عندما أعلنت الحكومة السودانية أن حريقا شب في مصنع اليرموك للذخيرة كان الأمر عاديا، ذلك أن الحريق يمكن أن يحدث لأي سبب من الأسباب، لكن عندما قالت الحكومة السودانية إن الحريق شب بسبب غارة إسرائيلية بدأ الأمر يأخذ أبعادا أخرى، وفي هذه المرحلة بدأ التساؤل، كيف وصلت الطائرات الإسرائيلية لذلك الموقع في الخرطوم؟ إذ المعروف أنه كان على هذه الطائرات أن تطير أكثر من ألف كيلومتر لتصل إلى حدود السودان و أن تطير في داخل السودان ألف كيلومتر أخرى قبل أن تصل إلى هدفها، فلماذا لم تتمكن أجهزة الرصد السودانية من اكتشاف هذه الطائرات؟ ولو افترَضنا أن أجهزة الرصد كانت غير فادرة على ذلك من الناحية التقنية، فالسؤال المهم هو كيف تزودت هذه الطائرات بالوقود وهي في طريقها إلى هذا الهدف البعيد؟ أغلب الظن أن هذه الطائرات لم تأت من إسرائيل مباشرة بل أتت من بعض الأقطار الأفريقية المجاورة، ويفسر ذلك الإعلان المفاجىء للرئيس السوداني عمر البشير بأنه يعتزم القيام بزيارة إلى دولة جنوب السودان يلتقي خلالها بالرئيس سلفا كير، و قبل أن نسترسل في هذا الأمر فإن علينا أولا أن نتأكد من أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم.
إذ الملاحظ أنه بعد الهجوم المباشر على مصنع اليرموك قال المسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية 'عاموس جلعاد' لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن السودان دولة إرهابية خطيرة، ولكنه لم يشر بصورة مباشرة إلى الهجوم الذي اتهمت به إسرائيل، وعلى الرغم من رفض: عاموس' التأكيد على أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم فقد أكد على قدرات الطيران الإسرائيلي وجدارته.
لكن الحملة التي شنتها الصحف الإسرائيلية على مصنع الذخيرة في السودان ربما يستنتج منها أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم اعتقادا منها بأن المصنع هو مصنع إيراني يصدر السلاح والذخيرة لحركة حماس لاستخدامها في الهجمات على إسرائيل. ولهذا السبب قال المحلل العسكري في صحيفة 'بديعوت أحرينوت' ألكس فيشمان إن الأهداف التي هوجمت أهداف شرعية، وذلك ما يؤكد أن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم.
ومن جانبها قالت صحيفة 'معاريف' إن هناك اعتقادا لدى جهات استخبارية بأن إسرائيل هي التي قامت بالهجوم.
أما الحكومة السودانية فقالت إنها ستتقدم بشكوى لمجلس الأمن، وهي بالطبع شكوى غير مجدية لأنه ينتظرها هناك الفيتو الأمريكي المنحاز لإسرائيل بدواع غير مبررة.
غير أن ذلك الهجوم لم يكن هو الأول الذي تقوم به الطائرات الإسرائيلية ضد السودان، إذ قامت إسرائيل بغارة استهدفت سيارة في منطقة بورتسودان نتج عنها قتيلان كذلك قامت بمهاجمة قافلة شاحنات في عام ألفين وتسعة قالت إنها كانت تحمل أسلحة وذخائر لحركة حماس.
وبالنسبة للمواقف الخارجية فقد أبدت مصر تعاطفها الكامل مع الحكومة السودانية وشجبت أي اعتداء ينال من سيادة السودان، وفي الوقت نفسه دانت الجامعة العربية هذا الهجوم ووصفته بالعمل الإرهابي.
وأما بالنسبة للموقف الإيراني فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية 'رامين مهمان' دان هذا الهجوم الإسرائيلي على مصنع اليرموك واعتبره انتهاكا لكل المعايير الدولية.
