خبراونلاین – اذا استطاع الایرانیون خلال عقد التسعینات وفی 29 من نوفمبر/تشرین الثانی هزیمة استرالیا التی تعد احد اقمار بریطانیا والتأهل الى نهائیات کأس العالم لعام 1998 ، فان الطلبة الایرانیین وعقب عقدین من ذلک الحین وفی ذات الیوم استطاعوا اقتحام السفارة البریطانیة لیعلنوا عن سخطهم واستیاءهم ازاء السیاسات العدائیة للحکومة البریطانیة ضد ایران.

محمود عزيزي:
ان اقتحام السفارة البريطانية وما تبعه من تداعيات مثل اغلاق السفارة الايرانية في لندن و استدعاء عدد من سفراء الدول الاوروبية من طهران مرة اخرى ، احيا في الاذهان ذكريات العلاقات الثنائية التي جمعت بين البلدين خلال العقود الاخيرة.
علاقات البلدين التي تعود حسب رواية الى العهد الايلخاني، شهدت على الدوام وخلال عقود مختلفة صعودا ونزولا ، لكنها لم تصل ابدا الى حد القطيعة.
ان تواجد الاستعمار العجوز في تاريخ ايران المعاصر لم يواكبه يوما اية ذكريات حلوة. اذا ما استطاع البريطانيون وبمساعدة "مهد عليا" من قتل "امير كبير" في حديقة "فين" بمدينة كاشان ، اذا ما تغيرت حركة تحقيق العدالة الايرانية خلال ثورة الدستور وبسبب تدخل السفارة البريطانية الى حركة تحقيق الديمقراطية ، اذا لم تلعب بريطانيا دورا مؤثرا في الاطاحة بحكومة "مصدق" ، اذا لم يكن البريطانيون من اهم العوامل الرئيسية في وصول محمد رضا شاه الى السلطة و .... لكن ربما هم البريطانيون ايضا لا يتبادر الى اذهانهم انهم وخلال عدة عقود باتوا اكثر الدول كراهية بين ابناء الشعب الايراني.
"الفعل ، فعل البريطانيين" هي اشهر عبارة يتبادلها الايرانيون بشأن السلوك السياسي البريطاني. بريطانيا التي اضحت القوة الثانية على صعيد العالم خلال القرن العشرين ، تخلت عن موقعها في ايران منذ انقلاب 19 آب/اغسطس 1953 لصالح الاميركيين.
لكن الموقع الاستراتيجي لايران لم يدع بريطانيا تتخلى عن فكرة التواجد في ايران. لهذا السبب نرى ان الحكومة البريطانية وعقب الحرب المفروضة التي استمرت على مدى 8 سنوات اعترفت رسميا بزمرة المنافقين الارهابية كما انها منحت المأوى ل"سلمان رشدي" المرتد.
تلك الخلفية التاريخية وهذا النهج السياسي لم يسفرا عن تحفيز اصحاب القرار السياسي في ايران الى السعي نحو خفض او قطع العلاقات مع بريطانيا ، "هو امر لا يصب في صالح البلاد" هذه هي العبارة المشتركة للسياسيين عند الاعراب عن معارضتهم لهذا الطلب . لكن و في الجهة المقابلة كانت حشود الشعب وعلى رأسهم الطلبة الجامعيون يطالبون ب "قطع العلاقة" مع البريطانيين.
عقب الثورة الاسلامية ظلت ابواب السفارة البريطانية في ايران مغلقة حوالي 8 اعوام ، لكن وعقب تلك الفترة شهدت العلاقات تحسنا حتى عام 1999 حيث تم تعيين سفير بريطاني في ايران لاول مرة ، كما زار "جاك ستراو" عام 2001 ايران ليكون اول وزير خارجية بريطاني يزور ايران بعد الثورة.
لكن علاقات البلدين لم تبلغ ذروتها حتى شهدت افولا من جديد. فمواقف الحكومة البريطانية ازاء النشاطات ايران النووية ، اسفرت عن تجمع حشود الطلبة الجامعيين عام 2004 امام مبنى السفارة البريطانية ، في ذلك العام وايضا بسبب اعتقال 8 جنود بريطانيين بتهمة دخول المياه الاقليمية للبلاد بصورة غير مشروعة. عمل تكرر فعله مرة اخرى خلال الحكومة التاسعة باعتقال 15 من عناصر البحرية البريطانية بسبب دخول المياه الاقليمية الايرانية بصورة غير مشروعة. خلال العقود الثلاثة المنصرمة وعقب انتصار الثورة الاسلامية ، تعد السنوات الاخيرة من العقد الثالث اسوأ العهود في تاريخ علاقات البلدين. فالمطالبات بتملك "حديقة قلهك" وفي نهاية المطاف قرار قطع العلاقات مع بريطانيا تعتبر بمثابة اسوأ ايام العلاقة بين الجانبين. اضف الى ذلك عدم وجود اي سفير لايران في الوقت الحاضر في بريطانيا وبالمقابل لا يوجد سفير لبريطانيا في ايران وتتمثل العلاقات الدبلوماسية بوجود قائمين بالاعمال.
