متین مسلم

 

 

خبراونلاین – لیس قلة اولئک الذین ساورهم هذا السؤال، هم والآخرون عقب اعادة انتخاب اوباما لتولی منصب رئاسة الولایات المتحدة الامیرکیة:  ترى ما هو موقف ایران ازاء هذا الانتخاب؟ وماهی الاوامر والنواهی بهذا الصدد؟.

ان طرح هذا السؤال والاسلئة الاخرى على غراره غالبیتها یعود الى تقییم تأثیر هذا الانتخاب على الظروف الداخلیة فی ایران والحساسیة ازاء بقاء اوباما فی البیت الابیض وتداعیات ذلک.

بالطبع لم یکن موضوع انتخابات رئاسة الجمهوریة فی الولایات المتحدة لا سیما ما حدث الاسبوع الماضی، الموضوع الوحید الذی انشغل به الرأی العام فی الداخل والسیاسة فی البلاد، بل ان هذه القضیة التی تعتبر جزءا من موضع کلی اکثر شمولا یتمثل باسم علاقات ایران وامیرکا ، استقطب بحد کاف اهتمام متابعی ساحة السیاسة الدولیة فی الخارج ایضا. موضوع لطالما کان مهما واستحوذ على الاهتمام، واعتبر مثیرا للتحدی وله انصار کثیرون بین الخبراء والسیاسیین وقد کان وسیکون . لذا ومن هذا المنطلق وفیما یفوق نطاق تحلیل الانتخابات الاخیرة فی الولایات المتحدة فی الاجواء الداخلیة وکذلک فی الخارج، نرى ان الجمیع یسعى للاجابة على سؤال اکثر اهمیة، وهو کیفیة صورة علاقة طهران – واشنطن فی المستقبل. من هنا، لا شک ان انتخاب اوباما مجددا ومن وجهة النظر العامة على العلاقة بین ایران وامیرکا امر یحظى باهمیة من الدرجة الثانیة.

وفیما یخص مناقشة اهمیة قضیة علاقة طهران – واشنطن، هناک عاملین رئیسیین اولهما الاهتمام الخاص والماضی التاریخی والمثیر للجدل فی علاقات الجانبین خلال ال 34 عاما، وثانیهما الذی حظی باهمیة اقل (اذا صح ان نقول انه لم یحظى بها ابدا) هو کیفیة مستقبل العلاقات المحتملة بین العاصمتین. لکن هل هناک امکانیة فیما یخص موضوع علاقات ایران وامیرکا فی فصل هذین العاملین؟ هل من الممکن رسم صورة حول هندسة العلاقات المستقبلیة دون الالتفات الى الماضی؟.

ان الاجابة على هذه الاسئلة والتی تبدلت الى العقدة الاساسیة فیما یخص اجراءات عملیة تطبیع علاقات ایران وامیرکا، هی على صلة بموضوع یتم النظر الیه من ای زاویة الى ساحة السیاسة الخارجیة ومن ای جهة یتم النظر الى تحقیق الاهداف التی تبتنی على تحصیل المصالح والامن القومی، حیث تعتبر هذه النظرة مختلفة ولها اوجه مختلفة ومتعددة. لکن وسواء من ای زاویة تم النظر الیها، فان ذلک یستدعی الالتزام برکن بدائی فی طرح السؤال وباستراتیجیة لای عمل سیاسی وهو ان هندسة طرح الاسئلة وبناء هیکلیة دبلوماسیة وعلاقات استراتجیة  ینبغی ان یتم من قبل اشخاص من الذین لا ینظرون الى متطلبات تشکیل ظاهرة مهمة على الساحة الدولیة بنظرة احادیة.

ان المقدرة لا تعنی ان مهندسی البنیة الاستراتیجیة علیهم قیود تفتقد للاهمیة بل، انها تأتی من منطلق ان القیود لیست التقید باطار مغلق یفتقد للمرونة والعمل على تبدیل المعادلات المعکوسة لمواضیع یمکن طرحها ومناقشتها فی الساحة الحقیقیة للعمل السیاسی بغض النظر عن ای افکار مثیرة للجدل. یکفی ان نعلم انه وخلال عقد ال 70 میلادی کانت المواضیع المثیرة للجدل بین امیرکا والصین عندما قررتا تسویة القضایا العالقة اکثر من نقاط التفاهم فیما بینهما.

هل ان الاستراتیجیین ومهندسی الدبلوماسیة الفاعلة لدیهم واجب غیر هذا؟

فی هذا الجانب من هذا المقال، لیس من المقرر، مناقشة ما کان حول العلاقة بین ایران وامیرکا وما زال قائما وکیف سیکون واصدار الاحکام بشأنه. اعتقد ان هذا یمثل بحد ذاته مشکلة اساسیة حیث ان العدید من النقاد واصحاب الرأی (من کل فئة) عندما یلقون نظرة على علاقة ایران وامیرکا السعی من خلال عدة مقالات عرض صورة بیضاء وسوداء حول علاقة الجانبین ونظرا لان وقوع ما یحدث لا ینطبق مع تحلیلهم الفکری، فانهم مضطرون للاختفاء وراء جدار افکارهم ونجدهم وبسبب عدم تغییر الظروف القائمة او عدم الافادة مما یسمونها الفرص المتاحة یقومون بتبریر ذلک لاسباب عدم الاهتمام بآرائهم.

