٠ Persons
٢٦ يوليو ٢٠١٢ - ١٤:٤٠

خبرأونلاین-یوما بعد آخر تدرک ایران ان الحرب التی تشن ضدها اکثر شمولا مما کانت تتصور، ولا یقل خطرها عن الحرب العسکریة التی تسعى جاهدة لتفادیها. أسلحة هذه 'الحرب الباردة' عدیدة وفاعلة، ومن شأنها احداث دمار لا یقل عن دمار النزاع العسکری.


د. سعید الشهابی
 
یوما بعد آخر تدرک ایران ان الحرب التی تشن ضدها اکثر شمولا مما کانت تتصور، ولا یقل خطرها عن الحرب العسکریة التی تسعى جاهدة لتفادیها. أسلحة هذه 'الحرب الباردة' عدیدة وفاعلة، ومن شأنها احداث دمار لا یقل عن دمار النزاع العسکری.
فبالاضافة للحصار الاقتصادی خصوصا فی القطاع المصرفی، هناک الحرب التکنولوجیة التی ابتدأت بالمجال النووی، وتتواصل لتشمل کافة القطاعات العلمیة برغم عدم الاعلان المکشوف عنها. وهناک الحرب الدبلوماسیة التی تمنع بعض رموز الحکم من التنقل فی بلدان العالم. بل ان هناک سلاحا آخر أکثر تدمیرا وهو سلاح الطائفیة الذی یهدف لعزلها عن جسد الامة الاسلامیة على أساس الانتماء الدینی. وجمیع هذه الاسلحة یمتلک قوة تدمیریة لا تقتصر آثارها على حدود الجمهوریة الاسلامیة بل یؤثر بشکل مباشر على جسد الامة. وهکذا یبدو استهداف ایران لیس محصورا على مساحتها الجغرافیة او ایدیولوجیتها السیاسیة بل یتسع لیشمل امة المسلمین من شرقها الى غربها. ولا یمکن فصل الانقلاب العسکری فی مصر عن الحرب المفروضة على ایران، فقوى الثورة المضادة تهدف لحمایة الانظمة المناوئة لایران، ومنع الاطراف التی تتناغم فی منطلقاتها الایدیولوجیة مع الجمهوریة الاسلامیة من الوصول الى الحکم. برغم ذلک یمکن النظر الى تطورات الوضع فی مصر انها تجسید لفشل العدید من الاسلحة المذکورة، وان قوى الثورة المضادة التی تستهدف ثورات الربیع العربی کما استهدفت، وما تزال تستهدف، ایران الثورة، ادرکت حدود تأثیر السلاح الطائفی الذی استعملته بقوة فی العراق، ومصر وتونس والیمن وسوریة والبحرین، وان تأثیراته، فی حال استمرار وعی الشعوب، محدود زمانیا، فسرعان ما تتجاوزه الشعوب، کما حدث فی العراق. صحیح ان الاستهداف على الهویة ما یزال یتجسد یومیا فی التفجیرات المدمرة التی لم تنقطع تماما، ولکن الجسد العراقی فی عمومه، استعلى على محاولات التمزیق وفق خطوط الانتماء المذهبی، واصبح یقترب من بعضه بشکل ملحوظ. وحتى تونس التی ظهر زعماؤها الجدد بخطاب 'معتدل' لم تسلم من تآمر قوى الثورة المضادة ضد نظامها الجدید، فهناک حالة من التوتر بسبب دخول السلفیین على خط مواجهة النظام الذی تمثل حرکة النهضة القوة الاساسیة فیه.
ولکن السلاح الذی فاجأ طهران، وکانت تعتبره سلاحا تستعمله ضد مناوئیها ولیس ضد نفسها، یتمثل بالنفط. فحتى الآن استطاعت الجمهوریة الاسلامیة الاستمرار فی تصدیر اکثر من ملیونی برمیل یومیا بالاضافة لانتاج احتیاجاتها المحلیة. وکبقیة الدول المصدرة للنفط استفادت ایران من صعود اسعاره فی السنوات الاخیرة، وطورت احتیاطیها من العملة الصعبة لتبلغ مستویات غیر مسبوقة. وعندما بدأت الدول الغربیة بفرض عقوبات اقتصادیة علیها کان قطاع النفط یبدو بعیدا عن تأثیر تلک العقوبات. ولکن سرعان ما ظهرت صعوبات جمة على مستویات ثلاثة: اولها احتیاج ایران لاستثمارات کبیرة لتطویر قطاعها النفطی سواء فی مجال الانتاج او التکریر. ثانیا: بیع نفطها للخارج فی ضوء الضغوط العربیة والغربیة على دول مثل الصین والهند اللتین تعتبران من اکبر مستوردی النفط الایرانی.
