٠ Persons
١٤ أكتوبر ٢٠١٢ - ٠١:٤٥

د. فایز رشید



 
خبرأونلاین-نشرت الکثیر من الصحف العربیة قبل بضعة أیام أبحاثا، تحدث فیها محللون سیاسیون مصریون وعرباً، عن محاولة الرئیس محمد مرسی استعادة دور مصر فی العالم العربی، والمنطقة والعالم. ذلک أن مرسی وخلال فترة قصیرة نسبیاً زار السعودیة وشارک فی قمة دول عدم الإنحیاز فی طهران، وقام بزیارات إلى بکین ونیویورک وأنقره، وربما سیزور قریباً غیرها.أیضاً الرئیس مرسی شکى فی تصریح له من 'تهمیش دور مصر' الذی لا یتناسب مع حجمها السؤال هو: هل یستطیع مرسی استعادة دور مصر العربی والمناطقی والدولی؟ بموضوعیة سنحاول الأجابة عن هذا التساؤل وبعیداً عن الأهواء، ونقول:
إن الدور المصری عربیاً وإفریقیاً ودولیاً تعزز فی عهد الرئیس عبد الناصر، وکان فی أوجه. هذا الدور الذی اســـتهزأ فیه مرسی من عبدالناصر، بطریقة غیر مباشرة ، عـــندما خاطب سامعیه فی خطاب له قائــــلا: 'تذکـــرون أوضاع مصر فی الخمسینیات والستینیات، وما أدراک ما الستینیات'. مرسی فی خطابه بمناسبة الذکرى التاسعة والثلاثین لحرب أوکتوبر لم یتطرق الى الأمة العربیة لا من قریب أو من بعید . کذلک لم یتحدث عن افریقیا. هذا الدور لعبدالناصر لم یأتِ صدفةً، وإنما لأن الرئیس الراحل کان وطنیُا مصریاً وقومیاً عربیاً بامتیاز، وقائدا دولیا .صنع عبدالناصر لمصر الکثیر وغیّر فیها فی المجالات المختلفة ما لم یستطع أحد إنکاره.
عربیاً ومناطقیا : تبنى عبدالناصر القضایا الوطنیة العربیة وأبرزها قضیة فلسطین،أعاد للأمة العربیة کبریاءها، ودافع عن الأمة العربیة من المحیط إلى الخلیج،عبّر عن نبض الجماهیر العربیة.فی مواقفه السیاسیة اندغم مع ما تراه الجماهیر العربیة، ولذلک کان التماهی کبیراً بین الزعیم وأمته.اتخذ سیاسات وطنیة تقدمیة من کل القضایا العربیة والدولیة. تبنى حرکات التحرر الوطنی فی إفریقیا وآسیا وأمریکا اللاتینیة.إسرائیل بالنسبة إلیه ولسیاساته کانت عدواً لیس للفلسطینیین فحسب وإنما لمصر وکل الدول العربیة ولأمتنا جمعاء ولکل ما هو إنسانی.
دولیاً:ساهم فی إنجاز حرکة عدم الإنحیاز، ووقف ضد الولایات المتحدة والدول الغربیة المنحازة لإسرائیل والتی هی ضد الأمة العربیة وضد وحدتها. نسج أفضل العلاقات مع دول القطب العالمی الثانی. نال احترام زعماء غالبیة الدول .استطاع أن یبنی علاقات عنوانها الندیة ومصلحة مصر والمواطن العربی مع الدول التی احترمت العرب ومصالحهم وقضایاهم. ناضل من أجل الوحدة العربیة وهو حلم الجماهیر العربیة من المحیط إلى الخلیج. هذا غیض من فیض من تراث جمال عبد الناصر. کل هذه القضایا صنعت له الکاریزما وجعلت منه الأسطورة والمارد وبطل الجماهیر العربیة.
الرئیس مرسی وخلال فترة قصیرة من حکمه بیّن خطوط وجوهر سیاساته العربیة والدولیة وعلى صعید المنطقة أیضاً.الرئیس مرسی محکوم بأیدیولوجیا ومواقف حزب الحریة والعدالة (الإخوان المسلمون) من کافة القضایا العربیة، فمثلاً فی الشأن السوری جعل همه الرئیسی: إسقاط النظام. الأجدر بمن یرید أن یصبح (زعیماً) للأمة العربیة أن یکون حله للأزمات على الصعید العربی، شمولیاً وواسعاً ولا یقف إلى جانب طرف دون آخر. کان علیه أن یدعو للحل السیاسی بین أطراف الصراع فی سوریا، لمنع تقسیم هذا البلد ولإبعاده عن شبح الأصولیة والتطرف. فی خطابه بذکرى حرب أوکتوبر، وفی نهایة الخطاب تحدیدا: أشار الى عبور الشعب السوری فی الحرب، لم یتحدث عن دور الجیش السوری فی القتال. وغیرها وغیرها من القضایا العربیة وعلى ذلک قِسْ.
