلا هوادة، بینما أضافت السعودیة لأسطولها الجوی صفقة هائلة جدیدة وبهذا قال الشاعر کم قسّام یُعد بألف سلاح جو وکم سلاح جو یمر بلا عدد مسک الختام لهذه الجولة ولفرحة الغزیین، هی إطاحتهم بإیهود باراک، لقد فهم باراک أن انسحابه من الحیاة السیاسیة الآن أفضل له لأن المستقبل غیر واعد، وأخیرًا وفی مناسبة سعیدة کهذه، کان لا بد أن یطفو على السطح السؤال القدیم منذ فجر البشریة اهل للحجم والطول أهمیةب!لقد أثبت الغزیون المحشورون فی شریط ضیق لا یتجاوز عرضه الخمسة عشر کیلو مترًا على طول واحد وأربعین کیلو مترًا، أنه لا أهمیة للطول أو الحجم، فالصاروخ البدائی الصغیربقسّام'، قد یکون له مفعول التوما هوک والکروز والحسین وشهاب ویریحو..المهم من الذی یقف وراءه!وکیف ومتى یقذفه.