ثمرة الازمة فی سوریا ، مواجهة الشیعة والسنة فی لبنان

استطاع لبنان الذی کان یعرف فی وقت باسم "باریس الصغرى" او "باریس الشرق الاوسط" ، البلد الذی عانى من حرب دمویة داخلیة على مدى 15 عاما بالاضافة الى تواجد القوات العسکریة السوریة على اراضیه لمدة 30 عاما ، استطاع بلوغ سلم التنمیة والتطور الاقتصادی واضحى مرکزا للعملیات المصرفیة فی العالم العربی، اما الیوم فنراه یتأثر من جدید بالاوضاع التی یشهدها بلده الجار، هذا البلد الصغیر بات الیوم عرضة للاخطار. وقع لبنان ومنذ بدء الاضطرابات فی سوریا فی موقف هش على الصعید الاقتصادی والسیاسی ویرى العدید من الخبراء والمحللین ، ان التغییرات المحتملة فی سوریا یمکن ان تفضی عن تأثیرات جادة وهامة تؤثر على هذا البلد. وحول مدى تأثیر التوابع والتداعیات المترتبة عن الازمة السوریة على لبنان، اجبنا على ذلک حسین رویوران خبیر شؤون الشرق الاوسط کالآتی:
ترى ما هی التداعیات التی یمکن ان تلقی بها الازمة السوریة على لبنان ، على الصعد الداخلیة، الاقلیمیة والدولیة؟
تعتبر سوریا خلال العقدین او الثلاثة الماضیة کحد ادنى، من اهم داعمی وحلفاء المقاومة، ولا شک ان ای تغییر سیاسی فی سوریا سیلقی بظلاله على هذه المکانة ولا یعرف ان کانت سوریا المقبلة ستکون من داعمی المقاومة ام لا. وسبب هذه القضیة هو اننا نسمع الان بعض التصریحات من بعض الجماعات المعارضة السوریة التی تقول انها لن تقدم العون لحزب الله ولن تسمح بوصول حتى طلقة واحدة الى حزب الله. وان سبب هذا یعود الى موقف حزب الله الذی یؤخذ علیه من قبل جماعات المعارضة وهو الموقف الداعم للنظام السوری ما یظهر ان المعارضین یحددون سیاستهم بناء على موقف منفعل ولا تتسم سیاستهم بسیاسة مبدئیة تعتمد معارضة اسرائیل. لذلک سیتم فقدان حلیف اقلیمی فی کل الاحوال.
ثانیا تعتبر سوریا معبرا للعدید من المساعدات التی تصل الى حزب الله وهذه المکانة ستتبدد ایضا.
ثالثا تأثیر تطورات سوریا الداخلیة على لبنان. یتبوأ حزب الله الیوم مکانة متفوقة. یترأس حزب الله الائتلاف السیاسی المعروف باسم 8 آذار وهو الائتلاف الذی یتولى السلطة الیوم ویعین رئیس الوزراء ورئیس الوزراء هذا هو میقاتی الذی یحکم الیوم لبنان باعتباره مرشح هذا الائتلاف. ان وجود المقاومة سیخضع للتأثیر على الساحة السیاسیة باعتباره القوة المتفوقة حال طرأ تغییر فی سوریا. ای ما یعنی انه فی حال وقوع تغییر فی سوریا ستتأثر الساحة الداخلیة فی لبنان. ان ای تغییر فی سوریا یتمخض عنه وصول السنة السلفیین الى السلطة الذین یتولون الیوم قیادة المعارضة، سیزید من تحالفهم مع السنة السلفیة فی لبنان وسیسهم فی خلق نوع من الکیان السنی فی لبنان ما سیؤثر بدوره على الساحة السیاسیة فی هذا البلد. وبعبارة اخرى ستکون الساحة السیاسیة فی لبنان مسرحا للتنافس والمواجهة بین السنة والشیعة. فی ظل هذه الظروف سیواجه الوضع القائم لحزب الله باعتباره تحالفا وقوة سیاسیة تأثیرا  وسیتمخض عن ذلک تبوأه لموقف ومکانة اضعف مما هی علیه الآن.
وکیف کان موقف الجماعات والتیارات السیاسیة فی لبنان بالنسبة للتطورات التی تشهدها سوریا؟ ترى ما مدى تأثیر الصورة المرسومة على الاجواء الامنیة فی لبنان؟
فی الوقت الراهن ومع الازمة الراهنة فی سوریا، ما حدث فی لبنان هو ان الساحة الداخلیة لهذا البلد اصابها نوع من الازدواجیة والانقسام . ای ان حزب الله یدعم النظام السوری، فیما یدعم السنة فی الشمال لا سیما فی طرابلس السنة. فی هذه المنطقة لم یقدم السنة الدعم فقط للمعارضین فحسب، بل باتوا یشکلون اهم قاعدة لتقدیم العون ومن ضمنه السلاح الى داخل سوریا وفی نهایة المطاف تسببت هذه الاوضاع فی خلق نوع من الازدواجیة الشدیدة والانقسام داخل المجتمع اللبنانی. هذا الانقسام الحالی لا یمثل انقساما سیاسیا فحسب بل وانه تسبب فی اتخاذ اجراءات متبادلة ضد بعضهم البعض، واحراق اعلام الطرف الآخر وهذا یظهر ان الاوضاع المستقبلیة ستکون تبعا للاوضاع القائمة فی لبنان الیوم.
