خبراونلاین – لقد انتهج السیاسیون فی ایران ایضا وفیما یخص اقامة العلاقة مع مصر العجلة المفرطة والسرور المتسم بالسذاجة الذی لا یتناسب مع واقع الظروف الراهنة فی مصر و ادى الى تشویه المکانة الدبلوماسیة للبلاد.
مضى عدة ایام على اختتام اعمال قمة حرکة عدم الانحیاز ، لکن الاحداث التی رافقتها وحدثت على هامشها لا تزال قائمة. احدى الظواهر البارزة التی واکبت مؤتمر قمة حرکة عدم الانحیاز فی طهران هو التعاطی المتناقض لوسائل الاعلام فی استقبالها ومن ثم تودیعها لمحمد مرسی رئیس جمهوریة مصر. حیث یعرف عنا الایرانیون اننا ذوی ترحیب حسن وتودیع سئ.
فعلى اعتاب زیارة رئیس جمهوریة مصر ، تم رسم صورة لتصریحات مبالغ فیها وتوقعات بعیدة عن الواقع لنتائج وتداعیات زیارته لایران وحتى ان العدید من المحللین السیاسیین وصفوا هذه الزیارة بانها منعطف على صعید العلاقات بین ایران ومصر، وفی ختام زیارته رأینا انتهاج اسلوب حاد ولاذع من قبل وسائل الاعلام والمحللین ازاء زیارة هذه الشخصیة السیاسیة الاسلامیة لبلادنا والتی تعتبر نوعا من "التودیع الاعلامی السلبی" حیث تناولت العدید من المواقع الالکترونیة الاخباریة ووسائل الاعلام المحلیة خطاب مرسی بانتقادات لاذعة.
هذه الظاهرة التی نشهدها بعض الاحیان فی وسائل اعلامنا، هی نوع من الاعراض السلبیة او نوع من الضرر الاعلامی. بالطبع هذه الظاهرة لا ترتبط فقط بوسائل الاعلام المحلیة وربما ان المحللین والخبراء السیاسیین فی المنطقة ایضا یمثلون احد اسباب هذا الامر ومن المؤثرین فی هذه الساحة والذین ومنذ البدایة، عملوا على ایجاد نوع من التوقعات غیر الواقعیة لدى المخاطبین فما یخص زیارة رئیس الجمهوریة المصری وعندما وجدوا ان زیارة مرسی لم تلبی توقعاتهم ، واجهوا نوعا من الاحباط الذی ادى الى التعاطی السلبی الاعلامی ازاء الرئیس المصری فی ختام اعمال مؤتمر القمة.
بالطبع لا ینبغی ان ننسى ان سیاسیو البلاد ایضا وفیما یخص موضوع اقامة العلاقات مع مصر اصیبوا بنوع من العجلة المفرطة والسرور الساذج والاصرار غیر الدبلوماسی الذی لا یتناسب مع واقع الظروف الراهنة فی مصر والذی لم یتمخض عنه ای نتیجة سوى تشویه مکانة بلانا الدبلوماسیة والقاء صورة لدى البلد المقابل فی ان ایران هی التی بحاجة الى اقامة العلاقات الدبلوماسیة. فی حین ان الواقع التاریخی یظهر ان ایران استطاعت ومن دون مصر ایجاد مکانة سیاسیة مرموقة لها وانها هی مصر وبسبب طبیعة الثورة ومطالبات شعبها وفی سیاق حفظ مصالحها الوطنیة، الاسلامیة والعربیة غیرت مرکز ثقل علاقاتها نحو ایران. بالطبع لا ینبغی ان ننسى ان هذه العملیة یجب ان تتحقق تدریجیا وبهدوء ولا یجب توقع حرکة سریعة من قبل مصر بعیدة عن الواقع.
ومن خلال القاء نظرة واقعیة کان من المتوقع ومنذ البدایة ان زیارة محمد مرسی لم تکن اکثر من مجرد زیارة بروتوکولیة عادیة ترمی فقط الى نقل الرئاسة الدوریة لحرکة عدم الانحیاز من مصر الى ایران. على الرغم من هذه القضیة بحد ذاتها تحظى باهمیة بالغة لمصر وایران وان لها تداعیات ایجابیة لکن ما کان ینبغی توقع احداث تفوق هذا الامر.
