لماذا أنحرفت الأحتجاجات في العراق عن هدفها؟

ما یقارب الاسبوعین إذ نزل آلاف الشباب العراقیین الی الشوارع وهم یرومون مکافحة الفساد الموجود لدی الحکومة وإستغلال الامتیازات وانعدام تقدیم الخدمات من قبلها وانتشار البطالة ومن هذا القبیل .

خبرأونلاین- بقلم الدكتور هادي الانصاري (محلل قضایا العراق و عضو المجمع العلمي الطبي الایراني)

إلا انه یبدو ان الحقیقة لیست کذلک ! فکما أشرت في تحلیلي قبل اسبوعین وفي بدایة تلک المظاهرات ، ان امریکا وحلفائها لم یکن یخطر في بالهم أبداً ان السلطة والحکم سیصل الی الشیعة من بعد صدام ، فکانوا قد قدموا الی العراق کي یفتحوا بوابة جدیدة ضد ایران بمساعدة انصارهم في داخل العراق - الذین یطلق علیهم المرتزقة الداخلیین- وکذا عملائهم في الدول العربیة ، ومن جهة اخری یتمکنوا من نهب نفط العراق وثرواته .

إلا انه بعد سقوط صدام برزت فجأةً وفي الموقع المناسب شخصیة مثل آیة الله السیستاني في العراق حیث یتصرف بحکمة وذي نظرة مستقبلیة ولدیه وجهات نظر دقیقة جداً وهو ما یدل علی معرفة مآرب العدو ، وهذا ما بدد أحلام اعداء العراق ، حیث أکد سماحته علی اجراء انتخابات حرة تماماً ودیمقراطیة وهو ما حدث لاول مرة في تاریخ العراق بل وفي العالم العربي . عقب ذلک ومع ان أغلبیة العراق بما یقارب ال70% من الشیعة ، تشکلت اول حکومة شیعیة خلال الالف عاما الاخیرة وقد اصبح هذا الجنین غیر المرغوب به بالنسبة للامریکان والصهاینة واتباعهم في الحکومات العربیة الاقلیمیة مکلِفٌ جداً ویتعذر قبوله ! .

من بعد هذا بدأ التحالف المشؤوم بین امریکا وحلفائها الغربیین الذین انفقوا ملیارات الدولارات علی اسقاط صدام ، بممارساتهم التخریبیة بالتعاون یداً بید مع مرتزقتهم الاقلیمیین . حیث بادروا الی تنفیذ آلاف التفجیرات ونظموا أکثر من 5000 انتحار ماأدی الی سقوط آلاف الشهداء والجرحی في عراق مابعد صدام ، وعملوا علی تجنید الافکار والممارسات من اجل إضعاف وحتی إسقاط حکومة الشیعة في العراق . للاسف لابد من الاعتراف بان تلکم الممارسات التخریبیة ترکت تأثیرها بالدرجة الاولی علی تقدیم الخدمات من قبل الحکومة الی ابناء الشعب .

تنفق ملیارات الدولارات سنویا لتوفیر الامن الظاهري في العراق وهذا الامن یتأثر بأدنی المتسللین وسبب الابادة والدمار والحرائق في مناطق مختلفة من بغداد وباقي المدن التي یقطنها الشیعة . کان العراق وشعبه یواجهون لاعوام مثل هذه المشاکل والمعاناة ، حتی بات المواطن العراقي قد أقلم نفسه مع هذا الحرب والدمار واعتبرها جزءاً من حیاته الیومیة وتطبع علیها .

تاکیدات آیة الله السیستاني :

في خضم ذلک أدت بیانات وتحذیرات المرجعیة الدینیة في العراق وتاکیدات سماحة السید السیستاني علی احترام الشعوب والقوانین الدولیة الی ان یضطر الامریکان للخروج من العراق بعد ان جاؤا الی هنا لیبقوا أعواما . الامر الذي لم یکن یخطر في مخیلة الامریکان ابداً ولم یکن الشعب العراقي والمنطقة یتصورونه! إلا انه وبکل أعجوبة طرد هؤلاء المحتلون من العراق بعد ان تکبدوا مایفوق علی ال500 قتیلا . إلا ان شیخ النجف الاشرف اي آیة الله السیستاني کان یذکر دوما في کلماته وأحیاناً بیاناته انه یجب ان لایغتر الشعب العراقي ذلک لان العدو قد یتسور جدران حدود العراق الی الداخل باسماء وصور اخری ، وهذا ما حصل ایضاً .

