خبراونلاین – یرى حجة الاسلام والمسلمین الدکتور محمد مسجد جامعی فی تصریح له لموقع خبراونلاین: ان التعامل مع مصر الجدیدة اکثر صعوبة من مصر ابان عهد حسنی مبارک وینبغی الاخذ بعین الاعتبار لعدة امور دقیقة على هذا الصعید.

 

محمدرضا نوروزبور
تعتبر مصر بالنسبة لایران مصدرا للخیال والالهام. واسهم  اسقاط الدیکتاتور المقتدر لهذا البلد من خلال الثورة الشعبیة عام 2011 وصعود حکومة شعبیة واسلامیة بزعامة مرسی فی اعراب مسؤولی بلادنا عن رغبتهم فی ایجاد علاقة مع القاهرة. لا شک ان ایران ومصر لهما العدید من الاوجه السیاسیة، الثقافیة والاجتماعیة المشترکة وکلاهما یتطلع الى معانقة دبلوماسیی الجانب الآخر لکن هناک العدید من الامور التی ینبغی الاخذ بها فی هذا المضمار تجنبا لتبدیل الشوق والرغبة الى برودة واستیاء وضجر. وفی هذا السیاق اجرى موقع خبراونلاین مقابلة مع حجة الاسلام والمسلمین الدکتور محمد مسجد جامعی الحائز على شهادة الدکتوراه الجیوسیاسیة من جامعة بیزا الایطالیة لیحدثنا عن مجمل هذه القضایا التی یرى فیها ان التعامل مع مصر الجدیدة اصعب من مصر عهد مبارک ویعتبر ان هناک حاجة للاخذ بالعدید من الامور بغیة المضی فی هذا الطریق.
لقد اعتبرتم فی حوار سابق معکم ان نوع الاحداث فی مصر یختلف کلیا عن باقی البلدان. ترى ما هی الخصائص الدخیلة فی النظر الى مصر بصورة مختلفة؟
فی الاساس یعتبر سقوط مبارک قضیة فی غایة الاهمیة وبعبارة اخرى موضوع ایجابی جدا. ان سقوط مبارک یختلف عن سقوط بن علی والقذافی. فی هذین البلدین تم اسقاط زعیمی بلدین فحسب، اما فی مصر فلم یقف الامر عند هذا الحد. لان مصر والى حد ما مبارک نفسه ینفردان بخصائص اسهمت فی وجود هذا الاختلاف.
وما هی هذه الخصائص؟
اولها دولة مصر، موقعها الجیواستراتیجی وانها کانت على الدوام تعتبر اکثر الدول کثافة سکانیة واهم بلد عربی من الناحیة التاریخیة والثقافیة. من ناحیة اخرى ترتبط المسألة بمبارک نفسه الذی استطاع ان یکون متحدثا باسم العالم العربی امام العالم الغیر عربی. حیث و اوئل عقد ال 90 لاسیما عقب احتلال الکویت من قبل صدام وتحریریها خلال حرب الخلیج الفارسی الاولى کان مبارک بمثابة الشخصیة الهامة فی العالم العربی التی تختلف اختلافا کبیرا عن منافسیها. حیث تلقت دول الخلیج ضربة قاسیة اثر هذه الحرب وکانت ترغب بزعیم متعادل من وجهة نظرها یکون فاعلا على الساحة الدولیة وله مکانة مقبولة الامر الذی وجدوه فی مبارک. کما ان مصر دخلت الى الساحة من جدید عقب العزلة التی کانت تعانیها جراء اتفاقیة کامب دیفید. لذلک نرى ان العالم العربی ومنذ التسعینیات وحتى سقوط مبارک کان یعیش وضعا متکتلا ، وان سقوط مبارک یعنی سقوط مجموعة باکملها وهو امر فی غایة الاهمیة. ونرى ان مسعى السعودیة للحیلولة دون اسقاط مبارک انما اتى بسبب الحفاظ على البنیة التی تم ایجادها من خلاله، بنیة اعتادوا علیها على مدى عقدین وشعروا من خلالها بالامان والاستقرار.