للاسف تجاهل العدید من المحللین والخبراء السیاسیین فی البلاد عمق التطورات التی شهدها المجتمع المصری وتصوروا ان مرسی وباعتباره رئیس الجمهوریة الثوری یحظى بصلاحیات عدیدة وباستطاعته الخروج عن اطار سیاسة مصر الخارجیة واقامة سیاسة جدیدة. فی حین ان الکثیر من المحللین السیاسیین المخضرمین ومن ضمنهم المحللون الاسلامیون فی مصر یرون ان سیاسة مصر الخارجیة لا تزال تمضی فی اطار حکم مبارک، الرئیس المصری المخلوع، وبعبارة اکثر وضوحا لا تزال سیاسة مصر الخارجیة باقیة کما هی بعد ثورة 2011 ولم تدخل الثورة المصریة فی مجال السیاسة الخارجیة والجهاز البدلوماسی لهذا البلد.
بالطبع الهدف من هذه الرؤیة، لا یعنی رسم صورة سلبیة ومتشائمة حول مستقبل العلاقة بین البلدین. لا شک ان مصر والثورة المصریة بحاجة لمساعدة الجمهوریة الاسلامیة والشعب الایرانی لاستمراریتهما، بسبب الاواصر التاریخیة بین البلدین وشعبیهما، وان تعاطی الجانبین یعکس انهما ماضیان نحو تعزیز کل جانب للآخر. لا ننسى ان تعزیز وتطویر العلاقات بین مصر الثورة والجمهوریة الاسلامیة فی ایران على الصعید السیاسی، الاستراتیجی والجیوسیاسی امر لا بد منه. لذلک وبغض النظر عن کل هذه الوقائع فانه عاجلا او آجلا سنشهد ازدهار العلاقات الدبلوماسیة بین مصر وایران. لکن توقع تحقیق هذا الامر بین لیلة وضحاها انما یعکس فقدان الاطلاع على الظروف الراهنة لرئیس جمهوریة مصر والثورة الحدیثة الولادة فی هذا البلد.
فی الواقع لا یزال هناک صراع فی الشرائح السفلى للمجتمع المصری بین النظام الثوری الحدیث والنظام السابق الرجعی وان الغرب وبقیادة امیرکا وحلفاءها الرجعیین فی المنطقة والتیارات المتبقیة لفلول النظام المصری السابق تسعى فی الداخل الى خفض مدى تأثیر الثورة المصریة على النظام السابق والحیلولة دون ایجاد تغییرات جذریة فی المؤسسات العسکریة ومن ضمنها الجیش ووزراة الخارجیة والنظام الامنی فی هذا البلد.
وبالرغم من ان مصر، الیوم ومن الناحیة الداخلیة قد تغیرت وتم تسلیم السلطة السیاسیة فیها الى رئیس جمهوریة منتخب من قبل الشعب، لکن باقی المؤسسات المصریة سواء العسکریة، الاقتصادیة وحتى الامنیة منها لا تزال على صلة بامیرکا والکیانات الرجعیة العربیة ومن هنا لا یمکن لسیاسة مصر الخارجیة التعاطی خارج هذا الاطار وباستقلالیة. وبعبارة اخرى ، لم تتغیر مصر من الناحیة المؤسساتیة کثیرا ولذا لا یمکن توقع تغییرات جذریة فیها على صعید التعامل والتعاطی. بالطبع لا تزال الثورة فی مصر مستمرة ولا شک ان هذه التغییرات ستطال الهیکلیة المؤسساتیة وستعمل على تغییرها ومن ناحیة اخرى وعند تغییر الهیکلیة فان الاسالیب والتعاملات ستتغیر ایضا.
لا شک ان هناک تقارب فی الحوار بین الثورة المصریة والثورة الاسلامیة فی ایران وهو امر یتعارض مع الحوار مع الدول العربیة الرجعیة، والکیان الصهیونی وامیرکا ولا شک ان تقارب الحوار فی الثورة المصریة ، سیسهم فی تقریب هذا البلد من ایران. لکن هذه العملیة بحاجة الى وقت من الزمن ولا ینبغی توقع حدوث تغییرات سریعة من قبل النظام المصری.
