رسول جعفریان
خبراونلاین- ترى ما الذی تعتزم الاحزاب الاسلامیة التی وصلت الى مسند القدرة خلال الثورات الاخیرة، القیام به؟ هل ستعمل على توفیر عناصر تقدم بلادها ام انها ستقع فی دوامة السلفیة التی ستقود هذه الثورات الى السقوط والفشل؟.
لقد اطلق عدد من خبراء ومحللی الشؤون السیاسیة فی العالم العربی اسم الربیع العربی على هذه النهضات الاخیرة، ویعزی هؤلاء المحللون سبب ذلک الى ان هذه النهضات وقعت فی العالم العربی الذی کان یعانی من الاستبداد وقد بدأ فی نهضة للخلاص من هذا الاستبداد.
من ناحیة اخرى، یرى فریق آخر فی تحلیله لهذه النهضات، انها صحوة اسلامیة وان تسمیتها باسم الربیع العربی غیر کافیة. فتواجد الاسلامیین فی هذه النهضات وتحقیقهم الفوز فی بعض البلدان مثل تونس ومصر هو مؤشر على ان نهضات العالم العربی هذه تعول کثیرا على الاسلامیین سواء المعتدلین منهم او المتطرفین السلفیین. ومن هذا المنطلق، تعول النهضة الجدیدة، على التکتلات الاسلامیة لکی تتمکن من ایجاد سبل حل لمشاکل ومعاناة العالم العربی، تکتلات لطالما واجهت ضغوطا على مدى عدة عقود من قبل الحکومات المؤیدة سواء للغرب او الشرق وکانت عاملا معارضا والتی باتت الیوم تتمتع بقاعدة شعبیة کبیرة.
وتشیر الادلة والمؤشرات ان نهضات العالم العربی کان منشأها المشاکل السیاسیة والاقتصادیة التی لا عد لها ولا حصر: البطالة، التخلف، المذلة امام عالم الغرب وامیرکا، الاذلال وفی نهایتها انعدام الحریات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة وتفشی الفساد، هذه امور اجبرت شعوب هذه البلدان على النهوض ضد حکوماتها، ومن هذه الناحیة، ومن وجهة نظر المحللین الذین یرون ان هذه العوامل کان لها الید الطولى فی ظهور هذه النهضات فلذا اطلقوا علیها اسم الربیع العربی.
لکن ما هی البدائل التی اختارتها شعوب هذه البلدان کنظام بدیل لانظمتها السیاسیة؟
کما تم الاشارة فی السابق، نظرا لفشل النهضات الیساریة والایدیولوجیات مثل القومیة والشیوعیة بالاضافة الى فشل الحکومات التابعة للغرب فی ادارة شؤون بلادها وازالة المشاکل التی تعانی منها، باتت الیوم تعلق آمالا على الاحزاب الاسلامیة، احزاب کانت تزعم على مدى مئة عام ادارة البلدان الاسلامیة وفقا للانموذج الدینی. فالاخوان المسلمون یعتبرون انسهم تیارا معتدلا ومتجددا والسلفیین من اتباع الحکومة السعودیة والفکر الوهابی او شبهه، هی الاحزاب الوحیدة التی تتواجد الیوم فی هذه البلدان وعلى اتم الاستعداد لتولی الحکم.
بعض من هذه الجماعات لم یکن لها من الاساس ای تواجد فی النهضات الشعبیة، لکن ونظرا لفقدان بدیل مقبول، ونظرا لاهمیة الدین الاسلامی الذی یعتبر المنقذ الوحید على مدى مئة عام، اتجه الناس الى الاخوان والسلفیین.
والان یتبادر الى الاذهان هذا السؤال ما هی مشاکل هذه الدول وما الذی ستفعله هذه الحکومات؟
یقال ان بعضا من هذه المشاکل، هی مشاکل فی البنى التحتیة والثقافیة والدینیة او فی المظاهر الدینیة وبعض آخر منها اجتماعی واقتصادی وسیاسی لها تأثیر کبیر وعمیق على الشعب. فی ظل هذه الظروف ما یتوقعه الشعب من الحکومات، هو وبالتزامن مع حل المشکل الثقافیة والدینیة، ازالة الاذلال، التصدی والوقوف بوجه القوى السلطویة ومن جهة اخرى تسویة المشاکل الاقتصادیة والسیاسیة ومنح الحریات الاجتماعیة والسیاسیة.
لکن هل باستطاعة هذه الحکومات والمجالس التی تم تشکیلها القیام بهذه الامور؟
ان القضیة لا تخرج عن اطار هذه الحالات الثلاث:
اولا: انها ستکون قادرة على حل هذه المشاکل وستستطیع الوقوف والصمود باعتبارها حکومة مقتدرة، بامکانها تلبیة مطالبات الشعوب واحتیاجاتها و فی هذه الحالة ستکون السعادة والعزة من نصیب هذه الشعوب. ان الوصول الى هذه الغایة، یتطلب خبرة، علما، تجربة، وتقدما فی مختلف المجالات الامر الذی حرمت منه غالبیة هذه البلدان وعلیها العمل على تحصیله، لکن خلال کم من الزمن؟ وحتى متى؟ وهل ستستطیع الصمود حتى ذلک الحین؟ وعشرات الاسئلة الاخرى.
