خبرأونلاین-من یزور (طهران) لا یحس ولا یرى أو على الأقل لا یتولد لدیها أو لدیه إنطباع أن البلد مفروضة علیه عقوبات إقتصادیة هائلة، یمکن أن تشل أی دولة مهما کانت کبرى. فنادق طهران والمدن الکبرى کأصفهان وشیراز ومشهد وکاشان ملأى بل تعج بالکوریین جنوبیین وشمالیین وصینیین ونرویجیین. هذه الجنسیات ما رأیتها شخصیا، وثمة جنسیات أوروبیة غربیة وشرقیة وإسکندنافیة وآسیویة وإفریقیة بعشرات الآلاف، کما نقل لی کثیر من الزائرین لطهران. معارضها خلایا نحل لا تهدأ فلا یکاد ینتهی معرض حتى یبدأ آخر. تتنوع المعروضات من صناعیة إلى زراعیة إلى تکنولوجیة وغذائیة ومنسوجات وألبسة، تعرضها شرکات خارجیة کبرى وأخرى داخلیة. أسواق طهران وغیرها لا یکاد یجد المرء موطىء قدم فیها. البضائع فیها کثیرة ومتنوعة جدا وبجودة عالیة وبأسعار مناسبة ولاسیما للزائر أو السائح. مصنع الفولاذ أعجوبة رغم الحصار الإقتصادی الأمریکی الأوروبی. لا یعمل فی هذا المصنع سوى خمسین موظفا وعاملاً لأنه مُمَکننٌ بالکامل. ولا یقل عنه أعجوبة مصنع السیارات، ناهیکم عن مفاعلات إیران النوویة وقدراتها على تخصیب الیورانیوم والتی قطعت فیه أشواطا بعیدة، بغض النظر عن جدلیة طبیعة برامجها النوویة، أسلمیة أم حربیة؟ وهذه ما یبدو ما جرت على إیران العقوبات الأمریکیة والأوروبیة والعداء مع الغرب الموجه حسب کثیرین من الإیباک واللوبیات الصهیونیة الیهودیة الإسرائیلیة، وهی التی تتحکم فی صناعة القرار السیادی الأمریکی والأوروبی فیما یتعلق بالشرق الأوسط وإیران بالتحدید، حسب (ستیفن وُلت وجون میرشیمار).
وإنْ کانَ کثیرون غیرهم یعتقدون أن الأزمة النوویة بین إیران والغرب لا تعدو أن تکون إلا مظلة لمعاقبة إیران على قرارها التخلص من التبعیة للغرب، وهو قرار إتخذته إیران واستعدت حکومیا وشعبیا کما یظهر للزائر بتحمل نتائجه وهی المقاطعة الغربیة والعداء والعقوبات الإقتصادیة. یبدو أن إیران إلى حد ما قد تجاوزت تلک الصعوبات بقدرتها على التعایش معها لاقتناعها بأن الثمن باهظ جدا لمن یجرؤ أن یخترق التابوه والخطوط الحمراء وهو التخلص من التبعیة للغرب. آخر تقاریر الأمم المتحدة أفادت بأن إیران باتت تحتل المرکز السادس عشر فی مجال البحث العلمی، وبعد خمس سنوات تتطلع إیران إلى أن ترتفع إلى المرکز العاشر. هذه لیست (بروباغانده) إیرانیة ولکنها تقاریر دولیة توصف بالمحایدة. واضح ذلک من خلال الجامعات التی تزخربها مدن إیران الکبرى والصغرى على حد سواء وهی بالمئات، وواضح من نوعیة الطلبة إناثا وذکوراً والباحثین العلمیین فی الجامعات وسلوکهم الراقی وهو ما یعکس رقیَّ جامعاتهم. یلمس زائر إیران ثقة ضخمة غیر مسبوقة من القادة والأفراد فی قدراتهم وبالتحدید، قدرتهم على أن یصبحوا ربما بعد سنوات عشر من الآن وربما أقل دولة متقدمة حسب معاییر الأمم المتحدة. تُدهشُ الزائرَ بساطةُ الإیرانیین زعماء وأفراد فی الملبس والمأکل والمسکن، وزهدهم الواضح فی المظاهر.
