بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
لا شك في أن القضية الفلسطينية ما زالت أهم قضية لدى العالم الإسلامي، ولا ينبغي أبداً أن تبهت في ظل سائر التطورات الإقليمية والدولية على الإطلاق.
بعد مضي أكثر من أربعة عقود على القرار التاريخي الذي اتّخذه سماحة الإمام الخميني، رضوان الله تعالى عليه، بجعل آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوم القدس العالمي، كتجلٍّ لوحدة الشعوب المسلمة وكل أحرار العالم حيال القضية الفلسطينية، باتت المعادلات الإقليمية والدولية تبشّر بآفاق أكثر رحابة في مسيرة هذه القضية المحقّة.
ومع استمرار الجرائم اليومية التي يرتكبها المحتلّون الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني، نساء وأطفالاً وشيباً وشباباً، قمعاً وقتلاً وأسراً وتعذيباً... والهتك المتمادي لحرمة المسجد الأقصى، وهدم بيوت الأصحاب الأصليين للأرض الفلسطينية... نشهد مؤشرات عملية على الأزمة العميقة والترنّح الداخلي للكيان الغاصب للقدس الشريف. كما نشهد في المقلب الآخر على المزيد من الاقتدار والتناغم بين أبناء الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، إلى جانب دعم أكبر وتضامن أوسع من قبل الدول والشعوب الإسلامية وكل الأحرار والشرفاء تجاه القضية الفلسطينية.
الأجيال الفلسطينية الصاعدة التي شاهدت الآباء وهم يتصدّون بالحجارة والحصى لجنود الاحتلال المدجّجين بالسلاح والتجهيزات المدرّعة، باتت اليوم، في ظل الإيمان بالله تعالى واستلهام تعاليم الثورة الإسلامية التي نهض بها الشعب الإيراني، تلهب الأرض تحت أقدام المعتدين الصهاينة، محوّلة كل شبر من أرض فلسطين إلى ساحة من ساحات المقاومة والجهاد والنزال، ومزوَّدة بتجهيزات عسكرية حديثة وضاربة.
اليوم، وبعد أن تيقّن الشعب الفلسطيني من الماهيّة الشمولية الإرهابية للكيان الصهيوني، أصبح أكثر انسجاماً واتحاداً من أي وقت مضى، عاقداً العزم على تجاوز اتفاقيات الإذعان المشينة التي غذّت روح الاعتداء والإجرام لدى الكيان المحتل للقدس أكثر فأكثر، والعمل على استرجاع حقوقه المشروعة وتحرير أرضه المحتلة والذود عن المقدّسات والقيم الإنسانية النبيلة، عن طريق المقاومة التي تبعث على الشرف والعزة والكرامة.
إن تبلور هذا النضج وهذا الوعي في صفوف الشعب الفلسطيني، متزامناً مع بروز التصدعات والاختلافات الداخلية في جسم الاحتلال والتظاهرات اليومية التي تعصف بالكيان الغاصب، يعبّران عن الواقع الذي يعيشه الكيان الصهيوني المصطنع حالياً.
وقد بدا واضحاً أن حالة النفور العامة تجاه الكيان الصهيوني قد تجاوزت حدود فلسطين والبلدان الإسلامية، حيث أدرك كل دعاة الحرية والعدالة في كلّ أنحاء العالم، أن طبيعة هذا الكيان القائمة على التطهير العرقي والإجرام الدموي، تُعتبر نقضاً فاضحاً لحقوق الإنسان وتهديداً داهماً للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
لقد أثبتت التجربة التاريخية أن ماهية الكيان الصهيوني القائمة على الاحتلال والتوسع لا تتعايش مع أمن المنطقة وسلامها واستقرارها، حيث إن هذا الكيان يرى أن بقاءه وأمنه هما رهن جهوده المتواصلة الخبيثة للتغلغل في الدول الإسلامية وزرع بذور التباين والعداوة والنزاعات والحروب بينها.
إن استخدام عبارات ذات دلالات برّاقة، كالسلام والتعايش، ما هو إلا محاولات خادعة من قبل قوى الاستكبار من أجل تلميع صورة هذا الكيان وتوهين القضية الفلسطينية ورميها في غياهب النسيان والترويج لتطبيع العلاقات مع الكيان الغاصب للقدس أمام الرأي العام الدولي وخاصة الإسلامي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التطورات التي تشهدها فلسطين والأراضي المحتلة قد كشفت أسرع مما كان متوقّعاً خطأ الحسابات السياسية لبعض الحكومات التي تورّطت في إقامة علاقات رسمية مع هذا الكيان.
نحن على ثقة تامة أن استمرار العنف الصهيوني الوحشي في حق الفلسطينيين لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانسجام بين أبناء الشعب الفلسطيني وإذكاء شعلة عزمه وجهاده ضد الاحتلال الجاثم على أرضه الطاهرة.
بطبيعة الحال، فإن المبادرة الديمقراطية التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال دعوتها لإجراء استفتاء عام بمشاركة كل أبناء فلسطين الأصليين، من مسلمين ومسيحيين ويهود، بغية تشكيل الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر... حيث إن تفاصيل هذه المبادرة قد دُوِّنت في أمانة سر منظمة الأمم المتحدة... بإمكانها أن تكون منطلقاً عادلاً يتوخّى السلام ويضع حداً لهذه التراجيديا الفلسطينية التي تمثل أقدم أزمة في التاريخ الإنساني المعاصر وأكثرها إيلاماً.
ولأسباب لا تُعدّ ولا تُحصى، يجب أن تبقى القضية الفلسطينية على الدوام القضية الأساسية للعالم الإسلامي. ويجب أن يستمر دعم المقاومة الشريفة والنضال البطولي للشعب الفلسطيني حتى تحرير القدس الشريف وكامل التراب الفلسطيني وعودة كل اللاجئين إلى حضن وطنهم الأم.
إن الشعب الإيراني العزيز، من خلال حضوره الجماهيري الكبير في مسيرة يوم القدس هذه السنة وبزخم أكبر من الذي شهدناه في العقود الأربعة الماضية، سيطلق العنان لصرخته المدوّية دفاعاً عن القضية المقدّسة لتحرير القدس الشريف وفلسطين المحتلة... وسيثبت للقاصي والداني أنه التزاماً بتوجيهات قائد الثورة المبجّل سماحة الإمام الخامنئي، حفظه الله، سيبقى وفياً وداعماً بكل ما أوتي من قوة للشعب الفلسطيني المظلوم وجبهة المقاومة... وأنه لن يتخلى عن وصايا شهدائه العظام البررة وخاصة شهيد القدس الحاج قاسم سليماني.
إن شاء الله سيشهد العالم بأسره قريباً تحرير قبلة المسلمين الأولى من قيد الاحتلال، بعون الله الملك الأعلى.
* وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية
تعليقك