وإذا تأكد أن الغارة قامت بها إسرائيل فالسؤال المهم هو، هل كان هدف إسرائيل هو ضرب مصنع كان يصدر السلاح إلى حماس؟ وإذا كان ذلك حقيقة فلماذا لم يظهر هذا السلاح عند حماس؟
الإجابة بكل تأكيد هي أن استهداف إسرائيل للسودان ليس جديدا وليس ذلك لأنها دولة إرهابية أو لأنها تصدر السلاح لحماس، إذ المعروف أن إسرائيل وقفت من قبل مناصرة للحركة الشعبية وساعدتها حتى توصلت إلى فصل جنوب السودان، وما زالت إسرائيل تواصل محاولات تمزيق السودان وهدفها الاستراتيجي هو مصر، ذلك أنه على الرغم من الصلح القائم بين مصر وإسرائيل فإن تل أبيب لا تريد أن ترى مصر دولة قوية، وهي تعلم أن مصدر ضعف مصر يكمن في حرمانها من نصيبها من مياه النيل وذلك هدف لا يتحقق إلا إذا أقيمت جبهة عريضة معادية لمصر في دول أفريقيا والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هي تمزيق السودان.
وإذا كانت إسرائيل تقوم بهذا الدور الشرير فلماذا يسكت المجتمع الدولي عليها بل ولماذا تتخذ الولايات المتحدة سياسات لا يقرها المجتمع الدولي وقد ظهر ذلك في دراسة نشرت في موقع غوغل دون ذكر صاحبها؟.
وتتساءل هذه الدراسة أولا لماذا تهتم الولايات المتحدة بالشؤون الداخلية لإسرائيل ولماذا تنفق كل يوم عشرة ملايين دولار من أجل إسرائيل في وقت يحتاج فيه اقتصادها لهذه المبالغ، وبينما تنفق الولايات المتحدة هذه المبالغ فهي لا تهتم كثيرا بخروقات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان خاصة في معاملتها للفلسطينيين، وتتساءل الدراسة، هل تحتاج الولايات المتحدة لحماية إسرائيل من أجل أمنها الخاص، والإجابة بحسب الدراسة هي خلال الحرب الباردة كانت إسرائيل تشكل خط دفاع أول للولايات المتحدة ولكن في الوقت الحاضر فإن حماية إسرائيل في هذه المنطقة يقلل من أمن الولايات المتحدة ومصالحها..
وتتساءل الدراسة هل مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل هو بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟
تحاول إسرائيل أن تشوه سمعة الفلسطينيين بربط هؤلاء المهاجمين بالحركات الفلسطينية ولكن تأكيد القادة الفلسطينيين ونفيهم لأي علاقة لهم بالمهاجمين يؤكد غير ما ذهبت إليه إسرائيل من أجل كسب الود الأمريكي
وتتساءل الدراسة هل تؤيد الولايات المتحدة إسرائيل لأنها الديموقراطية الوحيدة في المنطقة ؟.
والإجابة هي أنه قد تكون إسرائيل من الناحية النظرية دولة ديموقراطية ولكنها في الحقيقة غير ذلك لأنها لا تتقيد بالقيم الديموقراطية وأهمها حقوق الإنسان كما تتساءل الدراسة هل تتصرف إسرائيل من ناحية دفاعها عن النفس فقط، والإجابة هي أن إسرائيل لا تدافع عن نفسها عندما تواجه الفلسطينيين لأن للفلسطينيين حقوقا يجب أن تعترف بها إسرائيل. ويبدو في ضوء ذلك أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في مواقفها من إسرائيل حتى تبقى مصالحها أكثر أمنا في هذه المنطقة.
وبالتالي يجب ألا تصمت الولايات المتحدة عندما تقوم إسرائيل بعدوان واضح كما حدث في قصف مصنع اليرموك.
' كاتب من السودان