وأما الصناعات العسکریة بریة وجویة وبحریة وتطویر الصواریخ وإطلاق أقمار إلى الفضاء الخارجی أکثر من ثلاث مرات حتى الآن فهی واضحة. ولعل إسقاط إیران مؤخرا لثلاث طائرات استطلاع أمریکیة بدون طیار، یبین القدرة الإیرانیة على أن تثبت لأمریکا أن الأجواء الإیرانیة لیست مستباحة. ومن الملفت أن أمریکا نفت فی الفترة الأخیرة وأکثر من مرة فقدانها لطائرة استطلاع، واضطرت لقبول الأمر الواقع بعد أن صور ووثق الإیرانیون الطائرة، وعرضوها تلیفزیونیا على العالم. لا شک أن العدوین المتنافسین على الخلیج العربی یجسان نبض بعضهما بمثل هذه التحرکات، لمعرفة جاهزیة کل منهما، قبل احتمال وقوع حرب بینهما کما یرجح بعض المحلللین.
نحن فی الخلیج الفارسی المشترکون مع الإیرانیین على ضفتی الخلیج منذ آلاف السنین، لا نتمنى لإیران إلا الخیر ومن المسلمات أننا نبتهج أن نرى إیران الدولة الإسلامیة قویة وصناعیة ونوویة، خاصة أن إسرائیل العدو الأول للعرب والمسلمین حققت کل ذلک بدعم الغرب وضوئه الأخضر المطلق.
بیدَ أننا نتطلع إلى إیران حکومة وقیادات دینیة وشعبیة، أنْ تثبت لنا صدق نوایاها بالتعاون معنا لخیر الخلیج الفارسی وأمنه واستقراره، وأنها فعلاً غیر طامعة فی الإضرار به من منطلق مذهبی، وأن تتطلع إلینا جمیعا على أننا شعوب عربیة مسلمة خلیجیة من نسیج إجتماعی واحد، وأن تعاملنا على هذا الأساس، وإنِ اختلفت مذاهبنا. وکذلک نحن فی الخلیج الفارسی، علینا أن نختبر رغبة إیران فی التعاون معنا صناعیا ونوویا بنیة الحفاظ على أخوتنا الإسلامیة فی مواجهة الأعداء الحقیقیین لنا جمیعاً. أعرف أن الرئیس (محمود أحمدی نجاد) قد وجه دعوة کهذه إلا أنها ظلت فی الإطار النظری ولم تتم متابعتها، وأفسدتها بعد ذلک هبوب الریاح الطائفیة على بعض مظاهر وأنواع الحراک الشعبی فی الخلیج الفارسی مع إیماننا بوجود مطالب شعبیة مشروعة. على کلا الطرفین تأسیس منتدىً سنوی إیرانی خلیجی یحضره القادة، للتباحث وجها لوجه حول کل المشاکل وسوء الفهم والتباس الرؤى والإختلافات التی ترقى أحیانا إلى الخلاف، لنجنب دولنا وخلیجنا حربا مع إیران وهو ما یحاول الغرب الزج بنا فیها. وعلیه؛ ذلک قطعاً، أفضل من تسلیم آذاننا لنظریات وتخرصات الغرب وتحریضه وشحنه لنا بقیادة أمریکا المدفوعة من مجموعات الضغط والنفوذ الصهیونیة لصالح إسرائیل، فقط لتبقى هی الأقوى بمنأىً عن المراقبة والمسائلة والمقاطعة والحصار والعقوبات، وتصییرها إلى ما یظهر للعالم أنها دولة فوق القانون.
أستاذ جامعی وکاتب قطری