محمدرضا نوروزبور

 

 

خبراونلاین – دقیقا وعقب ساعات من اعلان التهدئة بین الکیان الصهیونی وغزة بوساطة مصر، التی جعلت من مرسی رجلا خارقا، اجتاح هذا البلد تحدی سیاسی.

مرسی الذی اظهر من خلال تسویة الازمة فی غزة وانهاء حرب الثمانیة ایام فیها ان باستطاعته ان یکون لاعبا اقلیمیا مؤثرا، یواجه الیوم اوضاعا تتمثل فی تجمع آلاف المصریین فی میدان التحریر ومطالبتهم بتنحی مرسی.

الشخصیات السیاسیة المعارضة لمحمد مرسی مثل عمرو موسى ومحمد البرادعی صوبت هی الاخرى فوهة انتقاداتها الیه حتى ان الاخیر وصفه رسمیا باسم "الفرعون الجدید".

لکن ما الذی تسبب فی مواجهة مرسی وخلال اقل من 24 ساعة وتبدیله من بطل السیاسة الخارجیة ورجل بامکانه انهاء حرب الثمانیة ایام على غزة الى تهدئة لصالح حماس والمقاومة ، لهکذا تحدی یزعزع شرعیته؟.

لقد قام محمد مرسی یوم الخمیس الماضی وخلال اقالة المدعی العام المصری وتعیین مدعی جدید، باصدار حکم نلمس الیوم تداعیاته من احداث ووقائع تشهدها مصر حالیا.


استنادا لهذا الحکم الذی وقعه الرئیس المصری وختم علیه، سیکون رئیس الجمهوریة المصری عملیا وحتى تشکیل البرلمان السلطة المطلقة فی البلاد وای کلمة له تعتبر حکما قانونیا لا یحق لای قاض او محکمة علیا نقضه.

وجاء فی المادة الثانیة من هذا الحکم المؤلف من ست مواد الذی کان ذریعة لتعیین طلعت ابراهیم فی منصب المدعی العام الجدید فی مصر: "الإعلانات الدستوریة والقوانین والقرارات الصادرة عن رئیس الجمهوریة منذ تولیه السلطة فی 30 یونیو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جدید تکون نهائیة ونافذة بذاتها غیر قابلة للطعن علیها بأی طریق وأمام أیة جهة". کما قضت المادة الثانیة بأنه "لا یجوز التعرض لقرارات الرئیس بوقف التنفیذ أو الإلغاء وتنقضی جمیع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أیة جهة قضائیة".

وفی المادة الثالثة عدل الرئیس قانون انتخاب النائب العام؛ بحیث "یعین النائب العام من بین أعضاء السلطة القضائیة بقرار من رئیس الجمهوریة لمدة أربع سنوات تبدأ من تاریخ شغل المنصب، ویشترط فیه الشروط العامة لتولی القضاء، وألا یقل سنه عن 40 سنة میلادیة وقت تعیینه، ویسری هذا النص على من یشغل المنصب الحالی بأثر فوری". وکان القانون السابق لا یحدد مدة لشغل منصب النائب العام.

وفی المادة الرابعة من الإعلان الدستوری الجدید، قرر الرئیس المصری استبدال "عبارة تتولى إعداد مشروع دستور جدید للبلاد فی موعد غایته 8 أشهر من تاریخ تشکیلها"، بعبارة "تتولى إعداد مشروع دستور جدید للبلاد فی موعد غایته 6 أشهر من تاریخ تشکیلها الواردة فی المادة 60 من الإعلان الدستوری الصادر فی 30 مارس 2011"، وهو ما یعنی مد فترة عمل الجمعیة التأسیسیة التی تنتهی فی 15 دیسمبر المقبل لمدة شهرین إضافیین.

ونصت المادة الخامسة على أنه "لا یجوز لأیة جهة قضائیة حل مجلس الشورى أو الجمعیة التأسیسیة لوضع مشروع الدستور".

ومنحت المادة السادسة من الإعلان الدستوری رئیس الجمهوریة الحق فی "اتخاذ الإجراءات والتدابیر الواجبة لمواجهة أی خطر یهدد ثورة 25 ینایر 2011 أو حیاة الأمة أو الوحدة الوطنیة أو سلامة الوطن أو یعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها"، وذلک على "النحو الذی ینظمه القانون".