تواجد الانتحاریین ثم طالبان ثم تهدیم حرم الامامین العسکریین علهیم السلام لاول مرة في التاریخ ، کان یحدث هذا المساس الدیني بالاماکن المقدسة کل ذلک من اجل إذکاء نار الحرب الداخلیة بین المسلمین من الشیعة والسنة . هذین المذهبین اللذان عاشا لقرونٍ متسالمین الی جانب بعضهما البعض سوی في عهد البعث الذي أثار الخلاف والفرقة بینهما ولم یفلح بالشکل الکبیر. ذلک لان الشیعة والسنة عاشوا جنبا الی جنب لقرون دون وجود ایة فوارق في الحیاة ویؤدون الصلاة في جوامع احدهما الاخر وحتی انهم تزوجوا وتناسبوا کثیراً مع بعضهما البعض !.

  في جمیع تلک التحرکات المشؤومة والمؤآمرات کانت مرجعیة النجف الواعیَة تمضي بفطنةٍ بالعراق وشعبه قدُماً الی الامام وانقذته من الغرق في الحروب الطائفیة والداخلیة . هجوم الدواعش ومذابحهم الوحشیة وفتوی القرن المصیریة لسماحة السید السیستاني وتشکیل المجامیع الشعبیة المسلحة التي عرفت بالحشد الشعبي ثم توسعت فروعها والتحاق الاف المتفانین بالجبهات عملا بفتوی مرجعهم ، کل ذلک أدی الی اندحار ظاهرة داعش المهولة وطردها الی خارج حدود العراق بذل الاعداء و عویل الدول الاقلیمیة العمیلة بعد ان خطط لها بالحقیقة لاحتلال العراق وإسقاط الحکومة الشیعیة فیه .

ومما لاشک فیه فان العدو لم یکف ابداً عن ممارساته الشریرة ولن یتغاضی عن قراره الجاد لإسقاط هذا الجنین غیر المرغوب فیه في العراق والمنطقة (اي الحکومة الشیعیة) وسسیتسلل من أیة ثغرة یتمکن منها . ان غرفة تنظیر العدو التي لم تفلح في هذه الاثناء باقناع حکومة العراق الجدیدة بالتماشي مع ممارسة الضغوط علی ایران في الحرب الاقتصادیة والقضایا الاخری أخذت تتابع اسقاط تلک الحکومة لیتسنی لها من خلال ذلک تحقیق هدفین مهمین بحجر واحد .

نواقص هیکلیة العراق الاقتصادیة :

في هذا المجال تعتبر نواقص هیکلیة العراق الاقتصادیة والضعف في الادارة وشحة الکهرباء وغیر ذلک من المستلزمات الحقیقیة لابناء الشعب وضعف الخدمات الحکومیة وعشرات النواقص الاخری ، أفضل باب لتحریض الشعب خاصة الشباب العراقي .

ان احدی الاسباب الرئیسیة لبروز الاحتجاجات المتتالیة هي وجود العیوب في الهیکلیة الاقتصادیة والضعف في الادارة . اقتصاد العراق یعتمد بشکل کبیر علی النفط والغاز وحکومة هذا البلد مصداق بارز لحکومة الامتیازات . تصدیرات الطاقة تشکل 99% من تصدیرات البلاد وان 84% من عائدات الحکومة یأتي من النفط والغاز . نصف میزانیة الحکومة مخصص لدفوعات المتقاعدین ورواتب موظفي الدولة والدعم المتنوع . وبالتالي ، القطاع الخاص بات ضعیفا وان ابناء الشعب تابعین بشکل کبیر للقطاع الحکومي في عملهم ودخلهم وینتظرون من الحکومة ان توفر لهم الخدمات باقل الاسعار .

