یتصدر موضوع الملف النووی الإیرانی عناوین الصحف ونشرات الأخبار لما له من أهمیة علی الصعید الإیرانی الداخلی من جهة وتأثیراته علی مجمل واقع المنطقة والعالم عمومًا، وخصوصًا علی العدو الصهیونی الذی یتابع عن کثب مجریات المفاوضات منذ بدایاتها ولم یعدم وسیلة إلا واستخدمها لإعاقة أیة تسویة أو التوصل إلی حل لهذه القضیة التی باتت تؤرق أعینه وتقض مضاجعه لما لها من تداعیات خطیرة علی کیانه من امتلاک إیران الطاقة النوویة السلمیة وهو الذی یمتلک ترسانة نوویة کبری تعد الخامسة فی العالم من حیث ترتیب الدول المصنعة والممتلکة للرؤوس النوویة.
المحلل السیاسی والخبیر اللبنانی بالشؤون الإیرانیة الدکتور حبیب فیاض، یری انه منذ بدء التفاوض علی الملف النووی المستمر منذ سنوات والذی اقترب الیوم من نهایاته، وهذا الأمر طبیعی أن یحصل علی اکبر قدر من الاهتمام علی مستوی وسائل الإعلام والمراقبین وصحیح أن المفاوضات تتمحور حول ملف إیران النووی لکن هذا الملف یستبطن الکثیر من الأمور الغیر منظورة.
یری فیاض فی حدیث لوکالة الجمهوریة الإسلامیة للأنباء «إرنا» 'أن التوازنات الإقلیمیة متوقفة علی النتائج التی ستتمخض عن هذا الملف فضلا عن شبکة جدیدة من منظومة العلاقات الإقلیمیة والدولیة وإرساء موازین قوی جدیدة علی مستوی المنطقة وربما علی مستوی العالم، یضاف إلی ذلک مسألة مهمة جدا وهی أن کل طرف سوف یحدد مستقبله السیاسی علی ضوء نتائج هذه المفاوضات، لهذا عندما یصل المتفاوضون إلی النتیجة النهائیة سوف ینظر المراقبون هل هناک تنازلات تم تقدیمها من قبل إیران مثلا أو من قبل المعسکر الغربی وما فیها من نقاط القوة فی التفاهم لصالح کل طرف وعلی ضوء ذلک یمکن رسم معالم مستقبلیه علی مستوی موازین القوی فی المنطقة'.
یضیف فیاض إلی ذلک مسألة أخری وهی أن 'سقف المفاوضات من الناحیة الزمنیة قد تم تحدیده فی الـ24 من هذا الشهر والمراقبون یتساءلون فی ظل بعض التعقیدات الموجودة والقائمة فی خضم المفاوضات هل سیتم التمدید لجولة جدیدة من التفاوض فی حال عدم التوصل إلی اتفاق، وهذا بطبیعة الحال یعنی العودة إلی المربع الأول کل هذه الأمور تجعل المسألة النوویة لها الأولویة علی مستوی وسائل الإعلام والدوائر الدبلوماسیة والمراقبین ومراکز الدراسات'.
برأی فیاض الجو العام للتفاوض یسیر نحو الحلحلة 'إن لم یکن فی هذه الجولة من المفاوضات فعلی الأرجح فی جولات جدیدة بعدما یصار إلی تمدید المفاوضات'، مشیرًا إلی احتمال آخر بأن یکون هناک تفاهم جزئی حول النقاط التی یتم التوافق حولها وإرجاء النظر فی النقاط الخلافیة إلی جولات تفاوضیة أخری.
یری فیاض أن الجانبین لا یریدان الإطاحة بالمسار التفاوضی ویریدان التوصل بالفعل إلی تفاهم نهائی 'لکن هناک ما یمکن أن نسمیه بلعبة عض الأصابع یعنی فی ظل وجود النیة للتوصل إلی اتفاق کل طرف یحاول فی اللحظات الأخیرة الضغط علی الطرف الآخر من اجل الحصول علی اکبر قدر من المکاسب ودفع الآخر إلی تقدیم اکبر قدر ممکن من التنازلات'. وعلیه یعتقد فیاض أن التوصل إلی تفاهم مسألة وقت.
یؤکد فیاض أنه 'لا توجد عقدة جوهریة تمنع من وصول الجانبین إلی تفاهم نهائی، إن لم یکن فی هذه الجولة فمن الممکن فی جولات أخری'، السقف الزمنی برأی فیاض 'لیس مقدسا'. 'فالذین خاضوا مفاوضات علی مدی عشر سنوات یمکنهم بحسبه أن یمددوا التفاوض لعدة أیام أو أسابیع أخری.
وعن موقف العدو الصهیونی فی حال تم التوصل إلی اتفاق یشیر فیاض إلی أن الکیان الصهیونی استنفد کل ما لدیه من أوراق ضغط فی سبیل عرقلة الوصول إلی تفاهم نووی بین إیران والغرب، «إسرائیل» هی بحسب فیاض 'أکبر الخاسرین من هذه المفاوضات ولم یبق أمامها إلا اللجوء إلی الخیار العسکری وهذا بالحقیقة لیس خیارا بل هو انتحارا وعلی هذا الأساس أنا أتصور أن التفاهم النووی المرتقب سوف یکون بمثابة ضربة استراتیجیة کبری لإسرائیل التی کانت تتطلع أن تذهب هی والغرب إلی ضرب إیران ومحاصرتها وجدت نفسها وحیدة فی المیدان فی مواجهة إیران فی مقابل تفاهم غربی إیرانی حول المسألة النوویة التی حاولت إسرائیل أن تستخدمها دائما کفزاعة تثیر من خلالها الغرب ضد الإیرانیین'.
