وفي حوار مع «الشرق الأوسط» ، عقب مشاركته في اجتماعات الدورة الاستثنائية لوزراء خارجية «منظمة التعاون الإسلامي»؛ لبحث دعم غزة وفلسطين، قال عراقجي بشان احتمال حدوث مواجهةً جديدةً مع الكيان الاسرائيلي: "هناك احتمال لكل شيء، وطهران مستعدة لكل الظروف".
وأكد عراقجي أن طهران لا تزال على استعداد للدخول في مفاوضات عادلة ومنصفة بشأن برنامجها النووي، لافتاً إلى أن المفاوضات حالياً جارية مع الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا والمانيا وفرنسا)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحديد إطار جديد للمفاوضات.
وقال: "لدينا استعداد لخوض مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، شرط أن يطمئننا الأميركيون بأنهم لن يقدموا على أي اعتداء عسكري في أثناء المفاوضات. يجب أن نتأكد أنهم حين يأتون إلى طاولة التفاوض، فإنهم يأتون إلى مفاوضات عادلة ومنصفة تخدم مصالح الطرفين، وتُبنى على أساس المصالح المتبادلة، أما إذا كانوا يعتقدون أن ما عجزوا عن تحقيقه عبر الهجمات العسكرية يمكن أن ينجزوه من خلال المفاوضات، فلن تُعقد هذه المفاوضات".
وأضاف: "نحن لم نترك طاولة التفاوض في أي وقت، كنا في قلب المفاوضات حين شنَّ الكيان الاسرائيلي هجوماً علينا وانضمت إليه الولايات المتحدة، لذلك من المؤكد أن أي مفاوضات جديدة ـ إذا جرت ـ لن تكون مثل سابقاتها، وقد أكدتُ مراراً أن موقفنا من التفاوض غير المباشر مع أميركا لم يتغير".
وفي رده على سؤال بشأن التوتر القائم حالياً في المنطقة والتهديدات المتبادلة مع الكيان الاسرائيلي، وما إذا كنا على مشارف مواجهة جديدة، أجاب وزير الخارجية الإيراني بقوله: "هناك احتمال لكل شيء، ونحن مستعدون لأي ظروف".
واضاف: الكيان الصهيوني والولايات المتحدة خلال حرب الـ12 يوماً لم يحققا أي هدف من أهدافهما، بينما قاومت الجمهورية الإسلامية بشكل بطولي، وردَّت في الوقت نفسه على الاعتداء. لقد واصلنا ضرباتنا الصاروخية على الكيان الاسرائيلي حتى اللحظة الأخيرة، بينما كان يظن أنه قادر على التصدي لها خلال 48 ساعة".
وتابع: "بعد 12 يوماً كان الكيان الاسرائيلي هو مَن طلب وقف إطلاق النار غير المشروط، وبما أن طلبهم جاء دون شروط فقد قبلناه، وإذا أرادوا تكرار هذا السيناريو فنحن مستعدون، لكن حرب الـ12 يوماً أثبتت أن الخيار العسكري ليس خياراً ناجحاً، بل هو خيار فاشل، لذلك أستبعد أن يعيدوا التجربة، ولكن إن أقدموا عليها فسيواجهون رداً مماثلاً، بل أقوى".
*أهالي غزة لا يحتاجون إلى بيانات
أوضح عراقجي أن اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الإسلامي» بشأن التطورات في غزة، الذي عُقد بطلب من إيران وفلسطين وتركيا، شهد صدور بيانات جيدة من وزراء الخارجية، إلى جانب قرارات مهمة، مبيناً أن النقطة الأهم أن "أهالي غزة لا يحتاجون إلى بياناتنا وقراراتنا، بقدر حاجتهم إلى الدعم العملي على أرض الواقع، فهم قبل أي شيء يحتاجون إلى الطعام والمياه والأدوية، وبعد ذلك إلى السلام والعدالة وإنهاء الاحتلال".
وأضاف: "شددتُ خلال كلمتي على ضرورة أن تتخذ الدول الإسلامية خطوات عملية في هذا المجال، وعلى الدول التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني أن تبادر إلى قطع تلك العلاقات ووقف التبادل التجاري، بوصف ذلك خطوةً عمليةً يمكن المضي فيها".