قامت الحکومة بعدد من الاصلاحات في البلاد ؛ الا انها لیست من القسم الذي یحل بعض المشاکل ویسد ضعف الهیکلیة الاقتصادیة . مساعدات صندوق النقد الدولي والدول العربیة في الخلیج من اجل ارساء الاستقرار في العراق واعمار البلاد استطاعت تحسین بعض المشاکل الاقتصادیة الا انه لم یکن لها العمق اللازم لایجاد التغییرات الاساسیة في اقتصاد البلاد .

موارد الضعف السیاسي في العراق :

یعیش العراق حالة هشة من الناحیة السیاسیة . بالرغم من ان العراق تخلص قبل سنتین الی حد کبیر من شر مجموعة داعش من خلال دحرها الا ان ظل هذه المجموعة وتبعات المواجهة معها لا یزال یخیم علی هذا البلد . ان اعوام الحرب واستمرار الفساد والغفلة دمرت جزءا کبیرا من البنی التحتیة للبلاد ولم تتخذ خطوات اساسیة لاعمار تلکم البنی . یعاني العراق من فقدان الامن الغذائي وشحة المیاه اللازمة للزراعة والمشاکل المترتبة علی شحة السکن والمدارس والمستشفیات. من هنا لایعتبر شیئآ جدیدا موضوع عدم الثقة بعمل قسم من الحکومة. فکما في السابق ، یطالب ابناء الشعب خلال الاضطرابات الحالیة بالمکافحة الجادة للفساد ومجیئ وجوه جدیدة في الحکومة . ان ما یتجلی بشکل اوضح في الاحتجاجات الحالیة هو عمق إستیاء ویأس الشعب الذي حطم الحدود التقلیدیة للسیاسات الطائفیة في العراق .

  من بدایات هذه المظاهرات تابعت بعض القنوات الاخباریة المناوئة لحکومة العراق والمعادیة لمحور المقاومة کال(العربیة) والبي بي سي والسي ان ان بشکل جاد حرف مسار مطالیب الجماهیر ورکوب موجة الاستیاء والتظاهرات في الشوارع بشکل یمکننا القول انها اخذت زمام وتوجیه هذه الحرکة في شتی ارجاء العراق! .   

اتجاه الاحتجاجات الحالیة :

هناک وثائق کثیرة تؤید ان الاحتجاجات الحالیة قد خطط لها من الاشهر الماضیة . فعدد من الصحف المطلعة کصحیفة الاخبار افادت ان مصادر امنیة رفیعة المستوی اکدت ان مشروع البلبلة في العراق قد اکتشف بالتعاون مع عدد من دوائر الاستخبارات . وبموجبه من المقرر ان تبدأ المظاهرات باسم المطالیب الشعبیة ثم یتم استغلالها وسوقها نحو العنف وخلق الفوضی وعدم الاستقرار فی البلاد . اضافة الی ذلک قبل شهر بدأ مرکز سیبراني تابع للنظام السعودي باسم (مکافحة التطرف)والذي افتتح عام 2017 بالنشاط علی نطاق شبکات التواصل ضد حکومة العراق وکذلک ایران طبعا ، واخذ بربط المشاکل الاقتصادیة والفساد في العراق بایران . نتائج التحالیل تشیر الی ان 79% من الرسائل المبثوثة علی شبکة تویتر حول مظاهرات العراق انطلقت من رواد الشبکة السعودیون . وافادت احدی الوکالات العراقیة واستنادا الی تقریر استخباراتي ان التظاهرات الاخیرة في مدن العراق المختلفة هي مدبرة . کما ان السید قیس الخزعلي رئیس حرکة عصائب اهل الحق ذکر ایضا قبل عدة اشهر : ان عددا من التیارات السیاسیة المحلیة في العراق تخطط مع قوی اجنبیة لخلق تظاهرات عارمة تؤدي الی اسقاط الحکومة .