ان حكاية قطع العلاقة مع بريطانيا تم طرحها مرة خلال فترة البرلمان السابع عندما اثيرت قضية حديقة قلهك التي تمثل احد املاك السفارة البريطانية في ايران، لكن هذا الموضوع لم يصل الى نتيجة. وعقب ايام من انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2009 تم طرح هذا الموضوع مرة اخرى من قبل النائب البرلماني "محمود احمدي بيغش" احد اعضاء اللجنة البرلمانية للامن القومي الذي طالب بقطع العلاقات مع بريطانيا ، موضوع اعتبر من قبل بعض النواب ومن ضمنهم المتحدث باسم هذه اللجنة بانه راي شخصي لهذا النائب ولا يمت بصلة لموقف البرلمان.
لكن الاحداث التي اعقبت انتخابات عام 2009 واعتقال عدد من اعضاء سفارة هذا البلد خلال التظاهرات والاضطرابات التي وقعت اثر الانتخابات ، ادت وبعد عدة اشهر من المفاوضات وفي نهاية المطاف في شهر يناير/كانون الثاني عام 2010 الى توقيع 35 نائبا برلمانيا على مشروع هذا القرار وتقديمه الى الهيئة الرئاسية في البرلمان.
قطع العلاقات مع بريطانيا
استنادا لاحكام المادة الواحدة لهذا القرار ، يتوجب على الحكومة ومن تاريخ المصادقة على هذا القانون وقف كافة علاقاتها السياسية مع الحكومة البريطانية وتعليقها.
وتنص المذكرة الاولى من هذه المادة في القرار على وجوب قيام الحكومة وبالتزامن مع قطع العلاقات السياسية ، بمتابعة ملاحاقتها القضائية لكل الاضرار المادية والروحية التي لحقت بالشعب الايراني على مر العصور في المجامع الداخلية والدولية ، وتقديم تقرير للبرلمان عن نتائج هذه الاجراءات. كما تنص المذكرة الثانية من هذا القرار على ان اعادة العلاقات من جديد يجب ان تتم بموافقة البرلمان.
لكن آراء عدد من اعضاء لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية و "بعض من ملاحظات وزارة الخارجية " ادت في نهاية المطاف احالة مشروع هذا القرار المستعجل مرة اخرى الى لجنة الامن القومي حتى يتم اثر ذلك وبعد التشاور مع مسؤولي وزارة الخارجية والامن في البلاد تعيين مصيره. مشروع حسب تصريحات رئيس مجموعة الصداقة الايرانية البريطانية حظي بموافقة وزارة الامن فيما عارضته وزارة الخارجية.
القاء نظرة على تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية يظهر انهم اكثر من "قطع" العلاقة كانوا يفكرون ب"خفضها" . حتى ان آهني مساعد وزير الخارجية انتقد طرح هذا المشروع وقتها في اللجنة البرلمانية للامن القومي والسياسة الخارجية بشكل صريح.
لكن وعقب عام من ذلك، اسفر الاجراء البريطاني حول قطع العلاقات بالمصرف المركزي الايراني عن تغيير كافة المعادلات ما ادى الى طرح مشروع قرار خفض العلاقات وعلى عجلة في البرلمان وعقب خمسة ايام فقط تم المصادقة عليه من قبل نواب البرلمان الايراني.
بالطبع سبق ذلك ، بعض التصريحات المثيرة للجدل للسفير البريطاني في طهران "سيمون غيس" بشأن تمهيد الارضية لتفعيل هذا الاجراء.
من جهتها قامت بريطانيا وحسب تصريحات رئيس لجنة الامن القومي في البرلمان الايراني بارسال رسالة الى البرلمان في منتصف توقيت اتخاذ قرار خفض العلاقات دعت فيها الى التخلي عن هذه الخطوة وفي نهاية المطاف وبعد مرور عدة ايام من المصادقة على قرار خفض العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا من قبل البرلمان واجهت بريطانيا حادثة اسوأ تمثلت في اقتحام سفارتها من قبل الطلبة الجامعيين الايرانيين في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني.
اذا استطاع الايرانيون خلال عقد التسعينات وفي 29 من نوفمبر/تشرين الثاني هزيمة استراليا التي تعد احد اقمار بريطانيا والتأهل الى نهائيات كأس العالم لعام 1998 ، فان الطلبة الايرانيين وعقب عقدين من ذلك وفي ذات اليوم استطاعوا اقتحام السفارة البريطانية ليعلنوا عن سخطهم واستياءهم ازاء السياسات العدائية للحكومة البريطانية ضد ايران.
بالطبع هذا الاجراء لم يبق دون جواب وعقب يوم واحد اعلن وزير الخارجية البريطاني "ويليام هيغ" في برلمان بلاده عن اغلاق سفارة ايران ومنح الدبلوماسيين الايرانيين مهلة 48 ساعة لمغادرة الاراضي البريطانية ، في خطوة ترمي للرد على اهانة الطلبة الجامعيين الايرانيين لبلاده، ونظرا لهذه الاحداث والظروف تبدوعودة العلاقات بين البلدين الى مستوى سفير امرا مستبعدا في الوقت الراهن.

30349

رمز الخبر 181345