الدیمقراطیة تعنی المشارکة . من هنا ارید من کافة الشعب التوجه الى صنادیق الاقتراع یوم 15 دیسمبر والتصویت لصالح الدستور الجدید الذی یتضمن کافة المطالبات الثوریة. هذه هی جملات محمد مرسی، الرئیس المصری فی دعوته لابناء الشعب المصری للمشارکة فی الاستفتاء على الدستور الذی من المقرر اجراءه فی مصر خلال اقل من اسبوعین. لکن مصر ولا سیما القاهرة لا تزال ساحة للاحتجاج من قبل مؤیدی ومعارضی رئیس الجمهوریة. وفی هذا السیاق اجرى موقع خبراونلاین حوارا مع جاوید قربان اوغلی سفیر بلادنا السابق فی افریقیا الجنوبیة والجزائر وخبیر شؤون شمال افریقیا لتسلیط الضوء على الدستور المصری الجدید والازمة الاخیرة فی هذا البلد.
ما هی جذور الاحتجاجات الاخیرة التی اعقبت المصادقة على الدستور المصری؟
ان الاحتجاجات لها ماض . ینبغی الاشارة هنا الى ان غالبیة البرلمان بید الحرکات والتیارات الاسلامیة من الاخوان المسلمین وصولا الى حزب النور السلفی ، لذا شهدنا استقالة بعض الشخصیات مثل البرادعی، عمرو موسى او باقی الشخصیات، حیث انطباعهم هو ان ما سیتمخض عن هذا البرلمان لا یتطابق مع المطالبات الشعبیة التی اطاحت بحکومة مبارک فی میدان التحریر. ان الاجراءات الاخیرة لمرسی فی اقالة المدعی العام وزیادة صلاحیاته تعتبر ایضا جزءا آخر من الازمة وسببها هو طموحه فی قیادة سیاسات البلاد التی انتهت على النحو الذی نشهده الیوم.
وما المواد المهمة والمختلفة التی یتضمنها الدستور الجدید؟
هناک عدة نقاط بارزة فی الدستور الجدید: اولها اعلان ان الدین الاسلامی هو الدین الرسمی لمصر وان قانون الشریعة هو فی الحقیقة میزان تشریع کافة القوانین. کما تعلمون ان الدستور یتضمن نقاط عامة وان کافة قوانین البلاد منشأها الدستور. قضایا الاسرة، المساواة بین حقوق الرجل والمرأة ونقاطا اخرى هی من ضمن البنود التی تواجه معارضة من قبل بعض الجماعات الاجتماعیة والسیاسیة.
یقال ان الشریعة کانت فیما مضى اساس التشریع فی مصر، لماذا یتم الیوم تسلیط الضوء على هذه القضیة والترکیز علیها؟ ونظرا للاختلافات القائمة ازاء الدستور الا تمثل هذه القضیة تحدیات للمستقبل؟
نعم هذه نقطة رئیسیة ، وان محور الاحتجاجات هی هذه النقطة. ینبغی الفصل بین قضیة ان الاسلام دین الحکومة ودین الدولة. فی مصر یمثل المسلمون 90 بالمئة من سکانها ومن الطبیعی ان تکون الشریعة الاسلامیة دین الحکومة ولا اعتقد ان المحتجین یعارضون هذا . الاحتجاجات هی على امور اخرى.
اذن ما هی اسباب الاحتجاجات على الدستور؟
الاحتجاج هو على النهج الذی سلکه مرسی. ان ما حمل الناس على النزول الى الشوارع واسهم فی تعزیز مواقف البرادعی وعمرو موسى هو الاعلان الدستوری الجدید لمرسی الذی رفع من مستوى صلاحیاته. لقد تولى السید مرسی السلطة فی مصر فیما کان الاخوان قبل فترة یمثلون غالبیة البرلمان لکنهم لم یلتحقوا برکب المحتجین وحتى اصدروا بیانات تظهر معارضتهم مع الثورة الشعبیة ولم یلتحقوا بالحرکة الشعبیة الا قبل ایام من الاطاحة بمبارک کما ان هناک اعلانهم انهم لن یرشحوا شخصا لمنصب رئاسة الجمهوریة لکنهم وعملیا رشحوا عدة اشخاص لتفادی عدم تأیید اهلیة مرشحیهم بحیث یتسنى لهم الابقاء على مرشح اخوانی. لذا فان انطباع عدد من القوى التی اسهمت فی اسقاط نظام مبارک هو ان جماعة الاخوان المسلمین والتیارات السلفیة والتیارات ذات المیول الدینیة تسعى للاستیلاء على السلطة وحصرها فی یدها وهذا هو سبب الاحتجاج.
وما هی سبل الحل المتاحة امام مرسی لتسویة الازمة؟ برأیک هل سیصوت الشعب خلال الاستفتاء الذی من المقرر اجراؤه خلال اقل من اسبوعین لصالح الدستور الجدید؟ ما هی آفاق مستقبل مصر على الامد القریب؟.
انطباعی هو ان المجتمع المصری وبسبب الاجراءات غیر الدیمقراطیة لمرسی، سیذهب نحو التشتت وعدم الاستقرار وهذا لا یصب فی صالح مصر. مصر تواجه مشاکل سیاسیة واجتماعیة متعددة ، وهی بحاجة الى مرحلة قصیرة الامد لانتهاج سبیل الحکمة والتریث، الصبر والمرونة السیاسیة. مصر مع ازماتها الاقتصادیة والاجتماعیة بحاجة الى الاستثمار والقروض الاجنبیة. هذه قضایا لا یمکن تحقیقها من خلال اعلانات مرسی الدستوریة. اعتقد ان الشعب المصری حضاری لدرجة تمکنه من تجاوز هذه الازمة. الشعب الذی یتمتع بالقدرة على الاطاحة بدکتاتوریة حسنی مبارک التی امتدت على مدى 30 عاما مع کل تلک المؤسسات المقتدرة لا شک انه یتمتع بالقدرة على تسویة مشاکله. بالطبع ینبغی الالتفات هنا الى ان مرسی تولى منصبه بسبل دیمقراطیة ایضا. اذا ما کان العسکر یرمون لتولی السلطة عقب اسقاط مبارک لما کان مرسی الیوم رئیسا للجمهوریة. فی الحقیقة ان اعتماد آراء الشعب هو سبیل حل المشاکل والازمات. عدا ذلک سنشهد فی المستقبل نظاما احادی الصوت مع غالبیة صناع قرار من ذوی المیول الدینیة ما سیؤدی الى تحویل المجتمع المصری (نظرا لوجود 10 بالمئة من الاقباط وایضا وجود شریحة ذات تاریخ فکری) الى معارضة مقتدرة. ان القاء نظرة على دول الجوار ومن ضمنها السودان یظهر ان مصر وفی حال استمرار هذا النهج ستواجه ذات المصیر. ان حکومة السودان ذات الصوت الواحد تسببت فی جعلها حکومة دینیة تفتقد للکفاءة بقیادة عمر البشیر وفی الحقیقة ان نتاج الازمة الواسعة النطاق والفقر الاقتصادی والشعبی فیها اسفر فی نهایة المطاف عن انفصال جزء من اراضی هذا البلد.