 للاسف بدأت تلکم التوقعات تبرز في نهایات ایلول وقبیل مراسیم الزیارة الاربعینیة في بغداد وعدد من المدن الشیعیة في جنوب العراق وجاء نداء سماحة السید السیستاني الذي یدل علی الوعي وبعد النظر وفطنته بمؤآمرات الاعداء بخداع الشعب وشباب العراق ، حیث تماشی مع المتظاهرین واعتبر مطالیبهم محقة و طلب منح الحکومة مهلة اسبوعین ، وایضا اقامة مراسیم الاربعین ، وأکد علی المظاهرات السلمیة وعدم التعدي علی بعضهم البعض والمراکز العامة وغیر ذلک ، ثم یبدؤوا بمطالیبهم من جدید من خلال مظاهرات هادئة فی الشوارع .

  نزل ابناء شیعة العراق الذین ینتظرون عاما کاملا من اجل تقدیم الخمات لزوار الحسین فی مراسیم الاربعین الملیونیة ، الی الساحة وهدؤوا الغضب السلمي في الظاهر الا انه في الحقیقة دموي وخطر .

دور الاعداء في سوق المظاهرات وتوجیهها :

  في هذه الاثناء کان الاعداء یرومون من خلال المظاهرات والنزول الی الشوارع و هذه الاحداث والتعدیات وحرق الاماکن ودوائرالمحافظین زعزعة هیکلیة الحکومة إضافة الی الحؤول دون مشارکة ملایین الزوار خاصة الایرانیین ، إذ تم وئد هذه المؤآمرة بحکمة المرجعیة الرشیدة .

المعلومات المتوفرة في هذا المجال تشیر الی وجود انقلاب واسقاط للحکومة الشیعیة في جدول اعمال اجهزة الاستخبارات وحلفاؤهم المشؤومون في العراق اي مرتزقة (العرب –الصهاینة –الغرب) . الجدیر ذکره ان آیةالله السیستاني حذر الشعب العراقي واعتبر ان البلاد حبلی باحداث خطرة ودعی ابناء الشعب الی الهدوء والتفکر وطرح مطالیبهم بالطرق السلمیة.

للاسف تحققت کافة تلک التوقعات من جدید خلال الاسبوعین الماضیین بشکل عملي و نزل الشباب بتحریض من ایادی مشبوهه حیث کانت مطالیبهم في البدایه منطقیه و نالت تایید المرجعیه و کافة عقلاء القوم کما ساندتها و تساندها اغلب الاحزاب، الا ان التحریضات علی نطاق الانترنت و الایادی المشبوهه المحلیه و الاجنبیه و دخول سیول الاموال و المواد الغذائیه بانواع کثیره بشکل باتت ساحة تحریر بغداد و کأنها منطقة في الطریق بین النجف و کربلاء خلال ایام الاربعین انک تجد ما تحتاجه من الغذاء و العصائر و حتی ثمن وقود الدرجات متوفر هناک و هذه ظاهره جدیده یتعذر بروزها دون وجود اسناد اجنبی! حیث ترکب موجة التظاهرات و المطالیب الحقه لابناء الشعب و تسوقها نحو الانحراف عن غایاتها.

فالشاب الجائع الذی یصرخ من البطالة و التضخم و غیر ذلک لا یمکنه ان یحوز علی قضایا بآلاف الدولارات . اجهزة البلاد الامنیه و بخطوة عقلائیه اصدرت اوامر ان تتواجد قوات حفظ الامن فی الشوارع دون حیازة الاسلحه القتالیة و تتعامل مع المتظاهرین بالرحمة و العطف الا ان القناصین المرتزقة الذین القي القبض علی الکثیر منهم في هذه الاوساط اعترفوا انهم مرتزقة للعرب و الصهاینه و الغرب، ان اغلب حالات القتل حصلت و تحصل بایدی هولاء الافراد و هی تزید من غضب الشباب. ان حالات القتل فی الشوارع اثناء التظاهرات الاولی جرت علی ایدي مشبوهة من البعثیین و السنة المتطرفین و اتباع الصرخی و کافة الاحزاب و المجموعات المرتزقه ثم القیت علی عاتق قوی متسللة من ایران! و الحشد الشعبي.