وما هو تقییمکم لصعود الاسلامیین عقب مبارک؟
ان مجئ الاسلامیین لیس بالدرجة الاولى من الاهمیة. اساس الامر ان هذه المجموعة تفککت الى حد کبیر وان موت عمر سلیمان المشبوه، یقع ایضا ضمن هذا الاطار لانه کان متواجدا فی قلب وعمق هذه الشبکة الامنیة، السیاسیة والدولیة. ای فی الشبکة التی اوجدها مبارک منذ التسعینیات والتی کانت ذات طابع امنی بالکامل وکان سلیمان مطلع على کامل تفاصیلها. ان موته محفوف بشبهات کثیرة لا سیما انه کان شخصا فی صحة جیدة ولا وجود لایة تقاریر تحکی عن معاناته من ای مرض.
اذن فانتم تعتبرون سقوط مبارک اهم من صعود الاسلامیین؟
نعم ان سقوط مبارک وانهاء هذه الشبکة یحظى باهمیة اکبر فی الدرجة الاولى. لقد شهدت المنطقة على مدى عقدین وجود شبکة مقتدرة امنیة، سیاسیة ودولیة واقلیمیة فی سیاق الحفاظ على اسرائیل وتسویق سیاسة عربیة یمینة. وهو ما مهد الارضیة للعدید من المشاکل ، ان بروز الافکار المتطرفة الخطیرة بین الاسلامین هی احدى تداعیات هذه الشبکة. لا یمکن ان تجدوا على مر التاریخ وجود افکار تشجع على قتل الآخرین بابشع الطرق والاسالیب مثلما شهدناها خلال هذین العقدین. حیث راینا اشخاصا یفجرون انفسهم بین النساء والاطفال والشیوخ وهم یطلقون هتافات الله اکبر وکذا الحال حین یقطعون رؤوس الناس. للاسف یقبع خلف هذه الافعال ایدیولوجیة وعقیدة ذات تأثیر کبیر ، یقع جزء کبیر من الذنب على عاتقها.
من هنا فانتم ترون صعود الاسلامیین فی الدرجة الثانیة من الاهمیة. ترى ما هو تقییمکم للاحداث عقب سقوط مبارک؟
اولا ینبغی هنا تقدیم تقدیرات واقعیة لصعود الاسلامیین. لان مجرد صعود مجموعة اسلامیة لیس بالامر الایجابی. القضیة تکمن فی ای اسلام واسلامیین وبایة خصائص صعدوا الى الساحة. ثانیا مدى جدیة فوز الاسلامیین فی مصر والى ای مدى یمکن بسط هذه الجدیة. اذا ما عدنا الى الایام الاولى من الثورة المصریة نرى ان قصة میدان التحریر والنواة الاولى التی ذهبت الى المیدان وکسرت اجواء الرعب والکبت لنظام مبارک وقاومت لم تکن المجموعات الاسلامیة، ولیست الاخوان. بل کانوا جیل الشباب المصری الذین اعلنوا عن تاثرهم بشباب بلغراد الذین اطاحوا ب "میلوسوفیتش". ومن ثم التحق بهم الاخوان وباقی القوى.
ولتحدثنا عن جذور الثورة المصریة.
اتجاوز هنا الاحداث التی اعقبت سقوط مبارک واشیر الى الانتخابات البرلمانیة فی مصر. ان ما حدث خلالها لم یکن بالامر العادی. کان المجتمع المصری ملتهبا وکان یعول الکثیر على القوى الاسلامیة ومتفاءلا بها حسب قولها. لم یکن الکثیر من الناس على اطلاع بخصائص الاسلامیین، لذا راینا ان الاسلامیین لا سیما السلفیین حصدوا اصواتا عالیة وفازوا بالانتخابات. لکن وقعت احداث قبیل الانتخابات الرئاسیة المصریة واعلان فوز محمد مرسی اسهمت فی اعادة الشعب المصری لنظرته فی الانتخاب. خلال هذه الفترة اطلقت القوى الاسلامیة التی شقت طریقها الى البرلمان تصریحات وقامت بافعال تسببت فی قلق ورعب المجتمع المصری. وافضل وثیقة تؤکد هذا هو فوز مرسی بنسبة 52 فی انتخابات رئاسة الجمهوریة بینما حصلت القوى الاسلامیة على 80 بالمئة من نسبة الاصوات فی البرلمان. ان هذا الفارق له معنى کبیر وواضح. وهو ان اصوات الاسلامیین شهدت سقوطا بلغ نسبة 30 بالمئة. وهذا یظهر تخلی العدید من الموطنین عن القوى الاسلامیة بسبب نهجها الذی لمسوه خلال الفترة بین الانتخابات البرلمانیة والرئاسیة. وهو ما اسهم فی منح شفیق نسبة 48 بالمئة من الاصوات بسبب معارضة عامة الشعب لمرسی ولنهج الاسلامیین. لذا ینبغی ان تکون لنا تقدیرات حقیقیة وملموسة لنفوذ الاسلامیین فی مصر.