وفی الوقت الذی اعتبر فیه معارضی مرسی ان هذا الاجراء یمثل سیره على ذات نهج واسلوب مبارک فی ادارة البلاد کما اصبح میدان التحریر خلال الیومین الماضیین من جدید ساحة للاحتجاجات العارمة، لکن یبدو ان رئیس الجمهوریة المصری وبغرض ادارة البلاد التی تواجه کل یوم شرخا وتصدعا فی اصوات المعارضین من هنا وهناک وتزداد حدتها کل یوم لا یملک سبیلا سوى انتهاج هذا السبیل والاسلوب.


مع کل هذا لا یمکن انکار ان مرسی ومن خلال اعتماد هذا القرار قام بحیلة سیاسیة لانه یمنح العمل للجمعیة التأسیسیة لکتابة الدستور التی یمثل غالبیة اعضاءها الاسلامیین والاخوان کما ان العدید من معارضی مرسی وغیر الاسلامیین قد استقالوا منها. لقد تسبب هذا الموضوع فی وضع علامة استفهام حول شرعیة هذه الجمعیة واسهم فی التأثیر على فعالیاتها فی اتمام صیاغة الدستور ، لقد ضرب مرسی عصفورین بحجر واحد من خلال هذا القرار حول الجمعیة التأسیسیة.


الاول هو انهاء کل التکهنات والشروط حول مواصلة او وقف عمل هذه الجمعیة واعلن دعمه التام لما یحدث داخل هذه الجمعیة حتى تتمکن البلاد وبعیدا عن الاجواء المثارة وباسرع وقت من حیازة دستور لها.


ومن جهة اخرى وفیما یمثل غالبیة الجمعیة اعضاء الاخوان المسلمین والاسلامیین، فانه وتبعا لذلک فان الدستور الذی سیتم صیاغته لادارة البلاد واجراء الانتخابات الرئاسیة والبرلمانیة سیکون بصورة تضمن بقاء السلطة فی ید الاخوان او تسهیل ذلک.

لقد عمل مرسی من خلال هذا على کف ایدی السلطة القضائیة فی مصر بالکامل وبغرض مواکبة مشاعر الشعب المصری له وجعل القرار الذی اتخذه قرارا ثوریا وفی سیاق مطالبات الشعب جاء فی المادة الاولى منه وجوب محاکمة رموز وقادة النظام السابق ومساءلتهم امام القضاء. مادة قانونیة من الممکن ان تفضی عن اعادة محاکمة حسنی مبارک وحتى اصدار حکم الاعدام بحقه وبحق اعوانه.

ضمان تطبیق القرار

لکن ضمان تطبیق هذا القرار له علاقة بالجیش. حیث یبدو ان مرسی وسبق وان فکر بهذا ایضا. وان القاء نظرة على احداث الاشهر الاخیرة التی شهدها الجیش المصری ومن ضمنها موت عمر سلیمان، اقالة محمد حسین طنطاوی وزیر الدفاع، اقالة سامی عنان رئیس هئیة الارکان والغاء حکم المجلس العسکری الذی یشترط شرعیة قرارات رئیس الجمهوریة بموافقة هذا المجلس، کلها على صلة بهذا القرار. حتى اذا لم یکن الامر کذلک لکن الظروف الراهنة التی تخیم على الجیش، وزارة الدفاع وقوات الامن المصریة خلال الاشهر المنصرمة بصورة لا تبعث على قلق مرسی وان الاوضاع کلها تخضع لسیطرته عملیا وان السلطة القضائیة هی التی باتت مهمشة ولا سبیل لها سوى الانصیاع الیه.


امکانیة الفساد

ان محمد مرسی ومهما کان عطوفا لکن حیازة مثل هذه الصلاحیات التی لا حد لها ولا حصر ولو بشکل مؤقت ومشروط ، حتى تشکیل البرلمان امر یمکن ان یکون مصدرا للفساد وخطیر. ان التجارب التاریخیة والانسانیة، تؤید هذا القلق والشعور بالخطر. من هنا فان من حق شعب مصر الشعور بالقلق ازاء عودة شخصیة ذات خصائص مبارک من جدید . من هذا المنطلق نجدهم یعولون الیوم على التجمع فی میدان التحریر. والان ینبغی التریث لنرى هل سیتمخض میدان التحریر عن معجزة اخرى او انه قدراته على خلق المعجزات قد انتهت. یبدو ان لا انباء عن وقوع معجزات بعد الیوم لان الوحدة التی تشکلت فی مواجهة مبارک فی هذا المیدان لیست قائمة الیوم وان العدید یعتقد وبشدة ان اجراء مرسی هذا وخلال الفترة الزمنیة الراهنة امر ضروری لاستتباب الثبات والاستقرار فی مصر.

رمز الخبر 183768