النقطه الجدیره بالذکر هي ان جمیع حالات الشغب هذه و المظاهرات برزت فی المدن الجنوبیه الشیعیه فی العراق و لا تلاحظ اي من المناطق السنیه في العراق و التی تعیش ظروفا من الحرمان کباقی المدن الشیعیه لا تشهد اياً من هذه الاحداث و مظاهرات الشوارع. النقطه الاخری المهمه جدا و الدقیقه و التی حصلت فی الیوم الاول من هذه المظاهرات هی اغلاق المدارس و جر الاطفال و الاحداث الابریاء و لاول مرة الی الشوارع الملتهبة، وهی حرکة مشبوهة و خطیرة جدا و کانوا یرومون من خلالها سفک دماء هولاء الاطفال الابریاء فی الشوارع لیتسنی لهم الوصول الی غایاتهم المشئومه و الخطره بشکل اقصر. لقد شاهد العالم فی الصور مناظر عن قلق اباء و امهات الاطفال و هم یذرفون الدموع، و قد انتهی هذا التصرف الخائن ایضا دون ای حادث و عاد الاطفال الی بیوتهم . الاشاره الی هذه النقطه المهمه ان کل ذلک یدل علی تخطیط دقیق من قبل الاعداء من اجل اسقاط الحکومه الشیعیه فی العراق.

الظاهره الجدیده الاخری التی شهدتها و تشهدها هذه الایام شوارع المدن الجنوبیه فی العراق هو عدم الاهتمام بتوجیهات و نداء المرجعیه العلیا، حیث جری الهجوم علی المراکز الوطنیه و العامه و دوائر المحافظین و غیرها و احرقت الاموال العامه، والاهم من ذلک الهجوم علی اشخاص مرموقین فی الحشد الشعبی الذی یتمتع بمکانة خاصه بین اوساط الشعب و احیانا قتل هولاء، کل ذلک یشیر الی ان المتظاهرین و من خلال المدسوسین من قبل الاعداء نفذوا و ینفذون عملهم حسب الخطه و بشکل دقیق و استنادا الی الاوامر المسبقه.

حسب مصادر مطلعه یخمن اعلی رقم لمشارکة الشباب فی مظاهرات ساحة التحریر ب 170 الف شخصا و قد بلغ خلال الیومین الاخرین 15 الفا. مما لا شک فیه ان ابناء شعب العراق لم و لن ینسوا تفانی و تضحیات شعب ایران و حکومتها فحسب، بل و کما قال المواطنون فی الشارع العراقي ان ذلک سجل فی التاریخ. فخلال مراسیم مسیرة الاربعین لاحظت کرارا العدید من الاشخاص و رؤساء العشائر و غیرهم من ابناء الشعب و المواکب العراقیه انهم عندما یتحدثون عن الجمهوریه الاسلامیه الایرانیه یعتبرون انفسهم مدینون للنظام الاسلامي.

ان ما یبث من الاخبار علی نطاق شبکات التواصل من الهجوم علی قنصلیة ایران فی کربلاء او النجف الاشرف او احیانا شعارات تنم عن اخراج ایران من العراق، فمن خلال معلوماتي الدقیقه لابد لی ان اقول ان الایادی المشبوهه التی تمت الاشاره الیها قد ساقت الشباب الساذج فی شغب الشوارع الی هذه الاماکن، حتی انهم کانوا یرومون الدخول الی المدارس و اماکن تدریس الحوزات العلمیه، حیث اؤکد هنا ایضا ان عدد هولاء قلیل جدا و کلهم عملاء و مرتزقون اوجهلاء لایعلمون.

