٠ Persons
١٠ أغسطس ٢٠١١ - ٠٩:٣٢

دخل النظام السعودی بالفعل مرحلة افول نجمه فی العالم العربی منذ بدایة القرن الواحد والعشرین وقد افلتت بعض الشعوب العربیة من مرحلة الحقبة السعودیة خاصة فی لبنان وفلسطین والعراق ومؤخرا فی مصر والتی کانت حجر الاساس فی المد السعودی الذی هیمن على المنطقة تحت مظلات مختلفة ومتعددة منها الثقافی والاعلامی والدینی والسیاسی والاقتصادی.

مضاوی الرشید

دخل النظام السعودی بالفعل مرحلة افول نجمه فی العالم العربی منذ بدایة القرن الواحد والعشرین وقد افلتت بعض الشعوب العربیة من مرحلة الحقبة السعودیة خاصة فی لبنان وفلسطین والعراق ومؤخرا فی مصر والتی کانت حجر الاساس فی المد السعودی الذی هیمن على المنطقة تحت مظلات مختلفة ومتعددة منها الثقافی والاعلامی والدینی والسیاسی والاقتصادی. مرحلة الافول هذه دفعت النظام الى ان یولی وجهه شرقا نحو دویلات الخلیج الفارسی الصغیرة وجنوبا باتجاه الیمن فیدفع بثقله خلف مشروع جدید یختلف تماما عن مشروع مجلس التعاون الخلیجی والذی یقرب ان یصل الى عامه الثلاثین.

الحراک السعودی الحالی یحاول ان ینتشل النظام السعودی من عزلة فرضتها علیه سیاسات خارجیة مکنت الانظمة القمعیة العربیة على حساب المجتمعات وقضایاها الحیة من القضیة الفلسطینیة مرورا باحتلال العراق والموقف السعودی المعروف منه ناهیک عن الحرب على لبنان وغزة والتی جرت النظام الى مهالک الوقوف جنبا الى جنب مع المعتدی ضد المعتدى علیه. استطاعت کل هذه المواقف ان تحسر الحقبة السعودیة وتجعلها مرتبطة برجعیة لم تعرفها المنطقة العربیة فی تاریخها الماضی وبما ان الحقبة السعودیة ارتبطت بالبترودولار لم تصمد امامها سوى ارادة الشعوب ولیس النفوس الضعیفة التی دفعها العوز والحاجة والاقتصاد المتردی الى رکوب المرکب السعودی وتمجیده.

السعودیة الیوم لیس لها من الخیارات سوى الاتجاه الى الخلیج الفارسی بدوله الصغیرة والتی تهتز رعبا من تشنج واحتقان بدت ملامحه واضحة وصریحة. تستغل السعودیة الیوم هذا الخوف الحقیقی او الوهمی من اجل تثبیت هیمنتها على المشیخات الخلیجیة وخاصة تلک التی نعتقد انها تربطها بها اواصر القرابة والقبیلة والجوار والمصالح الاقتصادیة المشترکة.

فترتفع اصوات تنادی وتهتف مستنجدة بعلاقات وهمیة اسریة لتغطیة فرضیة سیاسیة تتمثل فی هیمنة واضحة وصریحة من الشقیقة الکبرى على تلک الصغرى والتی بسبب الفوبیا فیها انعدمت قدرتها على استیعاب حالة الخوف المرضیة التی قد اصابتها. ورغم ان ثلاثة من هذه الدول تتمتع بمستوى معیشی افضل بکثیر من الداخل السعودی وثروات هائلة وصنادیق سیادیة الا انها تبقى سیاسیا ضعیفة ومرتبکة غیر قادرة على تحویل القدرة الاقتصادیة الى قوى سیاسیة حقیقیة لیس لان حجمها وتعداد سکانها لا یسمح لها بذلک بل لان ترکیبتها لم تتطور لتکسب قوى بالمجتمع خلفها فالکویت وقطر والامارات تعتبر دولا اقتصادیة قویة ولکنها سیاسیا ضعیفة امام المد السعودی والذی قد یلتهمها ویبتلعها او یحولها الى ولایات سعودیة. وتتمیز دولة واحدة کالبحرین بالضعف السیاسی والاقتصادی معا لذلک لم تستطع ان تصمد امام ثورتها الشعبیة دون استحضار القوات السعودیة تحت مظلة درع الجزیرة کغطاء لتدخل سعودی سافر فی شأن محلی بحرینی. وبعد ان اعطت الولایات المتحدة الامریکیة الضوء الاخضر لهذا التدخل وقایضته بتدخلها تحت مظلة الشرعیة الدولیة والناتو والجامعة العربیة فی الشأن اللیبی نجد ان هیمنة السعودیة على البحرین قد اکتملت وتوجت بوجود آلة عسکریة سعودیة فی ازقة المنامة وقراها حیث تتم عملیة حجر وتطویق لمعظم شعب الجزیرة الصغیرة. فکانت البحرین اول غنیمة سعودیة على خلفیة انحسار تأثیرها فی الفضاء العربی الفسیح رغم انها تحاول جاهدة ان تحتل بقعة على خارطة شمال افریقیا حالیا من خلال تبنیها لثورة لیبیا وربما یکتشف ثوار لیبیا بعد فوات الاوان معنى التدخل السعودی فی شأنهم الداخلی ویدفعون ثمنا باهظا تماما کما یدفع شعب البحرین فی المرحلة الحالیة.