اذا ما کنا القینا نظرة على سلوک الرئیس المصری من منطلق هذه القراءة المطلعة على الهیکلیة وتقییم زیارته لایران فی هذا الاطار ، لا شک لما کان اصابنا نوع من ذلک التناقض فی السلوک ای ذلک الاستقبال والتوقعات الکبیرة ومن ثم ذلک النوع من التودیع. للاسف ان بعض وسائل الاعلام وفیما یخص خطاب مرسی الذی لم یکن على انسجام مع مواقف الجمهوریة الاسلامیة فیما یخص بعض القضایا، انتهجت تصریحات شدیدة اللهجة ومهینة وحتى انها ذهبت الى ابعد من ذلک باعتبارها الرئیس المصری المتحدث باسم امیرکا، السعودیة والسلفیین المتطرفین وهو ما یعتبر حدیثا غیر دبلوماسی وخارج نطاق المعاییر السیاسیة الشاملة للجمهوریة الاسلامیة فی ایران على صعید ازالة التوتر واستقطاب الحد الاقصى واستبعاد الحد الادنى.
وبالرغم من انه یعتبر من الحق الطبیعی لوسائل الاعلام فی انتهاجها لمواقف انتقادیة بالنسبة للتطورات والسلوکیات والمواقف، لکن تجاوز النقد والدخول فی ساحة التعاطی المهین والغیر دبلوماسی لا یمکن ان یکون من شأن ومکانة نظام الجمهوریة الاسلامیة والاخلاق الاعلامیة.
فی الظروف التی یسعى فیها اعداء النظام الى عزلة الجمهوریة الاسلامیة فی ایران، فمن المؤسف التوجه نحو سیاسة خلق الاعداء واستخدام لهجة لاذعة ازاء رفاق الدرب. للاسف هذا النهج والنظرة السلبیة الاعلامیة لم نشهدها فقط ازاء خطاب مرسی فحسب بل وشهدناها ایضا ازاء ترکیا من قبل وسائل الاعلام فی البلاد. صحیح ان لایران نظرة انتقادیة حیال سیاسة ترکیا وبعض سلوکیات هذا البلد تتعارض مع مصالح العالم الاسلامی والمنطقة لکن وفی کل الاحوال تعتبر ترکیا احد اصدقاء وحلفاء ایران الاستراتیجیین التی لطالما وقفت الى جانب ایران فی الظروف الحساسة ، بالرغم من سعیها ومن الطبیعی انتهاج سیاسة تتماشى مع مصالح بلادها الوطنیة والافادة من الفرص لکن لیس بالضرورة على حساب خیانة حکومة وشعب ایران. لقد انتقدت ایران سیاسة ترکیا ازاء الازمة الراهنة فی سوریا وهو امر طبیعی لکن لیس من اللائق التعاطی بشکل مهین وعدائی مع بلد صدیق ومجاور لنا او مع زعمائه.
للاسف نشهد حدوث هذا الامر بالنسبة للعدید من اصدقاء ایران ومن ضمنهم الاخوان المسلمین فی مصر فیما یخص الشأن السوری الذین یختلفون فی المواقف معنا. لا ننسى ان الاخوان المسلمین حرکة اسلامیة لها علاقة تاریخیة وثیقة مع ایران ولا تزال ، وهم حزب سیاسی یلعب دورا مؤثرا فی الوقت الراهن فی محیطه القومی- العربی ، لذلک من الطبیعی ان یواجه انتقادات متعددة ، کما هو حالنا حیث لنا مواقف مختلفة عن مواقف حلفاءنا الاقلیمیین.
وفی ختام الحدیث فان الاختلاف لا ینبغی ان یؤدی الى انتهاج تعامل وسلوکیات عدائیة تبعث على الکراهیة والتسبب من خلال هذا النهج باضافة اصدقاءنا الى صف اعدائنا.
*الملحق الثقافی السابق لایران فی سوریا