للاسف لابد من الاعتراف فی هذا المجال ان هناک مسئولین حکومیین و بمستویات رفیعه و الذین لایزالون یحافظون علی علاقاتهم مع بقایا البعثیین کان لهم ضلوع فی اشعال نیران هذه الاحداث و سیقوم الشعب العراقی فی الموقع المناسب بمعاقبة هولاء الافراد و الشخصیات العمیلة جزاءا علی اعمالهم. مشارکة شباب من عوائل المعدومین او المطرودین البعثیین من الضباط و العسکریین و مجموعه تابعه للصرخیین التی یتزعمها شخص بعثی و مجرم منذ زمن صدام، فقد جمع الاف الشباب مع عقائد منحرفه عداءا للمرجعیه و ایران، و فی الوقت الحاضر هذه المجموعة المنحرفة لها ضلوع فی الکثیر من حالات الحرق و قتل الابریاء کما ان باقی المجموعات الدینیة المنحرفة و کلهم یعتبرون اعداءا لمرجعیة العراق و من مرتزقة البعث یتواجدون فی العراق بازیاء متنوعة و کلهم لعبوا دورا کبیرا فی حالات الاحراق و الاعتدائات فی الشوارع.

  ان الاعداء في فترة ما بعد صدام یعلمون جیدا و یعون دور ایران في الحفاظ علی العراق و وحدته و طرد الداعشیین من بعد المرجعیة الرشیدة . من هنا من الطبیعي فی ای حدث ان یوجهون سهامهم الی ایران الاسلامیة ذلک لانهم یرون ان وجود ایران في المنطقة یشکل عقبة کبیرة امام تحقیق اهدافهم المشئومة. النطقة الاخری الجدیرة بالذکر هی ان حالات الشغب و انعدام الامن فی العراق و اضعاف الحکومة تعد بحد ذاتها بوابة ناجحة من اجل مواجهة ایران و نظام الحکم فیها. یجب ان لایداورنا الشک في ان امن العراق و قوة حکومته له علاقه مباشرة مع امن ایران. ان تخطیط اعداء الحکومة فی العراق هو انهم یرومون بالدرجة الاولی توجیه اکبر ضربة بعدم کفاءة الشیعه في ادارة الحکومة، اضافة الی عدم حصول التعاون بین     الحکومتین العراقیة و الایرانیة، و في مثل هذه الظروف في الحقیقه یبدو لهم انهم حققوا انجازا کبیرا.

اهم اسباب و غایات تدخل الاجانب:

من اهم اسباب و غایات تدخل اللاعبین الاجانب في العراق و تسییس المظاهرات الشعبیه و رکوبها هو تسلیط الضوء علی العلاقات بین العراق و ایران. محور امریکا و الصهیونیه و الحکومات العربیه التابعه لها یحاول اضعاف العلاقات بین طهران و بغداد، الغایة الرئیسیة من هذه القضیة هو هلع هذا المحور من قوة و انسجام محور المقاومة الذي وصل الی ذروته فی الظروف الراهنه، و الذي یؤید ما نقول هو تزامن هذه المظاهرات مع المظاهرات و المطالیب الشعبیه في لبنان.

ان ردود افعال السلبیة للسید عادل عبد المهدي رئیس وزراء العراق علی بعض مطالیب امریکا غیر المشروعة یعتبر من العوامل الاخری للاضطرابات الاخیره في هذا البلد فقد طالبت امریکا باعادة النظر في اتفاقیة الاطار الستراتیجی بین العراق و امریکا من اجل اضفاء الشرعیة علی وجود ستة الاف عسکري فی خمسه قواعد امریکیة و هو ما واجه اعتراضا شدیدا من قبل السید رئیس وزراء العراق، کما عارض فخامته مطالیب امریکا في الاحترازعن تنفیذ السیاسات المفتوحه ازاء الصین و توسیع رقعة العلاقات الثنائیه مع هذا البلد، اضافة الی انه رفض ضغوط امریکا بخصوص حل الحشد الشعبي و جمع اسلحة هذه المنظمه السیاسیة و العسکریة.

ان تجمید علاقات حکومة العراق مع ایران و القبول بالحظرالامریکي و الصمت ازاء الهجوم الجوي الصهیوني علی اهداف مختلفه في العراق هو من المطالیب الاخری للبیت الابیض و التي واجهت ردود افعال سلبیة و شدیدة من قبل السید رئیس الوزراء، و لهذا السبب بالضبط صار رئیس وزراء العراق احد اهداف المؤامرة الامریکیة.