یلفت فیاض إلی أن التوصل إلی حل حول الملف النووی الإیرانی إن حصل 'لا یعنی الوصول بالعلاقات الإیرانیة الأمیرکیة إلی مرحلة التطبیع'، یقول: 'أنا أسمیه «تفاهم الضرورة» فحصر المفاوضات بالمسألة النوویة یعنی أن هناک الکثیر من العقبات والموانع التی تحول دون انتقال الطرفین إلی الملفات الأخری وعلی هذا الأساس من الممکن أن یؤدی التفاهم النووی إلی تنفیس الاحتقان القائم فی العلاقات الإیرانیة الغربیة ولکن من المستبعد أن یؤدی مثل هذا التفاهم إلی تطبیع العلاقات والتنسیق فی ملفات أخری عالقة بین إیران والغرب'.
من جهته الأستاذ الجامعی الخبیر فی الشؤون الإیرانیة والحقوقیة الدکتور طلال عتریسی یری أن أهمیة هذه المفاوضات واختلافها عما سبقها من مفاوضات أنها تأتی بعد التفاهم الأولی الذی جری قبل سنة فی 24/11/2013، وکان بمثابة إعلان نوایا بین طرفی المفاوضات، یری أن أهمیة المفاوضات الجاریة الآن أنها تأتی بعد ما یمکن أن نسمیه بدایة بناء الثقة وبدایة تجاوز مرحلة من القطیعة ومن رفع جزئی للعقوبات ومن إعلان إیران الالتزام بقضایا محددة واستعدادها لتوضیح کل ما یتعلق ببرنامجها النووی'.
یعتقد عتریسی أن 'هذا السبب أعطی الاهتمام الکبیر بهذه المفاوضات والسبب الآخر أن الاتفاق الذی حصل حول استمرار التفاوض کان یفترض أن ینتهی فی الستة أشهر الأولی من العام الماضی لکن انتهت الـ6 أشهر ولم یحصل الاتفاق ومدد إلی ستة أشهر نهائیة تنتهی بعد أیام فی 24 الشهر الحالی ولهذا السبب کل العالم مهتم ویطرح الأسئلة هل ستنتهی المهلة بعد أیام باتفاق شامل؟ ما مدی انعکاساته؟ وإذا لم یتم التوصل إلی اتفاق وما هی العواقب التی ستترتب علی ذلک؟ وهذا یفسر لماذا کل هذه الأهمیة للمفاوضات التی تجری الیوم'.
یری عتریسی انه لن یتم التوصل إلی اتفاق نهائی فی المفاوضات الجاریة حالیا خصوصا وان هذه المفاوضات طوال السنوات الماضیة أحرزت تقدما بسیطا وکان من المفترض أن تنجز التفاهمات لو کانت هناک نوایا وإرادة حقیقیة عند الطرف الغربی لا أن یبقی إلی ربع الساعة الأخیرة، ولهذا السبب أنا استبعد أن یحصل هذا الاتفاق'. معتبرًا أن تسریبات أوباما بأن 'هناک صعوبة فی انجاز الاتفاق' والبریطانیون والألمان بأن 'الأمور لا تزال معقدة'، هی إیحاءات بأنه لن یحصل توقیع اتفاق نهائی.
لکن مع ذلک یری عتریسی أن المفاوضات لن تنتهی إلی قطیعة أو إلی طریق مسدود بل 'سیتم الإعلان عن حصول بعض التقدم والتفاهم وتمدید فرص التفاوض للعام المقبل أو للأشهر المقبلة'.
یقف عتریسی إلی جانب الشعب الإیرانی فی باقتناعه أن الطرف الغربی هو الذی یعرقل المفاوضات 'لأن إیران منذ البدایة طرحت الأفکار بشکل واضح حول التعامل مع برنامجها النووی وحقها فی التخصیب ونسبته التی یمکن أن تصل إلیها وحول الاستعداد لفتح منشآتها أمام الوکالة الدولیة، والذی حصل أن الغرب ضاعف الشروط إلی حد التفتیش عن الصواریخ والمنشآت العسکریة فی وقت لم یقدم علی أیة مبادرات ایجابیة مثل رفع العقوبات، بل بالعکس فُرضت عقوبات جدیدة خلال التفاوض'.
یلمح عتریسی إلی تناغم الموقف السعودی والصهیونی حول معارضة وعرقلة التوصل إلی اتفاق حول الملف النووی الإیرانی، یقول: 'البعض سیکون سعیدا بفشل التفاوض، هناک أطراف لم تکن ترغب فی نجاح المفاوضات، فـ«إسرائیل» أعلنت مباشرة بعد التفاهم الأولی قبل سنة أن ما حصل هو «خطأ تاریخی» والمملکة السعودیة أعلنت رفضها لهذا الاتفاق وتوجهت باللوم والعتب الشدید إلی الولایات المتحدة الأمیرکیة، فی حین کان الأوروبیون یرغبون فی انجاز التفاهم لأنهم یطمعون بالسوق الإیرانی فی ظل الأزمات الاقتصادیة فی أوروبا.. الیوم یبقی الانعکاس وهو سیکون مختلف بحسب توقعات کل طرف وکل جهة'.