ثانیا: انها ستصل تدریجیا الى ضرورة التعامل مع الدول العظمى وعلى رأسها امیرکا. فی الوقت الذی ترى فیه مصر ان باستطاعتها تسویة عدد محدود من مشاکلها من خلال المساعدات الامیرکیة البالغة ملیار دولار، من الممکن ان تعتقد الحکومة حینها ان السبیل الوحید لمواصلة حیاتها اخذ هذه الاموال، وتسویة مشاکلها و مواکبة امیرکا فی مطالباتها. حینها ما هو وجه الاختلاف بینها وبین مبارک؟ عندها سیکون الاختلاف یترافق هذه المرة مع اسم الاسلام، وستواصل تطبیعها مع اسرائیل، لکن مبارک لم یکن یاتی على ذکر للاسلام.
ثالثا: ستقوم بالوقوف بوجه الدول العظمى والصمود امامها والدخول فی تحدی کبیر، حساس ومصیری. من الممکن القول نظرا لفقدانها التخصص العلمی والتقنیة والامکانیات المادیة، ستواجه الفشل بعد مدة. وفی هذه الحالة، ستذهب الآمال التی کانت تعول على الاسلام على مدى مئة عام ستذهب هباء وسیکون على الشعوب انتظار ایدیولوجیات جدیدة تستطیع تقدیم ید العون لها.
ان نتیجة المشکلة الاساسیة لهذه الشعوب، هی الفقر، التخلف، وعجز فی المیزانیة یبلغ عشرات الملیارات ما سیسفر عنه صعوبة فی السماح لها بالوقوف على ارجلها. ان العمل على ایجاد نهضة یعتبر امرا فی غایة الاهمیة، لکن شریطة ان یؤدی الى التقدم الذی سیسد جوع الشعوب، ویرتقی بثقافتها ویراعی ترسیخ حقوقها القانونیة والانسانیة.
على سبیل المثال الهام هنا هو مصر التی تتولى فیها الاحزاب الاسلامیة الیوم جزءا من السیادة، لکنها وفی اول طریق تولیها السلطة تواجه العدید من المشاکل.
ومن ناحیة اخرى هناک عقلیة الاسلامیین واعتبارها ای الامور فی غایة الاهمیة. هل ینبغی لها الاعتقاد بضرورة العمل فقط على احیاء الشریعة الاسلامیة وفقا للنهج والنمط الوهابی الذی تنتمی الیه ام انتهاج نظرة مدبرة تسامحیة وحدیثة بهدف تطبیق الدین الاسلامی مع الظروف الراهنة من اجل تحقیق التقدم الاجتماعی والاخلاقی والانسانی؟.
یبدو انه وسط کل هذا الضجیج ، یعکف السلفیون حالیا على تشکیل هلال یمکن من خلاله التعویض عن المخاوف الوهمیة ازاء الهلال الشیعی الذی تم طرحه مسبقا، وهو امر تقوم کل من السعودیة والامارات وقطر على متابعة تحقیقه.
احتلال مصر، ولو بصورة محدودة، تولی السلطة فی مجلس الکویت، التواجد الحازم فی الحکومة السعودیة، وحتى اوضاع الیمن التی تخضع لسلطة ومطالب السعودیة، کلها تنادی وتنذر بتشکیل الهلال السلفی وما من شک انها تحاول کی تکون نقطة تقدمها مواجهة ما تعتبر انه بدعة وعلى رأس ذلک الحیلولة دون رواج الفکر الشیعی.
ان نتیجة هذه التحدیات ستکون، اضعاف التیار المعتدل الاسلامی والوقوع فی أسر وقیود السلفیین الذین سیبددون وخلال عامین او ثلاثة کل مدخرات حرکة الصحوة الاسلامیة.
فی هذه الحالة سیکون الحل هو انه وفی غضون هذه الاوضاع، وجود تجربة مقتدرة اسلامیة، من الاحزاب المعتدلة، ضمن مراعاة التدبر والمنطق وبعیدا عن الافراط والتفریط والترکیز على التقدم الاجتماعی وخلال فترة طویلة العمل على تعزیز الاسس الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة وتحسین الاوضاع الانسانیة والاسلامیة فی بلدانها. هذا العمل لن یتوصل الى نتیجة عبر الضجیج والجدل وان السبیل الوحید لتحقیقه التفکر والترکیز على التقدم والاصالة عبر انتهاج طریق التدبر والمنطق وتجنب التطرف والتفریط.