من العوامل الاخری لهذه المظاهرات و سوقها الی حالة الشغب یمکن ان یکون قدرة محور المقاومة في المنطقة! و هي النقطة التي غالبا ما تکون بعیدة عن اذهان الافراد و المحللین اذ ان محور المقاومة الیوم في ذروة وحدته و انسجامه. و هذه العبارة جرت علی لسان العدیده من الخبراء حتی لدی الدول الغربیة ایضا و بذرائع مختلفة، حیث نلاحظ انسجام محور المقاومة في المنطقة حالیا اکثر من اي زمان آخر. فالدول و المجامیع الاعضاء في محور المقاومة استطاعت الانتصار امام الحراب المشهرة.

عقب فشل السعودیة و امریکا و الکیان الصهیوني فی مواجهة محور المقاومة، الیوم جاءوا بحربة جدیدة نوعا ما حیث یحاولون خلق الشغب لدی دول محور المقاومة، و بطبیعة  الحال لم یکن طریق الکفاح هذا جدیدا بالنسبة لایران، فقد واجهته ایران في العدید من الفترات. في الظروف الراهنة اختیر العراق هدفا لاعمال الشغب و السبب في ذلک یعود لتجاوز العراق مرحلة محاربة داعش و المضي نحو الامن و الاستقرار المستدیم. و هذا الموضوع بالضبط یتعارض مع ما تریده امریکا و السعودیة و الکیان الصهیوني، و من هنا هذا المحور الغربي و العبري و العربي یتابع جر مدن العراق نحو الشغب و ایجاد اللامن و انعدام الاستقرار ، الهدف العام هو خلق الشغب في دول محور المقاومة في المنطقة.

  ان الذي یدعو الی التأثر و الاسف اکثر من غیره هو الوجود الملیوني لاتباع احد التیارات الدینیة الواسعة في العراق، و الذي لم یتبع خطا مستقیما و واضحا طوال الفترة ما بعد داعش، و کل یوم یرید فرض فکرته و نظریة و عقیدته علی کافة ابناء العراق، حیث خلق هوّة خطرة في سیاسة العراق و مسؤولیه الحکومیین. و نامل ان لایضع خطاه في الطریق غیر الصحیح، فعندها (و لات حین مندم).

  لایوجد شک في ان علی حکومة العراق تلبیة المطالیب المحقة للشعب و اتخاذ اجراء عاجل لقطع ایادي الفساد من الوزارات و الحکومة و بذل الجهود لایصال الخدمات و تحقیق جزءا من طموحات شعب العراق المضطهد.

  لحسن الحظ خلال الایام الماضیة سعت مختلف احزاب العراق و کذا مسؤولیه في اجتماعاتهم المختلفه بالتفکیر في تعدیل هیکلیة حکومة العراق علها تستطیع من خلال البدء بخدماتها و لو قلیلة تضمید جروح قلوب شعب العراق المظلوم و مرجعیته المملوء قلبها بالالم و الحزن.

ان سماحة السید السیستاني هذا الجبل الشامخ الصبور و الحلیم الصامد کان دوما ذو نظرة فطنة بعیدة المدی، لم یراقب القضایا السیاسیة للعراق و ایران فحسب بل راقب قضایا المنطقة و العالم ایضا. وعندما تقتضی الضرورة یوجه نداءا قصیرا الا انه بحر من المعانی لابناء شعب العراق و ینقذهم من الانحدار نحو الهاویة و ما شابهها.

  فقد ابدی سماحته في ندائه الاخیر تماشیه مع شعب العراق و قال: ان الاصلاح هو ضرورة لابد منها، و علی رؤساء السلطات الثلاثة اتخاذ اجراءات عملیة في هذا المجال. الا انه من ناحیة اخری اعتبر ان الاعتداء علی القوی الامنیة و المتظاهرین السلمیین و کذلک الاعتداء علی الاموال العامة هی ممارسات غیر شرعیة و غیر مقبولة. بالرغم من ان شوارع العراق في الوقت الحاضر تعیش الهدوء و انخفضت حدة الاحتجاجات الا ان ذلک لا یعنی نهایة التوتر في العراق او باقي بلدان المقاومة. ان قوة محور المقاومة و تعزیز العلاقات بین بغداد و طهران ادی الی ان تعمل الدول التي لاتمتلک قدرة المواجهة مع اعضاء محور المقاومة، علی متابعة خلق الاضطرابات الداخلیة و الشغب لدی بلدان محور المقاومة، و من السذاجة ان نتصور ان هؤلاء قد هدؤوا، بالتاکید ان وحدة ابناء العراق و مسؤولیه هی رمز الانتصار امام مثل هذه المؤامرات.