ثالثا: الصعوبات الجمة التی تواجه الایرانیین لاستلام العائدات المالیة لتلک المبیعات، بسبب فرض العقوبات المصرفیة وامتناع الدول الغربیة من التعامل مع البنک المرکزی الایرانی. وقد عرف الایرانیون بقدرتهم على الالتفاف على الکثیر من اسالیب الضغط الانکلو امریکی منذ الحرب العراقیة الایرانیة. ولکن استعمال النفط کسلاح ضدها لم یمثل حتى وقت قریب خطرا کبیرا على الوضع الایرانی. فبالاضافة لاحتمالات غلق مضیق هرمز فی حال ای عدوان عسکری اسرائیلی او امریکی، واثر ذلک على تدفق النفط للعالم الغربی، کانت اتفاقات تصدیر النفط وحصص الدول الاعضاء بمنظمة اوبک، ضمانا آخر لحمایة الصادرات النفطیة الایرانیة من تأثیرات انظمة الحصار الاقتصادی المفروض علیها. ولکن طهران ادرکت الآن ان الحرب ضدها غیر محصورة بسیاسات الدول الغربیة، بل ان الدول الجارة تشارک عملیا فی تهیئة الظروف لمحاصرة الصادرات النفطیة الایرانیة. ولم تعد المسألة النفطیة منفصلة عن سیاقات الصراع الاقلیمی على النفوذ خصوصا بعد انطلاق الربیع العربی ورهان کل طرف على نتائجه. فایران اعتقدت ان الثورات العربیة امتداد طبیعی لثورتها برغم تآخرها ثلاثین عاما، واعتقدت ان یقظة الشعوب العربیة هذه المرة سوف تتجاوز فی دوائر تأثیرها مؤامرات قوى الثورة المضادة. ولکن سرعان ما أصبح جلیا ان التحالف المضاد للثورات والتغییر السیاسی فی العالم العربی قد استنفرا کافة امکاناته لمحاصرة الثورات وتغییر اتجاهاتها. وما جرى فی مصر یؤکد بشکل قاطع ان الثورة اما ان تکون کاملة او من الافضل ان لا تکون. ان اکتمال الثورة یقتضی وعیا حقیقیا لدى قادتها ومواقف فولاذیة ترفض الانحناء او التراجع او الضغوط الخارجیة، وتتخلى عن سیاسة 'امتلاک اوراق الضغط' غیر المرتبطة بایدیولوجیة التغییر الثوری.
الامر المؤکد ان استهداف ایران من قبل تحالف قوى الثورة المضادة لیس محصورا بحدودها، بل انه، فی اطاره الاوسع، استهداف للربیع العربی وعمل حثیث لمنع انتصار الثورات العربیة، او حرف اتجاهها او توجیهها وفق مرئیات تختلف جوهریا عما یدور فی اذهان قادتها والمشارکین فیها. هذه النظرة التکاملیة لمشروع التغییر الثوری لیست واضحة فی اذهان الثوار او قادة المعارضات السیاسیة او قادة الانظمة الجدیدة التی انتجتها الثورات. فالانشغال بالاحتیاجات الیومیة للشعوب التی اسقطت رؤساءها، او بالهموم الامنیة المتجددة یومیا التی تحرکها قوى الثورة المضادة، او باقامة التحالفات مع الحکومات التی ظهرت فجأة کداعمة للثورات، کل ذلک اضعف قدرة الزعامات الجدیدة على استیعاب ابعاد الثورة المضادة واسالیبها، ونظرت ببساطة للتعامل معها فی اطار العلاقات الدبلوماسیة العادیة، بعیدا عن التعمق فی طبیعة الاسالیب التی تنتهجها قوى الثورة المضادة وتنفق الملیارات ضد القوى الشعبیة الناهضة. ان توجه هذه القوى ضد الثورات امتداد لموقفها من ایران، ولکن استیعاب هذا الربط ما یزال مستعصیا على القادة الجدد فی البلدان التی تطالب شعوبها بالتغییر الجوهری فی انظمتها الدیکتاتوریة. ان حصار ایران لا ینفصل عن حصار ثورتی مصر وتونس، ولا یمکن فصله عما یجری فی الیمن او فی سوریة او فی البحرین. فالهدف الغربی من هذه السیاسة ذو ابعاد ثلاثة: اولها ضمان أمن الکیان الاسرائیلی الذی سیتهدد اذا اصبحت هناک انظمة سیاسیة منتخبة فی البلدان المجاورة.: ثانیها: حمایة الانظمة الحلیفة للغرب وقمع معارضیها وافشال الثورات ضدها، ثالثها: الحفاظ على الهیمنة السیاسیة والعسکریة على منطقة الشرق الاوسط التی تتطلب حکاما طیعین یستمدون شرعیتهم، لیس من صنادیق الاقتراع، بل من الدعم الغربی لحکمهم. وتشعر الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة بهذه الضغوط المتواصلة من قبل واشنطن ولندن وتل أبیب، ولکنها تأمل ان یکون رجال الثورة القادمون للمسرح العربی، قادرین على استیعاب حقیقة الدور الاسرائیلی سواء فی تمزیق اوصال الامة، ام فی توفیر الدعم الانکلو امریکی للانظمة الاستبدادیة. انه صراع طویل بین قوى التغییر الدیمقراطی والدول الغربیة التی لا تراودها الرغبة فی اقامة انظمة حکم دیمقراطیة فی العالم العربی الذی تتوزعه النزاعات المختلقة.