اما الکویت فقد بدأت بالفعل التململ من الثقل السعودی خاصة وانه دوما یدخل من باب مساندة الحکام على حساب المجتمع ومن باب اخطر بکثیر وهو باب الطائفیة البغیضة. لا تسلم ای بقعة فی العالم ان امتدت الیها الید السعودیة الخارجیة وقد بدأت تتضح ملامح التأزم والتشنج الطائفی لیس فقط بین السعودیة وشرائح من المجتمع الکویتی بل بین الکویت والبحرین بسبب تصعید الخطاب الطائفی السعودی وتفشیه فی اذاعات وقنوات اعلامیة وجرائد محلیة تخلت عن کل معطیات الوطنیة والانتماء الى الارض لتحقن المجتمعات بحقن البغضاء والاقتتال الطائفی وان کانت هذه الدول الخلیجیة قد تمکن منها داء "الفوبیا الایرانیة" الا ان الواقع یعکس ان الخطر الحقیقی یأتی من التصعید الطائفی وخاصة ان هذه الدول لم تکن یوما ما متجانسة على المستوى الشعبی بل هی بوابات خلیجیة ومرافئ اقتصادیة لها باع طویل بالاتجاه نحو البحر واقتصاده مما ادى الى موزاییک اجتماعی قبلی دینی وعرقی مختلف ومتباین لو قدر له ان یتطور لکان نمطا مشرفا من انماط العولمة البشریة وانصهار الاجناس والاعراق بدلا من ان یصهر بالقوة ویعجن بالعنف حتى یغطی تعددیة کانت فی الماضی من عوامل القوة والابداع ولیس الضعف. ستأتی مرحلة الهیمنة السعودیة مصحوبة بعنف ثقافی وحقیقی على الارض ناهیک عن عنف دینی یختزل سکان الخلیج الفارسی بمنظومات لم تصلح ولم تحتو التعددیة فی داخل الجزیرة العربیة ناهیک عن شواطئها الفسیحة والتی احتضنت فی الماضی ثقافات وابداعات اقتصادیة من صید اللؤلؤ الى السفن الشراعیة التی ابحرت الى شرق آسیا وسواحل افریقیا. اما قطر وان کانت الیوم تتصدر عملیة انتقائیة لدعم الثورات العربیة من خلال اعلامها القوی الا انها تظل تتوجس من الهیمنة السعودیة والتی ربما تکون قطر قد اجلت تفعیلها الى المستقبل لکن المواجهة قد تحدث خاصة وان السعودیة تستطیع ان تقصم ظهر قطر من خلال اللعب على وتیرة القبلیة تماماً کما حدث عندما تأزمت العلاقة مع الشقیقة الکبرى وربما ان القواعد العسکریة فی البحرین وقطر تمثل حمایة لیس من ایران، وانما من المد السعودی المرتقب تماماً کما کانت البحریة البریطانیة فی مطلع القرن العشرین تمثل ضمانة لمشیخات الخلیج الفارسی ضد المد السعودی المتکرر على المرافئ الخلیجیة. وتبقى عمان کحالة خاصة اذ انها اضعف اقتصادیاً من السعودیة لکنها تبقى سیاسیاً اقوى بکثیر خاصة وان مفهوم الدولة فیها له بعد تاریخی عمیق یرتبط بثقافة دینیة تختلف تماماً عن السعودیة وقد تنجو عمان من المد السعودی رغم ضعفها الاقتصادی بسبب ارثها الحضاری التاریخی وتطور مفهوم الدولة شعبیاً واجتماعیاً رغم انها حالیاً قد تکون فی مرحلة انتکاسة سیاسیة. سیظل ارثها القدیم جاهزاً للتفعیل عند ای خطر یهدد امنها وسیکون هذا الارث هو صمام الامان الذی سیعود الیه المجتمع عند تعرض الدولة لای هزة وستتدارک عمان الخطر القادم من الخارج والداخل تماماً کما تدارکته فی العصور القدیمة. ویبقى الیمن رغم ضعفه الاقتصادی صرحا لا یمکن ابتلاعه بالسهولة التی یعتقدها البعض فهو یشترک مع عمان فی ارث الدولة القدیمة ومفهومها وتأصلها فی مجلدات ضخمة وملفات قدیمة قدم شعبها. هذا الارث لم یکن ارث مئة او مئتین سنة بل هو مرتبط بحضارة قدیمة سبقت الاسلام ومن ثم تمت اعادة صیاغته خلال القرون الاسلامیة. ورغم ان المساعدات الاقتصادیة واستقطاب النظام السعودی لشرائح قبلیة وغیر قبلیة والتلاعب بنسیجه الدینی خلال العقود الماضیة معروف ومؤصل الا ان النظام السعودی لم یستطع حتى هذه اللحظة ان یدخل الیمن فی منظومة الولایات السعودیة المتحدة ویظل الیمن کما عمان المعادلتین العصیتین فی المخطط السعودی بترکیبة النظام السعودی الحالیة ومقاومته لای اصلاح سیاسی حقیقی فی الداخل یظل مشروع ولایاته المتحدة مشروعاً مشبوهاً یحمل فی طیاته الکثیر من المخاطر والانزلاقات وان کان هدفه الاول والاخیر حمایة عروش تدین له بالولاء والتبعیة الا ان تبعیاته الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة ستکون اکثر هدماً وسلبیة. ومنها أولا: تمزیق المجتمعات الخلیجیة الصغیرة بفتنة طائفیة خاصة وان المخطط السعودی یتمثل باجهاض ای تحرک سیاسی تحت ذریعة انه ینبثق من "الطائفة الشیعیة" تماماً کما حصل فی البحرین متجاوزاً بذلک ان الاکثریة السکانیة فی البحرین هی اکثریة شیعیة تحکمها اقلیة سنیة.