في نهایة المطاف اشیر الی ان هذه المقالة لم ولا ترید تبرءة حکومة العراق تجاه موارد الشحة و تقدیم المساعدات و الخدمات للشعب العراقي. من ناحیة اخری لديّ سؤال مهم من حکومة العراق الحالیة و کذا حکومتیه السابقتین و هو لماذا قطعت مرجعیة الشعب العراقي و قلبه النابض منذ سنین لقاءاتها و اتصالها المباشر معها؟

لماذا لا تصغي الحکومات الی نصائح و توجیهات شیخ ابناء العراق المقاوم و الصبور حیث تتمنی الکثیر من الدول الاسلامیة حیازة مثل هذه الشخصیة بین اظهرها، و تتحاشا امتعاضه؟

کنت شاهدا بنفسي قبل حوالي (9) اعوام کیف اصر سماحته علی عدم الاستفادة من القادة العسکریین الکبار فی فترة البعث في اجهزة الدولة. الا انه وللاسف لم تکن هنالک اذن صاغیة، ثم عقب ذلک شوهدت داعش و من بعدها المظاهرات في الشوارع وغیرها. و انني احذر مرة اخری، ان علی حکومة العراق ان تستفاد کمال الاستفادة من وجود هذه الجوهرة اللامعة و المرموقة و اذا ما قلت انه القلب النابض لشعب العراق و الکثیر من مناطق العالم فانني لم اقل جزافا، ذلک لانه لا فائدة من الندم.

 قبل عدة اشهر کنت استمع لحدیث احد الحریصین علی العراق الذی کان یلقیه امام جمع من الجماهیر مخاطبا قادة حکومة العراق و کان یقول: ان حربنا و جهادنا المستقبلي هو مکافحة الفساد و علینا ان نهیئ انفسنا لهذه المواجهة. قبل هذا اعتبر بعض المتحدثین ان مواجهة و مکافحة الفساد هي احدی العوامل المهمة في تحقیق اهداف شعب العراق و حکومته و من دون القبض علی عناصر الفساد و القضاء علیها لایعتبر البلد منتصرا. کان یصرح هؤلاء في کلامهم: ان علینا ان نخطوا قدما دون تزلزل في هذا المجال و علینا تحدید المسئولین الفاسدین في اي رتبة و فرع کانوا دون الالتفات الی مکانتهم السیاسیة و الاجتماعیة و احالتهم الی سلطات العدل و القضاء.

ان علاج الامراض الخطرة في المجتمع یکمن في تحدید جذورها و قلعها و لیس بالمماشات معها ذلک لان الفساد في المجتمع یؤدی الی ضیاع و تدمیر ذلک المجتمع و حکومته. العدو یتابع دوما التسلل من الثغرات الضعیفة للبلد. ان الفساد و انعدام القانون و الانتفاع من الامتیازات و عدم الاصغاء لمطالیب ابناء الشعب القانونیة هي اکبر خطر علی اي شعب و تستنزفه، اذ فجاة نشهد انهیار هذا الهیکل الاجتماعي و السیاسي و الحکومي الفاسد.

انني علی ثقة ان شعب العراق الواعي سیدفن هذه المؤامرات و خیانات الاعداء التی کان یتربص لها منذ اعوام و سنین، من خلال حیازة المرجعیة الواعیة و الیقضة و الامتثال لتوجیهاتها و حیازة مسئولین حریصین علی الشعب و البلاد.

رمز الخبر 190319

تعليقك

You are replying to: .
5 + 8 =