سلاح النفط الذی هدد العرب باستخدامه ضد الغرب فی 1973 بسبب دعمه الکیان الاسرائیلی، اصبح احدى ادوات قوى الثورة المضادة. واذا سمح باستخدامه ضد ایران فسوف یکون سلاحا فاعلا ضد الثورات الاخرى فی حال نجاحها. وعندما عقد الاجتماع الدوری الاخیر لمنظمة الاقطار المصدرة للنفط (أوبک) فی جنیف الاسبوع الماضی کان واضحا وجود منحیین لدى الدول المشارکة: فایران کانت تقترح خفض انتاج اوبک فی سقف المنظمة الذی یبلغ 30 ملیون برمیل یومیا، والآخر الذی تتزعمه السعودیة یطالب برفع مستوى الانتاج. جاء ذلک السباق لتحدید سقف اوبک على خلفیة تطورات عدیدة: اولها: انخفاض معدل صادرات النفط الایرانی احیانا الى نصف حصتها المقررة من اوبک، بسبب الحصار الغربی المفروض. ففیما کانت تصدر ما یصل الى 2.5 ملیون برمیل یومیا، هبطت صادراتها الى ما بین 1.2و 1.8 ملیون برمیل یومیا. ثانیها: ان السعودیة اصبحت تعوض عن انخفاض الصادرات الایرانیة، فزادت انتاجها بما معدله 1.6 ملیون برمیل یومیا. ثالثها: ان تجاوز الدول الاعضاء حصصهم وفق قرارات اوبک، اغرق السوق بالنفط، واضاف قرابة 10 بالمائة من النفط خارج الحصص المتفق علیها، وبذلک صعد انتاج الدول الاعضاء بالمنظمة من 30 الى 33 ملیون برمیل یومیا.
رابعا: ان هناک ترقبا لبدء الغرب فی الاول من یولیو المقبل الامتناع عن استیراد النفط الایرانی. وهذا یعنی ان طهران سوف تخسر حوالی 600 الف برمیل یومیا هی مجموع استیراد الدول الغربیة من النفط الایرانی. وفی اجتماع فیینا الاخیر للدول الاعضاء بمنظمة (اوبک) وجه وزیر النفط الایرانی نداء لنظرائه بعدم استخدام النفط کسلاح من قبل دولة عضو ضد اخرى. وقلل من شأن العقوبات المقبلة التی قد توقف استیراد النفط الایرانی، قائلا ان لدى ایران اکبر مخزون احتیاطی من النفط والغاز فی العالم، وان ایران تتمتع بالید الطولى على المدى البعید برغم الحظر، وانه یستحیل على العالم توفیر مستلزماته من الطاقة بدون النفط الایرانی. برغم ذلک فمن المؤکد ان الحصار النفطی سیؤثر سلبا على الاقتصاد الایرانی.