ورغم ان ولاء الشیعة فی الخلیج الفارسی لدولهم کما هو حال الشیعة بالکویت حیث انهم اثبتوا انهم من اکثر الشرائح ولاء لحکام المدینة تماماً کما هو الحال فی عمان حیث تتمتع الشریحة الشیعیة برخاء اقتصادی ومناصب مهمة ویظل ولاؤها لدولتها ولیس لعنصر خارجی وهکذا کانت وستظل کذلک. اما فی دول اخرى فسیجد المد السعودی فسحة فی ثانی المخاطر وهو الانزلاق امام التعصب القبلی واثارة نعراته من خلال طوابیر تجیشها ید النظام السعودی ضد مجتمعها والذی احتضنها منذ قدیم الزمان. فالقبلیة کالطائفیة هی اسلحة سعودیة تحرکها ید النظام وموارده الاقتصادیة وثالثاً سیکون للمد السعودی اثر خطیر وهو یتعلق بتطور المجتمع المدنی الخلیجی حیث ان دخول السعودیة على الخط سیعیده الى الوراء فیتقهقر الاصلاح فی هذه الدول تماشیاً مع الحالة السعودیة والتی لا تقبل ان تکون نشازاً فی الجزیرة العربیة بل تفضل ان تکون النمط المعتمد والقدوة السیئة. لا تخاف السعودیة من شیء اکثر من خوفها ان تتطور دول الخلیج الفارسی سیاسیاً وتنمو تجاربها فینفتح علیها باب من ابواب جهنم تصیب عدواه الداخل السعودی. ومن هذا المنطلق جند النظام السعودی نفسه لخنق مبادرات اصلاحیة سیاسیة فی دول کالکویت منذ فترة طویلة ناهیک عن دعم اکثر الشرائح رجعیة على حساب القوى الوطنیة وجعلها کطوابیر یکون ولاؤها للشقیقة الکبرى على حساب ولائها لمجتمعها وظروفه الخاصة وان فرحت الشرائح الحاکمة بالدعم السعودی الا ان ای دعم خارجی یأتی على حساب مصالح المجتمعات ولیس فی مصلحتها فی نهایة المطاف.

رمز الخبر 167176