نصرة الله تاجیک
لذلک، اولا ینبغی على المفاوضین تبدیل مباحثات بغداد الى ساحة متساویة للتعامل والتعاون بین کافة الاطراف المشارکة التی تسعى من خلال اهداف واضحة ومحددة تسویة القضایا العالقة فیما بینها. عندها یجب وکخطوة اولى تغییر اسم المباحثات الى اسم مفاوضات الشرق الاوسط السباعیة. لان تشکیلة المفاوضات الراهنة تضع ایران امام مجموعة من جهة لا تتسم بالانسجام فیما بینها وحتى فی بعض الاحیان نرى ان وجهات نظرهم فیما یخص العلاقات الدولیة لا تختلف کثیرا عن ایران، ومن جهة اخرى الایحاء بان الاطراف الستة تعمل على التصدی لایران وکبحها، فی حین ان هذین الموضوعین بعیدین تماما عن الساحة المتساویة للتعامل البناء.
ان هذه المنطقة تتمتع بامکانیات، بحیث ان مشاکلها ستذهب بالعالم نحو الانجرار الى حرب اخرى فی حین ان نجاحات وتنمیة وتوسعة اقتصاد بلدانها سیسهم فی انفتاح الاقتصاد العالمی. لذلک اذا ما کانت البلدان الست المفاوضة ترمی حقا حتى ولو من خلال القاء نظرة الى الازدهار الاقتصادی والعیش الرغید وتحقیق الرفاهیة الادنى لشعوبها علیها الشد وبصدق على ید التعاون التی تمدها ایران لها الیوم. لذا ان الحد الادنى الذی یتوقعه الشعب الایرانی وکافة شعوب المنطقة من هذه المفاوضات هو ازالة شبح التهدید والعقوبات وتقدیم اقتراحات بناءة والتعاون المشترک بغرض کسب الثقة على مدى مسیرة طویلة وخطوة بخطوة لتحل محل نهج المفاوضات السابقة.
طبعا انا متفاءل بمسیرة تطورات الساحة الدولیة لان الامیرکان باتوا یعلمون ان لا امکانیة للصدارة الاحادیة التی انتهجوها حتى الیوم. اذا لم تشهد الساحة الداخلیة الروسیة احداثا خاصة فان الروس وخلال العقد المقبل سنجدهم یطالبون بحصة هامة على صعید التطورات الدولیة. الصینیون بدورهم سیتسببون بالمزید من المتاعب للامیرکان فی المستقبل. واوروبا لها مشاکلها الاقتصادیة والهیکلیة الخاصة بها. لذا نرى ان الاطراف الستة المفاوضة لا تنسجم مع بعضها وان ایران یمکنها من خلال تفاعل افضل التعامل معها. لکننی لا زلت اشکک فی اغراض الدول الغربیة فی تعاملها البناء مع ایران لذا على ایران اتخاذ قرارین استراتیجیین اثنین لا یمکن بحثهمها هنا فی هذه المقالة. یبدو ان النهج القائم فیما یخص العقوبات سیستمر واذا لم تتم مضاعفته فاننا لا نتوقع خفضه. لکن تبیین هذا الرای لا یعنی اننا نوافق استمرار الضغوط على الاقتصاد والمجتمع الایرانی وان المفاوضین الایرانیین یعلمون انه اذا ما کان الامیرکان الیوم بحاجة للتوصل لنتیجة من خلال هذه المفاوضات فهذا یعنی انهم سیقبلون ان تسویة المشاکل العالقة ینبغی توجیهها الى طریقها الاعتیادی وان نتیجة اخطاءهم لا یجب ان تدفع من حساب الشعب الایرانی.
ان السیناریو الذی اطلقه الغربیون خلال العام الاخیر وقرعهم لطبول الحرب والهجوم العسکری اسفر عنه عاملین. الاول التهدید بالموت بحیث ترضی ایران بالحمى، والثانی ایجاد شرخ فی الداخل بین الشعب وشریحة النخبة. لکن هدفهم الحقیقی هو استمرار العقوبات لاضعاف الاقتصاد الایرانی ومن البعید امتناعهم عن انتهاج هذه السیاسة. بعبارة اخرى ان نهج الغرب امام ایران هو اقرب شبها بالانموذج العراقی منه الى الانموذج اللیبی. الغرب وبقیادة امیرکا قام بتضییق حلقة خناق العقوبات على العراق حتى استطاع عام 2003 ومن خلال شن الهجوم العسکری وعدم تکبد خسائر مادیة کبیرة من اسقاط النظام العراقی. فی حین ان الجنرال شوارتسکوف القائد العام للقوات الامیرکیة فی حرب الخلیج الفارسی الاولى عام 1991 وابان فترة رئاسة بوش الاب وعقب اخراج القوات العراقیة من الکویت کان یعتزم التحرک نحو بغداد.