اذن لو کان منافس مرسی شخصیة علمانیة ذات وجاهة لا تتسم بوصمة عار التعاون مع النظام السابق لکانت حققت الفوز على مرسی؟
یبدو الامر کذلک. بالطبع هناک تقاریر تحکی ان المجلس العسکری منح رأیه لمرسی لاجتناب الاضطرابات التی کان من الممکن ان تحدث مثلما حدث فی الجزائر خلال عقد التسعینیات. بالطبع هذه التقاریر لا تتسم بالصحة، لکن حقیقة الاوضاع فی مصر کانت تذهب نحو انتخاب اسلامی لتهدئة الامور.
ان نظام مصر حتى ابان عهد مبارک کان یخشى حدوث انقسام دینی داخلی ، وهو امر تصاعد خلال عهد مصر الجدیدة، وسببه هو الانفتاح الامنی فی المجتمع المصری وثانیا ان القادة الجدد فی مصر یتمیزون بطابعهم الدینی. لذا فی ظل هذه الاجواء التی یمثل فیها الانقسام الدینی تحدیا امنیا لبلد ما، یمکن ان یکون التقارب الکبیر بین ایران ومصر امرا فی غایة الخطورة.
وما هو تقییمکم لنهج الاسلامیین فی السلطة؟
هناک امران على هذا الصعید. الاول سیاستهم الداخلیة وکیفیة تعاطیهم مع الشرائح الاجتماعیة المختلفة فی مصر لا سیما الاقباط الذین یشکلون نسبة کبیرة وهناک موضوع التلاحم والوحدة الاجتماعیة والحفاظ علیها وتاثیرها على السیاسة الخارجیة. اما فیما یخص السیاسة الخارجیة ، فان مصر تتعاطى فی اطار مصالحها الجیوسیاسیة. ان مصر الجدیدة لها جیوسیاستها الخاصة بها التی تختلف عن مصر عبد الناصر، السادات ومبارک. وبالطبع هناک اوجه شبه متعددة بین هذه العهود لکنها لیست متطابقة الى حد کبیر. فی مصر الجدیدة تخضع الجیوسیاسیة هذه الى خصائص النظام الحاکم. وبالرغم من ان مرسی یقول انه لکل المصریین وانه سیدیر دفة شؤون البلاد بعیدا عن التوجهات الحزبیة الاخوانیة، لکن تأثیر الاخوان فی سیاسة مصر الخارجیة سیکون کبیرا.

وهل یعنی هذا انه سیکون لهم توجهات خاصة فی سیاستهم الخارجیة؟
ان الاخوان ومن الناحیة التاریخیة وحتى الایدیولوجیة لطالما کانوا مقربین من السعودیین ودول منطقة الخلیج الفارسی الغنیة ولا یزالون. عقب توتر علاقاتهم مع عبد الناصر واعلان ملاحقتهم هرب العدید من النخبة منهم الى هذه الدول او هاجروا. ان هروب وهجرة الاخوان الى دول الخلیج الفارسی عاد علیهم بالمنفعة لانهم اصبحوا من اهم عناصر الحداثة فی هذه الدول الغنیة. حیث نرى ان العدید من المؤسسات الدینیة التعلیمیة، الجامعات، المؤسسات الثقافیة والخدمیة والانمائیة والبناء والتجارة وضعت اسسها من قبل الاخوان او بمساعدة منهم ومشارکتهم للسکان المحلیین. کما تم ترویج عقیدة "تطبیق الشریعة" من قبلهم فی مجتمعات بلدان الخلیج الفارسی العربیة. لذا نرى مصر تعتبر نفسها الحارس لمصالح العرب. هذا الامر بلغ ذروته ابان عهد عبد الناصر لکنه شهد نزولا ابان عهد السادات ومن ثم صعد من جدید خلال عهد مبارک ولا شک ان موضوع الدفاع عن المصالح العربیة لن یکون اقل اهمیة فی سیاسة مصر الخارجیة الجدیدة من عهد مبارک.
