قتل العلامة محمد سعيد رمضان البوطي ليس حدثا عابرا، وإنما ينم عن المستوى الأخلاقي الذي تنزلق إليه الأمة، وعن انحطاط مرعب في آداب الاختلاف، وعن مرحلة تاريخية يحاول الجهلة المتعصبون التسيّد عليها بدل حكام ظلمة مستبدين. فعندما يتطاول الجهلة على العلماء، وعندما يسود الشهوانيون على أصاحب الفضيلة، وعندما يتعالى ضيقو الأفق على المفكرين، وعندما يحل الظلم والاستبداد والقتل كيفما اتفق فإن أجراس الخطر الأسود الداهم يجب أن تدق.
العلامة محمد سعيد رمضان البوطي شيخ جليل، وصاحب علم وفير، ولم يتوقف يوما عن توظيف علمه خدمة لأمته في طاعة الله. وبسهولة يصدر ضده قرار الحرمان الإيماني فيقتل في المسجد مع حشد كبير من مستمعيه.
هذا المسلسل الدموي سيستمر إلى حين في سوريا وغير سوريا، وسيفسد على الأمة التحول السياسي التاريخي الذي تنشده، وسيدخلها في متاهات فتنوية لا ينجو منها أحد. لا أشك أن أعداء العرب والمسلمين يدفعون باتجاه الفتن التي تشغل العرب والمسلمين بعضهم ببعض، وتستنزف طاقاتهم ومقدراتهم المادية، لكنني لا أظن أن المرتزقة لديهم الاستعداد لتفجير أنفسهم بالأطفال والنساء والمصلين طمعا في الجنة، إذ من يطمع بالمال لا يملك استعدادا للتخلي عن الحياة. الذين يفجرون أنفسهم هم من المسلمين الذين يظنون أنهم سيقيمون حكم الله في الأرض. وهذا يحمل في داخله مخاطر ستؤثر على المكانة العامة للإسلام وذلك بسبب:
1- العديد من أبناء المسلمين سينبذون الإسلام بسبب هذه الأعمال، وستزداد أعداد المسلمين الذين لا يرون في الإسلام دين السلام والعدل الأمر الذي سينتهي إلى ردة متصاعدة.
2- ستزداد صورة الإسلام تشوها على المستوى العالمي وعلى المستويين الرسمي والشعبي، وستتصاعد الحملة على الإسلام والمسلمين، وعلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. ستنتشر المواقف السلبية ضد الإسلام والمسلمين بالمزيد، وسينخفض مستوى تقبل المسلمين، وسيرتفع مستوى الحذر منهم.
3- ستتراكم الأمور في الداخل الإسلامي معززة بمواقف عالمية رسمية وشعبية حتى تنتهي إلى فتن بين الذين يقولون إنهم يحملون لواء الإسلام وبين الذين يرفضون الشريعة الإسلامية لصالح الدولة المدنية الحديثة. ولن تنتهي هذه الفتن إلا على حساب الفكرة الإسلامية ذلك لأن المرحلة التاريخية لا تحتمل ضيق الأفق والتشنج والنعصب، ولأن الطرف المسلم لا يتحلى بتاتا بمقومات القيادة وتحقيق النصر.
4- سيلحق ضرر كبير في الحركات والشخصيات الإسلامية الفكرية والوسطية بسبب ما تقوم به فئات تقول عن نفسها إسلامية وتمارس القتل والتخريب والتدمير.
الأخلاق جزء حيوي وأساسي لتحقيق النصر، وإذا كنا نريد رد الظلم بظلم، أو التصدي للانحطاط بانحطاط، وسفك الدماء بقتل الأبرياء، فالأفضل ألن نبقى على ما نحن فيه. الحق هو الذي يزحف على الباطل فيمحقه، والخير هو الذي يتغلب على الشر، والعدل يقضي على الظلم، والأخلاق السامية تهلك الأخلاق المنحطة. ويخطئ من يظن أن سوداوية العمل المسلح ستنقلنا إلى مرحلة تاريخية ينتشر فيها الضياء.
لقد ساهم الحكام العرب بظلمهم واستبدادهم وسوء صنيعهم في ظهور جماعات منظمة من المقهورين، ومنهم من ظن أن القتل شمالا ويمينا سينقل الأمة إلى حياة الإيمان. وساهم أيضا العديد من المثقفين والمفكرين في تسليم الإسلام لأناس لا يرون أبعد من أنوفهم، وذلك بابتعادهم عن فهم الإسلام ورفضهم الضمني والصريح أحيانا للقرآن الكريم. لقد حكموا على الإسلام من خلال بعض الظلاميين وتركوه لهم يفسرونه كما يشاؤون، ويصدرون ما هب ودب من الفتاوى من خلال التزوير على لسان رسول الله.
فهل يعود الحكام والمسلمون عموما إلى القرآن؟ وهل هناك في الأمة من ينزع الإسلام من أيدي الجاهلين الذين يمكن أن يستسلموا بسهولة لأقوال منسوبة زورا وبهتانا إلى رسولنا الكريم؟
دفعت أوروبا أثمانا باهظة نتيجة التفويض الإلهي الذي منحه حكام وقسيسون لأنفسهم، ونحن بالتأكيد لا نريد استنساخ التجربة الأوروبية. هناك الآن مفتون باسم الإسلام يفسدون في الأرض، وهناك أصحاب مواقع إليكترونية وقنوات فضائية من السنة والشيعة فاسقون لا هم لهم سوى بث الضغائن والأحقاد بين العرب والمسلمين من أجل إشعال الاقتتال. هؤلاء جميعا من قوم ومدرسة عبد الله بن سلول، ومن أعوان الصهيونية والاستعمار والحكام العرب الفاسدين المفسدين. التصدي لكل هؤلاء واجب إسلامي.
دکتور عبد الستار قاسم
رمز الخبر 184730