نرى فی النهج الجدید من المفاوضات وبالرغم على ما یبدو من اعداد ایران نفسها لاظهار تفاهم اکثر مع الغرب لکن لا ننسى ان مشاکل الغرب مع ایران لاتنحصر بالقضیة النوویة فحسب. حیث نرى ان نهج المفاوضات بین ایران والدول الست یبرهن هذه القضیة ایضا. لو ان المشکلة تتعلق بالملف النووی فقط لکانت تمت تسویتها فی اطار عمل الوکالة الدولیة حتى الیوم. هذا الحدیث لا یعنی عدم تسویة المشاکل والقضایا العالقة بین الجانبین بل هناک حاجة للالتفات والنظر بواقعیة من قبل کافة الاطراف السبع المشارکة فی هذه المفاوضات. على الغرب الاقرار بقدرات وامکانیات ایران ومنح الفرصة لایران لایفاء دور بناء لانهم لن یجدوا بلدا مناسبا للتعاون افضل من ایران. وعلى ایران ان تقبل ان اللعب على الساحة الدولیة یتطلب وضع اسالیب وتقنیات خاصة به. هذا التفاهم المبدئی سیمهد الارضیة لایجاد الثقة وتسهیل التعاملات المستقبلیة.
على الغربیین اکثر من الباقین الاعتقاد بان عملیة التطورات الاجتماعیة بشکل عام وتطویر التکنولوجیا بشکل خاص یسیران نحو النمو والتقدم ولا معنى هنا للتوقف او التراجع. على الرغم من ضرورة تقدیم ایران بشکل کامل للثقة حول سلمیة نشاطاتها النوویة وعدم انحرافها نحو الاغراض العسکریة لکن هذه الانجازات تحققت بمساعی المدراء والخبراء من خیرة ابناء هذا الوطن على مدى سنین متمادیة وقد کلفت البلاد تکالیف باهظة لذلک فان ای تراجع هنا سیتمخض عنه مشاکل سیاسیة کبیرة. لذا من البعید باستطاعة ای من المسؤولین الایرانیین او عزمه اتخاذ قرار یرمی الى الوقوف بوجه تقدم وتطور المجتمع الایرانی فی مختلف الابعاد والتی تعد التقنیة النوویة جزءا منها.
فی الحقیقة ان قضیة الطاقة النوویة من وجهة نظر الداخل والشعب الایرانی تحظى باجماع کبیر على صعید الاراء من قبل الرای العام لشعب ایران وحتى المسلمین، اکثر من باقی القضایا لکن هناک فوارق فقط فی طرح السبل. هذا الامر من جهة یعتبر ورقة رابحة بید الجانب الایرانی ومن جهة اخرى یضع حملا ثقیلا على مجموعة المفاوضین حول طاولة التفاوض وینبغی هنا الالتفات الى امرین. الاول اعادة الملف النووی الى الوکالة الدولیة للطاقة الذریة لکی یتم تسویة الموضوع فی اطاره القانونی والتقنی والتخصصی بعیدا عن اجواء التوتر السیاسی والاعلامی. ثانیا ینبغی المضی فی هذا الطریق خطوة بخطوة بحیث یتم تلبیة مطالب کافة الاطراف ولا ینبغی التوقع من ایران کخطوة اولى الانضمام الى البرتوکول الالحاقی ما دامت لم تکسب الثقة والضمان من جانب الاطراف المتفاوضة.
بالطبع اذا ما لمست ایران من الجانب المقابل حسن النیة وسیر الامور فی قنواتها الاعتیادیة وتشعر ایران ان الجانب المقابل ینظر لها على انها شریک فی حل القضایا الاقلیمیة والدولیة، على سبیل المثال اعادة الملف النووی من مجلس الامن الى الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، ووقف عملیة تشدید العقوبات وفی نهایة المطاف ازالة العقوبات التی فرضت سابقا وکسب الثقة بعدم التدخل المباشر وغیر المباشر فی شؤون ایران الداخلیة، عندها یمکن لایران ولاظهار حسن النیة الدخول فی مناقشة وبحث موضوع التوقیع على البروتوکول الالحاقی وملحقاته القانونیة فی اطار منطقة خالیة من السلاح النووی.
لذلک فان ما سیتم متابعته من خلال استمرار عملیة هذه المفاوضات السباعیة مناقشة شرق اوسط خال من الاسلحة النوویة وتدمیر الترسانة النوویة للکیان الصهیونی. ان الاستمرار فی سباق التسلح النووی فی الشرق الاوسط الذی یعد منطقة توفیر الجزء الاکبر من طاقة العالم سیسهم فی ایجاد کارثة للاجیال المقبلة. وان التوصل الى نتیجة حول هذا الموضوع سیمهد الارضیة امام ایران لقبول تعهدات والتزامات اکثر. ان هذه المفاوضات تمثل بدایة الطریق ولا ینبغی توقع حدوث امور بعیدة عن الواقع وغیر حقیقیة. انه طریق طویل ومحفوف بالمتاهات والمنعطفات وشاق. بحاجة لصبر وممارسة ومعرفة بالتطورات البیئیة من قبل کافة الاطراف المتفاوضة حتى تضع اقدامها فی مکان وطید وصلب!.
30349