اشرتم فی حوار سابق الى ان علاقات مصر والسعودیة تتوسع فی صالح الاخیرة. اذا ما ارادت مصر الجدیدة الدفاع عن المصالح العربیة الن تواجه عرقلة سعودیة؟
کما قلت سابقا کانت مصر قبل سقوط مبارک المتحدث الرسمی للعالم العربی وهو ما قبل به السعودیون. اما فی ظل الظروف الراهنة ترى السعودیة مصر فی مرتبة متدنیة عن مصر السابقة وستتقبلها بشکل محدود یخضع للسیطرة. لذا نرى السعودیون یبذلون المساعی للعمل بنشاط اکبر فی مجال السیاسة الاقلیمیة والعربیة عما سبق وهم یستخدمون العلاقة مع مصر بافضل شکل ممکن لتحقیق هذا الغرض.
لقد تم تعدیل التوجه الاسلامی مقارنة بالفترة التی سبقت الانتخابات البرلمانیة وکما سیتم تعدیله اکثر، سوف یتوصلون الى نوع من التوازن مع القوى الاجتماعیة فی الساحة وسیعملون فی مجال السیاسة الخارجیة فی اطار مصالح مصر بالرغم من امکانیة ان یکون لذلک صورة اسلامیة. هذا التیار من الممکن ان یضع مصر فی صراع دینی معنا. وان منشأ هذا الصراع هو الواقع الجیوسیاسی الذی من المرجح اتخاذه طابعا اسلامیا.
یعتقد بعض الخبراء ان صعود نظام اسلامی فی مصر سیسفر عن تقارب بین البلدین ایران ومصر فیما یرى البعض الآخر بانه سیسفر عن عکس ذلک ویعتقدون انه ونظرا لاوضاع المنظقة ، ان التقارب سیکون اکبر بین ترکیا ، مصر والسعودیة ضد ایران. ترى کیف سیکون تعاطی مصر الجدیدة مع ایران؟
فیما یخص تعاطی مصر مع ایران ربما ینبغی الاشارة هنا الى سیاسة مصر ابان عهد مبارک ازاء ایران. لقد استخدم مبارک ورقة ایران کثیرا سیاسا ودولیا واستطاع تبوء مکانة خاصة بین العرب والغرب جراء ذلک. ای ان العلاقة تم تنظیمها بصورة تعود بالمصلحة على مصر من قبل الغرب لا سیما امیرکا. کلما تدهورت علاقة الغرب مع مصر تقربوا الى ایران ما ادى الى رعب الغرب. لقد جعلوا من انفسهم عاملا لاستتباب الامن فی المنطقة من خلال تشویه صورة ایران ، لقد کانوا یطلقون التصریحات حول رفع مستوى العلاقة مع ایران وتبادل السفراء وکانوا فی الحقیقة یبتزون الغرب وکافة الدول العربیة من خلال هذه التصریحات. اما فی مصر الجدیدة فلا مکان لهذه الامور. لانها لا تعتبر نفسها حارس مصالح الغرب.
اولا ان ایران بلد یتمتع بامکانیات متعددة اکثر من مصر. لذا فهی لها وضعها الجیوسیاسی ومصالحها الخاصة بها. وان بعضا من هذه المصالح تشترک فیها مع مصر خاصة فی منطقة  الخلیج الفارسی وسواحل البحر الابیض. ثانیا ان النظام المصری ومنذ عهد مبارک یخشى وقوع انشقاق دینی داخلی. وهذه الخشیة هی اکثر بکثیر خلال العهد الجدید، وسبب ذلک هو اجواء الانفتاح الامنی فی المجتمع المصری وثانیا وجود زعماء ذوو طابع دینی فی مصر الجدیدة. لذلک یمثل الانقسام الدینی هنا تحدیا امنیا وان التقارب الکبیر مع ایران من الممکن ان یکون فی غایة الخطورة. انهم لا یوافقون وجود اناس فی المجتمع یمیلون نحو الشیعة خاصة ان عامة الناس فی مصر لدیهم الرغبة لاسباب تاریخیة ونفسیة للاطلاع على التعالیم الدینیة للتشیع. لکن هذا التیار فی مصر الجدیدة یعتبر خطرا وتحدیا امنیا داخلیا.