على صعید المنطقة: اتخذ مرسی دوراً سلبیاً من إیران. ورغم زیارته لها، لم یعمل على إعادة العلاقات الدبلوماسیة لمصر معها. إیران جارة للدول العربیة وهی دولة إسلامیة ایضاً،وإحدى القوى المرشحة للعب دور أساسی لیس على صعید المنطقة فحسب وإنما على الصعید الدولی. هی تجاهر بعدائها لإسرائیبل ووقوفها مع الحقوق الوطنیة الفلسطینیة والأخرى العربیة وهی دولة مجابهة للمخططات الأمریکیة والإسرائیلیة للمنطقة.
المجتمع الدولی یرید منعها من إنتاج الطاقة النوویة للأغراض السلمیة، بینما إسرائیل تمتلک ما یزید عن (400) رأس نووی. الأجدر بمرسی ومن أجل أستعادة دور مصر أن یرفع من درجة الصداقة والتحالفات مع إیران، ولیس انتهاج العکس.
على صعید المنطقة أیضاً: لأن حـــزب التنمیـــة والعدالة (النسخة الکربونیة) للإخوان المسلـــمین فی مصـــر والعالم العربی) هو الذی یتسلم الحکم فی ترکیا، فمرسی مع سیاسات هذا الحزب جملة وتفصیلاً، سواء اً کانت هذه السیاسات ظالمة أو مظلومة. حتى اللحظة هناک اتفاقیات اقتصادیة وعسکریة متطورة بین ترکیا وإسرائیل. ترکیا ما تزال قاعدة للحلف الأطلسی. القواعد الأمریکیة ما تزال فی ترکیا. معظم قادة المعارضة الترکیة مسجونون.وغیر ذلک من القضایا.
بالرغم من ذلک یرى مرسی فی أردوغان: مُلهماً وقائداً عالمیاً، وأن مصر بحاجة إلى خبراته والى النصائح الترکیة فیما یتعلق بالسیاسات.دعونا نقرأ ما جاء فی خطابه فی المؤتمر الأخیر لحزب التنمیة والعدالة فی ترکیا، والذی شارک مرسی فی أعماله (رئیس دولة هی أکبر دولة عربیة یشارک فی أعمال مؤتمر حزبی!؟ تصوروا هذا التصغیر والتقزیم لدور مصر!!) یقول مرسی مخاطباً أردوغان والمؤتمر '.... لا یزال عالمنا العربی والربیع العربی للثورات یحتاج (إلیکم) وإلى (دعمکم) ، فما بعد الثورات والانتقال بالسلطة إلى الاستقرار، لا یقل أهمیة عن الثورات نفسها، مواقفکم بجانب هذه الثورات أمر ضروری....) إلى أقوال أخرى من هذا القبیل، ثم قام بمبایعة أردوغان زعیماً للعالم الإسلامی. کان الأجدر برئیس مصر أن یکون هو الزعیم للعالم الأسلامی. هذا إن ینم عن شیء فإنما عن الشعور بالدونیة الشدیدة، والمسألة الأخیرة لا تصنع دوراً کبیراً لمصر، ولا تؤدی إلى زعامة رئیسها، بل تتناقض مع هذه المفاهیم.
موقف مرسی من أمریکا والغرب ینبع من الحرص على العلاقة معهما والاحترام لهما، أیّاً کان مدى انحیازهما لإسرائیل وتعامیهما عن رؤیة الحقوق الفلسطینیة والعربیة، وأیّاً کانت عداوة مواقفهما للقضایا العربیة. موقف مرسی من إسرائیل واضح: الحرص على معاهدة کمب دیفید معها، أیّاً کان استیطانها، وتهویدها للقدس وجرائمها ضد الفلسطینیین والعرب. معبر رفح للعلم ما زال یعمل وفقاً للنظام الذی اختطه عهد حسنی مبارک.
أما ثالثة الأثافی، فهی تجاهل مرسی وحزبه لذکرى وفاة عبد الناصر تجاهلا تاما، والقرار الذی أصدره 'بمنح الرئیس الأسبق محمد أنور السادات': قلادة النیل العظمى ووسام نجمة الشرف، تقدیراً لقراره التاریخی فی حرب أکتوبر 1973. لم ولا یدرک مرسی أن السادات أرادها حرباً تحریکیة لا تحریریة، وإن السادات هو الذی انجز معاهدة کمب دیفید مع إسرائیل،هذه التی أزاحت مصر عن دورها العربی.
فی الختام نقول: من الاستحالة بمکـــان على الرئیس مرسی بسیاساته، استعادة دور مصر عربیاً ومناطقیاً ودولیاً.
 
' کاتب فلسطینی

رمز الخبر 183409