ان وجود تیار سلفی فی لبنان یعتمد بشکل عام على السعودیة ویرتبط بها وبتمویلها انما یشیر الى امکانیة مواجهة مستقبل لبنان للتشتت والاختلاف  والانقسام على صعید الساحة السیاسیة. لقد اعلن الجیش عن حیادیته وعن عدم تدخله فی القضایا الداخلیة فی سوریا، لکن التیار السلفی یعمل خلافا للموقف الرسمی وهذا یظهر ان سلطة الحکومة على الساحة السیاسیة محدودة. فی اشتباکات طرابلس بین العلویین والسلفیین، راینا ان المجتمع اللبنانی لا یتمتع بالحد الادنى من التلاحم وانه یواکب الظروف السیاسیة المحیطة ببیئته وانه فی ای لحظة من الممکن ان یتحول الى ساحة للصراع والنزاع الاقلیمی. کل هذه المؤشرات انما تؤکد الظروف السلبیة التی تسیطر على لبنان.
یقال ان الکیان الصهیونی هو الخاسر الرئیسی جراء التطورات فی الشرق الاوسط خلال العامین الماضیین. ترى کیف ستکون مکانة هذا الکیان فی ظل التغییرات التی اشرتم الیها؟
ان حالة اسرائیل فیما یتعلق بسوریا بالنسبة لموضوع الصحوة الاسلامیة یعتبر امرا مستثنى. فی باقی البلدان التی شهدت الصحوة الاسلامیة کانت اسرائیل هی الخاسر وتاثرت بهذه الظروف وباتت اسوأ حالا مقارنة بالماضی. اما فی سوریا ، تعتبر اسرائیل احد عناصر التغییر وتعکف على ایجاد التغییر فی سوریا وان التغییر فی هذا البلد یصب فی صالح اسرائیل. لان سوریا بلد یعارض اسرائیل، ویعتبر من ضمن محور المقاومة ، ومن انصار وحلفاء حزب الله وفی النهایة یعتبر تغییر هذه الامور عاملا یصب فی مصلحة اسرائیل. وفی الوقت الراهن تشعر اسرائیل انها باتت فی موقف استراتیجی ضیق نتیجة الصحوة الاسلامیة. ان التحدیات الامنیة على الحدود المصریة تعتبر انموذجا لذلک بالنسبة لاسرائیل. لکن ومع تطورات سوریا، یمکن لاسرائیل الخروج من نطاق الحلقة الضیقة الاستراتیجیة هذه وهذا مؤشر على ظروف جدیدة تسعى الیها اسرائیل.
وما هی توقعاتکم لمستقبل لبنان؟
ان عملیة بناء الشعب فی لبنان ضعیفة للغایة وللاسف ان الانقسام فی هذا بلد قائم. وهذا یعنی ان التلاحم فی لبنان تلاحم دینی ولیس وطنی وهذا مؤشر على وجود ارضیة داخلیة فی لبنان یمکن ان تتسبب بمشاکل بالتزامن مع تدخل العامل الخارجی. فی لبنان یعتبر احد اکبر الاضرار السیاسیة فی هذا البلد هو فقدان التلاحم الوطنی. ای نرى الان ان العدید من القوى الدولیة والغربیة وعن طریق المسیحیین، القوى الاقلیمیة وشیوخ السعودیة وعن طریق السنة لها تواجد وحضور بارز فی لبنان وهذا التواجد ونفوذ القوى المختلفة ونظرا للتعارض فیما بینها، ینعکس على لبنان. اذا کان العامل الخارجی فی لبنان یمکنه اتخاذ القرار فانه سیسهم فی زعزعة الاوضاع لذلک وبسبب هذه الارضیة نرى ان لبنان على استعداد کامل للانقسام والمواجهة. الحروب الاهلیة فی لبنان هی احدى المؤشرات الهامة التی تظهر الى ای درجة یمکن لهذا البلد ان یکون ساحة للاختلاف والتواجد السیاسی للاخرین فی لبنان. لذا فان مستقبل لبنان رهن بالظروف الداخلیة وتدخل العامل الاجنبی. اذا ما توفرت هذه الظروف الداخلیة، فان العامل الخارجی یمکنه بسهولة التدخل وتبدیل الظروف الداخلیة من ظروف ذات حد ادنى من التلاحم الى ظروف انقسام بکل معنى الکلمة.