التحدی الثالث الکبیر هو انه وعقب الربیع العربی لاسیما الاضطرابات فی البحرین وسوریا شهدت المنطقة ظهور تکتلات وحالة من الاستقطاب. هنا نجد ایران وحلفاءها فی جانب ممن هم من شیعة العراق ، البحرین ، المنطقة الشرقیة فی السعودیة العلویین فی سوریا والحوثیین فی الیمن. وفی الجهة المقابلة اهل السنة بزعامة السعودیة. وللاسف نجد مصر الجدیدة لیست بمنأى عن هذا التکتل وتقوم بتعیین مسار سیاستها وفقا لاطار هذه الاقطاب.

من هذا المنطلق یبدو انک غیر متفاءل کثیرا ازاء ایجاد علاقات جیدة بین مصر وایران؟
لیس الموضوع حول التفاؤل او التشاؤم. الموضوع هو تغییر الظروف التی یصب جزء منها فی صالحنا بشکل کبیر والجزء الآخر اذا ما رافقه التدبیر والحکمة یمکن ایضا ان یصب فی صالحنا ایضا. کما قلت آنفا ان سقوط مبارک وشبکته یمثل فرصة لنا ینبغی اغتنامها. مصر الجدیدة تمثل مصدر توتر اکبر لنا من مصر السابقة. ان مستوى علاقات منخفض افضل من مستوى اعلى یرافقه التوتر. الموضوع هو ان التعامل مع مصر الجدیدة اصعب بکثیر من التعامل مع مصر عهد مبارک، واکثر هشاشة وحساسیة وهنا ینبغی توخی التدبیر والحکمة.

برأیکم کیف یمکن التصرف هنا؟
کما اشرت ینبغی الاخذ بعین الاعتبار اننا ومصر کل منا بلد، له مصالحه التی من الممکن ان تتعارض مع بعضها جزئیا. وهذا لیس مؤشرا على ان نتعامل مع بعضنا البعض من منطلق العداء. ان عامة الدول الکبرى فی العالم تتعارض مصالحها فیما بینها وهو موضوع عادی حتى اننا نرى هذه القضیة بین القوى الاقلیمیة. لکن بامکاننا ادارة هذا الصراع بشکل صحیح وخفضه والعمل على اجتناب ظهوره بشکل علنی وملموس. لان اتضاح معالم الصراع والافصاح عنها فی ظل الظروف الراهنة لا یصب فی صالحنا ولا صالح الجانب المقابل ولا العالم الاسلامی باکمله.

هل صحیح ان رغبتنا نحن الایرانیین فی ایجاد العلاقة اکثر من المصریین؟ لذلک نرى توجیه اتهامات لبعض الشخصیات السیاسیة الایرانیة بانها من انصار مصر بسبب تعاطیها مع هذا البلد؟ الا تعتقد ان سیاسی بلادنا مسحورون کثیرا بمصر؟
 هذه حقیقة لا ترتبط بالظروف الراهنة. فی التاریخ المعاصر کان هناک اشخاص فی ایران لم یکن لهم توجه اسلامی کانوا عامة ما یمیلون الى الغرب واما اولئک ذوو الطابع الاسلامی فکانوا یتوجهون نحو مصر. هذا التیار لا یزال مستمرا. فی زمن فاروق 1952 وخلال رئاسة وزراء نحاس باشا، عندما عاد مصدق من الامم المتحدة ذهب الى مصر وحظی باستقبال لا مثیل له یدعو للدهشة ویعرف ان تامیم قناة السویس استلهم من مبادرة تامیم النفط فی ایران. على کل هناک نظرة ایجابیة لدى المصریین ازاء ایران.

وهناک موضوع آخر هو ان النظام الجدید فی مصر بحاجة الى النضج وینبغی التزام الصبر حتى یبلغ النضج الکافی. لا ینبغی ان نتوقع من هکذا نظام اتخاذ اجراءات سریعة وبعبارة اخرى ثوریة. حیث ان هناک قیودا تفرض نفسها على هذا النظام. وکما قلت سابقا ان قضیة سوریا تلقی بظلالها على هذه العلاقة فی الوقت الراهن.