وتابع: "كما يجب أن يكون للدول الإسلامية صوت واحد في الأوساط والمنظمات والمحاكم الدولية لإدانة الكيان الصهيوني، ومن الطبيعي أن أكثر من 50 دولة إسلامية، وأكثر من مليار مسلم، يمتلكون قدرات كبيرة يمكن توظيفها في دعم غزة وفلسطين".
*التقارب مع دول المنطقة
وقال الوزير عراقجي إن "الأحداث والتطورات الأخيرة، وما جرى في غزة ولبنان وسوريا، والاعتداء على إيران، أثبتت للمنطقة بأسرها أن العدو الرئيسي هو الكيان الصهيوني".
واضاف: "أعتقد أن الجميع بات يدرك أن الكيان الذي يهدد المنطقة كلها، ويسعى لأن تكون ضعيفةً ومبعثرةً ومتفرقةً، هو الكيان الصهيوني، وفي الاعتداء الأخير وقفت دول المنطقة كافة، من دون استثناء، إلى جانب إيران، وأدانت الكيان وحتى الهجوم الأميركي".
وشدَّد على أنه "خلال السنة الماضية، ومنذ تولي الحكومة الجديدة الحكم في إيران، بذلتُ جهوداً كبيرة لبناء الثقة بين طهران ودول المنطقة، الأمر نفسه كان قائماً في عهد الحكومة السابقة، لكننا عملنا على تسريع الوتيرة في حكومتنا الحالية، فقد التقيتُ شخصياً، خلال العام الماضي، الأمير محمد بن سلمان مرتين، كما شاركت مرة في لقائه مع النائب الأول للرئيس الإيراني. وأن عقد 3 لقاءات في عام واحد يُعد أمراً غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين".
وأضاف: "كذلك استأنفنا علاقاتنا مع دول أخرى في المنطقة مثل مصر والأردن وغيرهما، وأصبحت علاقاتنا الآن أكثر قرباً، ومع أن العلاقات الدبلوماسية مع مصر ليست في أعلى مستوياتها، فإن عدد اتصالاتي الهاتفية مع نظيري المصري يفوق اتصالاتي مع بقية الوزراء في المنطقة، إلى جانب اللقاءات المباشرة معه".
وقال: خلال لقاءاتي الأخيرة أصبح واضحاً لي أن دول المنطقة باتت لديها ثقة أكبر بالجمهورية الإسلامية، وأدركت مَن هو عدوها الرئيسي، كما أن لديها هواجس حقيقية إزاء التهديدات التي يطلقها الكيان الصهيوني ضدها، ونحن سنواصل المضي في هذا المسار".
*العلاقات مع مصر
وفي رده على سؤال بشأن رفع العلاقات لمستويات أعلى مع القاهرة، أجاب عراقجي بقوله: "نحن، كأي دولتين عاديتين، لدينا علاقات وتعاون، لكن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي بين بلدين يحتاج إلى وقته المناسب، ولسنا في عجلة من أمرنا، السفارتان في طهران والقاهرة تعملان حالياً تحت اسم (مكتب رعاية المصالح)، وكلا القائمَين عليهما يحمل مرتبة «سفير"، والليلة الماضية تناولت العشاء مع وزير الخارجية المصري، وتحدَّثنا لأكثر من ساعتين".
*مضيق هرمز
وفي تفسيره لبعض التصريحات الصادرة عن طهران، التي تبدو أحياناً متناقضةً؛ مثل تهديد البعض بإغلاق مضيق هرمز، وأخرى تدعو للاستقرار والأمن في الخليج الفارسي، قال عراقجي إن هذه «ليست تصريحات صادرة عن مسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإنما عن أشخاص عاديين أو صحافيين ليست لديهم أي مسؤولية، فالمجتمع الإيراني مفتوح، وأي تصريحات يمكن أن تُسمع داخله، ولو تابعتم التلفزيون الإيراني فستجدون كل ليلة مناظرات مثلا بين شخص يطالب بإغلاق مضيق هرمز، وآخر يرفض ذلك".
وتابع: "أما السياسة الرسمية للجمهورية الإسلامية فهي واضحة تماماً: نحن ندعو للسلام والهدوء في منطقة الخليج الفارسي، والسبب في ذلك جلي، فإيران، شأنها شأن السعودية ودول المنطقة، دولة منتجة ومصدّرة للنفط، ويعتمد اقتصادها بدرجة كبيرة على النفط، ولهذا من الطبيعي أن ندعو إلى السلام في الخليج الفارسي، وأن تكون الملاحة حرة للجميع، ويكون التنقل للسفن طبيعياً".