ویعتبر ابقاء منظمة اوبک على سقف الانتاج خطوة ایجابیة، ولکن المشکلة فی استمرار الدول الاعضاء بتجاوز حصصها الامر الذی ادى الى هبوط اسعار النفط فی الفترة الاخیرة. وفیما تعزو ایران هذا الهبوط الى تجاوز الحصص، تقول دول اخرى ان تراجع مبیعات النفط الخام مرتبط بالاوضاع الاقتصادیة للدول الغربیة ودخولها مرحلة کساد غیر مسبوق وتراجع اقتصاداتها بشکل عام. ایا کان الامر فقد کان بالامکان خفض السقف قلیلا لدفع الاسعار نحو معدلاتها الطبیعیة. وبین الموقفین الایرانی المطالب بخفض سقف الانتاج، والسعودی الذی کان یدعو لزیادة الانتاج استطاعت المنظمة الابقاء على السقف الحالی فی الوقت الحاضر على الاقل. وعندما یحین استحقاق المقاطعة الغربیة للنفط الایرانی الاسبوع المقبل (الاول من یولیو) سوف یکون هناک واقع جدید فی السوق النفطیة. فاذا امتنعت دول اوبک عن زیادة انتاجها، فسوف تتحسن اسعار البرمیل النفطی وتستعید عافیتها لتتجاوز الـ 100 دولار للبرمیل الواحد. اما اذا استمرت السعودیة والکویت والامارات فی الانتاج الذی یتجاوز حصصها فلن یکون مستبعدا انخفاض الاسعار الى مستویات اقل، الامر الذی ستکون له انعکاسات وخیمة على اقتصادات دول مجلس التعاون بشکل خاص. اما ایران فلدیها القدرة على التعایش مع مستویات اقل من الدخل النفطی وزیادة مدخولاتها من الغاز ومن الصادرات غیر النفطیة التی تمثل ربع العائد القومی تقریبا. مع ذلک تشعر طهران بان السلاح الذی طالما کان مشهورا بوجه الدول الغربیة لردعها عن الافراط فی دعم الکیان الاسرائیلی، اصبح الآن یوجه ضدها فی خطوة غیر مسبوقة. ومع ان ذلک امر متوقع خصوصا لاستعماله کسلاح من قبل قوى الثورة المضادة، فان استعماله ضد دولة عضو سیقلل من شأنه واهمیته، ویبعث رسائل معاکسة لقوات الاحتلال الاسرائیلیة التی اصبحت جزءا من قوى الثورة المضادة. الاسرائیلیون اصبحوا یحرضون العالم ضد ایران على خلفیة مشروعها النووی، ویشارکون فی التحریض ضد بعض الانظمة العربیة التی ترى وجودها معوقا لای تقدم فی مجال اکتساب الشرعیة. ولیس مستبعدا ان تتعرض مصر، فیما لو استقرت امورها وانحسرت هیمنة الجیش، لحصار نفطی مماثل.
لقد کان النفط سلاحا فاعلا عندما استخدم بعد حرب 1973، لانه وفر اسلوبا جدیدا للتأثیر الاقتصادی والنفسی والذهنی على الغربیین الداعمین للکیان الاسرائیلی، وطمأن طبقة واسعة من المواطنین بان الامة ما تزال تملک المبادرات وادوات الضغط فی الصراع التاریخی من اجل تحریر الانسان والوطن. ولکنه ظهر الآن انه سلاح ذو حدین قد یتحول الى سلاح قذر ضد الاشقاء. فما مصلحة الامة من اصرار السعودیة على توفیر النفط فی احلک الظروف للقوى الغاشمة التی تدعم الاحتلال؟ ما مصلحة الشعوب من خفض اسعار النفط التی خسرت ربع قیمتها فی الشهور الاخیرة بسبب زیادة انتاج السعودیة وبعض دول الخلیج کمیات اکبر من النفط لتساعد الدول الغربیة على تخزین کمیات اکبر بأسعار منخفضة قبل حلول موعد التوقف عن استیراد النفط الایرانی؟ هذا السجال سوف یستمر فی الشهور المقبلة، ومن الضروری استیعاب مسألة النفط بمقاربتها بمشاریع الثورات العربیة من جهة والتوازن السیاسی والعسکری فی المنطقة من جهة اخرى. ان السماح للغرب باستخدام عکسی للنفط کسلاح فی مواجهة دولة اسلامیة یعبر عن انحدار فی القیم والاخلاق والکرامة، فهو سلاح بایدی ابناء الامة فلماذا یسلمونه للآخرین لیستعملوه ضدهم؟ هذه معضلة تقتضی اعادة الحسابات والمواقف خصوصا من قبل من تهمهم قضایا الثورة والتغییر، لکی لا یباغتوا بانتصار الثورة المضادة وضیاع دماء الشهداء وعودة روح الیأس والاحباط فی زمن یقتضی التحلی بالامل والوعی والاصرار على التغییر والتمسک بشعار وحدة الشعوب ضد الطغاة. النفط سلاح ایجابی اذا استخدم لدعم قضایا الشعوب، ولکنه کارثة اذا سلم لاعداء الامة لاستخدامه ضد شعوبها والقوى الداعمة للتحرر والانعتاق من الاستعباد الغربی.
 
' کاتب وصحافی بحرینی یقیم فی لندن

30449

رمز الخبر 182727