ترى ما هی جذور واسباب انبهار الایرانیین بمصر؟
ان جذور ذلک تعود غالبیتها الى التاریخ المعاصر. اولا هذا لا یتعلق بکافة الایرانیین واغلبه یتعلق بالجماعات الدینیة الایرانیة. ربما اهم اسباب هذا هو ان مصر کانت من رواد البلدان العربیة فی مجال النهضة العلمیة والثقافیة فی العهد الجدید.
وهذا له حکایة تعود الى غزو نابلیون لمصر فی 1798 والذی لم یکن مجرد هجوم عسکری. حیث رافقه عدد کبیر من علماء الآثار ومعدات الطباعة الى مصر. واقام الفرنسیون حینها معرضا ضخما بالقاهرة. ان هذا الغزو فتح ابواب مصر على العالم الجدید. عقب ذلک وفی 1802 انشق محمد علی باشا الذی کان من القادة العثمانیین ذو اصل البانی واعلن استقلاله عن الامبراطوریة العثمانیة. حینها دخلت مصر فی تاریخ جدید واصبح لها مناسبات مع اوروبا الجنوبیة لا سیما فرنسا وایطالیا. اتى العدید منهم الى مصر وذهب العدید من المصریین الى اوروبا وتم افتتاح مطبعة بولاق، وتم ترجمة الکتب وفی کل الاحوال فتحت مصر مصراعیها امام العالم الجدید. منذ ذلک الحین وصلت العدید من الکتب المترجمة والمؤلفة الى ایران والعراق وهو ما مهد الارضیة امام تبوأ مصر مکانة المرکز العلمی والثقافی والادبی والحضاری. عقب فترة الحرب العالمیة الثانیة ترجمت العدید من کتب المؤلفین المصریین الى اللغة الفارسیة ما عزز الصورة لدى الشریحة الدینیة فی ایران حول مصر. العامل الرئیسی هنا کان الشریحة المثقفة فی ایران التی کانت على معرفة باللغة العربیة وعقب تطورات القرن العشرین وتواجد السید جمال الدین اسد آبادی فی مصر وطلابه واتباعه واثر التطورات التی شهدتها مصر طلبا للاستقلال وتطورات زمن عبد الناصر کل هذه الامور اسهمت فی تعزیز الصورة المرسومة عن مصر فی الاذهان.

یرى البعض ان ایران وقعت فی خطر محاصرة الاخوان المسلمین. ترى ما مدى صحة هذا الکلام؟
ان موضوع ذهاب تطورات المنطقة نحو صعود الاسلامیین واقتدارهم امر صحیح لکن الامر الذی یفتقد الى الصحة هو محاصرة ایران ام عدمها. ان لکلمة محاصرة طابع سلبی. انهم قوى اسلامیة لها حساسیاتها وتجاربها الخاصة بها  ینبغی التعاطی معهم من هذا المنطلق. یمکن ان تکون لنا علاقة جیدة معهم. لا ینبغی خلط الامور. ای ان قضیة سوریا لا ینبغی ان تمثل عائقا امام ایجاد علاقة فاعلة مع هیکلیة تتسم بتنظیم من اکثر القوى الاسلامیة نفوذا وتدینا. یمکن ایجاد علاقة جیدة معهم دون تغییر موقفنا من سوریا. ان المشکلة التی تعانی منها المنطقة هی الرغبة القلیلة لاجراء مباحثات جادة وصریحة. تصریحاتنا دائما تاتی فی اطار المجاملات التی لا طائل منها. نحن نعیش فی عالم مضطرون فیه الى اجراء حوار مباشر، صریح وشفاف ، ان الاوضاع بغایة الجدیة التی لا تحتمل تسویة القضایا من خلال المجاملات. ینبغی علینا التعامل مع الاخوان ولا شک ان ذلک سیحظى بترحیبهم. حتى یمکن القول ان التعاون مع الاخوان سیسهم فی خفض تیار التوجه الطائفی الخطیر. ان التعاون مع الاخوان سیعود بالمنفعة بشکل اکبر مما هو علیه من التعاون مع الانظمة العربیة.