*محاولة إسرائيلية لشن حرب نفطية
وكشف وزير الخارجية الإيراني عن أنه "خلال حرب الـ12 يوماً حين استهدفت إسرائيل منشآتنا النفطية في منطقة عسلوية، أدركنا حينها أنها تريد جر الحرب إلى منطقة الخليج الفارسي، وإشعال (حرب نفطية) هناك، لكننا قمنا باستهداف المنشآت الإسرائيلية، وبذلنا أقصى جهدنا لعدم انتقال الحرب إلى الخليج الفارسي".
وقال: "أعتقد أن على الدول المطلة على جنوب الخليج الفارسي أن يكون هاجسها موجَّهاً نحو السياسة الإسرائيلية التي يمكن أن تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز وجرّ الحرب إلى المنطقة، لا أن يكون هاجسها موجَّهاً ضد إيران".
*لا نتدخل في لبنان بل نبدي آراءنا
في الملف اللبناني ورده على الاتهامات بتدخل طهران ودعم «حزب الله»، قال عراقجي: "نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبنان، لكن هذا لا يمنعنا من التعبير عن آرائنا ومواقفنا، وهذا ما تفعله الدول كافة، فالسعودية، على سبيل المثال، تعبِّر عن وجهة نظرها تجاه لبنان، ولا يُعدُّ ذلك تدخلاً. التدخل الحقيقي هو مَن يحتل الأراضي اللبنانية، أو يطرح خططاً عجيبة وغريبة لتقويض لبنان وتسليمه".
وأضاف بقوله: "أما القرار بشأن سلاح حزب الله، فيعود إلى الحزب نفسه، وقد أعلن الحزب اقتراحاً يقوم على الحوار الوطني لتحديد الاستراتيجية الأمنية للبنان بمشاركة جميع المكونات، ونحن مطمئنون إلى حقيقة واحدة: إسرائيل تريد أن تكون كل دول المنطقة ضعيفة، منزوعة السلاح، مبعثرة ومتصارعة".
وتابع: "انظروا إلى سوريا: هناك حكومة جديدة مختلفة جذرياً عن حكومة بشار الأسد، لكن إذا قارنا بينهما فسنرى أن الكيان الاسرائيلي احتل مزيداً من الأراضي السورية، وقصف كل القدرات العسكرية للحكومة الجديدة حتى لم تبقِ دبابة أو قوة عسكرية فاعلة، وهذا السيناريو يسعى الكيان الاسرائيلي إلى تنفيذه في لبنان، و(سلاح المقاومة تصدى له). صحيح تعرَّضت المقاومة خلال الأشهر الأخيرة لضربات وأضرار، ويظنون أنها أصبحت ضعيفة، ولهذا يريدون نزع سلاحها، لكن نزع سلاح حزب الله خطة إسرائيلية مائة في المائة، وأجدِّد التأكيد على أن القرار في هذا الشأن يعود إلى حزب الله، والحكومة اللبنانية، واللبنانيين أنفسهم، أما نحن فنعبِّر عن رأينا فقط".
وعبَّر عراقجي عن أمله أن "تدرك بقية دول المنطقة هذه الحقيقة، وألا تتردد في أن ما حدث في سوريا ولبنان قد يتكرر عندها. الأعداء حاولوا استهداف إيران لكنها قاومت، وندموا على فعلتهم، وكيف قاومت إيران؟ ليس بالدبلوماسية ولا بالحوار مع أميركا، بل بصواريخها. مَن يتصدى لإسرائيل القوة، وليس التهاون، ننصح دول المنطقة بألا تقدم التنازلات لإسرائيل، فكلما قُدِّمت لها تنازلات ازدادت تمدداً وجرأة، كما نراها اليوم تتحدَّث عن (خطة إسرائيل الكبرى)، والتصريحات الأخيرة لنتنياهو أثبتت أن لديه أطماعاً في سائر دول المنطقة".