لکننی ارى ان النقطة المهمة التی ینبغی الاهتمام بها والالتفات لها ودون مجاملات، او لا اقل النظر الیها بجدیة، هی النظر الى القیود المفروضة على الجانبین التی مصدرها الوضع القانونی والسیاسی الداخلی فی کلا الطرفین. هذه القیود عادة لا یتم الاکتراث بها وتجاهلها. بالطبع هذه الهیکلیة التی من الممکن ان تسهم فی مواجهة تطبیع العلاقات لصعوبة خاصة تعمل على تعقید الاوضاع بالنسبة للجانبین، مع اختلاف بالنسبة للظروف الحالیة ، یتمثل فی وضع انموذج ملموس من المتطلبات المستقبیلة امامهما، والذی بغض النظر عن التجربة الماضیة ونتائجها، یمکن ان یسهم فی جعل النتیجة المقبلة تتمتع بامکانیة الافادة منها. لانها تتمیز بتقدیم نظرة حقیقیة عن النظام السیاسی للجانب المقابل وهو امر ضروری للخروج من الطریق المغلق.

لماذا لا ینبغی التفکیر على غیر هذا النحو؟

من وجهة نظری، ارى ان نطاق مسؤولیة رئیس الولایات المتحدة لا سیما فی الساحة الدولیة المثیرة للتحدیات، نظرا لما تم الاشارة الیه ، لیس بذلک المقدار الذی یتم تصوره. انه لیس شخصیة مبسوطة الیدین لا یؤثر علیه مجلس الشیوخ، الکونغرس وباقی المؤسسات السیاسیة، القانونیة وحتى الاحزاب الدیمقراطیة والجمهوریة المؤثرة على رئیس الجمهوریة التی لا تمنحه القدرة على اتخاذ القرار وتضع امامه الکثیر من العراقیل. ان التجربة الماضیة وخلال الاعوام ال 50 الماضیة لا تظهر امرا مختلفا عن هذا. ان صناع هیکلیة السیاسة فی الولایات المتحدة لا سیما وعقب فترة الحرب فی فیتنام بحثوا کثیرا عن جذور الکارثة فی العدید من الامور ومن ضمنها صلاحیات رئیس الجمهوریة فی السیاسة الخارجیة وسلطته على القوات العسکریة الامیرکیة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وتوصلوا الى اجابات واضحة. لا شک ان هذا الکلام لا یعنی ان رئیس الجمهوریة الامیرکی یفتقد للقدرة على اتخاذ القرار او ان له سیاسة مختلفة. کلا، على العکس ان له صلاحیات تفوق کافة السلطات الحاکمة فی امیرکا. لکن هذه السلطة لها اطار عمل محدد.

ان ادراک هیکلیة السلطة والحکم والاشراف على المؤسسات الحاکمة فی الولایات المتحدة، لا سیما فی الاصعدة المؤثرة على بعضها البعض والتی تواجه بعضها البعض، مثل رئاسة الجمهوریة والکونغرس، فی عملیة الفن الدبلوماسی مع واشنطن عند التفاوض تحظى باهمیة بالغة بالنسبة للجانب المقابل. لذا فان توقع حدوث تحول من قبل الرئیس الامیرکی والیوم اوباما، دون الاخذ بعین الاعتبار للقیود التی تواجهه وعدم قبول، فهم وتأثیر هذه الهیکلیة الواسعة والمعقدة، لیس مجرد تبسیط لوجه القضیة وعدم الوصول الى اجابة علیها، بل انه موضوع یضع علامة استفهام على مقدرة المفاوض خلال عملیة التفاوض والافادة من النتائج المترتبة علیها. ان الجهاز الدبلوماسی الایرانی ولعدة اسباب لا یرغب الیوم او استنادا لمصالح او ای سبب کان بالتفاوض مع الولایات المتحدة والوصول الى اوجه اشتراک معها، انما هو موضوع آخر یعود الى وجهة نظر الجهات المعنیة بشؤون السیاسة الخارجیة للبلاد، لکن اذا ما کان هناک عزم فی ذلک ورغبة به فعلیه وبصورة واضحة اکثر رفع مستوى عزمه فی الساحة الدبلوماسیة والمفاوضات الشاملة والنظر الى الحقائق کما هی ولیس کما یرغب ویرجو.

ان الحوار وفی نهایة المطاف التسویة العقلانیة، المستدیمة التی تعتمد فهم الظروف التی یواجهها کلا الجانبین والمصالح الوطنیة، یتطلب النظرة الشاملة للحقائق التی لا یمکن انکارها. ینبغی قبول ان الدبلوماسیة لیست ساحة لتحقیق الآمال المستعصیة بل هی ساحة لقبول الحقائق بغرض تحصیل المصالح والامن القومی، وترى ای آمال تفوق مکانتها هذه الآمال.

رمز الخبر 183668