*مستعدون للعمل مع السعودية في لبنان
وأوضح وزير الخارجية الإيراني أن طهران مستعدة للتعاون مع الرياض في الملف اللبناني، مشيراً إلى أن لقاءه نظيره السعودي في جدة، الأمير فيصل بن فرحان، تخلله نقاش جيد حول لبنان، واستطرد قائلاً: "نعم هناك خلاف في وجهات النظر، لكننا تحدثنا بهدوء وفي أجواء إيجابية، ونحن على استعداد لمواصلة هذا النقاش والحوار مع الجانب السعودي حتى نصل إلى نقطة يمكن أن تساعد على حلحلة هذا الملف، ليس لدي شك في أن السعودية تريد مساعدة الشعب اللبناني، ونحن كذلك، لكن الأدوات والوسائل قد تكون مختلفة، ومع ذلك، لدي كل الأمل في أن نصل إلى نقطة مشتركة بيننا".
*إيران مع وحدة سوريا... وضد تقسيمها
وقال عراقجي إن إيران لطالما أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، مبيناً أن هذه الاعتداءات «نتيجة تقديم تنازلات مفرطة للكيان الصهيوني». وقال: "موقفنا من سوريا واضح تماماً: نحن مع وحدة الأراضي السورية والحفاظ على سيادتها وحدودها، ونرفض أي مساعٍ لتقسيمها، كما أننا نريد الاستقرار والهدوء في سوريا، فقد أثبتت التجارب أنه في غياب الاستقرار يمكن أن تتحول البلاد إلى ملاذ للجماعات الإرهابية، وهذا لا يصب في مصلحة أي دولة من دول المنطقة".
ولفت إلى عدم وجود أي تواصل حتى الآن مع الحكومة السورية الجديدة. وتابع بقوله: "لسنا في عجلة من أمرنا، في أي وقت تصل فيه الحكومة الجديدة في سوريا إلى قناعة بأن العلاقات مع إيران تصب في مصلحة سوريا، حكومةً وشعباً، سنفكر عندها في الأمر".
*السعودية دولة كبرى في المنطقة والعالم الإسلامي
وأكد عراقجي أن "المملكة العربية السعودية دولة كبرى في المنطقة والعالم الإسلامي، وكذلك إيران دولة كبرى في المنطقة، عشنا معاً وسنظل نعيش لسنوات طويلة، والاستقرار في المنطقة يصب في مصلحة الجانبين. أعتقد أن الاستقرار والسلام والهدوء لن تتحقق إلا عبر التعاون بين البلدين، فإيران والسعودية قطبان مهمان في المنطقة".
كما شدَّد: "البلدان مهتمان بالإسلام ومصالح المسلمين وأمنهم، ونحن نسعى بكل الطرق لتحقيق ذلك، والتعاون بيننا يصبُّ في مصلحة العلاقات الثنائية، ومصلحة المنطقة والعالم الإسلامي، ولحسن الحظ، خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً العام الماضي، فُتحت أبواب جديدة في العلاقات بين البلدين، لكن الباب الاقتصادي لم يُفتَح بشكل كافٍ حتى الآن، وهذا يتطلب مزيداً من التخطيط المشترك".
*فرص استثمارية للسعودية في إيران
ورأى عراقجي أن الأولوية في العلاقات الاقتصادية مع السعودية تبدأ بالتبادل التجاري، مشيراً إلى أن «كثيراً من البضائع التي تصل إليكم من دول بعيدة يمكن تأمينها من إيران وهي قريبة، وكذلك كثير من احتياجاتنا يمكن أن نؤمّنها من السعودية. حجم التبادل التجاري بيننا وإحدى دول المنطقة يبلغ نحو 30 مليار دولار، وهذا دليل على أنه حتى في ظل العقوبات يمكن أن يكون بيننا حجم تبادل كبير».
وأضاف: "في إيران، هناك فرص ممتازة ومربحة للمستثمرين السعوديين، خصوصاً في قطاع النفط والغاز وسائر الصناعات، عدد سكان إيران نحو 100 مليون نسمة، كما أن موقعها الجغرافي يجعلها ممراً مهماً لآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وأوروبا عبر المحيط الهندي وميناء تشابهار".
*تفاؤل دبلوماسي
وبشأن نظرته لمستقبل المنطقة، يقول وزير الخارجية الإيراني: "الدبلوماسيون دائماً متفائلون». وتابع بقوله: «أعتقد أنه إذا تحقَّق تعاون بين دول المنطقة، خصوصاً بين إيران والسعودية، فسنشهد منطقة يسودها الاستقرار والهدوء، وتزدهر بالتقدم والتطور، وأنا أبذل كل جهودي لتتجه الدبلوماسية الإيرانية نحو هذا الهدف".
تعليقك